بازگشت

الحياة الاجتماعية و السياسية في زمن الامام


ها هي معتقلات العباسيين تفرز القتلي و تلفظ الموتي و تسمع أنين الغرثي و تري دموع المتلهفين لملاقاة الله، و تسمع الآفاق ضربات السياط و زفير نيران الصدور،... المحن و الخطوب كالودق تنهمر علي آل البيت و شيعتهم و القائلين بامامتهم و المدافعين عنهم و الذابين عن حياضهم.. و لقد واجه جمهور المسلمين من العناء و الجهد ما لا سبيل الي تصويره... و بالرغم من ذلك لم يحيدوا قيد أنملة لأنهم شدوا بوثاق الامامة عقيدة و مذهبا لذا فانهم يكفرون بالحكومات المتوالية أموية كانت أم عباسية أم غيرها لأنها غير شرعية لعدم توفر الصفات التي ينشدونها في الامام من العدالة و العلم و الدين، ما يفي بحاجة الأمة في مجالاتها القضائية و الادارية و السياسية. و لذا كانت الثورات تقوم لاسقاط حكومات الجور و الظلم و البغي و الضلال، و قد واجه الشيعة ما لم تواجهه أية طائفة أخري، و كلما زاد عليهم الظلم و الجور و أمعنت الحكومات بالاذلال و العبودية و الطغيان زاد ايمان تلك الفئة بعقيدتها و أحقيتها. و مع استغراق الملوك (الذين يزعمون أنهم يمثلون ظل الله و عدله في الأرض) بالطرب و المجون و السكر و انفاق الأيام بين الجواري و الرقيق و اثارة الغرام كانت تلك الطائفة تستغرق في حب الله و الجهاد و العبادة، و أعينها ترمق خزينة الدولة تذهب علي فساد الأخلاق و اثارة الشهوات من



[ صفحه 147]



قصر معاوية الي يزيد فالوليد و من ثم الرشيد... في حين يتضور الشعب من الجوع و الفقر و الحرمان... و في قصورهم موائد الملذات تمد لهم عامرة و للشعب تمد موائد السياط يسير بها الغلمان و الجواري و النساء...

أصبح الاسلام خلف الظهور و الدين مهمل تحت الموائد و العدل نازف ملقي تحت أكوام الرماد... هتكت مبادي ء الاسلام و ألجمت أفواهها و كبتت الحريات و جيفت الأبواب... (لكن لكل أمر حده... فشدة الضغط تولد الانفجار... فالحياة و الموت سيان و لا حياة مع ذل) فلقد قطعت الأرحام التي أمر بها الله أن توصل و ساد الفساد و النميمة و ضاق الناس بالفقر (لو كان الفقر رجلا لقتلته).

يروي محمد بن الفضل عن موسي بن جعفر عليه السلام في قوله تعالي (و الذين يصلون مآ أمر الله به أن يوصل) [1] : هي رحم آل محمد..

لقد استشري الفساد و الضلال و تمذهب كل بطريق و ها هو الزمخشري الحنفي يقول ساخرا:



اذا سألوا عن مذهبي لم أبح به

و أكتمه كتمانه لي أسلم



فان حنفيا قلت قالوا بأنني

أبيح الطلي و هو الشراب المحرم



و ان شافعيا قلت قالوا بأنني

أبيح نكاح البنت و البنت تحرم



و ان مالكيا قلت قالوا بأنني

أبيح لهم أكل الكلاب و هم هم



فمن أين ابتدأ الانحدار السحيق... أمن صفين... أم من قبل ذلك؟! شرارة الشر و الفساد استفحلت بعد رفع المصاحف... فالأمة غاصت بالفتن و انجرت نحو الويلات، لقد أراد الامام علي عليه السلام اقامة المجتمع الاسلامي الأمثل، مساويا بين الناس... سيد أم عبد أبيض أم أسود... لا فرق الا بالتقوي و الايمان.. و لكل عمله.. أراد عليه سلام الله أن لا يبقي محروما



[ صفحه 148]



و لا فقيرا، حاول انصاع صفحة التاريخ و السمو بالمجتمع الي الحرية و العدالة و المساواة و نشر العلم و تطوير العمل و تحديث السلوك الانساني بنشر المحبة و التعاون و سقل النفس بالترفع عن الأنا و المكروه...

لكن هذه الأهداف لم تعها الطغمة التي أسلمت و لم يدخل الايمان في قلوبهم لذا كانت الجمل و بعدها صفين... لقد استعوت الكلاب المسعورة تنبح (علي الحق)... (علي مع الحق و الحق مع علي يدور كيفما دار).

و حاولوا اسكات الصوت و كانت الطامة الكبري... و كانت المخلفات التي ما هي الا الوبال علي الاسلام و الوعي الاسلامي الذي بات يحتضر مع النفوس الخانعة، المحبطة في دوامة الجور...

لقد ظهر ذلك الانهزام جليا في مأساة سابع الأئمة عليه السلام الذي زجه هارون في ظلمات السجون، و لم يحرك أحد ساكنا... لم يصرخ أي من المسلمين محتجا، و لم ترتفع أية أصوات لدحض الظلم.. و لم يطالب أحد باطلاق سراحه حتي توفي عليه السلام غريبا في سجن السندي بن شاهك و حتي أنهم عمدوا بعد التزوير و القتل الي نشر الجثمان الطاهر علي جسر الرصافة و ارتفعت عقيرتهم بالنداء الباطل... و البهتان.


پاورقي

[1] سورة الرعد، الآية: 21.