بازگشت

ضرورات الامامة


اذن فالامامة قاعدة من قواعد الاسلام و أصل من أصوله اتفق المسلمون علي ضرورتها و حتميتها لأن الشريعة الاسلامية مجموعة من الأحكام التي لا يمكن للفرد اقامتها دون امام يتولي تنفيذها.

فالامام يحفظ الدين و يحرس الاسلام فيصونه من المستهترين بالقيم و الأخلاق فيقيم الحدود لتصان الأنفس و الأموال و يذب عن الحرم ليتصرف الناس في معايشهم آمنين علي أنفسهم و أموالهم فيختار الأمناء الأكفاء في تقليد الولايات لتضبط الأعمال بالكفاءة و تحفظ الأموال بالأمناء فتحصن الثغور بالعدد و العدد كي لا ينتهك العدو الحرم و يسفك دماء المسلمين و المعاهدين فيجاهد الكفرة حتي يسلموا أو يدخلوا في ذمة المسلمين قياما بحق الله بظهور دينه علي الدين كله فتجبي الأموال من الفي ء و الصدقات و الخراج دون حيف أو عسف و تنفذ الأحكام و تقطع الخصومات فلا ظالم



[ صفحه 133]



يتعدي و لا مظلوم يضعف. فيقدر العطاء و استحقاق الفرد دون اسراف أو تقتير ليدفع في وقت معلوم... فيقوم الامام مشرفا بنفسه علي الأمور العامة دون الاعتماد علي ولاته و عماله فقد يخون الأمين و يغشي الناصح قال سبحانه: (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله) [1] و يقول الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته و المرأة في بيت زوجها راعية و مسؤولة عن رعيتها و الخادم في مال سيده و هو مسؤول عن رعيته. و الرجل في مال أبيه راع و مسؤول عن رعيته فكلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته.

و جاء في صحيح الترمذي من حديث عمرو بن مرة الجهني قال لمعاوية: سمعت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول: (ما من امام يغلق بابه دون ذوي الحاجات و المسكنة الا أغلق الله أبواب السماء دون خلته و حاجته و مسكنته)

[2] .

فالامام يجب أن يكون عادلا عالما سليم الحواس و الأعضاء ذا رأي سديد و شجاعة و نجدة و محتد و نسب شريف من قريش و أن الشيعة تؤمن بأن الامام يجب أن يكون أفضل الناس في ملكاته و عبقرياته و لابد فيه من العصمة و التي هي قاعدة أساسية في الامامة و هي لطف من الله يفيضها علي أكمل عباده و أفضلهم عنده و بها يمتنع من ارتكاب الآثام و الجرائم عمدا أو سهوا و قد جاء في آية التطهير قوله تعالي (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [3] ، دلالة علي العصمة التي اتصف بها أئمة أهل البيت عليهم السلام فهم معصومون من الزيغ و الرجس و الذنوب و المعاصي كذلك يدل حديث الثقلين علي ذلك بوضوح فالرسول صلي الله عليه و آله و سلم قرن بين الكتاب و عترته، و كما أن الكتاب العزيز معصوم عن الزلل و الخطأ كذلك العترة.



[ صفحه 134]



فالعصمة حصانة ذاتية يرتفع بها الانسان عن الاتضاع و يمتنع بها عن الانزلاق و الانحرافات، فهي توقظ مشاعر الانسان الكامل فلا يغفل و لا ينزلق و لا يكبو.

و يكون الامام أعلم الناس و أفضلهم في مقدراته العلمية فهو يتلقي المعارف و الأحكام الالهية و جميع المعلومات عن طريق النبي أو الامام الذي قبله أما المستجدات فيعلمها عن طريق الالهام بالقوة القدسية.

فالأئمة منذ طفولتهم تبدو عليهم علامات النجابة و قد نوهنا الي أن الامام الجواد عليه السلام كان أصغر الأئمة عليهم السلام ابن سبع سنين يأخذ عنه كبار العلماء فعلمه الهامي لا كسبي.

يقول الامام كاشف الغطاء: (و أن يكون - أي الامام - أفضل أهل زمانه في كل فضيلة و أعلمهم بكل علم لأن الفرض منه تكميل البشر و تزكية النفوس و تهذيبها بالعلم و العمل الصالح (هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلوا عليهم ءاياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة) [4] و الناقص لا يكون مكملا و الفاقد لا يكون معطيا فالامام في الكمالات دون النبي و فوق البشر) [5] .

لقد كان كلام الامام علي عليه السلام دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق..

و هذا الرأي الصريح للشيعة في علم الامام و هي تجمع علي أن تعيين الامام ليس بيد الامة و لا بيد أهل الحل... ألم يقل الصادق عليه السلام أنه أراد اسماعيل خلفا له و لكن الله أراد موسي.. و هو من نفسه...

فالانتخاب في الامامة باطل و الاختيار مستحيل... قال تعالي: (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) [6] .

و قال سبحانه: (و ربك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة



[ صفحه 135]



سبحان الله و تعالي عما يشركون) [7] .

و شأن الامامة كشأن النبوة لا رجوع فيها الي اختيار الشعب و ارادته. و قد دلت علي ذلك النصوص المتضافرة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام و حتي النبي لا يمكنه الاختيار فموسي عليه السلام اختار من أعيان قومه و وجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في ايمانهم و اخلاصهم فوقعت خيرته علي المنافقين قال الله سبحانه: (و اختار موسي قومه سبعين رجلا لميقاتنا) [8] (و اذ قلتم يا موسي لن نؤمن لك حتي نري الله جهرة فأخذتكم الصاعقة) [9] بظلمهم فموسي و هو نبي لم يحسن الاختيار... لأن الطاقات البشرية قاصرة عن ادراك الأصلح و أمر ذلك بيدالله تعالي... عالم كل شي ء و ما تخفي الأنفس، و ما يتلجلج في الصدور.

و الوحي نزل علي محمد صلي الله عليه و آله و سلم.. فكان يوم الغدير هو يوم الولاية... و في يوم الدار قال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في أميرالمؤمنين: «هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا»، و أخرج الطبراني بالاسناد الي سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان وصيي و موضع سري و خير من أترك بعدي، ينجز عدتي، و يقضي ديني علي بن أبي طالب».

و أخرج أبونعيم الحافظ عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب امام المتقين و سيد المسلمين و قائد الغر المحجلين و خاتم الوصيين، قال أنس: فجاء علي، فقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مستبشرا فاعتنقه و قال له: أنت تؤدي عني و تسمعهم صوتي و تبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي [10] .



[ صفحه 136]



و أخرج الطبراني بالاسناد الي أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: يا فاطمة. أما علمت أن الله عزوجل اطلع علي أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبيا ثم اطلع ثانية فاختار بعلك فأوحي الي فأنكحته و اتخذته وصيا. [11] .

و روي الطبراني بسنده عن أنس قال: قلنا لسلمان سل النبي صلي الله عليه و آله و سلم من وصيه؟ فقال سلمان: يا رسول الله من وصيك؟ قال: يا سلمان من كان وصي موسي؟ قال: يوشع بن نون قال: فان وصيي و وارثي يقضي ديني و ينجز و عدي علي بن أبي طالب. [12] .

و كذلك روي عن بريدة قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (لكل نبي وصي و وارث و ان عليا وصيي و وارثي) [13] .

و في امامة السبطين عليه السلام قال عليه السلام: (أنتما الامامان و لأمكما الشفاعة) [14] ، و قال عليه السلام مشيرا الي الحسين عليه السلام هذا امام ابن امام أخو امام أبو أئمة تسعة.

و لقد أوصي أميرالمؤمنين عليه السلام حينما حضرته الوفاة الي ولده الحسن عليه السلام و قال له: (يا بني أمرني رسول الله أن أوصي اليك، و أن أدفع اليك كتبي و سلاحي كما أوصي الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و دفع الي كتبه و سلاحه و أمرني أن آمرك اذا حضرك الموت أن تدفعها الي أخيك الحسين)، ثم أقبل علي الحسين فقال: (و أمرك أن تدفعها الي ابنك هذا - و أشار الي زين العابدين - ثم أخذ بيد علي بن الحسين و قال: و أمرك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن



[ صفحه 137]



تدفعها الي ابنك محمد فأقره من رسول الله و مني السلام) [15] .

و هكذا عرف الصادق جعفر بن محمد عليه السلام بامامة ابنه موسي عليه السلام منذ أن كان طفلا رضيعا...

روي الحميري عن الحسن بن ظريف عن معمر عن الرضا عن أبيه موسي بن جعفر عليه السلام قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام ذات يوم و أنا طفل خماسي اذ دخل عليه نفر من اليهود فقالوا: أنت ابن محمد نبي هذه الأمة و الحجة علي أهل الأرض؟ قال لهم: نعم. قالوا: انا نجد في التوراة أن الله تبارك و تعالي أتي ابراهيم عليه السلام و ولده الكتاب و الحكم و النبوة و جعل لهم الملك و الامامة و هكذا وجدنا ذرية الأنبياء لا تتعداهم النبوة و الخلافة و الوصية فما بالكم قد تعديكم ذلك و ثبت في غيركم و نلقاكم مستضعفين مقهورين لا يرقب فيكم ذمة نبيكم. فدمعت عينا أبي عبدالله عليه السلام ثم قال: نعم لم تزل أمناء الله مضطهدة مقهورة مقتولة بغير حق، و الظلمة غالبة، و قليل من عباد الله الشكور، قالوا: فان الأنبياء و أولادهم علموا من غير تعليم و أوتوا العلم تلقينا و كذلك ينبغي لأئمتهم و خلفائهم و أوصيائهم، فهل أوتيتم ذلك، فقال أبو عبدالله عليه السلام: ادنه يا موسي فدنوت فمسح يده علي صدري ثم قال: اللهم أيده بنصرك بحق محمد و آله.

ثم قال: سلوه عما بدا لكم. قالوا: و كيف نسأل طفلا و لا يفقه. قلت: سلوني تفقها و دعوا العنت. قالوا: أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسي بن عمران قلت: العصا و اخراجه يده من جيبه بيضاء و الجراد و القمل و الضفادع و الدم و رفع الطور و المن و السلوي آية واحدة و فلق البحر قالوا: صدقت، فما أعطي نبيكم من الآيات التي نفت الشك عن قلوب من أرسل اليه؟ قلت: آيات كثيرة أعدها ان شاء الله فاسمعوا وعوا و أفقهوا، أما أول



[ صفحه 138]



ذلك فأنتم تقرون أن الجن كانوا يسترقون السمع قبل مبعثه فمنعت من أوان رسالته بالرجوم و انفضاض النجوم و بطلان الكهنة و السحر. و من ذلك كلام الذئب يخبر بنبوته و اجماع العدو و الموالي علي صدق لهجته و صدق أمانته و عدم جهله أيام طفولته و حين أيفع و فتي و كهل لا يعرف له شكل و لا يواريه مثل. و من ذلك أن سيف بن ذي يزن حين ظفر بالحبشة وفد عليه مثل وفد قريش فيهم عبدالمطلب فسألهم عنه و وصف لهم صفته فأقروا جميعا بأن هذه الصفة في محمد صلي الله عليه و آله و سلم فقال: هذا أوان مبعثه و مستقره أرض يثرب و موته بها. و من ذلك أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة الي بيت الله الحرام لهدمه قبل مبعثه فقال عبدالمطلب: ان لهذا البيت ربا يمنعه ثم جمع أهل مكة فدعي و هذا بعدما أخبره سيف بن ذي يزن فأرسل الله تبارك و تعالي عليهم طيرا أبابيل و دفعهم عن مكة و أهلها. و من ذلك أن أباجهل عمرو بن هشام المخزومي أتاه و هو نائم خلف جدار و معه حجر يريد أن يرميه به فالتصق بكفه، و من ذلك أن أعرابيا باع ذودا له من أبي جهل فمطله بحقه فأتي قريشا فقال: اعدوا بي علي أبي الحكم فقد لوي حقي فأشاروا الي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و هو يصلي في الكعبة فقالوا: أنت و هذا الرجل فاستعد به عليه و هم يهزأون بالأعرابي فأتاه فقال له: يا عبدالله اعدني علي عمرو بن هشام فقد منعني حقي. قال: نعم فانطلق معه فدق علي أبي جهل بابه فخرج اليه متغيرا فقال: ما حاجتك. قال: أعط الأعرابي حقه. قال: نعم قالوا: انما أردنا أن نغريك بمحمد و نهزأ بالأعرابي. قال: يا هؤلاء دق بابي فخرجت اليه فقال: أعط الأعرابي حقه و فوقه مثل الفحل فاتحا فاه فكأنه يريدني فقال: أعطه حقه فلو قلت لا لابتلع رأسي فأعطيته.

و من ذلك أن قريشا أرسلت النضر بن الحارث و علقمة بن أبي معيط بيثرب الي اليهود و قالوا لهما: اذ قدمتما عليهم فاسألوهم عنه، فقالوا: صفوا



[ صفحه 139]



لنا صفته فوصفوه فقالوا: و من تبعه منكم قالوا: سفلتنا فصاح حبر منهم فقال: هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة و نجد قومه أشد الناس عداوة له. و من ذلك أن قريشا أرسلت سراقة بن جعشم حتي خرج الي المدينة في طلبه فلحق به فقال صاحبه: هذا سراقة يا نبي الله فقال: اللهم اكفنيه فساخت قوائم ظهره فناداه يا محمد خل عني بموثق أعطيكه أن لا أناصح غيرك و كل من عاداك لا أصالح فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: اللهم ان كان صادق المقال فأطلق فرسه فأطلق فوفي و ما انثني بعد ذلك.

و من ذلك أن عامر بن الطفيل و أزيد بن قيس أتيا النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال عامر لأزيد: اذا أتيناه فأنا أشاغله عنك فاعله بالسيف فلما دخلا عليه قال عامر: يا محمد خائر قال: لا حتي تقول لا اله الا الله و اني رسول الله و هو ينظر الي أزيد و أزيد لا يخبر شيئا فلما طال ذلك نهض و خرج و قال لأزيد ما كان علي وجه الأرض أخوف منك علي نفسه فتكا منك و لعمري لا أخافك بعد اليوم، فقال له أزيد: لا تعجل فاني ما هممت بما أمرتني به الا دخلت الرجال بيني و بينك حتي أبصر غيرك فأضربك.

و من ذلك أن أزيد بن قيس و النضر بن حارث اجتمعا علي أن يسألانه عن الغيوب فدخلا عليه فأقبل النبي صلي الله عليه و آله و سلم علي أزيد فقال: يا أزيد أتذكر ما جئت له يوم كذا و كذا و معك عامر بن الطفيل فأخبر بما كان فيهما فقال أزيد: و الله ما حضرني و عامرا أحد و ما أخبرك بهذا الا ملك من السماء فأنا أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له و أنك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و من ذلك أن نفرا من اليهود أتوه و قالوا لأبي الحسن جدي استاذن لنا علي ابن عمك نسأله فدخل علي عليه السلام فأعلمه فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: و ما يريدون مني فاني عبد من عبيدالله لا أعلم الا ما علمني ربي ثم قال: اذن لهم فدخلوا فقال: أتسألوني عما جئتم له أم أنبئكم؟ قالوا: نبئنا، قال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين، قالوا: نعم. قال: كان غلاما من أهل الروم ثم ملك و أتي مطلع



[ صفحه 140]



الشمس و مغربها ثم بني السد فيها، قالوا: نشهد أن هذا كذا.

و من ذلك أن وابصة بن معبد الأسدي أتاه فقال: لا أدع من البر و الاثم شيئا الا سألته عنه، فلما أتاه قال له بعض أصحابه اليك يا وابصة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: دعه، ادن يا وابصة فدنوت فقال: أتسأل عما جئت له أو أخبرك قال: أخبرني، قال: جئت تسأل عن البر و الاثم قال: نعم، فضرب بيده علي صدره ثم قال: يا وابصة البر ما اطمأنت به الصدور، و الاثم ما تردد في الصدر و جال في القلب و ان أفتاك الناس و أفتوك.

و من ذلك أنه أتاه وفد عبدالقيس فدخلوا عليه فلما أدركوا حاجتهم عنده قال ائتوني بتمر أهلكم مما معكم فأتاه كل رجل منهم بنوع منه فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم هذا يسمي كذا و هذا يسمي كذا فقالوا: أنت أعلم بتمر أرضنا، فوصف لهم أرضهم فقالوا: أدخلتها؟ قال: لا ولكن فسح لي فنظرت اليها فقام رجل منهم فقال: يا رسول الله هذا خالي و به خبل فأخذ بردائه فقال: اخرج عدو الله ثلاثا، ثم أرسله فبري ء و أتوه بشاة هرمة فأخذ بأحد أذنيها بأصابعه فصار له مثلة ثم قال: خذوه فان هذه السمة في آذان ما تلد الي يوم القيامة و هي توالد و تلك في آذانها معروفة غير مجهولة.

و من ذلك أنه كان علي سفر فمر علي بعير قد أعيي و قام منزلا علي أصحابه فدعا بماء فتمضمض منه في اناء و توضأ و قال: افتح فاه وصب في فيه فمر ذلك الماء علي رأسه و حاركه ثم قال: اللهم احمل خلادا و عامرا و رفيقهما و هما صاحبي الجمل فركبوه و أنه ليحضر بهم أمام الخيل.

و من ذلك أن ناقة لبعض أصحابه ضلت في سفر فقال صاحبها: لو كان نبيا لعلم أين الناقة فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: ان الغيب لا يعلمه الا الله انطلق يا فلان فان ناقتك بموضع كذا و كذا و قد تعلق زمامها بشجرة فوجدها كما قال.



[ صفحه 141]



و من ذلك أنه مر علي بعير ساقط فتبصبص له فقالوا: انه ليشكو شر ولاية أهله و سأله أن يخرج عنهم فسأل عن صاحبه فأتاه فقال: بعه و أخرجه عنك فأناخ البعير يرغو ثم نهض و تبع النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يسألني أن أتولي أمره فباعه من علي عليه السلام فلم يزل عنده الي أيام صفين.

و من ذلك أنه دعا علي مضر فقال: اللهم اشدد وطأك علي مضر و اجعلها عليهم كسنين يوسف فأصابهم سنون فأتاه رجل فقال: فوالله ما أتيتك حتي لا يخطر لنا مخل و لا يزدد منا رابح فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اللهم دعوتك فأجبتني و سألتك فأعطيتني، اللهم فاسقنا غيثا مغيثا مريئا سريعا سجالا عاجلا غير زائب، نافعا غير ضار فما قام حتي ملأ كل شي ء و دام عليه جمعة فأتوه فقالوا: يا رسول الله انه انقطعت سبلنا و أسواقنا فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: حوالينا لا علينا فانجابت السحابة عن المدينة فصار قيما حولها و امطروا شهرا.

و من ذلك أنه توجه الي الشام قبل بعثته مع نفر من قريش فلما كان بحيال بحيرا الراهب نزلوا بفناء ديره و كان عالما بالكتب و قد كان قرأ في التوراة مرور النبي صلي الله عليه و آله و سلم به و عرف أوان ذلك فأمر فدعي الي طعامه فأقبل يطلب الصفة في القوم فلم يجدها فقال: هل بقي من رجالكم أحد؟ قالوا: غلام يتيم قال: فقام بحيراء الراهب فاطلع فاذا هو برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نائم و قد أظلته سحابة فقال للقوم: ادعوا هذا اليتيم ففعلوا و بحيراء مشرف عليه و هو يسير و السحابة قد أظلته، فأخبر القوم بشأنه و أنه سيبعث فيهم رسولا و يكون من حاله و أمره، فكان القوم بعد ذلك يهابونه و يجلونه، فلما قدموا أخبروا قريشا بذلك و كان عند خديجة بنت خويلد، فرغبت في تزويجه و هي سيدة نساء قريش و قد خطبها كل صنديد و رئيس قد أبتهم، فزوجته نفسها للذي بلغها من خبر بحيراء.

و من ذلك أنه كان بمكة أيام ألب عليه قومه و عشائره فأمر عليا أن يأمر خديجة أن تتخذ له طعاما ففعلت ثم أمره أن يدعو له أقرباءه من بني عبدالمطلب فدعا أربعين رجلا فقال لهم: طعاما يا علي فأتي بثريدة و طعام



[ صفحه 142]



تأكله الثلاثة و الأربعة فقدمه اليهم و قال: كلوا و سموا، فسميا و لم يسم القوم فأكلوا و صدروا و شبعوا فقال أبوجهل: جاء ما سحركم محمد يطعم من طعام ثلاث رجال أربعين رجلا هذا و الله هو السحر الذي لا بعده، فقال له علي عليه السلام: ثم أمرني بعد أيام فاتخذت له مثله و دعوتهم بأعيانهم فطمعوا و صدروا.

و من ذلك أن علي بن أبي طالب قال: دخلت السوق فابتعت لحما بدرهم و ذرة بدرهم فأتيت به فاطمة عليهم السلام حتي اذا فرغت من الخبز و الطبخ قالت: لو أتيت أبي فدعوته فأتيته و هو مضطجع و هو يقول: أعوذ بالله من الجوع ضجيعا فقلت له: يا رسول الله عندنا طعام، فقام و اتكأ علي و مضينا نحو فاطمة عليهم السلام فلما دخلنا قال: هلم طعامك يا فاطمة فقدمت الرمة و الفرص فغطي القرص و قال: اللهم بارك لنا في طعامنا ثم قال: اغرفي لعائشة فغرفت ثم قال: اغرفي لأم سلمة فغرفت فما زالت تغرف حتي وجهت الي نسائه التسع قرصة قرصة و مرق، ثم قال: اغرفي لابنيك و بعلك، ثم قال: اغرفي و كلي و اهدي لجاراتك ففعلت و بقي عندهم أياما يأكلون.

و من ذلك أن امرأة عبدالله بن مسلم أتته بشاة مسمومة و مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم بشر بن براء العازب فتناول النبي صلي الله عليه و آله و سلم الذراع و تناول بشر الكراع فأما النبي صلي الله عليه و آله و سلم فلاكها و لفظها و قال: انها مسمومة و أما بشر فلاك المضغة، و ابتلعها فمات فأرسل اليها فأقرت و قال: ما حملك علي ما فعلت قالت: قتلت زوجي و أشراف قومي فقلت: ان كان ملكا قتلته و ان كان نبيا فسيطلعه الله تبارك و تعالي علي ذلك.

و من ذلك أن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: رأيت الناس يوم الخندق يحفرون و هم خماص و رأيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم يحفر و بطنه خميص فأتيت أهلي فأخبرتها فقالت: ما عندنا الا هذه الشاة و محرز من ذرة قال: فاخبزي و ذبح الشاة و طبخوا شقها و شووا الباقي حتي اذا أدرك أتي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا



[ صفحه 143]



رسول الله اتخذت طعاما فائتني أنت و من أحببت، فشبك أصابعه في يده ثم نادي، ألا ان جابرا يدعوكم الي طعامه، فأتي أهله مذعورا خجلا فقال لها: هي الفضيحة، قد حفل بهم أجمعين، فقالت: أنت دعوتهم أم هو؟ قال: هو قالت: فهو أعلم بهم، فلما رآنا أمر بالأنطاع فبسطت علي الشوارع و أمره بأن يجمع التواري (يعني قصاعا كانت من خشب) و الجفان ثم قال: ما عندكم من طعام؟ فأعلمته فقال: غطوا السدامة و البرمة و التنور و اغرفوا و اخرجوا الخبز و اللحم و غطوا. فما زالوا يغرفون و ينقلون و لا يرونه ينقص شيئا حتي شبع القوم و هم ثلاثة آلاف ثم أكل جابر و أهله و أهدوا و بقي عندهم أياما.

و من ذلك أن سعد بن عبادة أتاه عشية و هو صائم فدعي الي طعامه و دعا معه علي بن أبي طالب عليه السلام فلما أكلوا قال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: نبي و وصي يا سعد، أكل طعامك الأبرار و أفطر عنه الصائمون وصلت عليكم الملائكة، فحمله سعد علي حمار قطوف و ألقي عليه قطيفه فرجع الحمار و أنه لهملاج ما يساير.

و من ذلك أنه أقبل علي الحديبية و في الطريق ماء يخرج من و شل بقدر ما يروي الراكب و الراكبين فقال: من سبقنا الي الماء فلا يستقين منه، فلما انتهي اليه دعا بقدح فتمضمض فيه ثم صبه في الماء ففاض الماء فشربوا و ملأوا أدواتهم و حياضهم فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم لأن بقيتم أو بقي منكم ليسقين بهذا الوادي يسقي ما بين يديه من كثرة مائه فوجدوا ذلك كما قال.

و من ذلك أخباره عن الغيوب و بما كان و ما يكون فوجد ذلك موافقا لما يقول.

و من ذلك أنه أخبر صبيحة الليلة التي أسري به بما رأي في سفره فأنكر ذلك بعض و صدقه بعض فأخبرهم بما رأي من المارة و المحتارة و هيأتهم و منازلهم و ما معهم من الأمتعة و أنه رأي عيرا أمامها بعير أورق و أنه يطلع يوم كذا من العقبة مع طلوع الشمس، فغدوا يطلبون تكذيبه للوقت الذي وقت



[ صفحه 144]



لهم فلما كانوا هناك طلعت الشمس فقال بعضهم كذب الساحر و أبصر آخرون بالعير و قد أقبلت يقدمها الأورق فقالوا صدق هذه نعم قد أقبلت.

و من ذلك أنه أقبل من تبوك فجهدوا عطشا و بادر الناس اليه يقولون: الماء الماء يا رسول الله فقال لأبي هريرة: هل معك من الماء شي ء فقال: كقدر قدح في ميضأتي فقال: هلم ميضأتك نصب ما فيه في قدح و دعا و أعاده و قال: ناد من أراد الماء فأقبلوا يقولون: الماء يا رسول الله فما زال يسكب و أبوهريرة يسقي حتي تروي القوم أجمعون و ملأوا ما معهم ثم قال لأبي هريرة: أشرب فقال: آخركم شربا، فشرب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و شرب.

و من ذلك أن أخت عبدالله بن رواحة الأنصاري مرت به أيام حفرهم الخندق فقال لها: الي أين تريدين؟ قالت: الي عبدالله بهذه التمرات، فقال: هاتيهن فنثرت في كفه ثم دعا بالأنطاع و فرقها عليها، و غطتها بالأزر، و قام فصلي ففاض التمر علي الأنطاع ثم نادي هلموا و كلوا، فأكلوا و شبعوا و حملوا معهم و دفع ما بقي اليها.

و من ذلك أنه كان في سفر فأجهدوا جوعا فقال: من كان معه زاد فليأتنا. فأتاه نفر منهم بمقدار صاع، فدعا بالأزر و الأنطاع ثم ضعف التمر عليها و دعي ربه فأكثر الله ذلك التمر حتي كان أزوادهم الي المدينة.

و من ذلك أنه أقبل من بعض أسفاره فأتاه قوم فقالوا: يا رسول الله ان لنا بئرا اذا كان القيظ اجتمعنا عليها و اذا كان الشتاء تفرقنا علي مياه حولها و قد صار من حولنا عدو فادع الله في بئرنا. فتفل صلي الله عليه و آله و سلم في بئرهم ففاضت المياه المغيبة فكانوا لا يقدرون أن ينظروا الي قعرها بعد كثرة مائها، فبلغ ذلك مسيلمة الكذاب فحاول ذلك في قليب قليل الماء فتفل الأنكد في القليب فغار ماؤه فصار كالحبوب.

و من ذلك أن سراقة بن جعشم حين وجهه قريش في طلبه ناوله نبلا من



[ صفحه 145]



كنانة و قال: ستمر برعاع فاذا وصلت اليهم فهذا علامتي عنده و اشرب فلما انتهي اليهم أتوه بعنز حامل فمسح صلي الله عليه و آله و سلم ضرعها فصارت حاملا و درت حتي ملأ الاناء و ارتووا.

و من ذلك أنه نزل بأم شريك فأتته بعكة فيها سمن يسير فأكل هو و أصحابه ثم دعا لها بالبركة فلم تزل العكة تصب سمنا أيام حياتها.

و من ذلك أن أم جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبت و مع النبي صلي الله عليه و آله و سلم أبوبكر بن أبي قحافة فقال: يا رسول الله هذه أم جميل امرأة أبي لهب مغضبة تريدك و معها حجر تريد أن ترميك به فقال: انها لا تراني، فقالت لأبي بكر: أين صاحبك قال: حيث شاء الله. قالت: لقد جئته و لو أراه لرميته فانه هجاني و اللات و العزي اني لشاعرة فقال أبوبكر: يا رسول الله لم ترك قال: لقد ضرب الله بينها و بيني حجابا.

و من ذلك كتابه المهيمن الباهر لعقول الناظرين مع ما أعطي من الخلال التي ان ذكرناها لطالت فقالت اليهود: و كيف لنا أن نعلم هذا كما وصفت؟ فقال لهم موسي عليه السلام: و كيف لنا أن نعلم ما تذكرون من آيات موسي علي ما تصفون قالوا: علمنا ذلك بنقل البررة الصادقين.

قال لهم: فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله من غير تلقين و لا معرفة عن الناقلين. فقالوا: نشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله و أنكم الأئمة القادة و الحجج من عندالله علي خلقه، فوثب أبو عبدالله عليه السلام فقبل بين عيني ثم قال: أنت القائم من بعدي. (فلهذا قالت الواقفة أنه حي و أنه القائم). ثم كساهم أبو عبدالله عليه السلام و وهب لهم و انصرفوا مسلمين. [16] .



[ صفحه 146]




پاورقي

[1] سورة ص، الآية: 26.

[2] صحيح الترمذي، 6 / 73.

[3] سورة الأحزاب، الآية: 33.

[4] سورة الجمعة، الآية: 2.

[5] أصول الشيعة و أصولها، ص 103، ط العرفان.

[6] سورة ص، الآية:: 26.

[7] سورة القصص، الآية: 68.

[8] سورة الأعراف، الآية: 155.

[9] سورة البقرة، الآية: 55.

[10] حلية الأولياء، ج 1، ص 63.

[11] مجمع الزوائد، 8 / 353.

[12] الرياض النضرة، 2 / 178.

[13] الرياض النضرة: 2 / 178.

[14] نزهة المجالس، 2 / 184.

[15] كشف الغمة، ص 151.

[16] قرب الاسناد، 141 -132. - مسند الامام الكاظم، ج 2، ص 170 - 161.