بازگشت

محابس الرشيد


لقد بقي الامام موسي عليه السلام في حبس الفضل بن الربيع مدة طويلة و أراده الرشيد علي شي ء من أمره فأبي فكتب بتسليمه الي الفضل بن يحيي فتسلمه منه و أراد ذلك منه فلم يفعل و بلغه أنه عنده في رفاهية و سعة و هو حينئذ



[ صفحه 334]



بالرقة، فأنفذ مسرور الخادم الي بغداد علي البريد و أمره أن يدخل من فوره الي موسي بن جعفر عليه السلام فيعرف خبره فان كان الأمر علي ما بلغه أوصل كتابا منه الي العباس بن محمد و أمره بامتثاله و أوصل منه كتابا آخر الي السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس. فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيي لا يدري أحد ما يريد ثم دخل علي موسي بن جعفر عليه السلام فوجده علي ما بلغ الرشيد فمضي من فوره الي العباس بن محمد و السندي فأوصل الكتابين اليهما فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض الي الفضل بن يحيي فركب معه و خرج مشدوها دهشا حتي دخل علي العباس فدعا بسياط و عقابين فوجه ذلك الي السندي و أمر بالفضل فجرد ثم ضربه مائة سوط و خرج متغير اللون خلاف ما دخل فأذهبت نخوته. فجعل يسلم علي الناس يمينا و شمالا و كتب مسرور بالخبر الي الرشيد فأمر بتسليم موسي الي السندي بن شاهك و جلس مجلسا حافلا ضمن جمهورا غفيرا من الناس فرفع صوته قائلا: ان الفضل بن يحيي قد عصاني و خالف طاعتي و رأيت أن ألعنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتي ارتج البيت و الدار بلعنه و بلغ يحيي بن خالد ذلك فركب الي الرشيد و دخل من غير الباب الذي يدخل منه الناس حتي جاءه من خلفه و هو لا يشعر ثم قال: التفت الي يا أميرالمؤمنين. فأصغي اليه فزعا فقال له: ان الفضل حدث و أنا أكفيك ما تريد، فانطلق وجهه و سر و أقبل علي الناس فقال: ان الفضل كان قد عصاني في شي ء فلعنته و قد تاب و أناب الي طاعتي فتولوه فقالوا: نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت وقد توليناه [1] ، ثم خرج يحيي بن خالد بنفسه علي البريد حتي أتي بغداد فماج الناس و أرجفوا بكل شي ء فأظهر أنه ورد لتعديل السواد و النظر في أمر العمال و تشاغل ببعض ذلك و دعا السندي فأمره فيه فامتثله.



[ صفحه 335]



أية جماهير تلك التي تساق كالماشية لا تعرف الا الطاعة العمياء دون أي تفكير أو رادع أو شعور، جماهير بلا وعي تفشي فيها الفساد (نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت) لم يقل له أحد لماذا و الفضل من أقرب الناس اليه و أعزهم عليه. لقد نكل به و سبه و شتمه لماذا؟ لأنه رفه علي الامام عليه السلام و لم يضيق عليه أي لم ينفث حقد الرشيد فيه و لم يقتله كما أراد منه ذلك. فكم حشي قلبه و نفسه بالحقد و كم غصت أوداجه بالكراهية للامام عليه السلام.

روي أن الرشيد لعنه الله لما أراد أن يقتل موسي بن جعفر عليه السلام عرض قتله علي سائر جنوده و فرسانه فلم يقبله أحد منهم فأرسل الي عماله في بلاد الافرنج يقول لهم التمسوا لي قوما لا يعرفون الله و رسوله فاني أريد أن أستعين بهم علي أمر، فأرسلوا اليه قوما لا يعرفون من الاسلام و لا من لغة العرب شيئا و كانوا خمسين رجلا، فلما دخلوا اليه أكرمهم و سألهم من ربكم و نبيكم فقالوا لا نعرف لنا ربا و لا نبيا أبدا فأدخلهم البيت الذي فيه الامام ليقتلوه و الرشيد ينظر اليهم من روزنة البيت فلما رأوه رموا أسلحتهم و ارتعدت فرائضهم و خروا سجدا يبكون رحمة له فجعل الامام يمر يده علي رؤوسهم و يخاطبهم بلغتهم و هم يبكون، فلما رأي الرشيد ذلك خشي الفتنة و صاح بوزيره أخرجهم فخرجوا و هم يمشون القهقهري اجلالا له و ركبوا خيولهم و مضوا نحو بلادهم من غير استئذان.

تري ما هو شعور الرشيد و ما هي النيران التي كانت تسلخه ما هي قوتها و هي تلتهب بجسده و هو ينظر ذلك المشهد.

أقوام عرف منهم أنهم لا يعرفون حتي ربهم.. خروا سجدا... أقوام أتي بهم من آخر المعمورة لقتل النور.. و لجم الحق فماذا بعد هذا يتمخض عنه تنور حقده. لقد أعيا الرشيد أمر الامام عليه السلام و أقض مضجعه انتشار اسمه و ذيوع



[ صفحه 336]



فضله و معجزاته و تحدث الناس عن محنته و اضطهاده، و لم يجبه كبار رجالات دولته الي قتله لما رأوه من كراماته عليه السلام و انقطاعه الي الله و اقباله علي العبادة.. لقد خافوا زوال النعمة ان هم آذوه أو تعرضوا له بمكروه فهذا عيسي بن جعفر و ذاك الفضل بن الربيع و بعده الفضل بن يحيي... و أخيرا لم يجد من ينفذ أمره الا السندي بن شاهك (الوغد الأثيم الذي لا يؤمن بالله و لا برسوله و لا بكتابه و لا بآخرته) فنقله الي سجنه و قد ذاق عليه السلام الأمرين من ذلك الظالم الأثيم الذي قابل الامام عليه السلام بكل صلافة و قسوة و الامام صابر محتسب كاظم غيظه موكل الي الله أمره فلقد جهد اللعين بالتنكيل به عليه السلام و بارهاقه و بالغ في أذاه و التضييق عليه في مأكله و مشربه و اكالة المسبات و الشتم له مع تكبيله بالقيود تقربا من ملكه المشؤوم الملعون هارون.


پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين، ص 417 -416 طبع لبنان.