بازگشت

اسباب سجن الامام


و الأسباب التي دعت الرشيد لسجنه مهما كثرت فانها تتمركز حول الحقد و الحسد و الخوف علي الكرسي.

الرشيد الخليفة يريد أن يكون هو كل شي ء خليفة الله علي الأرض كما قال معاوية و كل ما علا الأرض ملكه يأخذ ما يريد و ما يشاء متي يشاء جن بهم جنون الجاه و اغتروا و ما عادوا نظروا و لا اعتبروا..

و يفقد عقله الرشيد و يصيبه المس أمام من احتشد حول قبر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و هو يقول السلام عليك يا ابن العم مفاخرا بقرابته من النبي الأعظم محمد بن عبدالله صلي الله عليه و آله و سلم و عندما يتقدم موسي عليه السلام يقول: السلام عليك يا أبه... فموسي أعظم منه و أفخر منه و أقرب منه موسي هو الشوكة في حلقه و موسي في أعماقه مؤمن أنه الامام و أنه الأحق فماذا يصنع بموسي عليه السلام... الحبس.. القتل.. التغييب عن الناس الأفقار و التشريد.. ماذا يعمل صراع و خوف في أعماقه الدنيا و الآخرة تتشادان.. و يتغلب الملك و تتغلب الدنيا و ينتصر في نفسه الشيطان، أمر باعتقال الامام عليه السلام و زجه بالسجن و ما زالت ترن في أذنه أقوال الامام عليه السلام عن حدود فدك..

ففي كتاب أخبار الخلفاء أن هارون الرشيد كان يقول لموسي بن جعفر عليه السلام خذ فدكا حتي أردها اليك، فيأبي حتي ألح عليه فقال عليه السلام: لا



[ صفحه 310]



آخذها الا بحدودها قال: و ما حدودها؟ قال: ان حددتها لم تردها قال: بحق جدك الا فعلت؟ قال عليه السلام: أما الحد الأول فعدن، فتغير وجه الرشيد و قال: ايها قال: و الحد الثاني سمرقند، فأربد وجهه قال: و الحد الثالث افريقية فاسود وجهه و قال: هيه قال: و الرابع سيف البحر مما يلي الجزر و أرمينية. قال الرشيد فلم يبق لنا شي ء فتحول الي مجلسي، قال موسي عليه السلام: قد أعلمتك أنني ان حددتها لم تردها فعند ذلك عزم علي قتله، و في رواية ابن أسباط أنه قال: أما الحد الأول: فعريش مصر و الثاني دومة الجندل و الثالث أحد و الرابع سيف البحر فقال: هذا كله، هذه الدنيا فقال عليه السلام هذا كان في أيدي اليهود بعد موت أبي هالة فأفاءه الله علي رسوله بلا خيل و لا ركاب، فأمره الله أن يدفعه الي فاطمة عليهم السلام. [1] .

و قد سبق في زمن المهدي أن الامام موسي عليه السلام كما يروي علي بن محمد بن عبدالله عن بعض أصحابنا - أظنه السياري - عن علي بن أسباط. قال: لما ورد أبوالحسن موسي عليه السلام علي المهدي رآه يرد المظالم فقال: يا أميرالمؤمنين ما بال مظلمتنا لا ترد؟ فقال له: و ما ذاك يا أباالحسن؟ قال: ان الله تبارك و تعالي لما فتح علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم فدك و ما والاها لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب فأنزل الله علي نبيه صلي الله عليه و آله و سلم (و ءات ذا القربي حقه) [2] فلم يدر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من هم فراجع في ذلك جبرائيل عليه السلام ربه فأوحي الله اليه أن ادفع فدك الي فاطمة عليهم السلام فدعاها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال لها: يا فاطمة ان الله أمرني أن أدفع اليك فدك. فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله و منك. فلم يزل و كلاؤها فيها حياة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلما ولي أبوبكر أخرج عنها وكلاءها فأتته فسألته أن يردها عليها فقال لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك.



[ صفحه 311]



فجاءت بأميرالمؤمنين عليه السلام و أم أيمن فشهدا لها. فكتب لها بترك التعرض. فخرجت و الكتاب معها. فلقيها عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمد؟ قالت: كتاب كتب لي ابن أبي قحافة، قال: أرينيه فأبت، فانتزعه من يدها و نظر فيه، ثم تفل فيه و محاه و خرقه. فقال لها: هذا لم يوجف عليه أبوك بخيل و لا ركاب فضعي الجبال في رقابنا. فقال له المهدي: يا أباالحسن حدها لي: فقال: حد منها جبل أحد، و حد منها عريش مصر، و حد منها سيف البحر، و حد منها دومة الجندل، فقال له: كل هذا؟ قال: نعم يا أميرالمؤمنين هذا كله ان هذا كله مما لم يوجف أهله علي رسول الله بخيل و لا ركاب فقال: كثير و أنظر فيه. [3] .

فكانت فدك بتحديدها نقطة قوة تلجم حكام الزور و البهتان في كل زمان.. خاصة ذلك (الرشيد اللارشيد) المتمسك بكلتا يديه بالكرسي يحسب نفسه ظل الله علي الأرض ان لم يكفر أثكر.. فتحفز لسماع أية همهمة ينقلها استراق سمعه و عيون جواسيسه... و كان موقف الامام عليه السلام من هذا الطاغية موقفا سلبيا تمثلت فيه صرامة الحق و صلابة العدل، حرم علي شيعته التعاون مع السلطة الحاكمة بأي وجه و لقد رأينا كيف منع صاحبه صفوان الجمال من اكراء جماله لهارون علما أنها تكري لحج بيت الله الحرام فاضطر صفوان لبيعها و عرف هارون فامتلأ حقدا علي صفوان و هم بقتله كما أنه عليه السلام منع زياد بن أبي سلمة من وظيفته و شاعت في الأوساط الاسلامية فتوي الامام بحرمة الولاية من قبل هارون و أمثاله من الحكام الجائرين فزاد ذلك ايغار قلبه وساءه ذلك فالامام عليه السلام لم يصانع هارون و لم يتسامح معه فكان موقفه معه صريحا واضحا و قد رأينا ذلك سابقا في سؤاله للامام عليه السلام عندما أدخله الي بعض قصوره المشيدة التي لم ير مثلها هارون مختالا سكرا بنشوة النصر



[ صفحه 312]



و نشوة الحكم و بنشوة الغرور فقال بصيغة السؤال و هو يريد الاعتزاز: ما هذه الدار!!! فأجابه الامام دون تقية و لا خوف من جبروت: هذه دار الفاسقين و تلي عليه السلام (سأصرف عن آيتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و ان يروا كل ءاية لا يؤمنوا بها و ان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا) [4] ... و مشت الرعدة في جسم هارون و غمرته موجة الاستياء فقال للامام: دار من هي؟... فقال عليه السلام: هي لشيعتنا فترة و لغيرهم فتنة و يقول: ما بال صاحب الدار لا يأخذها يقول عليه السلام أخذت منه عامرة و لا يأخذها الا معمورة... و يسأله: أين شيعتك فيقول عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتي تأتيهم البينة) [5] .

و قال هارون بصوت يقطر نقمة و غضبا: أنحن كفار؟ قال: لا. و لكن كما قال الله تعالي: (الذين بدلوا نعمت الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار) [6] فغضب هارون و أغلظ في كلامه علي الامام و اجتمع هذا السبب مع الأسباب السابقة كحسده لسمو شخصية الامام عليه السلام و حقده عليه لمكانته في قلوب الناس و حرصه علي كرسي الملك و من ثم بغضه العلويين و لعبت الوشاية دورها كما لعب احتجاج الامام عليه السلام تعيين فدك و صلابة الامام في دينه كل دوره في حقن ذلك الكافر المارق فأودع الامام حنادس السجون و غياهب الظلام و القسوة و الضنك بالرغم من قناعته أن الامام عليه السلام لم يكن يبغي الحكم و السلطان فقد خاف من نشر العدل و الحق بين الناس لأن ذلك يزيل ظلمه و جبروته...

لقد قدم أهل البيت أروع التضحيات في سبيل الله و نشر رسالة الاسلام



[ صفحه 313]



بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لانقاذ المجتمع الاسلامي من الاستبداد و الجور. خاصة و أن الامام موسي عليه السلام كان زعيم المعارضين لسياسة هارون... و أن لمن أقسي المحن التي تناقلتها البشرية هي التي نزلت بالامام موسي عليه السلام و الذي قضي زهرة حياته في ظلمات السجون محجوبا عن أهله و شيعته محظر عليه نشر علومه... و قد جهد هارون و أمعن في ظلمه و التنكيل به. و كما حفل التاريخ بالثورات علي حكام الظلم و التي قادها المصلحون لأجل أبناء جلدتهم فعانوا الأذي و الاضطهاد و التنكيل فانه سطر بحروف من نور جهاد أهل البيت عليهم السلام الذين قدموا أروع التضحيات لنصرة الحق و انقاذ العالم من الجور و الاستبداد سواء في زمن بني أمية أو بني العباس و الذي مارسه الحكام الطغاة في سلب أموال المسلمين لصرفها علي المجون و الدعارة و بذلها لعملائهم الذين يزوقون لهم أفعالهم و يدعمونها بالافتراء... كل هذا حفز أهل البيت عليهم السلام و هم المسؤولون عن رعاية الدين و حماية المسلمين منهم (ثاني الثقلين) و عليهم انقاذ المجتمع الاسلامي من الجور و الذب عن حياض الاسلام و حماية المسلمين.

قرر هارون حبس موسي عليه السلام فاعتذر للنبي صلي الله عليه و آله و سلم عن حبسه اعتذر القاتل لأب المقتول أنه سيقتل ابنه.. قال عفوا؟؟!!! اعتذر المجرم للنبي صلي الله عليه و آله و سلم في انتهاك حرمته و في التنكيل بفلذة كبده ويحه ظن الاعتذار من ارتكاب الجريمة يحله عن العقاب يوم العقاب الأكبر... و ألقت شرطته القبض علي الامام موسي عليه السلام و هو قائم يصلي لربه عند رأس جده النبي صلي الله عليه و آله و سلم... قطعوا عليه صلاته و ما أمهلوه لاتمامها.. حملوه و دموعه تذرف و قيدوه و جروه من قرب جده... و صوته يشكو لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (اليك أشكو يا رسول الله) [7] .. لم يحترم هارون قداسة القبر الشريف فهتك حرمته (فلو نازعه صاحب القبر



[ صفحه 314]



لأخذ عينيه) و هتك حرمة أبنائه و التي هي أولي بالرعاية و المودة من كل شي ء، و كما لم يحترم الصلاة التي هي أقدس العبادات في الاسلام فقطع عليه صلاته و أمر بتقييده. و حمل اليه الامام و هو يرسف في ذل القيود فلما مثل عنده جفاه و أغلظ له في القول. [8] .


پاورقي

[1] مناقب، ج 3، ص 435.

[2] سورة الاسراء، الآية: 26.

[3] الكافي، ج 1،ص 543.

[4] سورة الأعراف، الآية: 146.

[5] سورة البينة، الآية: 1.

[6] سورة ابراهيم، الآية: 28.

[7] المناقب، ج 2، ص 385.

[8] البحار، ج 11، ص 296.