بازگشت

هشام بن الحكم


و أما هشام بن الحكم و هو ممن فتق الكلام في الامامة و هذب المذهب بالنظر و من متكلمي الشيعة، كان حاذقا بصناعة الكلام، حاضر الجواب... و من خواص الامام عليه السلام له مباحث كثيرة مع المخالفين في الأصول... سئل يوما عن معاوية هل شهد بدرا؟ قال: نعم من ذاك الجانب. [1] .

روي الصدوق أنه كان ليحيي البرمكي بن خالد في داره مجلس يحضره المتكلمون من لك فرقة و ملة يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم، يحتج بعضهم علي بعض فبلغ الرشيد ذلك فقال ليحيي بن خالد: يا عباسي، ما هذا



[ صفحه 268]



المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون؟ قال: يا أميرالمؤمنين ما شي ء مما رفعني به أميرالمؤمنين و بلغ بي من الكرامة و الرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس فانه يحضره كل قوم مع اختلاف مذاهبهم فيحتج بعضهم علي بعض و يعرف المحق منهم و يتبين لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم. فقال له الرشيد: أنا أحب أن أحضر هذا المجلس و أسمع كلامهم علي أن لا يعلموا بحضوري فيحتشموني و لا يظهروا مذاهبهم قال: ذلك الي أميرالمؤمنين متي شاء. قال: فضع يدك علي رأسي أن لا تعلمهم بحضوري، ففعل ذلك و بلغ الخبر المعتزلة فتشاوروا بينهم و عزموا علي أن لا يكلموا هشاما الا في الامامة لعلمهم بمذهب الرشيد و انكاره علي من قال بالامامة.

قال: فحضروا و حضر هشام و حضر عبدالله بن يزيد الاباضي و كان من أصدق الناس لهشام بن الحكم و كان يشاركه في التجارة، فلما دخل هشام سلم علي عبدالله بن يزيد من بينهم فقال يحيي بن خالد لعبدالله بن يزيد: يا عبدالله كلم هشاما فيما اختلفتم فيه من الامامة؟

فقال هشام: أيها الوزير ليس لهم علينا جواب و لا مسألة ان هؤلاء قوم كانوا مجتمعين منا علي امامة رجل ثم فارقونا بلا علم و لا معرفة فلا حين كانوا معنا عرفوا الحق و لا حين فارقونا علموا علي ما فارقونا فليس لهم علينا مسألة و لا جواب.

فقال بيان - و كان من الحرورية - أنا أسألك يا هشام، أخبرني عن أصحاب علي يوم حكموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين؟

قال هشام: كانوا ثلاثة أصناف: صنف مؤمنون، و صنف مشركون، و صنف ضلال فأما المؤمنون فمن قال مثل قولي: ان عليا عليه السلام امام من عند الله عزوجل و معاوية لا يصلح لها فآمنوا بما قال الله عزوجل في علي عليه السلام



[ صفحه 269]



و أقروا به، و أما المشركون فقوم قالوا: علي امام و معاوية يصلح لها فأشركوا اذ أدخلوا معاوية مع علي عليه السلام، و أما الضلال: فقوم خرجوا علي الحمية و العصبية للقبائل و العشائر فلم يعرفوا شيئا من هذا و هم جهال.

قال: فأصحاب معاوية ما كانوا؟ قال: كانوا ثلاثة أصناف: صنف كافرون و صنف مشركون و صنف ضلال.

فأما الكافرون: فالذين قالوا: ان معاوية امام و علي لا يصلح لها فكفروا من جهتين اذ جحدوا اماما من الله عزوجل و نصبوا اماما ليس من الله و أما المشركون: فقوم قالوا: معاوية امام و علي يصلح لها فأشركوا معاوية مع علي عليه السلام. و أما الضلال: فعلي سبيل أولئك خرجوا للحمية و العصبية للقبائل و العشائر فانقطع بيان عند ذلك.

فقال ضرار: و أنا أسألك يا هشام في هذا؟ فقال هشام: أخطأت قال: و لم؟ قال: لأنكم كلكم مجتمعون علي دفع امامة صاحبي و قد سألني هذا عن مسألة و ليس لكم أن تثنوا بالمسألة علي حتي أسألك يا ضرار عن مذهبك في هذا الباب؟ قال ضرار: فسل، قال: أتقول: ان الله عزوجل عدل لا يجور؟ قال: نعم هو عدل لا يجور تبارك و تعالي. قال: فلو كلف الله المقعد المشي الي المساجد و الجهاد في سبيل الله و كلف الأعمي قراءة المصاحف و الكتب أتراه كان يكون عادلا أم جائرا؟ قال ضرار: ما كان الله ليفعل ذلك. قال هشام: قد علمت أن الله لا يفعل ذلك و لكن علي سبيل الجدل و الخصومة، أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائرا اذ كلفه تكليفا لا يكون له السبيل الي اقامته و أدائه؟ قال: لو فعل ذلك لكان جائرا.

قال: فأخبرني عن الله عزوجل كلف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه لا يقبل منهم الا أن يأتوا به كما كلفهم؟ قال: بلي، قال: فجعل لهم دليلا علي وجود ذلك الدين، أو كلفهم ما دليل لهم علي وجوده فيكون بمنزلة من كلف



[ صفحه 270]



الأعمي قراءة الكتب و المقعد المشي الي المساجد و الجهاد؟ قال: فسكت ضرار ساعة ثم قال: لابد من دليل و ليس بصاحبك، قال: فتبسم هشام و قال: تشيع شطرك و صرت الي الحق ضرورة و لا خلاف بيني و بينك الا في التسمية، قال ضرار: فاني أرجع القول عليك في هذا، قال: هات، قال ضرار لهشام: كيف تعقد الامامة؟ قال هشام: كما عقد الله عزوجل النبوة، قال: فهو اذا نبي؟ قال هشام: لا لأن النبوة يعقدها أهل السماء و الامامة يعقدها أهل الأرض، فعقد النبوة بالملائكة، و عقد الامامة بالنبي، و العقدان جميعا بأمر الله جل جلاله، قال: فما الدليل علي ذلك؟ قال هشام: الاضطرار في هذا، قال ضرار: و كيف ذلك؟ قال هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: اما أن يكون الله عزوجل رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فلم يكلفهم و لم يأمرهم و لم ينههم، فصاروا بمنزلة السباع و البهائم التي لا تكليف عليها، أفتقول هذا يا ضرار، ان التكليف عن الناس مرفوع بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال: لا أقول هذا. قال هشام: فالوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس المكلفون قد استحالوا بعد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علماء في مثل حد الرسول في العلم حتي لا يحتاج أحد الي أحد فيكونوا كلهم قد استغنوا بأنفسهم و أصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه، أفتقول هذا أن الناس استحالوا علماء حتي صاروا في مثل حد الرسول في العلم بالدين حتي لا يحتاج أحد الي أحد مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في اصابة الحق؟ قال: لا أقول هذا و لكنهم يحتاجون الي غيرهم.

قال: فبقي الوجه الثالث، و هو أنه لابد لهم من عالم يقيمه الرسول لهم لا يسهو و لا يغلط و لا يحيف. معصوم من الذنوب مبرأ من الخطايا يحتاج الناس اليه و لا يحتاج الي أحد، قال: فما الدليل عليه؟ قال هشام ثمان دلالات أربع في نعت نسبه و أربع في نعت نفسه.

فأما الأربع التي في نعت نسبه: فانه يكون معروف الجنس معروف



[ صفحه 271]



القبيلة معروف البيت و أن يكون من صاحب الملة و الدعوة اليه اشارة، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملة و الدعوة الذي ينادي باسمه في كل يوم خمس مرات علي الصوامع «أشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله» فتصل دعوته الي كل بر و فاجر و عالم و جاهل، مقر و منكر في شرق الأرض و غربها، و لو جاز أن تكون الحجة من الله علي هذا الخلق في غير هذا الجنس لأتي علي الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده، و لجاز أن يطلبه في أجناس من هذا الخلق من العجم و غيرهم و لكان من حيث أراد الله عزوجل أن يكون صلاح يكون فساد و لا يجوز هذا في حكمة الله جل جلاله و عدله أن يفرض علي الناس فريضة لا توجد، فلما لم يجز ذلك لم يجز أن يكون الا في هذا الجنس لاتصاله بصاحب الملة و الدعوة فلم يجز أن يكون من هذا الجنس الا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة و هي قريش و لما لم يجز أن يكون من هذا الجنس الا في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة الا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة و الدعوة، و لما كثر أهل هذا البيت و تشاجروا في الامامة لعلوها و شرفها ادعاها كل واحد منهم فلم يجز الا أن يكون من صاحب الملة و الدعوة اشارة اليه بعينه و اسمه و نسبه كيلا يطمع فيها غيره. و أما الأربع التي في نعت نفسه: فأن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله و سننه و أحكامه حتي لا يخفي عليه منها دقيق و لا جليل و أن يكون معصوما من الذنوب كلها و أن يكون أشجع الناس و أن يكون أسخي الناس.

فقال عبدالله بن يزيد الاباضي: من أين قلت انه أعلم الناس؟ قال: لأنه ان لم يكن عالما بجميع حدود الله و أحكامه و شرائعه و سننه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود، فمن وجب عليه القطع حده و من وجب عليه الحد قطعه فلا يقيم لله عزوجل حدا علي ما أمر به فيكون من حيث أراد الله صلاحا يقع فسادا.



[ صفحه 272]



قال: فمن أين قلت: انه معصوم من الذنوب؟ قال: لأنه ان لم يكن معصوما من الذنوب دخل في الخطأ فلا يؤمن أن يكتم علي نفسه و يكتم علي حميمه و قريبه، و لا يحتج الله بمثل هذا علي خلقه.

قال: فمن أين قلت انه أشجع الناس؟ قال: لأنه فئة للمسلمين الذين يرجعون اليه في الحروب. و قال الله عزوجل: (و من يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال أو متحيزا الي فئة فقد بآء بغضب من الله) [2] ، فان لم يكن شجاعا فر فيبوء بغضب من الله و لا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله عزوجل حجة الله علي خلقه.

قال: فمن أين قلت: انه أسخي الناس؟ قال: لأنه خازن المسلمين فان لم يكن سخيا تاقت نفسه الي أموالهم فأخذها فكان خائنا و لا يجوز أن يحتج الله علي خلقه بخائن. فعند ذلك قال ضرار: فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟ فقال: صاحب العصر أميرالمؤمنين، و كان هارون الرشيد قد سمع الكلام كله فقال عند ذلك: أعطانا و الله من جراب النورة ويحك يا جعفر - و كان جعفر بن يحيي جالسا معه في الستر - من يعني بهذا؟ فقال: يا أميرالمؤمنين يعني به موسي بن جعفر، قال: ما عني بها غير أهلها ثم عض علي شفتيه و قال: مثل هذا حي و يبقي لي ملكي ساعة واحدة؟ فوالله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف، و علم يحيي أن هشاما قد أتي فدخل الستر فقال: يا عباسي ويحك من هذا الرجل فقال: يا أميرالمؤمنين حسبك تكفي - أي تكفي شره و نقتله - ثم خرج الي هشام فغمزه فعلم هشام أنه قد أتي فقام يريهم أنه يبول أو يقضي حاجة فلبس نعليه و انسل و مر ببنيه و أمرهم بالتواري و هرب و مر من فوره نحو الكوفة فوافي الكعبة و نزل علي بشير النبال - و كان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبدالله عليه السلام -



[ صفحه 273]



فأخبره الخبر ثم اعتل علة شديدة فقال له بشير: أتيك بطبيب؟ قال: لا أنا ميت فلما حضره الموت قال لبشير: اذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة و اكتب رقعة و قل: هذا هشام بن الحكم الذي يطلبه أميرالمؤمنين مات حتف أنفه. و كان هارون قد بعث الي اخوانه و أصحابه فأخذ الخلق به فلما أصبح أهل الكوفة رأوه و حضر القاضي و صاحب المعونة و العامل و المعدلون بالكوفة و كتب الي الرشيد بذلك فقال: الحمد لله الذي كفانا أمره. فخلي عمن كان أخذ به. [3] .

لقد كان هشام نموذجا لحملة علوم الامام الداعين في الأمصار الي الاسلام الحق و الطريق الصواب و كان ذابا عن دين الله حاميا لعقيدته و شريعته من أفذاذ الأمة الاسلامية و كبار علمائها و في طليعة المنافحين عن مبدأ أهل البيت عليهم السلام جاهد في نصرة الحق و الذب عن كيان الاسلام في عصر ظلمت فيه النفوس و أظلمت و انعدمت الحريات و ساد البغي و الفساد و حورب أهل البيت عليهم السلام حتي كان الذاكر لفضائلهم عرضة للانتقام و التنكيل من قبل السلطة الحاكمة التي بذلت جميع امكانياتها في اضعاف كيان آل الرسول عليه السلام و وقف هشام كالطود مناظرا خصومه متفوقا عليهم فلهجت الأندية العلمية بقوة استدلاله و روعة برهانه و ان دل ذلك فيدل علي حبه و تعلقه بأهل بيت النبوة عليهم السلام و لسنا هنا في معرض البحث عن حياته بقدر ما يهمنا ما قام به و في الكشي ص 166 شافية الطالب لسجل حياته تغمده الله برحمته لما أعطاه و قدمه للاسلام مستنيرا بالنور الحق ناهلا من ثاني الثقلين مستمسكا بالعروة الوثقي فكان خير آخذ عن الصادق عليه السلام و خير منافح عن الشريعة السمحة التي ما فتي ء ينهل منها بعد الصادق عليه السلام عن ابنه الكاظم عليه السلام... من المنبع الثر فنال الشرف الرفيع عند أئمة أهل البيت عليهم السلام



[ صفحه 274]



تفوق علي الفلاسفة بمناظراته. و خصوبة فكره و سرعة بديهته و سعة معرفته فقال فيه الامام موسي عليه السلام (ما ترك شيئا) و للاستذادة بالاطلاع علي آثاره القيمة فكتاب (هشام بن الحكم) و تاريخ الاسلام للذهبي و فرق الشيعة للنوبختي.

و نقرأ في الكشي و مروج الذهب و الأمالي مناظرته مع عمرو بن عبيد حيث يتوصل في النهاية لاثبات أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قد أوصي قبل موته فيقول: (يا أبامروان ان الله لم يترك جوارحك حتي جعل لها اماما يصحح لها الصحيح و ينفي ما شكت فيه، و يترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم و شكهم و اختلافهم لا يقيم لهم اماما يردون اليه شكهم و حيرتهم و يقيم لك اماما لجوارحك ترد اليه حيرتك و شكك)!!

هشام بن الحكم قال فيه الصادق عليه السلام: (يا هشام، لا زلت مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك)، و من أبلغ مناظراته ما كان من يحيي البرمكي بحضور الرشيد حين توصل بقوله لهشام: أخبرني عن علي و العباس لما اختصما الي أبي بكر في الميراث أيهما كان المحق من المبطل فقال: لم يكن من أحدهما خطأ و كانا جميعا محقين و نظير ذلك قصة داود في القرآن الكريم حيث يقول الله جل جلاله: (و هل أتاك نبؤا الخصم اذ تسوروا المحراب (21) اذ دخلوا علي داود ففرع منهم قالوا لا تخف خصمان بغي بعضنا علي بعض) [4] فأي الملكين كان مخطئا؟ و أيهما كان مصيبا؟ أم تقول: انهما كانا مخطئين فجوابك في ذلك جوابي بعينه فقال يحيي: لست أقول: ان الملكين أخطآ بل أقول انهما أصابا و ذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة و لا اختلفا في الحكم و انما أظهرا ذلك لينبها داود علي الخطيئة و يعرفاه الحكم و يوقفاه عليه، فقال هشام: كذلك علي و العباس لم يختلفا في الحكم و لا اختصما في الحقيقة



[ صفحه 275]



و انما أظهرا الاختلاف و الخصومة لينبها أبابكر علي غلطه و يوقفاه علي خطيئته و يدلاه علي ظلمه لهما في الميراث و لم يكونا في ريب من أمرهما و انما ذلك منهما علي ما كان من الملكين) [5] .

واحد من العمالقة الذين جعل الله في لسانهم صوت الحق و في قلوبهم نور الايمان و جعلهم رسل الامامة لنشر الرسالة و الذود عن حياضها و جعل الأئمة سفن النجاة و باب حطة و الحبل الممدود الي النجاة.

و يتساءل التاريخ ما دور هشام في القبض علي الامام موسي عليه السلام؟ هل كان لتلك المناظرة و الرشيد يسمعها عندما و وصل ابن جرير لموضع السؤال الذي قال فيه: أخبرني عن علي بن أبي طالب عليه السلام مفروض الطاعة؟ فقال هشام: نعم فسأله: ان أمرك الذي بعده بالخروج بالسيف معه تفعل و تطيعه فقال: لا يأمرني قال: و لم اذا كانت طاعته مفروضة عليك و عليك أن تطيعه.

لقد كان سليمان يحفر لهشام ليوقعه في الشرك الذي يصطاده به الرشيد خاصة و أن يحيي عندما تغير عليه و شي للرشيد به و قال انه من الرافضة.

و عندما قال سليمان: فلم يأمرك في حال تطيعه و في حال لا تطيعه؟ فقال هشام: ويحك لم أقل اني لا أطيعه... و هنا كانت المصيدة أطبقت فقال: ان طاعته مفروضة انما قلت لك: لا يأمرني.

و يقول سليمان: ليس أسألك الا علي سبيل سلطان الجدل، ليس علي الواجب أنه لا يأمرك فقال هشام: كم تحوم حول الحمي، هل هو الا أن أقول لك ان أمرني فعلت فتنقطع أقبح الانقطاع، و لا يكون عندك زيادة و أنا أعلم بما يجب قولي، و ما اليه يؤول جوابي.

و هنا تغير وجه الرشيد... و قال: قد أفصح، و قال الناس و اغتنمها هشام



[ صفحه 276]



فخرج علي وجهه الي المدائن... و ماذا بعد ذلك ما هي النتيجة التي تخرج من بين يدي هارون...؟ قيل بلغنا أن هارن قال ليحيي: شد يدك بهذا و أصحابه و بعث الي أبي الحسن موسي عليه السلام فحبسه فكان هذا سبب حبسه مع غيره من الأسباب، و انما أراد يحيي أن يهرب هشام فيموت مخفيا ما دام لهارون سلطان. فهل كان السبب الرئيس لأخذ الامام موسي عليه السلام ذلك الجدل و الذي اتخذه الرشيد ذريعة للوصول لغايته و التي كان يرسم لها كما رسم آباؤه للأئمة قبله و يفعل كما فعلوا بآل البيت... ربما كانت (الشعرة التي قصمت ظهر البعير) و لكن المرجح أن هارون كان الحقد يغلي في قلبه و الحسد يقتله، أو ليس هو القائل للمأمون: (الملك عقيم) و كيف به و هو يري و يسمع عن الامام موسي ما لا أذن سمعت و لا عين رأت من علمه و فضله و حقه و موقفه بالرغم من ايمانه بأن الامام موسي عليه السلام لن يخرج عليه - و لن يفعل الا كما فعل الامام الصادق عليه السلام مع من عاصره...

و في زمن المهدي زعم هشام ليونس بن عبدالرحمن أن أباالحسن عليه السلام بعث اليه فقال له: كف هذه الأيام عن الكلام فان الأمر شديد. قال هشام: فكففت عن الكلام حتي مات المهدي و سكن الأمر و قد اختلف الرواة في الكيفية التي جرت المناقشة فيها و جري فيها استدعاء هشام بن الحكم و كان به علة و في الطريقة التي سلكها يحيي البرمكي للكيد لهشام.. و اثارة الضغينة لدي هارون عليه و هو الذي كان بادي ء ذي بدء يقربه منه و يجعله قطب مناظرته... و نحن لا نقول ان الزمن قلب ظهر المجن بل هو الصراع الدائم بين الحق و الباطل..

فهشام يحمل رسالة الامام موسي عليه السلام و من قبله رسالة الامام الصادق عليه السلام رسالة الاقناع بالامامة و الرسالة و الاسلام الحق، الرسالة التي حملها أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله و سلم بعد وفاته و التحاقه ببارئه.. و الذين كان منوط بهم



[ صفحه 277]



حفظ تلك الرسالة و حمايتها و الذود عنها بكل السبل حتي ذهب الحسين عليه السلام شهيدها و بعده كم من شهيد من آل بيت محمد صلي الله عليه و آله و سلم كم من قتيل الظلم و الظلمة و الطغاة...

فهل كان مجلس يحيي البرمكي الذي يحضره المتكلمون من كل فرقة و ملة يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم و مذاهبهم اذا جاز لنا وصف احتجاجاتهم تلك بالأديان لأن الدين واحد و المذاهب مختلفة هل كان مجلس علم أم أنه مجلس جاسوسية بلغتنا الحاضرة، من يرضي عنه فاز و من يحقد عليه... أوغر صدر الخليفة عليه ليؤخذ اما للمطبق أو للسيف أو للحيطان و الاسطوانات أو الجلد حتي الموت أو كما أخذ بعد ذلك البرامكة..

و قد ذكر الشيخ المفيد في الارشاد [6] مناظرات هشام أيام أبي عبدالله الصادق عليه السلام حيث قال له الصادق عليه السلام: مثلك فليكلم الناس، اتق الزلة، و الشفاعة من ورائك و كان هشام وقتها أول ما اختطت لحيته...

يقول موسي بن جعفر عليه السلام (و قد سبق الاشارة لذلك): دخلت ذات يوم من المكتب و معي لوحي فأجلسني أبي بين يديه و قال: يا بني اكتب:

(تنح عن القبيح و لا ترده)، ثم قال أجزه فقلت: (و من أوليته حسنا فزده).

ثم قال: (ستلقي من عدوك كل كيد)، فقلت: (اذا كان العدو فلا تكده). قال عليه السلام: (ذرية بعضها من بعض) [7] .

و نعود لما قال يزيد بن أسباط: دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام في مرضته التي مات فيها فقال لي: يا يزيد أتري هذا الصبي اذا رأيت الناس قد اختلفوا فيه فاشهد علي بأني أخبرتك أن يوسف انما كان ذنبه عند اخوته حتي



[ صفحه 278]



طرحوه في الجب الحسد له حين أخبرهم أنه رأي أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر و هم له ساجدون، و كذلك لابد لهذا الغلام من أن يحسد ثم دعا موسي و عبدالله و اسحاق و محمد و العباس و قال لهم: هذا وصي الأوصياء و عالم علم العلماء و شهيد علي الأموات و الأحياء، ثم قال: يا يزيد ستكتب شهادتهم و يسألون.

لم يكن الامام موسي عليه السلام غلاما و لا صبيا بل كان قد بلغ من العمر تسع عشرة سنة أما حين نص عليه و هو غلام قائلا للفيض بن المختار الذي سأله: جعلت فداك أخبر به أحدا؟ قال: نعم أهلك و ولدك و رفقاءك، و كان يونس بن ظبيان ممن أخبر بذلك و تأكد بقول الصادق عليه السلام له: الأمر كما قال لك فيض..

و ان الذين رووا صريح النص بالامامة من أبيه عنه فمنهم أخوه علي و اسحاق، و المفضل بن عمر الجعفي و معاذ بن كثير و عبدالرحمان بن الحجاج و الفيض بن المختار و يعقوب السراج و سليمان بن خالد و صفوان بن مهران الجمال و حمران بن أعين و أبوبصير و داود الرقي و يزيد بن سليط و يونس بن ظبيان و قطع عليه العصابة الا طائفة عمار الساباطي و ان اعتبار القطع علي عصمة الامام و وجوب النص عليه يوجب امامته و يبطل امامة كل من يدعي له الامامة لأنه بين لمن لم يكن مقطوعا علي عصمته و بين من يدعي له العصمة و لم يكن مقطوعا، و عليه في ثبوت الأمرين ثبوت امامته خلفا عن سلف بالنص عليه من أبيه و عن آبائه و عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم.

و حكي داود بن كثير الرقي قال: أتي أعرابي الي أبي حمزة الثمالي فسأله خبرا فقال: توفي جعفر الصادق. فشهق شهقة و أغمي عليه. فلما أفاق قال: هل أوصي الي أحد؟ قال: نعم أوصي الي ابنه عبدالله و موسي و أبي جعفر، فضحك أبوحمزة و قال: الحمد لله الذي هدانا الي المهدي و بين لنا عن الكبير و دلنا علي الصغير و أخفي عن أمر عظيم.



[ صفحه 279]



فسئل عن قوله فقال: بين عيوب الكبير و دل علي الصغير لاضافته اياه و كتم الوصية للمنصور لأنه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل أنت و كان المنصور دعا في جوف الليل أباأيوب الخوزي فلما أتاه رمي كتابا اليه و هو يبكي و قال هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا بأن جعفر بن محمد قد مات فانا لله و انا اليه راجعون و أين مثل جعفر، ثم قال له اكتب ان أوصي الي رجل بعينه فقدمه و اضرب عنقه فكتب و عاد الجواب: قد أوصي الي خمسة أحدهم أنت و هم: (أبوجعفر المنصور و محمد بن سليمان و عبدالله و موسي و حميدة) قال المنصور: ما الي قتل هؤلاء سبيل و قد سبق أن أوردنا الوصية بعدة روايات... كان المنصور من تابعه عليه السلام و الآن نري هارون يتابع الامام موسي عليه السلام للتخلص منه فماذا و لماذا سلط الشر علي الخير... و ذاك ابن نثيلة ثم ابن الخيزران و هذا و ذاك نقيضان... سلالة الطهر تحكمها سلالة (العهر) و أبناء الأنبياء يتحكم بهم أولاد الاماء وليتهم أولاد اماء مصونات... فماذا يصنع التاريخ و ماذا تخط أقلامه جعفر و موسي عليه السلام تقف الأقلام عاجزة عن الكتابة عن مآثرهما الخيرة الحافظة للدين و العقيدة و الشريعة و الأحكام و الهدي و هناك في الطرف الآخر الغصب و الاغتصاب و الطغيان و الفسق و الفجور و القتل... حميدة المصفاة يا ابنة صاعد البربري أيتها الأندلسية اللؤلؤة بورك حملك و بورك ابنك و بورك حرف لسانك و بورك من حملت له و حملت منه يا أم موسي و علي و اسحاق من لي بجواب علي سؤال و لكن أني و أين فسلام الله عليكم أجمعين...

يقول الجنابذي أبوالحسن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أمه أم ولد تدعي حميدة المصفاة من أشراف الأعاجم ولد له: علي الرضا و زيد و عقيل و هارون و الحسن و الحسين و عبدالله و اسماعيل و عبيدالله و عمر و أحمد و جعفر و يحيي و اسحاق و العباس و حمزة و عبدالرحمن و القاسم و جعفر الأصغر و يقال موضع عمر



[ صفحه 280]



محمد و أبوبكر و من البنات: خديجة و أم فروة و أسماء و علية و فاطمة و كلثوم و أم كلثوم و آمنة و زينب و أم عبدالله و زينب الصغري و أم القاسم و حكيمة و أسماء الصغري و محمودة و أمامة و ميمونة.

يقول الذهبي محمد بن أحمد: كان موسي من أجود الحكماء و من عباد الله الأتقياء و كان صراع الرشيد ضاريا و نزاعه عنيفا، استدعاه من المدينة المنورة الي العراق و بالغ في أذيته و تعذيبه و تقييده و اثقاله بالحديد و نقله من سجن الي سجن سنوات خرج بعدها محمولا الي جسر الرصافة يوم الجمعة ملفوفا بعباءته مسموما ميتا و مدير شرطة الرشيد يتمايل علي فرسه بعد فوزه بسم موسي عليه السلام و كان السندي بن شاهك و كانت السنة ثلاث و ثمانين و مائة للهجرة و كان الخامس و العشرين من شهر رجب و التف الناس حول الجثمان... و سرعان ما جاء انتقام الله عزوجل... سقط السندي مع حصانه في النهر و ذهب الي جهنم و بئس المصير...

و يسأل الرشيد الامام موسي عليه السلام:

يا أباالحسن، ما عليك من العيال:

قال الامام عليه السلام: يزيدون عن الخمسمائة قال: أولاد كلهم قال عليه السلام: لا أكثرهم موالي و حشمي فأما الولد فلي نيف و ثلاثون...

و تتابع الحديث فقال هارون لم لا تزوج النسوة من بني عمومتهن؟

قال الامام عليه السلام: اليد تقصر عن ذلك..

و يقول هارون: يا ابن العم أنا أعطيك من المال ما تزوج به أولادك و تعمر به الضياع و يجيب عليه السلام: وصلتك رحم يا ابن العم و شكر الله لك هذه النية الجميلة و الرحم ماسة و اشجة و النسب و احد و العباس عم النبي صلي الله عليه و آله و سلم و صنو أبيه و عم علي بن أبي طالب عليه السلام و صنو أبيه و ما أبعدك الله من أن



[ صفحه 281]



تفعل ذلك و قد بسط يدك و أكرم عنصرك و أعلي محتدك.

قال هارون: افعل ذلك يا أباالحسن، و كرامة.

لقد بقيت صلة هارون فيه جميلة براقة كبرق غمامة صيف بلا مطر و تمر أيام الرشيد في المدينة... بلا صلة للامام عليه السلام حتي أزمع الرحيل فأرسل اليه أبخس ما أعطي (مائتا دينار)...؟؟!! و يقول له المأمون: يا أميرالمؤمنين تعطي فلان و فلان... و من لا يعرف نسبه خمسة آلاف و تعطي موسي بن جعفر و قد عظمته و أجللته مائتي دينار أخس عطية أعطيتها أحدا من الناس.. و يصيح هارون: اسكت لا أم لك فاني لو أعطيته هذا و مواليه.. و فقر هذا و أهل بيته أسلم لي و لكم من بسط أيديهم. [8] .

هو الرشيد المؤمن بداخله أن موسي بن جعفر عليه السلام هو الامام و هو الخليفة لله في أرضه و حجته علي عباده و أن الخلافة الاسلامية من حقوقه الخاصة و ليس هناك أحد أولي بها منه لكن الملك عقيم... و حب الدنيا غلب علي كل ما عداه. قال بأم لسانه عن السبب في حرمان الامام عليه السلام من العطاء انها الحرب الشعواء حرب الافقار و الاذلال و لكن يأبي الله ذلك.

لقد كان الرشيد يعلم بمكانة الامام و يعتقد أنه خليفة الله علي عباده و أنه وارث علوم الأنبياء، و كان يسأله عما يجري بعده من الأحداث فكان عليه السلام يخبره بذلك و قد سأله عن الأمين و المأمون فأخبره بما يقع بينهما فحز ذلك في نفسه و تألم أشد الألم و أقساه و لقد روي الأصمعي قال: دخلت علي الرشيد، و كنت قد غبت عنه بالبصرة حولا فسلمت عليه بالخلافة، فأومأ لي بالجلوس قريبا منه فجلست ثم نهضت فأومأ لي أن أجلس فجلست حتي خف الناس ثم قال لي: يا أصمعي ألا تحب أن تري محمدا و عبدالله ابني؟



[ صفحه 282]



قلت: بلي يا أميرالمؤمنين، اني لأحب ذلك و ما أردت القصد الا اليهما لأسلم عليهما.

و أمر الرشيد باحضارهما، فأقبلا حتي وقفا علي أبيهما و سلما عليه بالخلافة فأومأ لهما بالجلوس فجلس فجلس محمد عن يمينه و عبدالله عن يساره ثم أمرني بمطار حتهما الأدب فكنت لا ألقي عليها شيئا في فنون الأدب الا أجابا فيه و أصابا.. فقال الرشيد: كيف تري أدبهما؟

يا أميرالمؤمنين ما رأيت مثلهما في ذكائهما وجودة فهمهما و ذهنهما أطال الله بقاءهما و رزق الله الأمة من رأفتهما و عطفهما، فأخذهما الرشيد و ضمهما الي صدره و سبقته عبرته، فبكي حتي انحدرت دموعه علي لحيته، ثم أذن لهما في القيام فنهضا و قال: يا أصمعي كيف بهما اذا ظهر تعاديهما و بدا تباغضهما و وقع بأسهما بينهما، حتي تسفك الدماء، و يود كثير من الأحياء أنهما كانا موتي. فبهر الأصمعي من ذلك و قال له: يا أميرالمؤمنين هذا شي ء قضي به المنجمون عند مولدهما أو شي ء أثرته العلماء في أمرهما!!

فقال الرشيد و هو واثق بما يقول: (لا بل شي ء أثرته العلماء عن الأوصياء عن الأنبياء في أمرهما)، و يقول المأمون: كان الرشيد قد سمع جميع ما يجري بيننا من موسي بن جعفر عليه السلام. [9] .

ان الذي أثار أحقاد و ضغائن الرشيد علي الامام موسي عليه السلام علمه بمنزلة الامام و بما تذهب طائفة من المسلمين الي القول بامامته لذا دعاه و زجه في ظلمات السجون...

و جاء في المناقب لابن شهر آشوب عن خالد السمان في خبر أنه دعا الرشيد رجلا يقال له علي بن صالح الطالقاني و قال له: أنت الذي تقول: ان



[ صفحه 283]



السحاب حملتك من بلد الصين الي طالقان؟ فقال: نعم. قال: فحدثنا كيف كان؟ قال: كسر مركبي في لجج البحر فبقيت ثلاثة أيام علي لوح تضربني الأمواج، فألقتني الأمواج الي البر، فاذا أنا بأنهار و أشجار، فنمت تحت ظل شجرة فبينا أنا نائم اذ سمعت صوتا هائلا فانتبهت فزعا مذعورا فاذا أنا بدابتين يقتتلان علي هيئة الفرس لا أحسن أن أصفهما، فلما بصرتا بي دخلتا في البحر فبينما أنا كذلك اذ رأيت طائرا عظيم الخلق، فوقع قريبا مني بقرب كهف في جبل فقمت مستترا في الشجر حتي دنوت منه لأتأمله فلما رآني طار و رجعت أقفو أثره. فلما قمت بقرب الكهف سمعت تسبيحا و تهليلا و تكبيرا و تلاوة قرآن، و دنوت من الكهف، فناداني مناد من الكهف: ادخل يا علي بن صالح الطالقاني، رحمك الله، فدخلت و سلمت فاذا رجل فخم ضخم غليظ الكراديس عظيم الجثة أنزع، أعين، فرد علي السلام و قال: يا علي بن صالح الطالقاني أنت من معدن الكنوز، لقد أقمت ممتحنا بالجوع و العطش و الخوف، لو لا أن الله رحمك في هذا اليوم فأنجاك و سقاك شرابا طيبا، و لقد علمت الساعة التي ركبت فيها و كم أقمت في البحر و حين كسر بك المركب، و كم لبثت تضربك الأمواج و ما هممت به من طرح نفسك في البحر لتموت اختيارا للموت، لعظيم ما نزل بك، و الساعة التي نجوت فيها، و رؤيتك لما رأيت من الصورتين الحسنتين، و اتباعك الطائر الذي رأيته واقعا، فلما رآك صعد طائرا الي السماء فهلم فاقعد رحمك الله، فلما سمعت كلامه قلت: سألتك بالله من أعلمك بحالي؟ فقال: عالم الغيب و الشهادة، و الذي يراك حين تقوم و تقلبك في الساجدين، ثم قال: أنت جائع، فتكلم بكلام تململت به شفتاه، فاذا بمائدة عليها منديل، فكشفه و قال: هلم الي ما رزقك الله فكل. فأكلت طعاما ما رأيت أطيب منه، ثم سقاني ماء ما رأيت ألذ منه و لا أعذب، ثم صلي ركعتين ثم قال: يا علي أتحب الرجوع الي بلدك؟ فقلت: و من لي بذلك؟! فقال: و كرامة لأوليائنا أن نفعل بهم ذلك، ثم دعا بدعوات



[ صفحه 284]



و رفع يده الي السماء و قال: الساعة، الساعة، فاذا سحاب قد أظلت باب الكهف قطعا قطعا، و كلما وافت سحابة قالت: سلام عليك يا ولي الله و حجته فيقول: و عليك السلام و رحمة الله و بركاته أيتها السحابة السامعة المطيعة، ثم يقول لها: أين تريدين؟ فتقول أرض كذا فيقول: لرحمة أو سخط؟ فتقول: لرحمة أو سخط و تمضي، حتي جاءت سحابة حسنة مضيئة فقال: السلام عليك يا ولي الله و حجته قال: و عليك السلام أيتها السحابة السامعة المطيعة، أين تريدين؟ فقالت: أرض طالقان، فقال: الرحمة أو سخط؟ فقالت: لرحمة فقال لها: احملي ما حملت مودعا في الله، فقالت: سمعا و طاعة، قال لها: فاستقري باذن الله علي وجه الأرض، فاستقرت. فأخذ بعض عضدي فأجلسني عليها، فعند ذلك قلت له: سألتك بالله العظيم و بحق محمد خاتم النبيين و علي سيد الوصيين و الأئمة الطاهرين من أنت؟ فقد أعطيت و الله أمرا عظيما فقال: ويحك يا علي بن صالح ان الله لا يخلي أرضه من حجة طرفة عين، اما باطن و اما ظاهر، أنا حجة الله الظاهرة، و حجته الباطنة أنا حجة الله يوم الوقت المعلوم و أنا المؤدي الناطق عن الرسول أنا في وقتي هذا، موسي بن جعفر، فذكرت امامته و امامة آبائه، و أمر السحاب بالطيران، فطارت، فوالله ما وجدت ألما و لا فزعت فما كان بأسرع من طرفة العين حتي ألقتني بالطالقان في شارعي الذي فيه أهلي و عقاري سالما في عافية، فقتله الرشيد و قال: لا يسمع بهذا أحد. [10] .


پاورقي

[1] فهرست ابن النديم، ص 223.

[2] سورة الأنفال، الآية: 16.

[3] كمال الدين و تمام النعمة، ج 2، ص 362.

[4] سورة ص، الآيتان: 22، 21.

[5] عيون الأخبار، ج 2، ص 15.

[6] الارشاد، ص 296.

[7] سورة آل عمران، الآية: 34.

[8] بحارالأنوار، ج 11، ص 270.

[9] حياة الحيوان للدميري، ج 1، ص 77.

[10] المناقب، ج 3، ص 418.