بازگشت

كاظم آل البيت


بسم الله الرحمن الرحيم

و به نستعين

قال السيد ابن طاوس في الصلاة علي موسي بن جعفر هي بالتعابير الخاصة به: «اللهم صل علي محمد و أهل بيته الطاهرين و صل علي موسي بن جعفر وصي الأبرار، و امام الأخيار، و عيبة الأنوار، و وارث السكينة و الوقار، و الحكم و الآثار، الذي كان يحيي الليل بالسهر الي السحر بمواصلة الاستغفار، حليف السجدة الطويلة، و الدموع الغزيرة، و المناجاة الكثيرة، و الضراعات المتصلة، و مقر النهي و العدل و الخير و الفضل، و الندي و البذل، و مألف البلوي و الصبر، و المضطهد بالظلم و المقبور بالجور، و المعذب في قعر السجون و ظلم المطامير ذي الساق المرضوض، بحلق القيود، و الجنازة المنادي عليهم بذل الاستخفاف، و الوارد علي جده المصطفي و أبيه المرتضي و أمه سيدة النساء بارث مغصوب و ولاء مسلوب و أمر مغلوب و دم مطلوب و سم مشروب.

اللهم و كما صبر علي غليظ المحن و تجرع غصص الكرب و استسلم لرضاك، و أخلص الطاعة لك، و محض الخشوع، و استشعر الخضوع، و عادي البدعة و أهلها و لم يلحقه في شي ء من أوامرك و نواهيك لومة لائم صل عليه صلاة نامية منيفة زاكية توجب له بها شفاعة أمم من خلقك و قرون من



[ صفحه 26]



براياك، و بلغه عنا تحية و سلاما، و آتنا من لدنك في موالاته فضلا و احسانا و مغفرة و رضوانا...

انك ذوالفضل العميم، و التجاوز العظيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

يقول الرضا عليه سلام الله: ان الله تبارك و تعالي لم يقبض نبيه صلي الله عليه و آله و سلم حتي أكمل له الدين و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شي ء، بين فيه الحلال و الحرام. و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج اليه كاملا. فقال عزوجل: (ما فرطنا في الكتاب من شي ء) [1] و أنزل في حجة الوداع و هي آخر عمره: (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا) [2] .

و أمر الامامة من تمام الدين، و لم يمض صلي الله عليه و آله و سلم حتي بين لأمته معالم دينهم و أوضح لهم سبيلهم، و تركهم علي قصد الحق، و أقام لهم عليا علما و اماما، و ما ترك شيئا تحتاج اليه الأمة الا بينه، فمن زعم أن الله عزوجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله عزوجل، و من رد كتاب الله تعالي فهو كافر.

هل يعرفون قدر الامامة و محلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ ان الامامة أجل قدرا، و أعظم شأنا، و أعلي مكانا، و أمنع جانبا و أبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا اماما باختيارهم.

ان الامامة خص بها ابراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة. و الخلة مرتبة ثالثة، و فضيلة شرفه بها، و أشاد بها ذكره، فقال عزوجل: (اني جاعلك للناس اماما) فقال الخليل سرورا بها: (و من ذريتي) قال عزوجل: (لا ينال عهدي الظالمين) [3] . فأبطلت هذه الآية امامة كل ظالم الي يوم القيامة، و صارت في الصفوة، ثم أكرمه الله عزوجل بأن جعل ذريته أهل الصفوة و الطهارة فقال عز



[ صفحه 27]



وجل: (و وهبنا له، اسحاق و يعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين (72) و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينآ اليهم فعل الخيرات و اقام الصلاة و ايتآء الزكاة و كانوا لنا عابدين) [4] ، فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتي ورثها النبي صلي الله عليه و آله و سلم قال عزوجل: (ان أولي الناس بابراهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا و الله ولي المؤمنين) [5] ، فكانت له خاصة فقلدها عليا بأمر الله عزوجل علي رسم ما فرضه الله عزوجل فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم و الايمان بقوله عزوجل: (و قال الذين أوتوا العلم و الأيمان لقد لبثتم في كتاب الله الي يوم البعث) [6] ، فهي في ولد علي عليه السلام خاصة الي يوم القيامة اذ لا نبي بعد محمد صلي الله عليه و آله و سلم، فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟!! ان الامامة هي منزلة الأنبياء و ارث الأوصياء، ان الامامة خلافة الله عزوجل، و خلافة الرسول و مقام أميرالمؤمنين و ميراث الحسن و الحسين عليه السلام.

ان الامامة زمام الدين، و نظام المسلمين، و صلاح الدنيا، و عز المؤمنين، ان الامامة أسس الاسلام النامي، و فرعه السامي، بالامام تمام الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الجهاد و توفير الفي ء و الصدقات، و امضاء الحدود و الأحكام، و منع الثغور و الأطراف.

الامام يحل حلال الله، و يحرم حرام الله، و يقيم حدود الله و يذب عن دين الله، و يدعو الي سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة و الحجة البالغة. فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام و يمكنه اختباره؟ هيهات هيهات، ضلت العقول، و تاهت الحلوم، و حارت الألباب، و حسرت العيون، و تصاغرت العظماء، و تحيرت الحكماء، و تقاصرت الحلماء و حصرت الخطباء و جهلت



[ صفحه 28]



الألباء، و كلت الشعراء، و عجزت الأدباء، و عييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله، فأقرت بالعجز و التقصير، و كيف يوصف له؟ أو ينعت بكهنه، أو يفهم شي ء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه و يغني غناه،... لا. و أني... أين الاختيار من هذا؟ أين العقول عن هذا؟ أين يوجد مثل هذا؟

ظنوا أن يوجد ذلك في غير آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كذبتهم و الله أنفسهم و منتهم الباطل، فارتقوا مرتقي صعبا دحضا، تزل الي الحضيض أقدامهم، راموا اقامة الامام بعقول جائرة بائرة ناقصة، و آراء مضلة، فلم يزدادوا الا بعدا (قاتلهم الله أني يؤفكون) [7] لقد راموا صعبا، و قالوا افكا و (ضلوا ضلالا بعيدا) [8] و وقعوا في الحيرة، اذ تركوا الامام عن بصيرة (و زين لهم الشياطين أعمالهم فصدهم عن السبيل و كانوا مستبصرين) [9] و رغبوا عن اختيار الله، و اختيار رسوله الي اختيارهم، و القرآن يناديهم (و ربك يخلق ما يشآء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله و تعالي عما يشركون) [10] ، و قال الله عزوجل: (و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله، أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) [11] .

و قال عزوجل: (ما لكم كيف تحكمون (36) أم لكم كتاب فيه تدرسون (37) ان لكم...) (لما تحكمون (39) سلهم أيهم بذلك زعيم (40) أم لهم شركاء فليأتوا بشركآئهم ان كانوا صادقين) [12] .



[ صفحه 29]



و قال عزوجل: (أفلا يتدبرون القرآن أم علي قلوب أقفالها) [13] .

أم طبع الله علي قلوبهم فهم لا يفقهون أم (قالوا سمعنا و هم لا يسمعون (21) ان شر الدوآب عندالله الصم البكم الذين لا يعقلون، و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو أسمعهم لتولوا و هم معرضون) [14] .

و (قالوا سمعنا و عصينا) [15] بل هو (فضل الله يؤتيه من يشآء و الله ذو الفضل العظيم) [16] .

فكيف لهم باختيار الامام؟!! و الامام عالم لا يجهل، معدن القدس و الطهارة، و النسك و الزهادة، و العلم و العبادة، مخصوص بدعوة الرسول، و هو من نسل المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب، و لا يدانيه ذو حسب، فالنسب من قريش، و الذروة من هاشم، و العترة من آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و الرضا من الله، شرف الأشراف و الفرع من عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالامامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عزوجل، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله.

ان الأنبياء و الأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم ثم انظروا في قوله تعالي: (أفمن يهدي الي الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي الآ أن يهدي فما لكم كيف تحكمون) [17] .

و قوله عزوجل: (و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) [18] .



[ صفحه 30]



و قوله عزوجل في طالوت: (ان الله اصطفائه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم و الله يؤتي ملكه من يشاء و الله واسع عليم) [19] .

و قال عزوجل لنبيه: (و كان فضل الله عليك عظيما).

و قال عزوجل في الأئمة من أهل بيت نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و عترته و ذريته: (أم يحسدون الناس علي ما ءاتاهم الله من فضله، فقد ءاتينآ ءال ابراهيم الكتاب و الحكمة و ءاتيناهم ملكا عظيما (54) فمنهم من ءامن به و منهم من صد عنه و كفي بجهنم سعيرا) [20] .

و ان العبد اذا اختاره الله عزوجل لأمور عباده شرح صدره لذلك و أودع قلبه ينابيع الحكمة، و ألهمه العلم ألهاما، فلم يع بعده بجواب و لا يحيد فيه عن الصواب، و هو معصوم، مؤيد، موفق، مسدد قد أمن الخطايا و الزلل، و العثار، يخصه الله بذلك ليكون حجته علي عباده و شاهده علي خلقه، (ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء و الله ذو الفضل العظيم).

فهل يقدرون علي مثل هذا فيختاروه؟! أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه، تعدوا و بيت الله الحق، و نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، و في كتاب الله الهدي و الشفاء فنبذوه، و اتبعوا أهواءهم فذمهم الله و مقتهم و أتعسهم، فقال عزوجل: (و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدي من الله ان الله لا يهدي القوم الظالمين) [21] ، و قال عزوجل: (فتعسا لهم و أضل أعمالهم) [22] .

و قال عزوجل: (كبر مقتا عندالله و عند الذين ءامنوا كذلك يطبع الله



[ صفحه 31]



علي كل قلب متكبر جبار) [23] [24] .

انه حديث الاستدلال و الحجة علي وجوب الامامة و ضرورتها و استمالة الاختيار و الانتخاب فيها فالله تبارك و تعالي هو الذي يعين ذلك و يختار من يشاء من عباده ممن تتوفر فيه صفات الخير و الكمال و طهارة النفس و صفاء الذات و العصمة كي يصلح لهداية الناس و اصلاحهم و غرس روح الثقة و الفضيلة في نفوسهم و ليكون القدوة لهم. و هكذا سبحانه و تعالي اختار نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و اختار وصيه و كذلك الأئمة بعده.


پاورقي

[1] سورة الأنعام، الآية: 38.

[2] سورة المائدة، الآية: 3.

[3] سورة البقرة، الآية: 124.

[4] سورة الأنبياء، الآيتان: 73، 72.

[5] سورة آل عمران، الآية: 68.

[6] سورة الروم، الآية: 56.

[7] سورة التوبة، الآية: 30.

[8] سورة النساء، الآية: 167.

[9] سورة العنكبوت، الآية: 38.

[10] سورة القصص، الآية: 68.

[11] سورة الأحزاب، الآية: 36.

[12] سورة القلم، الآيات: 41 - 36.

[13] سورة محمد، الآية: 24.

[14] سورة الأنفال، الآيات: 23 -21.

[15] سورة البقرة، الآية: 93.

[16] سورة الحديد، الآية: 21.

[17] سورة يونس، الآية: 35.

[18] سورة البقرة، الآية: 269.

[19] سورة البقرة، الآية: 247.

[20] سورة النساء، الآيتان: 55، 54.

[21] سورة القصص، الآية: 50.

[22] سورة محمد، الآية: 8.

[23] سورة المؤمن، الآية: 35.

[24] عيون أخبار الرضا، 1 / 216 - 222. أصول الكافي.