بازگشت

علمه برحيله


قال المسيب: ثم ان سيدي عليه السلام دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي: اني علي ما عرفتك من الرحيل الي الله عزوجل، فاذا دعوت بشربة من ماء فشربتها و رأيتني قد انتفخت و ارتفع بطني و اصفر لوني و احمر و اخضر و تلون ألوانا فخبر الطاغية بوفاتي، فاذا رأيت بي هذا الحدث فاياك أن تظهر عليه أحدا و لا علي من سيدي الا بعد وفاتي. قال المسيب: فلم أزل أرقب و أعد حتي دعا عليه السلام بالسربة فشربها ثم دعاني فقال لي: يا مسيب ان هذا الرجس السندي بن شاهك سيزعم أنه يتولي غسلي و دفني و هيهات هيهات أن يكون ذلك أبدا فاذا حملت الي المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها و لا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات و لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به فان كل تربة لنا محرمة الا تربة جدي الحسين بن علي، فان الله عزوجل جعلها شفاء لشيعتنا و أوليائنا قال: ثم رأيت شخصا أشبه الأشخاص به جالسا الي جانبه و كان عهدي بسيدي الرضا و هو غلام فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسي عليه السلام و قال لي: أليس قد نهيتك يا مسيب؟ فلم أزل صابرا حتي مضي و غاب الشخص ثم أنهيت الخبر الي الرشيد فوافي السندي بن شاهك فوالله لقد رأيتهم بعيني و هم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم اليه و يظنون أنهم يحنطونه و يكفنونه و أراهم لا يصنعون به شيئا و رأيت ذلك الشخص يتولي غسله و تحنيطه و تكفينه و هو يظهر المعاونة لهم و هم لا يعرفونه فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: يا مسيب فمهما شككت فيه فلا تشكن في فاني امامك و مولاك و حجة الله عليك بعد أبي يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق عليه السلام و مثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم و هم له منكرون، ثم حمل عليه السلام حتي دفن في مقابر قريش و لم يرفع قبره أكثر مما أمر به ثم رفعوا قبره بعد ذلك و بنوا عليه. [1] .



[ صفحه 355]



و في عيون أخبار الرضا عليه السلام جاء عن عمر بن واقد قال: أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل و أنا ببغداد يستحضرني فخشيت أن يكون لسوء يريده بي فأوصيت عيالي بما احتجت اليه و قلت: انا لله و انا اليه راجعون ثم ركبت اليه فلما رآني مقبلا قال: يا أباحفص لعلنا أرعبناك و أفزعناك؟ قلت: نعم. قال: فليس هنا الا خير. قلت: فرسول تبعثه الي منزلي يخبرهم خبري، فقال: نعم ثم قال: يا أباحفص أتدري لم أرسلت اليك؟ فقلت: لا. فقال: أتعرف موسي بن جعفر فقلت: اي و الله اني أعرفه، و بيني و بينه صداقة منذ دهر فقال: من هاهنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله؟ فسميت له أقواما و وقع في نفسي أنه عليه السلام قد مات. قال: فبعث و جاء بهم كما جاء بي فقال: هل تعرفون قوما يعرفون موسي بن جعفر فسموا له قوما فجاء بهم فأصبحنا و نحن في الدار نيف و خمسون رجلا ممن يعرف موسي بن جعفر عليه السلام و قد صحبه قال: ثم قام فدخل.

فخرج كاتبه و معه طومار فكتب أسماءنا و منازلنا و أعمالنا و حلانا ثم دخل الي السندي. قال: فخرج السندي فضرب يده الي فقال: قم يا أباحفص فنهضت و نهض أصحابنا و دخلنا فقال لي: يا أباحفص اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر فكشفته فرأيته ميتا فبكيت و استرجعت ثم قال للقوم: انظروا اليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسي بن جعفر بن محمد؟ فقلنا: نعم نشهد أنه موسي بن جعفر بن محمد عليهم السلام ثم قال: يا غلام اطرح علي عورته منديلا و اكشفه قال: ففعل فقال: أترون به أثرا تنكرونه؟ فقلنا: لا ما نري به شيئا و لا نراه الا ميتا. قال: فلا تبرحوا حتي تغسلوه و اكفنه و أدفنه قال: فلم نبرح حتي غسله و كفنه و حمل فصلي عليه السندي بن شاهك و دفناه و رجعنا فكان عمر بن واقد يقول: ما أحد أعلم بموسي بن جعفر عليه السلام مني كيف يقولون انه حي و أنا دفنته. [2] .



[ صفحه 356]



و حدث عتاب بن أسيد عن مشايخ أهل المدينة قالوا: لما مضي خمس عشرة سنة من ملك الرشيد استشهد ولي الله موسي بن جعفر عليه السلام مسموما سمه السندي بن شاهك بأمر الرشيد في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة و فيه السدرة و مضي عليه السلام الي رضوان الله و كرامته يوم الجمعة لخمس خلون من رجب سنة ثلاث و ثمانين و مائة من الهجرة و قد تم عمره أربعا و خمسين سنة و تربته بمدينة السلام. في الجانب الغربي بباب التبن في المقبرة المعروفة بمقابر قريش. [3] .

و حدث الحسن بن عبدالله الصيرفي عن أبيه قال: توفي موسي بن جعفر عليه السلام في يدي السندي بن شاهك فحمل علي نعش و نودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه. فلما أتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا (ألا من أراد أن يري الخبيث بن الخبيث موسي بن جعفر فليخرج) و خرج سليمان بن أبي جعفر من قصره الي الشط فسمع الصياح و الضوضاء فقال لولده و غلمانه: ما هذا؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي علي موسي بن جعفر علي نعش فقال لولده و غلمانه يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي فاذا عبر به فأنزلوه مع غلمانه فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فاضربوهم و فرقوا ما عليهم من السواد.

فلما عبروا به نزلوا اليهم فأخذوه من أيديهم و ضربوهم و فرقوا عليهم سوادهم و وضعوه في مفرق أربع طرق و أقام المنادون ينادون ألا من أراد الطيب ابن الطيب موسي بن جعفر فليخرج و حضر الخلق و غسل و حنط بحنوط فاخر و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين و خمسمائة دينار عليها القرآن كله و احتفي و مشي في جنازته متسلبا مشقوق الجيب الي مقابر قريش فدفنه هناك و كتب بخبره الي الرشيد الذي كتب الي سليمان بن أبي جعفر:



[ صفحه 357]



و صلتك رحم يا عم و أحسن الله جزاءك و الله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله ما فعله عن أمرنا. [4] .

و روي محمد بن صدقة العنبري قال: لما توفي أبوابراهيم موسي بن جعفر عليه السلام جمع هارون شيوخ الطالبية و بني العباس و سائر أهل المملكة و الحكام و أحضر أباابراهيم موسي بن جعفر فقال: هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه و ما كان بيني و بينه ما أستغفر الله منه في أمره - يعني في قتله - فانظروا اليه فدخل سبعون رجلا من شيعته فنظروا الي موسي بن جعفر و ليس به أثر جراحة و لا خنق و كان في رجله أثر حناء فأخذه سليمان بن أبي جعفر فتولي غسله و تكفينه و تحفي و تحسر في جنازته. [5] .

لقد اتفق المؤرخون أن الامام لم يمت حتف أنفه و انما توفي مسموما و أن الرشيد هو الذي أوعز في سمه و اغتياله و لكنهم اختلفوا في من تولي ذلك فجاء في مقاتل الطالبيين [6] أن السندي استدعي الفراشين و كانوا من النصاري فأمرهم بلف الامام في بساط فلف و هو حي و جلس عليه الفراشون حتي توفي.

و ذكر ابن المهنا أن الرشيد لما سافر الي الشام أمر يحيي بن خالد السندي بقتله فقتله. [7] .

و جاء في بعض الروايات أن الفضل بن يحيي هو الذي سم الامام عليه السلام و ذلك حينما نقل الي سجنه فكان الفضل بن الربيع يبعث له في كل يوم مائدة من الطعام و في اليوم الرابع قدم له الفضل بن يحيي مائدة فرفع الامام عليه السلام



[ صفحه 358]



يده الي السماء و قال: يا رب انك تعلم أني لو أكلت قبل اليوم كنت أعنت علي نفسي، ثم أكل الامام من تلك المائدة فمرض منها فلما كان اليوم الثاني ألم به المرض فجي ء له بطبيب ليسأله عن علته فقال له ما حالك؟ فتغافل الامام عن اجابته فألح عليه الطبيب بالسؤال فأخرج له الامام عليه السلام راحته ثم قال له: هذه علتي و كانت يده الشريفة قد اخضر وسط راحتها من السم فلما رآها الطبيب انصرف و قال لهم: و الله لهو أعلم بما فعلتم به منكم. [8] .

و هذه الرواية بعيدة عن الواقع لأن الفضل كان يميل للعلويين و قد رفه علي الامام في حبسه حتي أن الرشيد نكل به و جلده و شهر به.

و المشهور أن الرشيد عمد الي رطب فوضع فيها سما فتاكا و أمر السندي أن يقدمه الي الامام و يحتم عليه أن يتناول منه و قيل ان الرشيد أوعز الي السندي في ذلك فأخذ رطبا و وضع فيه السم و قدمه للامام فأكل منه عشر رطبات فقال له السندي زد علي ذلك فرمقه الامام بطرفه و قال له: حسبك قد بلغت ما تحتاج اليه.

و لما تناول الامام عليه السلام تلك الرطبات المسمومة تسمم بدنه و أخذ يعاني آلاما مبرحة و أوجاعا قاسية و أحاط به الأسي و الحزن و قد حفت به الشرطة القساة و لازمه السندي بن شاهك الوغد الخبيث يسمعه أخشن الكلام و أقساه مانعا عنه أية اسعافات ليعجل بنهايته المحتومة... هل يمكن وصف الآلام التي عاني منها الامام عليه السلام، لقد أذابت آلام السم قلبه و قطعت أوصاله زد علي ذلك غربته و عدم رؤية أهله و أحبائه و قد أشرف علي مغادرة هذه الدنيا الفانية.. لقد استدعي السندي ثمانين رجلا الي مكان الامام موسي عليه السلام، و قال: انظروا الي هذا الرجل هل حدث به حدث فالناس يزعمون أنه قد فعل به مكروه و هذا منزله و فراشه موسع علي غير مضيق، و لم يرد به أميرالمؤمنين



[ صفحه 359]



سوءا و انما ينتظره أن يقدم فيناظره و ها هو ذا موسع عليه في جميع أموره فأسألوه؟

يقول ذلك الشيخ الذي أحضر مع من أحضر و لم يكن لنا هم سوي مشاهدة الامام و مقابلته، فلما دنونا منه لم نر مثله قط في فضله و نسكه فانبري الينا و قال لنا: أما ما ذكر من التوسعة و ما أشبه ذلك فهو علي ما ذكر غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في تسع تمرات و أني أصفر غدا و بعد غد أموت.

فلما سمع السندي ذلك انهارت قواه و مشت الرعدة بأوصاله و اضطرب مثل السعفة التي تلعب بها الرياح العاصفة [9] فقد أفسد عليه الامام ما رامه من الحصول علي البراءة من المسؤولية في قتله و روي أنه علي أثر ذلك أمر بالامام عليه السلام فلف في بساط و أجلس الفراشين عليه حتي فارق الحياة.


پاورقي

[1] عيون الأخبار، ج 1، ص 100.

[2] عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 97.

[3] عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 99.

[4] عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 99.

[5] عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 1، ص 105.

[6] مقاتل الطالبيين، ص 504.

[7] عمدة الطالب، ص 185، ط النجف.

[8] عيون أخبار الرضا عليه السلام.

[9] روضة الواعظين، ص 186 -185.