بازگشت

تشيع المأمون


روي الحافظ البرسي أن الرشيد لما حج دخل المدينة فاستأذن عليه الناس فكان آخر من أذن له موسي بن جعفر عليه السلام فلما أدخل عليه دخل و هو يحرك شفتيه، فلما قرب اليه قعد الرشيد علي ركبتيه و عانقه ثم أقبل عليه و قال: كيف أنت يا أباالحسن؟ كيف عيالك؟ كيف عيال أبيك؟ كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ و هو يقول: خير خير... فلما قام أراد الرشيد أن ينهض فأقسم عليه أبوالحسن فقعد ثم عانقه و خرج، فلما خرج قال له المأمون: من هذا الرجل؟ قال: يا بني، هذا وارث علوم الأولين و الآخرين، هذا موسي بن جعفر عليه السلام فان أردت علما حقا فعند هذا [1] .

و جاء أن المأمون قال: «كنت أجرأ ولد أبي عليه» [و كان المأمون متعجبا من اكبار أبيه لموسي بن جعفر و تقديره له] قال: قلت لأبي: يا أميرالمؤمنين من هذا الرجل الذي أعظمته و أجللته و قمت من مجلسك اليه فاستقبلته و أقعدته في صدر المجلس و جلست دونه؟ ثم أمرتنا بأخذ الركاب له؟ قال:



[ صفحه 228]



هذا امام الناس و حجة الله علي خلقه و خليفته علي عباده فقلت: يا أميرالمؤمنين، أو ليست هذه الصفات كلها لك و فيك؟ فقال: أنا أمام الجماعة في الظاهر و الغلبة و القهر و موسي بن جعفر امام حق، و الله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم مني و من الخلق جميعا، و الله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فان الملك عقيم. [2] .

و يقول المأمون: قال لي أبي هارون الرشيد: يا بني هذا وارث علم النبيين، هذا موسي بن جعفر بن محمد عليه السلام ان أردت العلم الصحيح فعند هذا قال المأمون فحينئذ انغرس في قلبي محبتهم. [3] .

قال ابن الجوزي: كان يدعي العبد الصالح لأجل عبادته و اجتهاده و قيامه بالليل، و كان كريما حليما، اذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث اليه بمال. [4] .

و قال الخطيب: كان سخيا كريما و كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار و كان يصر الصرر ثلاثمائة دينار و أربعمائة دينار و مائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة و كانت صرر موسي بن جعفر مثلا، اذا جاءت الانسان الصرة فقد استغني.

و يقول أحمد بن فجر الهيثمي: (موسي الكاظم و هو وارث جعفر بن محمد الصادق عليه السلام) علما و معرفة و كمالا و فضلا سمي الكاظم لكثرة تجاوزه و حلمه و كان معروفا لدي أهل العراق بباب الحوائج عندالله و كان أعبد أهل زمانه و أعلمهم و أسخاهم) [5] .

روي ابن قولون باسناده عن علي بن حسان عن بعض أصحابنا قال:



[ صفحه 229]



حضرت أباالحسن الأول عليه السلام و هارون الخليفة و عيسي بن جعفر و جعفر بن يحيي بالمدينة و قد جاءوا الي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال هارون لأبي الحسن عليه السلام: تقدم، فأبي فتقدم هارون فسلم و قام ناحية فقال عيسي بن جعفر لأبي الحسن عليه السلام: تقدم فأبي فتقدم عيسي بن جعفر فسلم و وقف مع هارون فقال جعفر لأبي الحسن عليه السلام تقدم فأبي فتقدم جعفر فسلم و وقف مع هارون و تقدم أبوالحسن عليه السلام فقال: السلام عليك يا أبه أسأل الله الذي اصطفاك و اجتباك و هداك و هدي بك أن يصلي عليك «فقال هارون لعيسي: سمعت؟ قال: نعم. فقال هارون: أشهد أنه أبوه حق» [6] .

و قال محمد بن طلحة الشافعي: «هو الامام الكبير القدر، العظيم الشأن، الكثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، المشهود له بالكرامات، المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات، يبيت الليل ساجدا و قائما، و يقطع النهار متصدقا و صائما و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما، كان يجازي المسي ء اليه باحسانه و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه، و لكثرة عبادته كان يسمي العبد الصالح و يعرف في العراق بباب الحوائج الي الله لنجح مطالب المتوسلين الي الله بكرامات تحار منها العقول و تقضي، له عندالله تعالي قدم صدق لا يزال» [7] .

و قال ابن الصباغ المالكي: قال بعض أهل العلم: (الكاظم هو الامام الكبير القدر، و الأوحد الحجة الحبر، الساهر ليله قائما، القاطع نهاره صائما المسمي لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين كاظما و هو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج الي الله و ذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين) [8] .



[ صفحه 230]



و قال ابن عنبة: (و كان عظيم الفضل، رابط الجأش، واسع العطاء لقب بالكاظم لكظمه الغيظ و حلمه و كان يخرج في الليل و في كمه صرر من الدراهم فيأتي من لقيه و من أراد بره، و كان يضرب المثل بصرة موسي و كان أهله يقولون: عجبا لمن جاءته صرة موسي فشكا القلة) [9] .

قال محمد بن طلحة الشافعي: (أما مناقبه فكثيرة و لو لم يكن منها الا العناية الربانية لكفاه ذلك منقبة).

«فهذه الكرامات العالية و الأقدار الخارقة العوايد هي علي التحقيق حلية المناقب و زينة المزايا و غرر الصفات و لا يؤتاها الا من أفاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد و مررت له أخلاف التوفيق و ازدلفته من مقام التقديس و التطهير (و ما يلقائهآ الا الذين صبروا و ما يلقائهآ الا ذو حظ عظيم) [10] ، و لقد قرع سمعي واقعة عظيمة ذكرها بعض صدور العراق أثبتت لموسي عليه السلام أشرف منقبة و شهدت له بعلو مقامه عندالله تعالي، و زلفي منزلته لديه، و ظهرت بها كرامته بعد وفاته، و لا شك أن ظهور الكرامة بعد الموت أكبر منها دلالة حال الحياة و هي أن من عظماء الخلفاء مجدهم الله تعالي من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الأعيان في ولاية عامة طالت فيها مذته و كان ذا سطوة و جبروت، فلما انتقل الي الله تعالي اقتضت رعاية الخليفة أن تقوم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الامام موسي عليه السلام بالمشهد المطهر و كان بالمشهد نقيب معروف مشهور له بالصلاح، كثير التردد و الملازمة للضريح و الخدمة له: قائم بوظائفه، فذكر هذا النقيب أنه بعد دفن ذلك المتوفي في ذلك القبر بات بالمشهد فرأي في منامه أن القبر انفتح و النار تشتعل فيه و قد انتشر منه دخان و نار الي أن ملأت المشهد و أن الامام



[ صفحه 231]



موسي عليه السلام واقف، فصاح بهذا النقيب باسمه و قال له: تقول للخليفة: يا فلان (و سماه باسمه) لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم و قال كلاما خشنا فاستيقظ ذلك النقيب و هو يرعد فرقا و خوفا فلم يلبث أن كتب ورقة و سيرها منهيا فيها صورة الحال و جلية الواقعة بتفصيلها، فلما جن الليل جاء الخليفة الي المشهد المطهر بنفسه و استدعي النقيب و دخلوا الي الضريح و أمر بكشف ذلك القبر و نقل ذلك المدفون الي موضع خارج المشهد فلما كشفوه و جدوا فيه رماد الحريق و لم يجدوا للميت أثرا. و في هذه القصة زيادة استغناء عن بقية مناقبه و اكتفاء عن بسط القول فيها) [11] .

و يقول أيضا ابن الصباغ المالكي: و أما كراماته الظاهرة و فضائله و صفاته الباهرة تشهد له بأنه افترع قبة الشرف و علاها، و سما الي أوج المزايا فبلغ أعلاها و ذلل له كواهل السيادة و امتطاها و حكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فاصطفاها. [12] .

قال ابن شهر آشوب: و سمي الكاظم لما كظمه من الغيظ و غض بصره عما فعل الظالمون به، حتي مضي قتيلا في حبسهم و الكاظم الممتلي ء خوفا و حزنا. [13] .

و قال الربيع بن عبدالرحمن: كان و الله من المتوسمين فيعلم من يقف عليه بعد موته و يكظم غيظه عليهم و لا يبدي لهم ما يعرفه منهم فلذلك سمي بالكاظم و كان أفقه أهل زمانه و أحفظهم لكتاب الله و أحسنهم صوتا بالقرآن فكان اذا قرأ يحزن و يبكي و يبكي السامعون لتلاوته و كان أجل الناس شأنا و أعلاهم في الدين مكانا و أسخاهم بيانا و أفصحهم لسانا و أشجعهم جنانا،



[ صفحه 232]



قد خص بشرف الولاية و حاز ارث النبوة و بوي ء محل الخلافة، سليل النبوة و عقيد الخلافة) [14] .

و يقول علي بن عيسي الأربلي: «مناقب الكاظم و فضائله و معجزاته الظاهرة و دلائله و صفاته الباهرة و نحائله تشهد أنه اقترع قبة الشرف و علاها و سما الي أوج المزايا فبلغ أعلاها و ذللت له كواهل السيادة فركبها و امتطاها وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها و اصطفاها، طالت أصوله، فسمت الي أعلي رتب الجلال، و طابت فروعه فعلت الي حيث لا تنال، يأتيه المجد من كل أطرافه و يكاد الشرف يقطر من أعطافه، السحاب الماطر قطرة من كرمه، و العباب الزاخر نغبة من نغبه، و اللباب الفاخر من عد عبيده و خدمه كأن الشعري علقت في يمينه، و لا كرامة للشعري العبور، و كأن الرياض أشبهت خلائقه و لا نعمي لعين الروض الممطور، و هو عليه السلام غرة في وجه الزمان، و ما الغرر و الحجول و هو أضوأ من الشمس و القمر، و هذا جهد من يقول، بل هو و الله أعلي مكانة من هذه الأوصاف و أسمي، و أشرف عرفا من هذه النعوت و أنمي، فكيف تبلغ المدائح كنه مقداره أو ترتقي همة البليغ الي نعت فخاره، أو تجري جياد الأقلام في جلباب صفاته، أو يسري خيال الأوهام في ذكر حالاته. كاظم الغيظ و صائم القيظ، عنصره كريم، و مجده حادث و قديم و هو بكل ما يوصف به زعيم، الآباء عظام و الأبناء كرام، و الدين متين و الحق ظاهر مبين، و الكاظم في أمر الله قوي أمين، و جوهر فضله غال ثمين، و واصفه لا يكذب و لا يمين، قد تلقي راية الامامة باليمين فسما عليه السلام الي الخيرات منقطع القرين، و أنا أحلف علي ذلك فيه و في آبائه و أبنائه عليهم السلام باليمين، كم له من فضيلة جليلة و منقبة بعلو شأنه كفيلة و هي و أن بلغت الغاية بالنسبة اليه قليلة، و مهما عد من المزايا و المفاخر فهي فيهم صادقة و في غيرهم مستحيلة، اليهم ينسب العظماء، و عنهم يأخذ العلماء،



[ صفحه 233]



و منهم يتعلم الكرماء، و هم الهداة الي الله فبهداهم اقتده، و هم الأدلاء علي الله فلا تحل عنهم و لا تنشده، و هم الأمناء علي أسرار الغيب و هم المطهرون من الرجس و العيب و هم النجوم الزواهر في الظلام و هم الشموس المشرقة في الأيام و هم الذين أوضحوا شعار الاسلام و عرفوا الحلال من الحرام، من تلق منهم تقل لاقيت سيدا، و متي عددت منهم واحدا كان بكل الكمالات متفردا و من قصدت منهم صمدت قصدك مقصدا، و رأيت من لا يمنعه جوده اليوم أن يجدد غدا، و متي عدت اليه عاد كما بدا، المائدة و الأنعام يشهدان بحالهم، و المائدة و الأنعام يخبران بنوالهم، فلهم كرم الأبوة و البنوة، و هم معادن الفتوة و المروة و السماح في طبائعهم غريزة و المكارم لهم شنشنة و نحيزة، و الأقوال في مدحهم و ان طالت و جيزة، بحور علم لا تنزف، و أقمار عز لا تخسف و شموس مجد لا تكسف، مدح أحدهم يصدق علي الجميع و هم متعادلون في الفخار، فكلهم شريف رفيع، بذوا الأمثال بطريفهم و تالدهم، و لا مثيل، و نالوا النجوم بمفاخرهم و محامدهم فانقطع دون شأواهم العديل و لا عديل، فمن الذي ينتهي في السير الي أمدهم و قد سددونه السبيل، أمن لهم يوم كيومهم أو غد كغدهم و لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبا ما بلغ حد أحدهم صلي الله عليه و آله صلاة نامية الأمداد، باقية علي الآباد، مدخرة ليوم المعاد انه كريم جواد [15] .

هذه صفات أوجز بها ما تمكن له الايجاز... و جمع بها ما تمكن له قلمه الانجاز فالأئمة عليهم سلام الله علمهم بحر لجي من علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الله سبحانه و تعالي... الذي يقول: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي) [16] الدين بهم و هم الدين



[ صفحه 234]



في قلوبهم و عقولهم و طعامهم و تصرفاتهم... مكارم الأخلاق منهم و مكارم الأفعال صفاتهم و مكارم الأقوال لغاتهم من أجل دين الله استشهد الحسين و حمل بنوه الشهادة.. شهادة النضال للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، من أجل دين الله نذروا نفوسهم و للذود عن حياضه كانت حياتهم الفداء.. [الاسلام بدؤه محمدي و بقاؤه حسيني] هكذا الحسين استشهد قربانا لدين الله... و هكذا صبر موسي كاظما لأجل دين الله...

يقول الخطيب البغدادي: «روي أصحابنا: أنه دخل عليه السلام مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فسجد سجدة في أول الليل و سمع و هو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوي و يا أهل المغفرة، فجعل يرددها حتي أصبح» [17] .

حدث عمار بن أبان قال: حبس أبوالحسن موسي بن جعفر عليه السلام عند السندي بن شاهك فسألته أخته أن تتولي حبسه (و كانت تتدين) ففعل، فكانت تلي خدمته فحكي لنا أنها قالت: كان اذا صلي العتمة حمدالله و مجده و دعاه فلم يزل كذلك حتي يزول الليل. فاذا زال الليل قام يصلي حتي يصلي الصبح، ثم يذكر قليلا حتي تطلع الشمس ثم يقعد الي ارتفاع الضحي ثم يتهيأ و يستاك و يأكل ثم يرقد الي قبل الزوال ثم يتوضأ و يصلي حتي يصلي العصر ثم يذكر في القبلة حتي يصلي المغرب ثم يصلي ما بين المغرب و العتمة فكان هذا دأبه، فكانت أخت السندي اذا نظرت اليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل، و كان عبدا صالحا [18] .

و روي ابن شهر آشوب: كانت لموسي بن جعفر بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس الي وقت الزوال و كان عليه السلام أحسن الناس صوتا



[ صفحه 235]



بالقرآن فكان اذا قرأ يحزن و يبكي السامعون لتلاوته و كان يبكي خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع [19] .

و روي أحمد بن عبدالله عن أبيه قال: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح فقال لي: أشرف علي هذا البيت و انظر ما تري؟ فقلت: ثوبا مطروحا فقال: انظر حسنا، فتأملت فقلت: رجل ساجد، فقال لي: تعرفه؟ هو موسي بن جعفر، أتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي هذه الحالة، انه يصلي الفجر فيعقب الي أن تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة، فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس و قد و كل من يترصد أوقات الصلاة فاذا أخبره وثب يصلي من غير تجديد وضوء و هو دأبه فاذا صلي العتمة أفطر ثم يجدد وضوءه، ثم يسجد فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر، و قال بعض عيونه: كنت اسمعه كثيرا يقول في دعائه: اللهم انني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك اللهم و قد فعلت فلك الحمد.

و كان عليه السلام يدعو فيقول: اللهم اني أسألك الراحة عند الموت و العفو عند الحساب [20] .

و روي ابراهيم بن عبدالحميد قال: دخلت علي أبي الحسن الأول عليه السلام في بيته الذي كان يصلي فيه فاذا ليس في البيت الا حصفة و سيف معلق و مصحف [21] .

و قال الشيخ المفيد: و روي أنه كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتي تطلع الشمس، و يخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من



[ صفحه 236]



الدعاء و التحميد حتي يقرب زوال الشمس و كان يدعو كثيرا فيقول: اللهم اني أسألك الراحة عند الموت و العفو عند الحساب و يكرر ذلك و كان من دعائه عليه السلام: عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك. و كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع و كان أوصل الناس لأهله و رحمه و كان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزنبيل فيه العين و الورق و الأدقة و التمور فيوصل اليهم ذلك و لا يعلمون من أية جهة هو. [22] .

روي السيد ابن طاوس: «لما كان هم هارون الرشيد بقتل موسي بن جعفر عليه السلام دعا الفضل بن الربيع و قال له: قد وقعت لي اليك حاجة أسألك أن تقضيها و لك مائة ألف درهم قال: فخر الفضل عند ذلك ساجدا و قال: أمرا أم مسألة؟ قال: بل مسألة، ثم قال: أمرت بأن تحمل الي دارك في هذه الساعة مائة ألف درهم و أسألك أن تصير الي دار موسي بن جعفر و تأتيني برأسه.

قال الفضل: فذهبت الي ذلك البيت فرأيت فيه موسي بن جعفر و هو قائم يصلي فجلست حتي قضي صلاته و أقبل الي و تبسم و قال: عرفت لماذا حضرت، أمهلني حتي أصلي ركعتين؟ قال: فأمهلته فقام و توضأ فأسبغ الوضوء و صلي ركعتين و أتم الصلاة بحسن ركوعها و سجودها و قرأ خلف صلاته بهذا الحرز فادرس و ساخ في مكانه فلا أدري أرض ابتعلته أم سماء اختطفته، فذهبت الي هارون فقصصت عليه القصة قال: فبكي هارون الرشيد ثم قال: قد أجاره الله مني. [23] .

و روي عبدالله بن مالك الخزاعي قال: دعاني هارون الرشيد فقال: يا أبا عبدالله، كيف أنت و موضع السر منك؟ فقلت: يا أميرالمؤمنين ما أنا الا



[ صفحه 237]



عبد من عبيدك، فقال: امض الي تلك الحجرة و خذ من فيها و احتفظ به الي أن أسألك عنه، فقال: دخلت فوجدت موسي بن جعفر عليه السلام، فلما رآني سلمت عليه و حملته علي دابتي الي منزلي فأدخلته داري و جعلته مع حرمي و قفلت عليه و المفتاح معي و كنت أتولي خدمته و مضت الأيام فلم أشعر الا برسول الرشيد يقول: أجب أميرالمؤمنين. فنهضت و دخلت عليه و هو جالس و عن يمينه فراش و عن يساره فراش فسلمت عليه فلم يرد غير أنه قال: ما فعلت بالوديعة؟ فكأني لم أفهم ما قال: فقال: ما فعل صاحبك؟ فقلت: صالح، فقال: امض اليه و ادفع له ثلاثة آلاف درهم و اصرفه الي منزله و أهله، فقمت و هممت بالانصراف فقال: أتدري ما السبب في ذلك و ما هو؟ قلت: لا يا أميرالمؤمنين. فقال: نمت علي الفراش الذي عن يميني فرأيت في منامي قائلا يقول لي: يا هارون أطلق موسي بن جعفر فانتبهت فقلت لعلها لما في نفسي منه فنمت الي هذا الفراش الآخر فرأيت ذلك الشخص بعينه و هو يقول: يا هارون أمرتك أن تطلق موسي بن جعفر فلم تفعل فانتبهت و تعوذت من الشيطان، ثم نمت الي هذا الفراش الذي أنا عليه و اذا بذلك الشخص بعينه و بيده حربة كأن أولها بالمشرق و آخرها بالمغرب و قد أومأ الي و هو يقول: و الله يا هارون لئن لم تطلق موسي بن جعفر لأضعن هذه الحربة في صدرك و أطلعها من ظهرك، فأرسلت اليك فامض فيما أمرتك به و لا تظهره الي أحد فأقتلك، فانظر لنفسك، قال: فرجعت الي منزلي و فتحت الحجرة و دخلت علي موسي بن جعفر فوجدته قد نام في سجوده فجلست حتي استيقظ و رفع رأسه و قال: يا أبا عبدالله افعل ما أمرت به، فقلت له: يا مولاي سألتك بالله و بحق جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم هل دعوت الله عزوجل في يومك هذا بالفرج؟ فقال: أجل اني صليت المفروضة و سجدت و غفوت في سجودي فرأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا موسي أتحب أن تطلق؟ فقلت: نعم يا رسول الله فقال: ادع بهذا الدعاء: «يا سابغ النعم، يا دافع النقم، يا



[ صفحه 238]



باري ء النسم، يا مجلي الهمم، و يا مغشي الظلم، يا كاشف الضر و الألم، يا ذا الجود و الكرم، و يا سامع كل صوت و يا مدرك كل فوت، و يا محيي العظام و هي رميم و منشئها بعد الموت، صل علي محمد و آل محمد و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا يا ذالجلال و الاكرام». فلقد دعوت به و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يلقنيه حتي سمعتك و قلت: قد استجاب الله منك. ثم قلت له ما أمرني الرشيد و أعطيته ذلك. [24] . دخل موسي بن جعفر عليه السلام بعض قري الشام متنكرا هاربا فوقع في غار و فيه راهب يعظ في كل سنة يوما، فلما رآه الراهب دخل منه هيبة فقال: يا هذا أنت غريب؟ قال منا أو علينا؟ قال: لست منكم قال: أنت من الأمة المرحومة؟ قال: نعم. قال: أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم؟ قال: لست من جهالهم، فقال: كيف طوبي أصلها في دار عيسي و عندكم في دار محمد و أغصانها في كل دار؟ فقال عليه السلام: الشمس قد وصل ضوؤها الي كل مكان و كل موضع و هي في السماء. قال: و في الجنة لا ينفد طعامها و ان أكلوا منه و لا ينقص منه شي ء؟ قال: السراج في الدنيا يقتبس منه و لا ينقص منه شي ء، قال: و في الجنة ظل ممدود؟ فقال عليه السلام: الوقت الذي قبل طلوع الشمس كله ظل ممدود و ذلك قوله تعالي: (ألم تر الي ربك كيف مد الظل) [25] قال: ما يؤكل و يشرب في الجنة لا يكون بولا و لا غائطا، قال عليه السلام: الجنين في بطن أمه. قال: أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر، فقال عليه السلام: اذا احتاج الانسان الي شي ء عرفت أعضاؤه ذلك و يفعلون بمراده من غير أمر. قال: مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة. قال: مفتاح الجنة لسان العبد لا اله الا الله قال: صدقت و أسلم و الجماعة معه. [26] .



[ صفحه 239]




پاورقي

[1] مشارق أنوار اليقين، ص 94.

[2] عيون أخبار الرضا، 1 / 91 رقم 11.

[3] عيون أخبار الرضا، ج 1، ص 93، رقم 12.

[4] صفة الصفوة، ج 2، ص 184.

[5] ينابيع المودة، ص 362.

[6] كامل الزيارات، باب 3، ص 18.

[7] مطالب السؤول، ص 225.

[8] الفصول المهمة، ص 231. - نور الأبصار للشبلنجي، ص 173.

[9] عمدة الطالب، ص 196.

[10] سورة فصلت، الآية: 35.

[11] مطالب السؤول، ص 207.

[12] الفصول المهمة، ص 232.

[13] المناقب، 4 / 323.

[14] مناقب، ج 4، ص 323.

[15] كشف الغمة، ج 2، ص 256.

[16] سورة الكهف، الآية: 109.

[17] قادتنا، ج 6، ص 315.

[18] تاريخ بغداد، ج 3، ص 31.

[19] المناقب، ج 2، ص 318.

[20] المناقب، ج 2، ص 318.

[21] قرب الاسناد، ص 160.

[22] الارشاد، ص 277.

[23] مهج الدعوات، ص 29.

[24] مهج الدعوات، ص 305.

[25] سورة الفرقان، الآية: 45.

[26] مناقب، ج 4، ص 311.