بازگشت

عود علي بدء


صعدت الروح الطاهرة للصادق عليه السلام الي الرفيق الأعلي و قد بقي من شوال خمسة أيام لعام ثمان و أربعين و مائة... و قلب المنصور كفيه... الوصية.... بقتل من أوصي اليه جعفر بن محمد عليه السلام.



[ صفحه 216]



هكذا أمر بقتل رجل يجهله و يجهل من هو و دون ما ذنب و دون محاكمة لمجرد فحوي وصية... الوصية الرسالة.. التي تعلن الامام الجديد و ما كانت وصية الصادق لأبي جعفر و واليه الا توصية لهما بالأمة و تذكيرا لهما بأنهما ملاقيا الله مثلما لاقاه هو عليه السلام، و ان أباجعفر للأجدر بالتذكرة بالموت. و عندما قرن الامام الصادق عليه السلام أباجعفر و واليه بابنيه و زوجه فان ذلك ليذكره بأن يخاف الله فيهم و في ذوي رحمه، لقد سابق أبوجعفر الموت لتتم له الوصية لوحده لكن وصية الامام فوتت عليه مبتغاه، و لم تمنعه دموعه الهتونة و استرجاعه الله مرات ثلاث من احاكة الكيد، و كأن الدمع يغسل مقترفاته أو كأنه المداد ليختط به مكيدته أو ليأمر به بقطع رأس امام جديد من أهل البيت. لقد أنسته شياطين الطمع و الفزع و الهلع و الجشع تذكار ما علمه اياه الصادق عليه السلام من صلة الرحم، فدس الجواسيس ليعرف من يجتمع اليه الناس بعد جعفر عليه السلام فيقتله و يأتي بعده أبناؤه البررة متقمصين تعاليم قتل أهل البيت عليهم السلام...

و يسأل سائل الامام موسي عليه السلام فيقول له: «اذا هدأت الرجل و انقطع الطريق فأقبل». و يسأله آخر فيقول له: (سل تخبر و لا تذع، فان أذعت فانه الذبح) و كان هشام بن سالم ينبه أصحابه الشيعة كي لا يقعوا في حبائل أبي جعفر... لقد دلت تلك الجامعة العظيمة و تلك المجالس الضخمة التي قل ما ضمت أربعة آلاف كل يقول حدثني جعفر بن محمد عليه السلام و يذهب أبوحنيفة بسم المنصور و لسان حاله يقول للصادق عليه السلام: جعلت فداك يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ذهب الصادق عليه السلام و هو يقول:



ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب

و الناس بين مخاتل و موارب



يفشون بينهم المودة و الصفا

و قلوبهم محشوة بعقارب



أجل ذهب الصادق القويم عليه السلام و بقيت وصيته لابنه موسي الكاظم عليه السلام



[ صفحه 217]



(يا بني من رضي بما قسمه الله له استغني و من مد عينيه الي ما في يد غيره مات فقيرا و من لم يرض بما قسمه الله له اتهم الله في قضائه و من استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره).

(يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته و من سل سيف البغي قتل به، و من احتفر لأخيه بئرا سقط فيها و من داخل السفهاء حقر و من خالط العلماء و قر و من دخل مداخل السوء اتهم. يا بني اياك أن تزري بالرجال فيزري بك و اياك و الدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك. يا بني قل الحق لك أو عليك، يا بني كن لكتاب الله تاليا و للاسلام فاشيا و بالمعروف آمرا و عن المنكر ناهيا و عن قطعك و اصلا و لمن سكت عنك مبتدئا و لمن سألك معطيا. و اياك و النميمة فانها تزرع الشحناء في قلوب الرجال و اياك و التعرض لعيوب الناس، فمنزلة المتعرض لعيوب الناس بمنزلة الهدف).

فالسلام عليك يا امام المسلمين يا جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين و سيد السجادين ابن الحسين شهيد كربلاء ابن الامام علي بن أبي طالب عليكم سلام الله يا أهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و السلام عليك يا سابع الأئمة يا موسي بن جعفر.... السلام عليكم و نحن فداكم و أرواحنا لكم و نفوسنا و أهلونا... حتي و ان قتلنا سنحبكم و ان أحرقنا و ذرينا و لن نقول كما قال الشعبي... [ماذا لقينا من أبناء علي اذا أحببناهم قتلنا و اذا عاديناهم دخلنا النار].

لقد ارتحل الي بارئه من كان أعلم أهل زمانه و أوقرهم و أورعهم يقول أبوبصير: قال موسي بن جعفر عليهم السلام فيما أوصاني به أبي أن قال: يا بني اذا أنا مت فلا يغسلني أحد غيرك فان الامام لا يغسله الا امام و اعلم أن عبدالله أخاك سيدعو الناس الي نفسه فدعه فان عمره قصير، فلما أن مضي غسلته كما أمرني و ادعي عبدالله الامامة مكانه، فكان كما قال أبي و ما لبث عبدالله يسيرا حتي مات).



[ صفحه 218]



و جاء في المناقب لابن شهر آشوب [1] عن الكاظم عليه السلام في قوله تعالي: (بلي من كسب سيئة) قال: بغضنا و (و أحاطت به خطيئته) [2] قال: من شرك في دمنا.

و عنه عليه السلام في قوله تعالي: (فأكتبنا مع الشاهدين) [3] قال: نحن هم نشهد للرسل علي أممها. و عنه عليه السلام في قوله تعالي: (و اذا قيل لهم ماذآ أنزل ربكم) [4] ، قال: هم عدونا أهل البيت اذا سألوا عنا قالوا ذلك.

و عنه في قوله تعالي: (و ما ظلمونا و لكن كانوا أنفسهم يظلمون) [5] ، ان الله أعز و أمنع من أن يظلم و أن ينسب نفسه الي ظلم و لكن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه و ولايتنا ولايته.

و لقد بني الدين علي اتباع النبي صلي الله عليه و آله و سلم (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني) [6] ، و اتباع الكتاب (و اتبعوا النور الذي أنزل معه) [7] ، و اتباع الأئمة من أولاده (و الذين اتبعوهم باحسان) [8] .

فاتباع النبي صلي الله عليه و آله و سلم يورث المحبة (يحبكم الله) [9] و اتباع الكتاب يورث السعادة (فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقي) [10] و اتباع الأئمة يورث الجنة



[ صفحه 219]



(رضي الله عنهم و رضوا عنه) [11] .

و ورد أن الامام موسي عليه السلام سابع الأئمة و كادت الأشياء تكون سبعة السماوات و الأرضون و الأسابيع حتي قال: و لا اله الا الله محمدا رسول الله سبع كلمات يقول الشاعر:



ان الذي قسم الأئمة حازها

في صلب آدم للامام السابع



روي محمد بن اسماعيل عن محمد بن الفضل قال: اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء أو من الأصابع الي الكعبين أم من الكعبين الي الأصابع؟ و كتب علي بن يقطين الي أبي الحسن عليه السلام يسأله عن ذلك فكتب اليه: فيما ذكرت من الاختلاف في الوضوء و الذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثا و تستنشق ثلاثا و تغسل وجهك ثلاثا و تخلل شعر لحيتك و تمسح رأسك كلمه و تمسح ظاهر أذنيك و باطنها و تغسل رجليك الي الكعبين ثلاثا و لا تخالف ذلك الي غيره. فلما وصل الكتاب الي علي بن يقطين تعجب مما رسم فيه. مما أجمع العصابة علي خلافه ثم قال: مولاي أعلم بما قال و أنا ممتثل أمره، و كان يعمل في وضوئه علي هذا الحد و يخالف ما عليه جميع الشيعة، امتثالا لأمر أبي الحسن عليه السلام، و سعي بعلي بن يقطين الي الرشيد و قيل: انه رافضي مخالف له.

فقال الرشيد لبعض خاصته: قد كثر عندي القول في علي بن يقطين و القرف له بخالفنا و ميله الي الرفض و لست أري في خدمته لي تقصيرا، و قد امتحنته مرارا فما ظهرت منه علي ما يقرف به و أحب أن أستبري ء أمره من حيث لا يشعر بذلك فيحرز مني.

فقيل له: ان الرافضة يا أميرالمؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء



[ صفحه 220]



فتخففه و لا تري غسل الرجلين فامتحنه يا أميرالمؤمنين من حيث لا يعلم، بالوقوف علي وضوئه، فقال: أجل ان هذا الوجه يظهر به أمره، ثم تركه مدة و ناطه بشي ء من الشغل في الدار حتي دخل وقت الصلاة و كان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه و صلاته فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة (و كأنه جاسوس) بحيث يري علي بن يقطين و لا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء، فتمضمض ثلاثا و استنشق ثلاثا و غسل وجهه ثلاثا و خلل شعر لحيته و غسل يديه الي المرفقين ثلاثا و مسح رأسه و أذنيه و غسل رجليه و الرشيد ينظر اليه، فلما رآه و قد فعل ذلك لم يملك نفسه و حتي أشرف عليه بحيث يراه، ثم ناداه: كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة، و صلحت حاله عنده، و ورد عليه كتاب أبي الحسن عليه السلام ابتداء من الآن يا علي بن يقطين فتوضأ كما أمر الله و اغسل وجهك مرة فريضة و أخري اسباغا و اغسل يديك من المرفقين كذلك و امسح مقدم رأسك و ظاهر قدميك بفضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كان يخاف عليك و السلام [12] .

و قال ابن سنان [13] : حمل الرشيد في بعض الأيام الي علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها و فيها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب فأنفذ ابن يقطين بها الي موسي بن جعفر عليهم السلام مع مال كثير، فلما وصل الي أبي الحسن عليه السلام قبل المال ورد الدراعة و كتب اليه احتفظ بها و لا تخرجها من يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج اليها معه، فلما كان بعد أيام تغير علي بن يقطين علي غلام له فصرفه عن خير منه، فسعي الغلام به الي الرشيد فقال انه يقول بامامة موسي بن جعفر و يحمل اليه خمس ماله في كل سنة و قد حمل اليه الدراعة التي أكرمه بها أميرالمؤمنين فغضب الرشيد غضبا شديدا و قال:



[ صفحه 221]



ان كان الأمر علي ما تقول أزهقت نفسه: فأنفذ باحضار ابن يقطين و قال: علي بالدراعة التي كسوتك الي الساعة فأنفذ خادما و قال: آتيني بالسفط الفلاني. فلما جاء به وضعه بين يدي الرشيد و فتحه فنظر الي الدراعة بحالها مطوية مدفونة بالطيبة فسكن الرشيد من غضبه و قال: انصرف راشدا فلن أصدق بعدها ساعيا و أمر أن يتبع بجائزة سخية و تقدم بضرب الساعي حتي مات منه.

و يقول أحمد بن عمر الخلال: سمعت الأخوص بمكة يذكره فاشتريت سكينا و قلت: و الله لأقتلنه اذا خرج من المسجد و أقمت علي ذلك و جلست له، فما شعرت الا برقعة أبي الحسن عليه السلام قد طلعت علي فيها: بسم الله الرحمن الرحيم بحقي عليك لما كففت عن الأخوص فان الله ثقتي هو حسبي.



[ صفحه 222]




پاورقي

[1] ج 2، ص 307.

[2] سورة البقرة، الآية: 81.

[3] سورة آل عمران، الآية: 53.

[4] سورة النحل، الآية: 24.

[5] سورة البقرة، الآية: 57. و سورة الأعراف، الآية: 160.

[6] سورة آل عمران، الآية: 31.

[7] سورة الأعراف، الآية: 157.

[8] سورة التوبة، الآية: 100.

[9] سورة آل عمران، الآية: 31.

[10] سورة طه، الآية: 123.

[11] سورة البينة، الآية: 8. و سورة التوبة، الآية: 10. و سورة المجادلة، الآية: 22. و سورة المائدة، الآية: 119.

[12] الارشاد، ص 314.

[13] و رواه ابراهيم بن الحسن بتصرف في الخرائج و الجرائح، ص 203. و مثله في عيون المعجزات، ص 89.