بازگشت

اثر اعتقال الامام


اعتقل الامام و سري الخبر كالنار في الهشيم.. فالخبر وقع كالصاعقة فأجزع النفوس و شتت العقول... هذا ابن رسول الله يعتقل... و أين؟! في المحراب و هو يصلي عند رأس جده.. القلوب تصدعت حزنا و أسي ها هو عليه السلام ذو الصرر و ذو العطاء و ذو العلم و الايمان يحتجب فأني للفقراء و الأيتام و الأرامل من معيل و أني لهم من متعهد بالرعاية و العطف و الحنان المفزع عند الخطوب و الملجأ عند الكوارث و المرشد من الضياع و الهادي الي النهج الحق... خيم علي يثرب الحزن و اللوعة و المصاب...

و خاف الرشيد من حدوث الفتنة و الاضطراب فأمر بتهيئة قبتين و أوعز بحمل احداهما الي الكوفة و الأخري الي البصرة ليوهم علي الناس أمر الامام و ليخفي عليهم خبر اعتقاله بأي مكان و أمر بحمله عليه السلام الي البصرة في غلس الليل حيث سير اليها و قد أحاطته الآلام و وكل حسان السروري بحراسته و المحافظة عليه [1] و قبل أن يصل البصرة مثل بين يديه عبدالله بن مرحوم الأزدي فدفع له الامام كتبا و أمره بايصالها الي ولي عهده الامام الرضا عليه السلام (و عرفه بأنه الامام من بعده).

و طوت القافلة البيداء لتصل البصرة قبل التروية بيوم [2] فأخذ حسان



[ صفحه 315]



الامام عليه السلام و دفعه الي عيسي بن جعفر بن أبي جعفر المنصور ابن عم هارون و هو أميرها و ذلك علانية نهارا حتي عرف الخبر و شاع أمره فحبسه عيسي في بيت من بيوت الحبس و أقفل عليه أبواب السجن فكانت لا تفتح الا في حالتين احداهما في خروجه للطهور و الأخري لادخال الطعام له.

يقول: محمد بن سليمان النوفلي: حدثني أحد كتاب عيسي بن جعفر و كان نصرانيا و كان خاصا بي فقال: لقد سمع هذا الرجل الصالح - و يعني الامام عليه السلام - في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش و المناكير ما أعلم و لا أشك أنه لم يخطر بباله.

و في ذلك الحبس المنكر أقبل الامام عليه السلام علي عبادة الله فحير الألباب و العقول بعبادته و انقطاعه الي الله فكان يصوم النهار و يقوم الليل مصليا متهجدا ساجدا داعيا لربه... لم يسئمه السجن و لم يضجره عزله عن العالم و اعتبر تفرغه للعبادة من أعظم النعم التي منحها الله له. فكان يشكر ربه و يدعو قائلا: (اللهم انك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك اللهم و قد فعلت فلك الحمد) [3] .

و شاع خبر اعتقاله عليه السلام في مدينة البصرة فأقبل علماؤها و رواة الحديث فيها الي الامام فاتصلوا به عن طريق خفي فاتصل به ياسين الزياتي [4] و غيره من العلماء البارزين و رووا عنه الشي ء الكثير مما يتعلق بالتشريع الاسلامي و الأحكام و العلوم...

و تناقل الناس حديثه مقرونا بالحسرة و اللوعة و انتشر الخبر في البصرة و تناقله الركبان فخاف هارون من حدوث الفتن فأوعز الي عيسي يطلب منه



[ صفحه 316]



فورا القيام باغتيال الامام عليه السلام كي يستريح منه.

و وصلت السالة الأمر لعيسي فثقل عليه ذلك و جمع خواصه و ثقاته و عرض عليهم الأمر فأشاروا عليه بالتحذير من ارتكاب الجريمة، فاستصوب رأيهم و كتب الي الرشيد رسالة يطلب فيها اعفاءه من ذلك فقال فيها: (يا أميرالمؤمنين، كتبت الي في هذا الرجل، و قد اختبرته طول مقامه بمن حبسته معه عينا عليه، لينظروا حيلته و أمره و طويته ممن له المعرفة و الدراية و يجري من الانسان مجري الدم، فلم يكن منه سوء قط و لم يذكر أميرالمؤمنين الا بخير، و لم يكن عنده تطلع الي ولاية و لا خروج و لا شي ء من أمر الدنيا و لا دعاء علي أميرالمؤمنين و لا علي أحد من الناس و لا يدعو الا بالمغفرة و الرحمة له و لجميع المسلمين مع ملازمته للصيام و الصلاة و العبادة، فان رأي أميرالمؤمنين أن يعفيني من أمره، أو ينفذ من يتسلمه مني و الا سرحت سبيله فاني منه في غاية الحرج. [5] .

و كما كشف لنا دعاء الامام عليه السلام صبره و رضاه بقضاء الله و مدي حبه للعبادة و الطاعة، كذلك دلت رسالة عيسي علي اكباره و تقديره البالغ للامام عليه السلام و هو الذي راقبه سنة كاملة بعيونه و جواسيسه، فلم يره الا مشغولا بذكر الله و طاعته، و لم يسمعه تعرض لذكر أحد بسوء حتي الظلمة له، فخاف الله من اغتياله.


پاورقي

[1] البحار، ج 11، ص 298.

[2] البحار. - منتخب التواريخ، ص 578.

[3] مناقب، ج 2، ص 379.

[4] النجاشي، ص 352.

[5] البحار. - الفصول المهمة.