بازگشت

في بغداد


و ان أغلب الظن أن الرشيد حين أطلق سراح الامام عليه السلام فرض عليه الاقامة الجبرية في بغداد و لم يسمح له بالسفر الي وطنه فمكث عليه السلام في بغداد مدة من الزمن لم يتعرض له هارون بسوء. و قد بذل عليه السلام في تلك الفترة كل جهوده لارشاد الناس و هدايتهم الي طريق الحق، فهذا بشر الحافي الذي تاب علي يده حتي صار من عيون الصالحين و المتقين و الذي كان في بداية أمره يتعاطي الشراب و يقضي لياليه و أيامه في المجون و الدعارة فاجتاز الامام عليه السلام علي داره في بغداد فسمع الملاهي و أصوات الغناء و القصب تعلو من داره التي خرجت منها جارية بيدها قمامة رمت بها في الطريق فالتفت الامام قائلا: يا جارية: صاحب هذه الدار حر أم عبد قالت: حر قال عليه السلام: صدقت لو كان عبدا لخاف من مولاه، و دخلت الجارية الدار، و كان بشر علي مائدة



[ صفحه 326]



السكر، فقال لها: ما أبطأك فنقلت له ما دار بينها و بين الامام عليه السلام فخرج بشر مسرعا حتي لحق الامام فتاب علي يده و اعتذر منه و بكي [1] و بعد ذلك أخذ في تهذيب نفسه و اتصل بالله عن معرفة و ايمان حتي فاق أهل عصره في الورع و الزهد و قال فيه ابراهيم الحربي: (ما أخرجت بغداد أتم عقلا و لا أحفظ للسانه من بشر بن الحارث كان في كل شعرة منه عقل) [2] .

و لقد أعرض عن زينة الحياة الدنيا و رضي بالقناعة و قال فيها: لو لم يكن في القناعة شي ء الا التمتع بعز الغناء لكان ذلك يجزي ثم أنشأ يقول:



أفادتني القناعة أي عز

و لا عز أعز من القناعه



فخذ منها لنفسك رأس مال

و صير بعدها التقوي بضاعه



تحز حالين تغني عن بخيل

و تسعد في الجنان بصبر ساعه



و كان يتذمر من أهل عصره و يكره الاختلاط بهم و ذلك لفقدان المؤمنين و الأخيار و كثرة الأشرار و المنحرفين، لذلك ابتعد عن الاجتماع بكثير من الناس حتي أن المأمون تشفع بأحمد بن حنبل في أن يأذن له في زيارته فأبي و لم يجبه [3] ، و من شعره في تذمره من أهل زمانه قوله:



ذهب الرجال المرتجي لفعالهم

و المنكرون لكل أمر منكر



و بقيت في خلف يزين بعضهم

بعضا ليدفع معور عن معور [4] .



و قد تجرد عن الدنيا و انقطع الي الله حتي صار من أقطاب العارفين و كل ذلك ببركة وعظ الامام موسي عليه السلام و ارشاده له.

و ما هي المدة التي أطلق به سراحه عليه السلام و التي استقطب بها الناس..



[ صفحه 327]



و كم من المرات أعاده الي السجن ثم أطلقه حيث كانت شكوكه هي المسيطرة عليه و قد ذكر أنه انتقل من سجن الفضل بن الربيع الي سجن الفضل بن يحيي.

لقد ضاق صدر الرشيد و بلغ حقده مبلغا مما تناقله الناس من فضائل الامام عليه السلام و خاف منه فعزم علي قتله.


پاورقي

[1] الكني و الألقاب ج 2 ص 150.

[2] تاريخ بغداد، ج 7، ص 73.

[3] الكواكب الدرية، ج 1، ص 208.

[4] تاريخ بغداد، ج 7، ص 77.