بازگشت

زمان هارون الرشيد


و جاء دور الرشيد و زهرت له الدنيا و استوثقت له الأمور و عم نفوذه أرجاء الأرض حتي كان يخاطب السحاب: (اذهبي الي حيث شئت يأتيني خراجك) حتي أصبح الرجل الأسطوري لما بلغته الخلافة العباسية علي عهده من مسجد بلغ القمة و من شهرة طبقت الدنيا فلم يشتهر أحد من العباسيين كشهرة الرشيد، و لعبت قصص ألف ليلة و ليلة دورا كبيرا في ذلك فألبسته أساطيرها ثوبا فضفاضا من العظمة و الجلال و الأبهة، و لقد سلك سياسة القمع و الانتقام مع العلويين و شيعتهم بشكل مروع فساق منهم الي ساحات الاعدام ظلما و عدوانا و أودع فئة غياهب السجون و دفن بعضهم في باطن الأرض و بين الجدران كما فعل جده المنصور، و نفي و شرد البعض الآخر و أمر بهدم قبر الحسين عليه السلام ليمحو أثره لأنه منطلق الثورة و محرك الثوار ضد البطش و الارهاب.

و لقد احتفظ تاريخه الأسود بمجزرة الستين شهيدا التي يحدثنا عنها حميد بن قحطبة الطائي الطوسي و كان قائدا في خراسان فيقول: طلبني الرشيد في بعض الليل و قال لي فيما قال: خذ هذا السيف و امتثل ما يأمرك به الخادم. فجاء بي الخادم الي دار مغلقة ففتحها و اذا فيها ثلاث بيوت و بئر ففتح البيت الأول و أخرج منه عشرين نفسا عليهم الشعور و الذوائب و فيهم الشيوخ و الكهول و الشبان و هم مقيدون بالسلاسل و الأغلال و قال لي: يقول



[ صفحه 194]



لك أميرالمؤمنين اقتل هؤلاء، و كانوا كلهم من ولد علي و فاطمة فقتلتهم الواحد تلو الآخر و الخادم يرمي بأجسامهم و رؤوسهم في البئر، ثم فتح الباب الثاني و اذا فيه أيضا عشرون من نسل علي و فاطمة و كان مصيرهم كمصير الذين كانوا في البيت الأول ثم فتح الثالث و اذا فيه عشرون فألحقهم بمن مضي و بقي منهم شيخ و هو الأخير فقال: تبا لك يا ميشوم، أي عذر لك يوم القيامة عند جدنا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فارتعشت يدي و ارتعدت فرائصي فنظر الي الخادم مغضبا و هددني فقلت الشيخ و رمي به في البئر. و هذا نموذج للمجازر الدموية لحكومة هارون.

و لكأني أري ابن قحطبة يقول: [(و قد جاءه سائل في رمضان) [1] . و كما جاء في عيون أخبار الرضا عليه السلام عن عبيدالله البزاز النيسابوري (و كان مسنا) قال: كان بيني و بين حميد بن قحطبة الطائي الطوسي معاملة فرحلت اليه في بعض الأيام فبلغه خبر قدومي فاستحضرني للوقت و علي ثياب السفر لم أغيرها و ذلك في شهر رمضان وقت صلاة الظهر فلما دخلت اليه رأيته في بيت يجري فيه الماء فسلمت عليه و جلست فأتي بطست و ابريق فغسل يديه ثم أمرني فغسلت يدي و أحضرت المائدة و ذهب عني أني صائم و أني في شهر رمضان. ثم ذكرت فأمسكت يدي. فقال لي حميد: ما لك لا تأكل؟ فقلت: أيها الأمير هذا شهر رمضان، و لست بمريض و لا بي علة توجب الافطار، و لعل الأمير له عذر في ذلك أو علة توجب الافطار، فقال: ما بي علة توجب الافطار و اني لصحيح البدن، ثم دمعت عيناه و بكي. فقلت له بعدما فرغ من طعامه: ما يبكيك أيها الأمير؟ فقال: أنفذ الي هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب، فلما دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتقد و سيفا أخضر مسلولا و بين يديه خادم واقف. فلما قمت بين يديه رفع رأسه



[ صفحه 195]



الي فقال: كيف طاعتك لأميرالمؤمنين؟ فقلت: بالنفس و المال، فأطرق ثم أذن لي بالانصراف. فلم ألبث في منزلي حتي عاد الرسول و قال: أجب أميرالمؤمنين، فقلت في نفسي: انا لله أخاف أن يكون قد عزم علي قتلي و انه لما رآني استحيي مني. فعدت الي بين يديه فرفع رأسه الي فقال: كيف طاعتك لأميرالمؤمنين فقلت: بالنفس و المال و الأهل و الولد. فتبسم ضاحكا، ثم أذن لي في الانصراف.

فلما دخلت منزلي لم ألبث أن عاد الرسول الي فقال: أجب أميرالمؤمنين فحضرت بين يديه و هو علي حاله، فرفع رأسه الي فقال: كيف طاعتك لأميرالمؤمنين فقلت: بالنفس و المال و الأهل و الولد و الدين، فضحك ثم قال لي: خذ هذا السيف و امتثل ما يأمرك به هذا الخادم.

قال: فتناول الخادم السيف و ناولنيه و جاء به الي بيت بابه مغلق ففتحه فاذا به بئر في وسطه و ثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ففتح باب بيت منها فاذا فيه عشرون نفسا... (كما سبق و أوردت).. و قد قتلت من أولاده ستين نفسا قد ولدهم علي و فاطمة عليه السلام، فاذا كان فعلي هذا و قد قتلت ستين نفسا من ولد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فما ينفعني صومي و صلاتي و أنا لا أشك أني مخلد في النار...] ابن قحطبة:



يروي ابن قحطبة و نفسه تلغب

و يقول يا ليتاه ذاك المهرب



يوما و في رمضان يأكل جهرة

و تنوشه الحمر الخضاب و تسكب



يأتيه يسأله الهداية و التقي

فيرد و الحرف السليب يخضب



من أين أهرب من دناسة فعلة

تودي بي النيران حين تلهب



اني ابن قحطبة الذي في ردنه

غضب الرسول مع الاله أجلب



في يوم نحس قد تمزق خافقي

و بأمر هارون أكيل و أضرب



ستون من أبناء طهر المصطفي

ألقي بهم حتف الأنوف و أسكب



تلك الدماء الطهر بين مضارب

في حد سيف و القيود تعقب





[ صفحه 196]



و الخادم الملعون يصدر أمره

من أمر هارون و نفسه تشخب



و يلاه من ضرب بسيف ضلالة

قادت بي القدمان كيف سأهرب



ستون في بئر رؤوس قطعت

من فوق أجساد بها اتنكب



ويح الرشيد و ويح قلبي يومها

و الشيخ ينذرني و سيفي يخضب



من دون ذنب دون أي و تيرة

قتل النفوس غدت لهم تتوثب



و الأمر ما الأمر العتي فويلتي

يوما و في نار الجحيم سأحطب



كفاي و السيف اللعين و خوف بطش

للرشيد و ليث بطشه أقرب



ما كنت يوم قيامة بجهنم

ألقي و ربي بالسؤال يؤنب



ماذا جناه بنو علي من أذي

كي تثكل الزهراء، ويحك قحطب



ستون من طفل و شيخ طاعن

ستون تقطع للرؤوس و تنوب



خذها من الله علي بلعنة

حتي القيامة و الثري لك يضرب



ما كنت يوما من حميد تبتغي

سفر الاله و لا الرسول لك الأب



تلقاه يسألك السؤال بلهفة

لم ويح نفسك بالدما تتلعب



أبنائي الأطهار تذبح روحهم

ذبح الضحية، أي غرم تنصب



ما لي تسائلني أبعد جريمة

بالصوم يغفر ما جرمت و يذهب



اني سألعن ما حييت و بعد موتي

بالثري من فعلتي سأعذب



فاترك (سألتك بالذي بك عالم)

نفسي بها بين السنابك أهرب



ما و الذي سمك السماء لي النجا

من شر ما قدمت أو ما أعقب




پاورقي

[1] عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 108.