بازگشت

حمله الي بغداد


و بعد وصول كتاب عيسي الي الرشيد وجه من تسلمه منه و حمل سرا الي بغداد فحبس عند الفضل بن الربيع و كان يقضي مدة حبسه متعبدا ساجدا جل وقته. لقد فرح عيسي لأن الله أنقذه من ارتكاب جريمة قتل في امام جليل... لقد حمل الي بغداد عليه السلام تحف به الشرطة و الحراس و في يديه و رجليه الأغلال و ساروا مسرعين ليصلوا هارون حيث أمر بوضعه في سجن الفضل ابن الربيع و الذي هو في حال الامام عليه السلام بيت الفضل و الغاية من ذلك التمويه علي الناس من أن الامام عليه السلام غير معتقل نظرا لخطورة الامام عليه السلام عليه و لسمو مكانته و عظم شخصيته و لذا لم يضعه في أحد السجون العامة كالمطبق كما وضع عبدالله بن الحسن و أهل بيته... و في تاريخ الطبري أن عبدالملك بن صالح لما غضب عليه الرشيد سجنه عند الفضل بن الربيع و كذلك سجن ابراهيم بن المهدي عند أحمد بن أبي خالد. [1] .



[ صفحه 321]



و لذا سجن الامام عليه السلام في بيوت الوزراء و كبار رجال الدولة و كان الفضل بن الربيع حاجبا للرشيد. و قيل توفي عام 207 ه بعد أن ولي أمور الأمين و مهامه بعد وفاة الرشيد و قيل انه روي عن أبيه أنه روي عن المنصور عن جده عن ابن عباس أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) [2] .

و في سجن ابن الربيع أقبل الامام عليه السلام علي طاعة ربه فكان يقضي أوقاته في الصلاة و السجود و الابتهال الي الله و التضرع اليه حتي فاق بطاعته جميع الأولياء و بهر الفضل بعبادته فكان يحدث عنها باكبار و تقديس للامام عليه السلام كما حدث بذلك عبدالله القزويني و قد جاء في ص 175 روي أحمد بن عبدالله ببعض التصرف:

قال عبدالله: دخلت علي الفضل بن الربيع و هو جالس علي سطح داره فقال لي ادن مني، فدنوت منه حتي حاذيته فقال لي: أشرف علي الدار، فقال الفضل: ما تري في البيت قال: أري ثوبا مطروحا قال: انظر حسنا تأمل عبدالله في نظره فقال: رجل ساجد قال: هل تعرفه قال: لا قال: هذا مولاك قال: من مولاي؟ قال: تتجاهل علي؟ قال: ما أتجاهل و لكن لا أعرف لي مولي قال: هذا أبوالحسن موسي بن جعفر و جعل الفضل يحدث عبدالله عن عبادة الامام و طاعته لله قائلا: اني أتفقده الليل و النهار فلم أجده في وقت من الأوقات الا علي الحال التي أخبرك بها. انه يصلي الفجر، فيعقب ساعة في دبر صلاته الي أن تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتي تزول الشمس و قد و كل من يترصد له الزوال، فلست أدري متي يقول الغلام قد زالت الشمس اذ يثب فيبتدي ء بالصلاة من غير أن يجدد الوضوء، فاعلم أنه لم ينم في سجوده و لا أغفي، فلا يزال كذلك الي أن يفرغ



[ صفحه 322]



من صلاة العصر فاذا صلي العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الي أن تغيب الشمس، فاذا غابت وثب من سجدته فصلي المغرب من غير أن يحدث حدثا، و لا يزال في صلاته و تعقيبه الي أن يصلي العتمة فاذا صلي العتمة أفطر علي شواء يؤتي به ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم يقوم، فيجدد الوضوء، ثم يقوم، فلا يزال يصلي في جوف الليل حتي يطلع الفجر فلست أدري متي يقول الغلام ان الفجر قد طلع؟ اذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حول الي.

و لما رأي عبدالله اكبار الفضل للامام صلي الله عليه و آله و سلم حذره من أن يستجيب لداعي الهوي فينفذ رغبة الرشيد باغتياله فقال له: اتق الله و لا تحدث في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة فقد نعلم أنه لم يفعل أحد بأحد سوءا الا كانت نعمته زائلة.

و كان الفضل مؤمنا بذلك فقال له: «قد أرسلوا الي غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم الي ذلك و أعلمتهم أني لا أفعل ذلك، و لو قتلوني ما أجبتهم الي ما سألوني».

و كان هارون يتوجس خفة من الامام عليه السلام فلم يثق بالعيون التي وضعها عليه في سجنه تترصده فكان يراقبه بنفسه و يتطلع علي شؤونه خوفا من أن يتصل به أحد من الناس أو يكون الفضل قد رفه عليه. فأطل من أعلي القصر علي السجن فرأي ثوبا مطروحا في مكان خاص لم يتغير عن موضعه فقال للفضل: ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟ فقال: يا أميرالمؤمنين، ما ذاك بثوب، و انما هو موسي بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الي وقت الزوال فقال هارون: أما ان هذا من رهبان بني هاشم!! و التفت اليه الربيع بعد ما سمع من اعترافه بزهد الامام قائلا له:



[ صفحه 323]



يا أميرالمؤمنين، ما لك قد ضيقت عليه في الحبس؟!! فأجابه هارون بما انطوت عليه نفسه من الشر و فقدان الرأفة قائلا: هيهات... لابد من ذلك. [3] .

و ضاق الامام ذرعا من طول مدة حبسه و اشتاق لعياله و أطفاله و الخطوب المريرة تحيطه و الآلام المرهقه تنزل به منتقلا من حبس لحبس و من عيون تراقبه لعيون ليل نهار كي لا يتصل به شيعته فلجأ عليه السلام الي الله سبحانه و تعالي ليخلصه من محنته تلك فقام في غلس الليل مجددا طهوره فصلي لربه أربع ركعات و أخذ يناجي الله و يدعوه قائلا: (يا سيدي نجني من حبس هارون و خلصني من يده يا مخلص الشجر من بين رمل و طين و يا مخلص النار من بين الحديد و الحجر و يا مخلص اللبن من بين فرث و دم و يا مخلص الولد من بين مشيمة و رحم و يا مخلص الروح من بين الأحشاء و الأمعاء، خلصني من يد هارون) [4] .


پاورقي

[1] تاريخ بغداد لطيفور، ص 185.

[2] تاريخ بغداد، ج 12، ص 343.

[3] البحار، ج 11، ص 298.

[4] مناقب، ج 2، ص 370.