بازگشت

الرشيد و معاناة الامام


و أما الرشيد الطاغية فكم من الروايات تذكر معاناة الامام من فسقه و جوره و ظلمه و طغيانه.. و كم من مرة يزور فيها مدينة رسول الله و يتوجه لزيارة القبر المشرف و الغيظ و الحنق يفجران حقد صدره قيل انه و في احدي زياراته (لما دخل هارون الرشيد المدينة توجه لزيارة النبي صلي الله عليه و آله و سلم و معه الناس، فتقدم الي قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا ابن عم، مفتخرا بذلك علي غيره، فقدم أبوالحسن موسي بن جعفر عليه السلام الي القبر فقال: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبه. فتغير وجه الرشيد و تبين الغيظ فيه ثم قال: و الله يا أباالحسن هذا هو الفخر و الشرف حقا، ثم حمله معه الي بغداد فحبسه بها سنة سبع و سبعين و مائة فأقام في حبسه الي سنة ثمان و ثمانين و مائة في رجب فتوفي بها) [1] .

و من كتاب حقوق المؤمنين لأبي علي بن طاهر قال: استأذن علي بن يقطين مولاي الكاظم عليه السلام في ترك عمل السلطان فلم يأذن له و قال: لا تفعل فان لنا بك أنسا و لاخوانك بك عزا و عسي أن يجبر الله بك كسرا و يكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه، يا علي كفارة أعمالكم الاحسان الي اخوانكم، اضمن لي واحدة و اضمن لك ثلاثا، اضمن لي أن لا تلقي أحدا من أوليائنا الا قضيت حاجته و أكرمته و أضمن لك أن لا يضلك سقف سجن أبدا و لا ينالك



[ صفحه 252]



ينالك حد سيف أبدا، و لا يدخل الفقر بيتك أبدا، يا علي من سر مؤمنا فبالله بدأ و بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم ثني و بنا ثلث.

و جاء في الاحتجاج أنه روي عن أبي الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام أنه قال: لما سمعت بهذا البيت و هو لمروان بن أبي حفصة:



(أني يكون و لا يكون و لم يكن

لبني البنات وراثة الأعمام)



دار في ذلك ليلتي فنمت فسمعت هاتفا في منامي يقول:



أني يكون و لا يكون و لم يكن

للمشركين دعائم الاسلام



لبني البنات نصيبهم من جدهم

و العم متروك بغير سهام



ما للطليق و للتراث و انما

سجد الطليق مخافة الصمصام



و بقي ابن نثلة واقفا مترددا

فيه و يمنعه ذوو الأرحام



ان ابن فاطمة المنوه باسمه

حاز التراث سوي بني الأعمام [2] .



و عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال: قال رجل من خواص الشيعة لموسي بن جعفر عليه السلام و هو يرتعد بعدما خلا به: يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ما أخوفني أن يكون فلان ابن فلان ينافقك في اظهار اعتقاده وصيتك و امامتك، فقال موسي عليه السلام: و كيف ذلك؟ قال: لأني حضرت معه اليوم في مجلس فلان و كان معه رجل من كبار أهل بغداد، فقال له صاحب المجلس: أنت تزعم أن صاحبك موسي بن جعفر امام دون هذا الخليفة القاعد علي سريره؟ قال له صاحبك هذا: ما أقول هذا، بل أزعم أن موسي بن جعفر غير امام و ان لم أكن أعتقد أنه غير امام، فعلي و علي من لم يعتقد ذلك لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين فقال له صاحب المجلس: جزاك الله خيرا، و لعن الله من وشي بك الي، فقال له موسي بن جعفر عليه السلام: ليس كما ظننت ولكن صاحبك أفقه منك، انما قال موسي غير امام، أي ان الذي هو غير امام



[ صفحه 253]



فموسي غيره فهو اذن امام، فانما أثبت بقوله هذا امامتي، و نفي امامة غيري يا عبدالله: متي يزول عنك هذا الذي ظننته بأخيك هذا من النفاق تب الي الله. ففهم الرجل ما قاله و اغتم ثم قال: يا ابن رسول الله، ما لي مال فأرضيه به، و لكن قد وهبت له شطر عملي كله من تعبدي و صلاتي عليكم أهل البيت و من لعنتي لأعدائكم. قال موسي عليه السلام: الآن خرجت من النار [3] .

لقد استعمل التقية ذلك التابع له عليه السلام الحامل رسالته المستنير من هديه الذاب عن عقيدته و المؤمن بولايته ليدفع سطوة الطغاة و بطشهم و ما رسالة الامام الكاظم عليه السلام للخيزران الا نوع من أنواع التقية، في وجه أولئك الظلمة الطغاة... كتب لها و هو يعلم عليه السلام أنها هي التي قتلت ابنها متجاهلا ذلك بدعائه لها (أتم الله لك أفضل ما عودك من نعمته...).

و في ذلك جاء في قرب الاسناد ما رواه محمد بن عيسي عن بعض من ذكره أنه كتب أبوالحسن موسي عليه السلام الي الخيزران أم أميرالمؤمنين يعزيها بموسي الهادي ابنها و يهنيها بهارون ابنها: بسم الله الرحمن الرحيم للخيزران أم أميرالمؤمنين من موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أما بعد أصلحك الله، و أمتع بك، و أكرمك، و حفظك، و أتم النعمة و العافية في الدنيا و الآخرة لك برحمته.

بلغنا أطال الله بقاك ما كان من قضاء الله الغالب في وفاة أميرالمؤمنين موسي صلوات الله عليه و رحمته و مغفرته و رضوانه، و انا لله و انا اليه راجعون. اعظاما لمصيبته، و اجلالا لرزئه و فقده. ثم انا لله و انا اليه راجعون صبرا لأمر الله عزوجل و تسليما لقضائه، ثم انا لله و انا اليه راجعون لشدة مصيبتك علينا خاصة و بلوغها من حر قلوبنا و نشوز أنفسنا. نسأل الله أن يصلي علي أميرالمؤمنين و أن يرحمه، و يلحقه بنبيه صلي الله عليه و آله و سلم و بصالح سلفه و أن



[ صفحه 254]



يجعل ما نقله اليه خيرا مما أخرجه منه و نسأل الله أن يعظم أجرك أمتع الله بك، و أن يحسن عقباك و أن يعوضك من المصيبة بأميرالمؤمنين أفضل ما وعد الصابرين، من صلواته و رحمته و هداه. و نسأل الله أن يربط علي قلبك و يحسن عزاك و سلوتك و الخلف عليك و لا يريك بعده مكروها في نفسك و لا في شي ء من نعمته.

ثم ان الأمور أطال الله بقاءك كلها بيدالله عزوجل يمضيها و يقدرها بقدرته فيها و السلطان عليها توكل بحفظ ماضيها و تمام باقيها فلا مقدم لما أخر منها و لا مؤخر لما قدم، استأثر بالبقاء، و خلق خلقه للفناء أسكنهم دنيا سريعا زوالها، قليلا بقاؤها و جعل لهم مرجعا الي دار لا زوال لها و لا فناء، و كتب الموت علي جميع خلقه و جعلهم أسوة عدلا منه عليهم عزيزا و قدرة منه عليهم، لا مدفع لأحد منهم، و لا محيص له عنه، حتي يجمع الله تبارك و تعالي بذلك الي دار البقاء خلقه و يرث به أرضه و من عليها و اليه يرجعون. و أسأل الله أن يهنيك خلافة أميرالمؤمنين، أمتع الله به، و أطال بقاءه، و مد في عمره، و أنسأ في أجله، و أن يسوغكما بأتم النعمة و أفضل الكرامة، و أطول العمر و أحسن الكفاية، و أن يمتعك و ايانا خاصة و المسلمين عامة بأميرالمؤمنين حتي نبلغ به أفضل الأمل فيه لنفسه و منك أطال الله بقاه و مناله لم يكن أطال الله بقاك أحد من أهلي، و قومك و خاصتك و حرمتك كان أشد لمصيبتك اعظاما، و بها حزنا و لك بالأجر عليها دعاء و بالنعمة التي أحدث الله لأميرالمؤمنين أطال الله بقاه دعاء بتمامها و دوامها و بقائها، و فع المكروه فيها مني، و الحمد لله لما جعلني الله عليه بمعرفتي بفضلك، و النعمة عليك و بشكري بلاءك، و عظيم رجائي لك أمتع الله بك و أحسن جزاك، ان رأيته أطال الله بقاك أن تكتبي الي بخبرك في خاصة نفسك و حال جزيل هذه المصيبة و سلوتك عنها فعلت، فاني بذلك مهتم و الي ما جاءني من خبرك و حالك فيه متطلع أتم الله لك أفضل ما عودك من نعمته و اصطنع عندك من



[ صفحه 255]



كرامته و السلام عليك رحمة الله و بركاته، و كتب يوم الخميس لسبع ليال خلون من شهر ربيع الآخر لسنة سبعين و مائة. [4] .

ما أشد هذه التقية في ذلك الزمان الممحل ليحتاج الامام موسي عليه السلام لكتابة مثل هذا الكتاب لموت كافر ظالم قاتل فاسق لا يؤمن بيوم الحساب و لا بآي الكتاب تاريخه حافل بالدماء و القتل للمؤمنين و آل البيت... و يداه ملطختان... و قلبه ليل حندس...

فالسلام عليك أيها الكاظم الغيظ السلام عليك يا ابن الصادق ابن الباقر ابن السجاد ابن الحسين الشهيد ابن علي الوصي السلام عليكم يا حملة رسالة الاسلام يا أئمة الايمان و الهدي... و علي من اتبعكم مؤمنا بحقكم. سالكا سبلكم حافظا شريعتكم ذابا عنها لأنها رسالة محمد صلي الله عليه و آله و سلم... رسالة الحق... رسالة الوحي الأمين و الصلاة علي سيد المرسلين و آله المنتجبين الطاهرين.

روي عن الامام موسي عليه السلام أنه كان حسن الصوت حسن القراءة، فقال يوما من الأيام أن علي بن الحسين عليه السلام كان يقرأ القرآن فربما مر به المار، فصعق من حسن صوته و ان الامام لو أظهر من ذلك شيئا لما احتمله الناس. قيل له: ألم يكن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يصلي بالناس و يرفع صوته بالقرآن؟ فقال: ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كان يحمل من خلفه ما يطيقون. [5] .

و روي عنه أيضا أنه قال عليه السلام: فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا بتعلم ما هو محتاج اليه أشد علي ابليس من ألف عابد، لأن العابد همه ذات نفسه فقط و هذا همه مع ذات نفسه ذات عباد الله و امائه لينقذهم من يد ابليس و مردته و لذلك هو أفضل عندالله من ألف عابد و ألف ألف عابد.



[ صفحه 256]



و قال محمد بن سابق بن طلحة الأنصاري: كان مما قال هارون لأبي الحسن صلي الله عليه و آله و سلم حين أدخل عليه: ما هذه الدار؟ قال: هذه دار الفاسقين قال: و قرأ (سأصرف عن آيتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و ان يروأ كل آية لا يؤمنوا بها و ان يروا سبيل الرشد) [6] فقال له هارون: فدار من هي؟ قال: هي لشيعتنا فترة و لغيرهم فتنة قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟ قال: أخذت منه عامرة، و لا يأخذها الا معمورة. [7] .



[ صفحه 257]




پاورقي

[1] بحارالأنوار، ج 93، ص 239، و ج 28، ص 135.

[2] الاحتجاج، ص 345. البحار، ج 49، ص 109.

[3] بحارالأنوار، ج 68، ص 14.

[4] قرب الاسناد، ص 171.

[5] بحارالأنوار، ج 46، ص 69.

[6] سورة الأعراف، الآية: 146.

[7] تفسير العياشي، ج 2، ص 29.