بازگشت

ماذا في السجون


في ظلامة السجن يرزح السابع النور، الكاظم الغيظ، و شيعته خارج السجن تتحرق ألما للقياه و لرشف العلوم من ثر نبعه... و يأتيه جماعة من خواص شيعته يطلبون التوسط من قبله لبعض الشخصيات المقربة من الرشيد لاطلاق سراحه فامتنع عليه السلام و ترفع عن ذلك و قال لهم: حدثني أبي عن آبائه أن الله عزوجل أوصي الي داود، يا داود انه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني و عرفت ذلك منه الا قطعت عنه أسباب السماء و أسخت الأرض من تحته) [1] .

و ماذا يصنع هارون ماذا ينسجه له خياله المريض... الدنس. جاء في كتاب الأنوار: قال العامري: ان هارون الرشيد أنفذ الي موسي بن جعفر عليه السلام جارية خصيفة لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن ظانا أنه سيفتتن بها. فلما وصلت اليه قال عليه السلام لمبعوث هارون: قل لهارون، (بل أنتم بهديتكم تفرحون) [2] لا حاجة لي في هذه و لا في أمثالها.

فرجع الرسول و معه الجارية و أبلغ هارون قول الامام فالتاع غضبا و قال له: ارجع اليه، و قل له: (ليس برضاك حبسناك و لا برضاك أخذناك و اترك الجارية عنده، و انصرف).



[ صفحه 347]



فرجع ذلك الشخص و ترك الجارية عند الامام عليه السلام و أبلغه بمقالته، ثم قام هارون من مجلسه و أنفذ خادما اليه ليتفحص عن حال الجارية، فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها و هي تقول في سجودها: (قدوس، قدوس سبحانك سبحانك..). فمضي الخادم مسرعا فأخبره بحالها، فقال هارون: سحرها و الله موسي بن جعفر... علي بها..!! فجي ء بها اليه و هي ترتعد قد شخصت ببصرها نحو السماء و هي تذكر الله و تمجده فقال لها هارون: ما شأنك؟ قالت: شأني الشأن البديع، اني كنت عنده واقفة و هو قائم يصلي ليله و نهاره فلما انصرف من صلاته بوجهه و هو يسبح الله و يقدسه قلت: يا سيدي هل لك حاجة أعطيكها؟ قال: و ما حاجتي اليك قلت: اني أدخلت عليك لحوائجك قال عليه السلام: فما بال هؤلاء؟ - و أشار بيده الي جهة - قالت: فالتفت فاذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري و لا أولها من آخرها فيها مجالس مفروشة بالوشي و الديباج، و عليها وصفاء و صفاء لم أر مثل وجوههم حسنا و لا مثل لباسهم لباسا عليهم الحرير الأخضر و الأكاليل و الدر و الياقوت و في أيديهم الأباريق و المناديل و من كل الطعام فخررت ساجدة حتي أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت. فقال لها هارون و قد أترعت نفسه بالحقد: يا خبيثة لعلك سجدت فنمت فرأيت هذا في منامك، قالت: لا و الله يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي، فسجدت من أجل ذلك فالتفت الرشيد الي خادمه و أمره باعتقال الجارية و اخفاء الحادث فقال له: اقبض هذه الخبيثة اليك، فلا يسمع هذا منها أحد فأخذها الخادم و اعتقلها عنده فأقبلت علي العبادة و الصلاة، فاذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح و قالت: اني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة ابعدي عن العبد الصالح حتي ندخل عليه فنحن له دونك و بقيت عاكفة علي العبادة حتي لحقت بالرفيق الأعلي و ذلك قبل موت موسي بأيام يسيرة. [3] .



[ صفحه 348]



و مع انتشار معجزات الامام عليه السلام و مناقبه احتار هارون أي السبل يسلك للوصول الي مأربه و غايته فقد باءت بالفشل كل مؤامراته فاستدعي وزيره يحيي بن خالد البرمكي فقال له: يا أباعلي أما تري ما نحن فيه من هذه العجائب ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا تريحنا من غمه، فقال له يحيي بن خالد: الذي أراه لك يا أميرالمؤمنين أن تمتن عليه و تصل رحمه فقد و الله أفسد علينا قلوب شيعتنا (قيل و كان يحيي يتولاه و هذا بعيد الاحتمال اذ لو كان ذلك صحيحا لما أوقع الدسائس السابقة و اللاحقة و استدرج علي بن اسماعيل ليشي به و انه هو الذي كان يتشيع و كان الرشيد ضربه و لعنه لتوسعته علي الامام عليه السلام).

فاستجاب الرشيد لنصحه و قال له: انطلق اليه و أطلق عنه الحديد و أبلغه عني السلام و قل له: يقول لك ابن عمك انه قد سبق مني فيك يميني أني لا أخليك حتي تقر لي بالاساءة و تسألني العفو عما سلف منك و ليس عليك في اقرارك عار و لا في مسألتك اياي منقصة و هذا يحيي بن خالد ثقتي و وزيري و صاحب أمري فاسأله بقدر ما أخرج من يميني و انصرف راشدا.

ويحه البغي لقد أراد تسجيل اعتراف بالاساءة و الذنب من الامام عليه السلام كي يأخذه ذريعة فيصدر مرسوما ملكيا بالعفو عنه و يكون بذلك قد وصل للوسيلة التي يشهر بها بالامام و بنفس الوقت يكون ذلك مبررا له لسجنه اياه. و لم يخف ذلك علي الامام عليه السلام فقال ليحيي عما سيجري عليه و علي أسرته من زوال النعمة علي يد هارون و حذره من بطشه ثم أتم جوابه علي مقالة هارون فقال له (يا أباعلي، أبلغه عني، يقول لك موسي بن جعفر يأتيك رسولي يوم الجمعة فيخبرك بما تري - أي بموته - و ستعلم غدا اذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم و المعتدي علي صاحبه)؟.

قال محمد بن غياث المهلبي و الذي روي ذلك: أخبرني موسي بن يحيي بن خالد أن أباابراهيم قال ليحيي: يا أباعلي أنا ميت و انما بقي من



[ صفحه 349]



أجلي أسبوع، اكتم موتي و ائتني يوم الجمعة عند الزوال وصل علي أنت و أوليائي فرادي و انظر اذا سار هذا الطاغية الي الرقة و عاد الي العراق لا يراك و لا تراه لنفسك فاني رأيت في نجمك و نجم ولدك أنه يأتي عليكم فاحذروه، ثم قال: يا أباعلي أبلغه عني يقول لك موسي بن جعفر رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما تري و ستعلم غدا اذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم و المعتدي علي صاحبه و السلام.

فخرج يحيي من عنده و قد احمرت عيناه من البكاء و هو لا يبصر طريقه من الألم و الجزع حتي دخل علي هارون فأخبره بقصته و ما ورد عليه فقال هارون: ان لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا، فلما كان يوم الجمعة توفي أبوابراهيم عليه السلام و قد خرج هارون الي المدائن قبل ذلك فأخرج الي الناس حتي نظروا اليه ثم دفن و رجع الناس و افترقوا فرقتين فرقة تقول مات و فرقة تقول لم يمت [4] ، و قيل لما علم الامام عليه السلام أن لقاءه بربه قريب نعي نفسه لبعض شيعته و عزاهم بمصيبته و أوصاهم بالتمسك بالعروة الوثقي من آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم.

عن علي بن سويد قال: كتبت الي أبي الحسن موسي عليه السلام و هو في الحبس كتابا أسأله عن حاله و عن مسائل كثيرة فاحتبس الجواب علي ثم أجابني بجواب هذه نسخته: «بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته و نوره أبصر قلوب المؤمنين و بعظمته و نوره عاداه الجاهلون و بعظمته و نوره ابتغي من في السموات و من في الأرض اليه الوسيلة بالأعمال المختلفة و الأديان المتضادة فمصيب و مخطي ء و ضال و مهتد و سميع و أصم و بصير و أعمي حيران فالحمد لله الذي عرف دينه محمدا صلي الله عليه و آله و سلم.

أما بعد فانك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة و حفظ مودة ما استرعاك من دينه و ما ألهمك من رشده، و بصرك من أمر دينك، بتفضيلك



[ صفحه 350]



اياهم و بردك الأمور اليهم، كتبت تسألني عن أمور كنت منها في تقية و من كتمانها في سعة فلما انقضي سلطان الجبابرة و جاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة. الي أهلها العتاة علي خالقهم، رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه مخافة أن تدخل الحيرة علي ضعفاء شيعتنا من قبل جهالهم فاتق الله عزوجل ذكره و خص بذلك الأمر أهله و احذر أن تكون سبب بلية علي الأوصياء أو حارسا عليهم بافشاء ما استودعتك و اظهار ما استكتمتك و لن تفعل ان شاء الله.

ان أول ما أنهي اليك أني أنعي اليك نفسي في ليالي هذه غير جازع و لا نادم و لا شاك فيما هو كائن مما قد قضي الله عزوجل و ختم فاستمسك بعروة دين آل محمد و العروة الوثقي الوصي بعد الوصي و المسالمة لهم و الرضا بما قالوا و لا تلتمس دين من ليس من شيعتك، و لا تحبن دينهم فانهم الخائنون الذين خانوا الله و رسوله و خانوا أمانتهم، أو تدري ما خانوا أمانتهم؟ ائتمنوا علي كتاب الله فحرفوه و بدلوه و دلوا علي ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم فأذاقهم الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون و سألت عن رجلين اغتصبا رجلا مالا كان ينفقه علي الفقراء و المساكين و أبناء السبيل و في سبيل الله فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتي حملاه اياه كرها فوق رقبته الي منازلهما فلما أحرزاه توليا انفاقه أيبلغان بذلك كفرا فلعمري لقد نافقا قبل ذلك و ردوا علي الله عزوجل كلامه و هزئا برسوله صلي الله عليه و آله و سلم و هما الكافران عليهما لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين. و الله ما دخل قلب أحد منهما شي ء من الايمان منذ خروجهما من حالتيهما و ما زادا الا شكا، كانا خداعين مرتابين منافقين حتي توفتهما ملائكة العذاب الي محل الخزي في دار المقام.

و سألت عمن حضر ذلك الرجل و هو يغصب ماله و يوضع علي رقبته منه عارف و منكر فأولئك أهل الردة الأولي من هذه الأمة فعليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين.



[ صفحه 351]



و سألت عن مبلغ علمنا و هو علي ثلاثة وجوه. ماض و غابر و حادث فأما الماضي فمفسر و أما الغابر فمزبور و أما الحادث فقذف في القلوب و نقر في الأسماع، و هو أفضل علمنا و لا نبي بعد نبينا محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و سألت عن أمهات أولادهم و عن نكاحهم و عن طلاقهم فأما أمهات أولادهم فهن عواهر الي يوم القيامة، نكاح بغير ولي و طلاق بغير عدة. و أما من دخل في دعوتنا فقد هدم ايمانه ضلاله و يقينه شكه، و سألت عن الزكاة فيهم فما كان من الزكوات فأنتم أحق به لأنا قد أحللنا ذلك لكم، من كان منكم و أين كان. و سألت عن الضعفاء فالضعيف من لم يرفع اليه حجة و لم يعرف الاختلاف فاذا عرف الاختلاف فليس بضعيف.

و سألت عن الشهادة لهم فأقم الشهادة لله عزوجل و لو علي نفسك أو الوالدين و الأقربين فيما بينك و بينهم فان خفت علي أخيك ضيما فلا وادع الي شرائط الله عز ذكره بمعرفتنا من رجوت اجابته و لا تحصن بحصن رياء. و وال آل محمد و لا تقل لما بلغك عنا و نسب الينا هذا باطل. و ان كنت تعرف منا خلافه فانك لا تدري لما قلناه و علي أي وجه وضعناه، آمن بما أخبرك، و لا تفش ما استكتمناك من خبرك، ان من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لأمر دنياه و آخرته و لا تحقد عليه و ان أساء و أجب دعوته اذا دعاك و لا تخل بينه و بين عدوه من الناس و ان كان أقرب اليك منك، و عده في مرضه، و ليس من أخلاق المؤمن الغش و لا الأذي و لا الخيانة و لا الكبر و لا الخنا و لا الفحش و لا الأمر به فاذا رأيت المشوه الأعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك و لشيعتك المؤمنين، فاذا انكشفت الشمس فارفع بصرك الي السماء و انظر ما فعل الله عزوجل بالمجرمين فقد فسرت لك جملا جملا و صلي الله علي محمد و آله الأخيار»

[5] .



[ صفحه 352]




پاورقي

[1] تاريخ اليعقوبي، ج 3، ص 125.

[2] سورة النمل، الآية: 36.

[3] المناقب، ج 3، ص 414.

[4] غيبة الطوسي، ص 21. - البحار، ج 11، ص 302 -301.

[5] الكافي، ج 8، ص 124.