بازگشت

علي صفحات التاريخ


و ينصت التاريخ الي همسات أحرف في جوف الليل تقطر ألما نازفا مع الدمع المنهمر كقطر السحاب.. ترفعها يدان الي بارئها فيذهب الصوت كالشعاع الي كل مكان و تردد أصداؤه الأكوان (رب عصيتك بلساني و لو شئت و عزتك لأخر ستني و عصيتك ببصري و لو شئت و عزتك لأكمهتني و عصيتك بسمعي و لو شئت و عزتك لأصممتني و عصيتك بيدي و لو شئت و عزتك لكنعتني و عصيتك بفرحي و لو شئت و عزتك لأعقمتني و عصيتك برجلي و لو شئت و عزتك لجذمتني و عصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي و لم يكن هذا جزاك مني).

و نعود لنردد تلك الكلمات الحكم في قوله عليه السلام: من استوي يوماه فهو مغبون و من كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون و من لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في النقصان و من كان الي النقصان فالموت خير له من الحياة.

يقول عليه السلام: انه ليران علي قلبي و اني لأستغفر بالنهار سبعين مرة.. انه عليه السلام كاظم الغيظ و صائم القيظ. عنصره كريم و مجده حادث و قديم و خلفه سؤوده و سيم و هو بكل ما يوصف به زعيم. الآباء عظام و الأبناء كرام و الدين متين و الحق ظاهر مبين و الكاظم في أمر الله قوي أمين و جوهر فضله



[ صفحه 371]



عال ثمين، كم له من فضيلة جليلة و منقبة بعلو شأنه كفيلة متي عددت منهم واحدا كان بكل الكمالات منفردا...

فهل سطرت أيها التاريخ بكل اللغات ما تعني الثورات هل علمت لماذا قام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام... و لماذا كربلاء و لماذا فخ و لماذا قتل ذي النفس الذكية.. لماذا في باخمرا.. هل قرأت ما بين الكلمات عن جرائم بني أمية و بني العباس و رسمت صور العواميد المحشوة و المسلحة بالأطهار الأحياء الذين لفظوا أنفاسهم داخل تلك الجدران... و هل عددت الرؤوس في خزانة المنصور فويل للظالمين الطغاة، اسمع أيها التاريخ... المسلمون عباد الله.. لا فرق بين أبيض أو أسود... عربي أو أعجمي الا بالتقوي... الناس سواسية يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئا... لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها و اكتب أيها التاريخ... لقد قامت الثورات عندما تحولت الخلافة الي ملك عائلي و سلطة و تسلط و استئثار بالأموال و المناصب و تجميد لأحكام الشريعة و التلاعب بها... قامت الثورات و الانتفاضات و الصراع المرير الدامي فسفكت الدماء و انتشرت الفرقة و الفتن و نشأت الأفكار و النظريات المنحرفة علي طرفي نقيض، بعضها يبرر للحكام ظلمهم و سيطرتهم علي الأمة و يوعد للخنوع و الاستسلام و عدم نقض بيعة الظالم و الرضا به علي كل حال، و بعضها استغل الفرصة للقضاء علي الاسلام و أهله فدعا بدعوات ضالة جاهلية أباح المحرمات و الأموال و النساء و هدم الواجبات، و بعضها دعا الي الفوضي و التخريب و اباحة الدماء و تكفير الجميع... الأفكار تبلبلت و الاضطرابات احتدمت و الحروب أيها التاريخ تطحن فاسمع جيدا و اكتب ما قاله الصادق عليه السلام: العامل بالظلم و المعين عليه و الراضي به شركاء ثلاثتهم و يقول عليه السلام: من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه فان دعا لم يستجب له و لم يأجره الله علي ظلامته انصت أيها التاريخ الي رسول العدل و الانسانية يقول صلي الله عليه و آله و سلم: عدل ساعة خير من عبادة



[ صفحه 372]



سبعين سنة قيام ليلها و صيام نهارها، و جور ساعة في حكم أشد و أعظم عندالله من المعاصي ستين سنة.

و من مشي مع ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الاسلام و اتقوا الظلم فانه ظلمات يوم القيامة.

و من أرضي سلطانا بسخط الله خرج من دين الله.

أسمعت أيها التاريخ: ما من مظلمة أشد من مظلمة لا يجد صاحبها عونا الا الله عزوجل... هكذا قال الصادق عليه السلام.

فهل تصورت مدي المعاناة حتي قال ذلك (الكافي ج 2 باب الظلم) و من ثم ابنه... كاظم الغيظ هل نظرته في غربته و تقلبه في السجون... (كلما أتت أمة لعنت أختها)... لقد غطي العباسيون علي الأمويين ظلما و عدوانا و مثلبة..

و الواحد تلو الآخر يقول قتلني الله ان لم أقتله... المنصور تهدد و توعد الصادق آلاف المرات و بعده توالي زبانيته المهدي فالهادي فالرشيد أسماء ظاهرها الخير و باطنها عكس ظاهرها فوالله لا رشيد و لا هادي و لا مهدي... طينة رجس و فساد و كفر و فسوق... و عندما قتل الحسين صاحب فخ صاح ذلك الجالس علي كرسي الخلافة: و الله ما خرج حسين الا عن أمره و لا اتبع الا حجته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني الله ان أبقيت عليه.

فالامام عليه السلام هو رمز المعارضة في وعي الجماهير و دعاة الاصلاح وقادته يجسد كيان المعارضة و يمنحه الشرعية و لذا كان الخلفاء يحاولون التخلص منه و ابعاد الرأي العام عنه بالارهاب و الرشوة و القتل و السجن أو بالمنصب.

لقد حمل الامام موسي بن جعفر عليه السلام نهج تربية الأمة علي كراهية



[ صفحه 373]



الظلم و تركيز مفهوم العدل و شرح مفهوم الامامة و السياسة و توضيح أسس الحكم و السياسة في الاسلام لتنمية الوعي السياسي للأمة و تعميق حسها و زيادة نقمتها علي الظالمين و تحريك ركودها...

لقد سلك عليه السلام أسلوب المقاطعة... الحرب السلبية (و من مشي مع ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الاسلام) تلك كلماته عليه السلام لصفوان الجمال... انها لغة أبيه الصادق عليه السلام و لغة الباقر و الحسين و علي و لغة رسول الله صلوات الله و سلامه عليهم... قال الصادق عليه السلام للمنصور (ليس لدينا ما نخافك من أجله و لا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له) و يفتي الامام الكاظم عليه السلام بحرمة معونة الظالم أو تولي الوظائف له الا اذا كان الهدف خدمة الاسلام من خلال الموقع (مثال علي بن يقطين) و دفع الظلم عن الآخرين.

لقد كان عليه السلام مع الحسين صاحب فخ لأن الحسين بن علي ثائر علي الظلم و المعاناة الشرسة و الجور المستفحل... و الامام عليه السلام مع الثورة ضد الظلم و عدم اقرار الظلم و هو مبدأ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر التي قادها الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء و بعدها الثورات تتسابق ضد الظالمين لاسقاط الحكم الفاسد المخالف للاسلام... لقد وقف الكاظم عليه السلام الي جانب الثوار بالرغم من أنه كان يري فشل تلك الثورة نظرا لعدم توفر الظروف المؤاتية لنجاحها و لذا قال للحسين عندما رآه عازما علي الثورة: (انك مقتول فأحد الضراب فان القوم فساق يظهرون ايمانا و يضمرون نفاقا و شركا، فانا لله و انا اليه راجعون و عندالله أحتسبكم من عصبة) [1] .

و عندما استشهدوا و أحضرت الرؤوس قيل للامام عليه السلام هذا رأس حسين؟ قال: نعم انا لله و انا اليه راجعون، مضي و الله مسلما صالحا صواما



[ صفحه 374]



آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ما كان في أهل بيته مثله. [2] .

لقد تمثل بالامام موسي الكاظم عليه السلام الموقف السياسي و الصراع العنيف حيث وقف بوجه الحكام العباسيين الذين عرفوا بانحرافهم عن الاسلام و امتهانهم للأمة و استئثارهم دون المسلمين بالسلطة و المال و في زمن المهدي اشتدت مخاوفه من الامام عليه السلام فاستدعاه من المدينة الي بغداد لمحاكمته و التحقيق معه و زجه في السجون حتي فزع المهدي في حلمه الذي رأي فيه أميرالمؤمنين عليه السلام... و سبق بيان ذلك فأطلق سراحه و أما زمن الهادي حيث اشتدت المحنة علي الامام عليه السلام و علي آل أبي طالب فطاردهم و قتلهم ليستأصل وجودهم خاصة بعد ثورة الحسين صاحب فخ... حيث هدد الكاظم عليه السلام بالقتل و شرع بذلك فأتته المنية أسرع و أسرع و أما دور الرشيد فقد كان الظلم الأكبر.. الرشيد القاتل.. الباغي. المنحرف فماذا حصدت أيها التاريخ و ماذا علا بيدرك... حصيلتك بعد رحيل خاتم الأنبياء و المرسلين صلي الله عليه و آله و سلم.. أين الاسلام غدا. و أين الثقلين و باب حطة..

أما خجلت أيها التاريخ من تلك الصفحات السود.. من الدماء المسفوكة و الأعراض المهتوكة و المجون و الفساد و القصور و الطنابير و القردة... هل زال الحياء عن وجهك و أنت الخجول... أم اكتفيت بوريقة توت من نسيج العنكبوت.. فتبا لذلك التهتك و لتلك الموبقات قم اغسل عن وجهك العار، قم التمس التوبة في رحاب الايمان قم طهر نفسك من الرجس و أصلح ذات بينك و انزع رايات العواهر احرقها كي لا يبقي فجور و دس و سم و جواسيس و تكالب... و انسج لنفسك ثوب ايمان تخطو به لملاقاة ربك... اغسل وجهك و نقه من الدرن كي تقف يوم الموقف الذي لابد لك من وقوفه ويحك أيها التاريخ لماذا تفاقم الخلاف بين المدارس و المذاهب الفقهية و أبو



[ صفحه 375]



حنيفة يقول لو لا السنتان لهلك النعمان. و الشافعي و المالكي من وضعوا اجتهاداتهم كلهم آمنوا بآل البيت و كانوا ينهلون من منهلهم فلماذا يكون ذلك الخلاف الاجتهادي سببا للفرقة و التباعد بين أبناء الأمة الاسلامية الواحدة التي رسولها واحد و قرآنها واحد و ربها واحد أحد لم يلد و لم يولد... (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) [3] .. اكتب أيها التاريخ: (... لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي) [4] ..

فهل تعرف ما تعني هل يمكنك شرحها... أم أصبح قلبك ظلاما عليه غلف.. ما عاد يفقه، فاسع بقدميك الي موسي بن جعفر عليه السلام و اسأله فهو كما قال أبوه الصادق عليه السلام: (ان ابني هذا الذي رأيت لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم) [5] فهو سيد أهل البيت عليهم السلام و الامام الذي يرجع اليه في أخذ العلوم و المعارف... لقد وصفه علماء الرجال و السير بأنه العالم الصادق و المتعبد المشهور بالورع و التقوي و عظمة الشأن و سمو الخلق... يسأل الهشام بن الحكم موسي بن جعفر عليه السلام [6] لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات؟ و لأي علة يقال في الركوع سبحان ربي العظيم و بحمده و في السجود سبحان ربي الأعلي و بحمده؟ قال عليه السلام: ان الله تعالي خلق السموات سبعا و الأرضين سبعا فلما أسري بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و صار من ملكوت الأرض كقاب قوسين أو أدني رفع له حجابا من حجبه فكبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و جعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح، فلما رفع الثاني كبر فلم يزل كذلك حتي رفع سبع حجب و كبر سبع تكبيرات فلهذه العلة يكبر في الافتتاح سبع تكبيرات فلما ذكر ما رأي من عظمة الله ارتعدت فرائضه



[ صفحه 376]



فابترك علي ركبتيه و أخذ يقول سبحان ربي العظيم و بحمده فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر الي تلك العظمة في موضع أعلي من ذلك الموضع، خر علي وجهه و هو يقول: سبحان ربي الأعلي و بحمده فلما قالها سبع مرات سكنه ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة..

أيها التاريخ ويحك أما سمعت ما قاله الكاظم عليه السلام و هو واقف عند قبر حضره: (ان شيئا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله و ان شيئا هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره) فماذا صنعت أيها التاريخ هل اتعظت؟ فاسمع لحكم الامام عليه السلام و خذ منها لآخرتك..

قال عليه السلام لعلي بن يقطين: كفارة عمل السلطان الاحسان الي الاخوان.

و قال عليه السلام: (كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون).

و قال عليه السلام: (المصيبة للصابر واحدة و للجازع اثنتان).

و قال عليه السلام: (يعرف شدة الجور من حكم به عليه).

و قال عليه السلام: (و الله ينزل المعونة علي قدر المؤونة و ينزل الصبر علي قدر المصيبة).

و قال عليه السلام: و من اقتصد و قنع بقيت عليه النعمة و من بذر و أسرف زالت عنه النعمة.

و قال عليه السلام: أداء الأمانة و الصدق يجلبان الرزق، و الخيانة و الكذب يجلبان الفقر و النفاق.

و قال عليه السلام: اذا أراد الله بالنملة شرا أنبت لها جناحين.

و قال عليه السلام: اياك أن تمنع في طاعة الله فتنفق مثليه في معصية الله.

و قال عليه السلام: المعروف غل لا يفكه الا مكافأة أو شكر، و لو ظهرت



[ صفحه 377]



الآجال افتضحت الآمال، و من ولده الفقر أبطره الغني، و من لم يجد للاساءة مضضا ما لم يكن للاحسان عنده موقع، ما تساب اثنان الا انحط الأعلي الي مرتبة الأسفل...

و قال عليه السلام لبعض ولده: يا بني اياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها، و اياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها. و عليك بالجد، و لا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله و طاعته فان الله لا يعبد حق عبادته، و اياك و المزاح فانه يذهب بنور ايمانك و يستخف مروتك.

و قال عليه السلام: المؤمن مثل كفتي ميزان كلما زيد في ايمانه زيد في بلائه.

معذرة أيها التاريخ سؤال يحيرني لماذا تغيرت السجون من مكان لآخر علي الامام موسي بن جعفر عليه السلام فلقد قالوا ان السر في ذلك أنهم عندما كانوا يضعونه في سجن يرون بعد مضي قليل من الزمن أن السجانين يصبحون من أتباعه عليه السلام... فحقا كان ذلك..

أجل أجل في سجن البصرة لدي عيسي بن جعفر بن أبي جعفر حفيد المنصور و والي البصرة رجل مترف لاه شارب للخمر (قالوا جاءوا برجل عابد يعرف الله الي مكان سمع فيه أشياء لم يسمعها في حياته) في السابع من ذي الحجة... و الصيد و الترف و اللهو و ما انقضت الأيام حتي بدأ عيسي بالتعلق بالامام عليه السلام و رأي فيه خلاف ما نعي اليه فأعزه و أكرمه و أعلن أنه ضيفه و ليس سجينه و لما أمره الرشيد بقتله رفض و كتب لهارون انقله من عندي أو أطلق سراحه..

و في سجن الفضل بن الريبع الحاجب المعروف سرعان ما تعلق بالامام و عامله ليس كسجين بل كضيف... يتكلم عنه بالاكبار و الحب و ينتقل عليه السلام بأمر الرشيد الي سجن الفضل بن يحيي البرمكي و حدث ما حدث مع سابقه فكرم الامام عليه السلام و عامله بالحسني و جن جنون هارون..



[ صفحه 378]



و الي سجن السندي اللعين الذي لم يكن يعرف الله... و عندما أو كل الي المسيب حراسته ما لبث أن أصبح من أشد أتباع الامام عليه السلام اخلاصا و ايمان بالله.

لقد ملك الامام القلوب فعلي بن يقطين كان وزيرا لهارون... كان متشيعا متكتما يخدم أهداف الامام عليه السلام الامام الذي امتلك القلوب و العقول و كان هارون يخشي جاذبية الحقيقة... يقول الامام عليه السلام: كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم.. أي بعلمكم بمعرفتكم لله و خشية..

يبكي الامام عليه السلام من خشية الله و يرتجف و هو عليه السلام حليف السجدة الطويلة و الدموع الغزيرة [7] يري الله سبحانه و يري القيامة و الجنة و النار و يبكي علي الضعفاء و المحرومين و البؤساء.. من سيحمل لهم و هو في السجن سجن هارون فويل لهارون من رب هارون ويل له يوم يؤتي كل امرء بما جنته يداه... و هذا سجن السندي و تلك الجارية اللعوب الفاتنة ظنوها تغويه و اذ بها تسجد لخالقها ايمانا لما رأته فيه.. لقد كان نور الامام يجتاز كل العوائق ليهدي من أراد الله له الهداية... و ذلك بشر الحافي الحر الذي ركض خلف الامام في زقاق بغداد قائلا سيدي أريد أن أكون عبدالله... لقد كان وجود الامام بالنسبة للرشيد (أكبر ذنب) فهو عليه السلام يسحر الناس بما لديه من الخلق و الايمان و البرهان فيؤمنون بالله ان الايمان بالله يعني محاربة الظلم و الرشيد ظالم يعني محاربة الرشيد و ذلك صفوان الجمال نوع آخر من أنواع الحرب... حرب بلا سلاح بلا سيف بلا دماء حرب مقاطعة، حرب النهي عن المنكر... بأسلوب آخر (يا صفوان كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا)... كراؤك جمالك.. و ان كان كراء الجمال مما يغضب الله فلا كانت الجمال و لا كان الكراء...!!! حتي و لا كان الطعام و لا الحياة... المهم مرضاة الله



[ صفحه 379]



تعالي... موقف الاامام عليه السلام صارم.. ساقط علي حكومة هارون الفاسق... (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار) [8] .

و يقول عليه السلام لزياد بن أبي سلمة: (يا زياد لأن أسقط من شاهق فأنقطع قطعة قطعة أحب الي من أن أتولي لهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم) ان في مقاومة الامام عليه السلام لحكومة هارون بهذه المقاومة الشديدة وقاية للاسلام و حفظا له كي لا يدرس العدل و لا تتبدل السنة و لا يمحي الحق و يسود الباطل و يزول الاسلام و لذا أصر عليه السلام علي المقاطعة و حرم التعاون معه مستثنيا من ذلك من يؤدي في عمله منفعة المسلمين و في مكانه... مثال (علي بن يقطين) الذي طلب من الامام عليه السلام أن يترك ذلك العمل و يهرب... فأصر عليه بالبقاء وزيرا لخدمة الاسلام و معونة المظلومين... لقد اتخذ عليه السلام المقاومة السلبية طريقا و أسلوبا لمقاومة ظلم هارون الذي هو المنكر بعينه.. ايه أيتها الزوراء يا من يدعونك دار السلام فأي سلام بك شاهد كاظم أهل البيت عليه السلام... عندما خرج الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام رأي في نومه جده صلي الله عليه و آله و سلم فقال: خذني اليك في قبرك قال صلي الله عليه و آله و سلم: شاء الله أن يراك قتيلا و شاء الله أن يراهم سبايا، انها الحكمة الالهية و لو شاء سبحانه لأحرق الرشيد و لخسف به الأرض و لكن لحكمة أرادها و لأمر قدره...

خبر ابن المسيب الهمداني قال: جاء في بعض الكتب أنه أخذ مع الامام موسي عليه السلام و حبس معه في محبسه ببغداد (علي بن المسيب الهمداني) فلما طال حبسه و اشتد شوقه للقاء عياله أمره الامام عليه السلام بالاغتسال فلما اغتسل أمره باغلاق عينيه ثم أمره بفتحهما فاذا به يري نفسه عند قبر الحسين عليه السلام فصليا و زارا ثم قال له أغلق عينيك ثم قال افتحهما ففعل فاذا بهما عند قبر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالمدينة قال له: هذا قبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم فاذهب الي عيالك و جدد



[ صفحه 380]



عهدك بهم ثم ارجع الي فمضي وعاد فأمره ثانية باغلاق عينيه ثم فتحهما فاذا به معه فوق جبل قاف و أربعون رجلا من أولياء الله مؤتمون بالامام موسي عليه السلام ثم أمره باغلاق عينيه و فتحهما ففعل و اذا بهما في محبسهما ثانية.



أو ما سلكت مداخل الزوراء

و اخترت ما يشفي من البلواء



فقصدت باب حوائج بأبي الرضا

للكاظمين ففي الندا برجاء



اجلاء أغشية الظلام و دفعها

رتقا توحد أنجم بسماء



تقتات من حرف الامامة زيتها

لتنير أفئدة من الظلماء



تسمو كما الأفلاك ترسل ضوءها

أو كالحقيقة تجتلي بنداء



كالموج يغسل للبحار وجوهها

و يهيج بوح كوامن الأنواء



و يرود في الفلك الوسيع منقبا

عن كل شمس كل وجه خفاء



عن موطن السر الذي في مقلة

عن كل مضمون بثوب رياء



شفت به الكلمات تقري ما بها

و تروح تنشر ريح كل فداء



كالثلج في ذوب الوجود كنقلة

ديفت تموج بخافق الأحياء



كي تنقل الصمت المنيخ بمقلة

تسقي الترائب من لظي الاظماء



تجلو سفير البؤس ترخي قبة

فوق السرادق ضرجت بدماء



فانهج لزوراء اذا ما دججت

منك السواكب في قلي الظلماء



و اسلك هوينا فوق جسر عابر

للكاظمين و سر بغير حذاء



طأطي ء و سبح و اتخذ درب الهدي

قولا و رتل آية الايلاء



مسترجعا مستقبلا متوسلا

باب الحوائج دونما خيلاء



فاذا اقتربت من المقام و تمتمت

شفتاك قل مستأذنا برجاء



مولاي جئتك ضارعا بالمرتضي

بالمصطفي بالعترة الكرماء



فاقبل حروف توسلي اني أنا

أبغي الشفاعة ممسكا بردائي



في ظل اظلال لرحمة من له

القلب الوجيف قد احتبي بخباء



ايه أيا الحسن الكظيم لغيظه

روحي اليكم تلتجي و سمائي







[ صفحه 381]



و النفس في دوح الأمانة نسفها

و من الأمير لها بكم بسخاء



با ذا الكرامة من كريم فعالكم

صفح و مغفرة لكل نداء



فانظر بعين العطف نحو من ابتغي

عطفا اليك محملا بولاء



يا ابن الحميدة و الصدوق و أحمد

قد جئت بابك يلتجيك ندائي



و ليست بعيدة ما رويناه عن السندي و هو يركض باحثا في المسجد عن الامام قائلا و الله لأحب علي هروبك من وقوفك في هذا المكان و كان عليه السلام يصلي في المحراب في جامع المسيب خارج السجن.

لم تكن القيود و لا الأبواب و لا الأقفال تشكل بالنسبة اليه ذلك العائق ف (سبحان الذي أسري بعبده ليلا) [9] .. تلك قدرة الله و نحن ما علينا الغوص في البواطن لأننا نري الرؤية المحدودة بنظرنا و أحيانا بقدرة الله تري عقولنا و تدرك ما لا تراه أبصارنا...

جاء زنديق للامام الصادق عليه السلام فقال: كيف يعبدالله الخلق و لم يروه فقال عليه السلام: رأته القلوب بنور الايمان. و أثبتته العقول بيقظتها اثبات العيان و أبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب و أحكام التأليف ثم الرسل و آياتها و الكتب و محكماتها و اقتصرت العلماء علي ما رأت من عظمته دون رؤيته [10] .

و يقول آخر... أرأيت الله حين عبدته و يجيب عليه السلام: ما كنت أعبد شيئا لم أره قال: كيف رأيته قال عليه السلام: لم تره الأبصار بمشاهدة العيان و لكن رأته القلوب بحقائق الايمان..

و يحمل موسي بن جعفر عليه السلام ذلك اللواء مدافعا عن العقيدة الاسلامية مبطلا زيف أفكار أولئك الملاحدة فيقول عليه السلام: أي فحش أو خنا أعظم من



[ صفحه 382]



قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد أو أعضاء تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا. [11] .

و مما قاله عليه السلام: (لا جسم و لا صورة و لا تحديد و كل شي ء سواه مخلوق انما تكون الأشياء بارادته و مشيئته من غير كلام و لا تردد في نفس و لا نطق بلسان) [12] و في مكان آخر يقول عليه السلام: (لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما علم خلق الأشياء) [13] و يجيب عليه السلام المتسائل عن علم الله فيقول: (لم يزل الله عالما تبارك و تعالي ذكره) [14] و يجيب السائل عن ارادة الله سبحانه فيقول عليه السلام: (ارادة الله الفعل لا غير ذلك، يقول له: كن فيكون بلا لفظ و لا نطق و لا لسان و لا همسة و لا تفكر و لا كيف لذلك كما أنه لا كيف له) [15] .

و عن سؤال (لا يكون شي ء الا ما شاء الله و أراد... ما معني شاء؟ قال عليه السلام: ابتداء الفعل) [16] و ذلك أن المعني القائم في النفس من حيث ارتباطه بالفاعل يسمي المشيئة و من حيث ارتباطه بالفعل يسمي الارادة.

و في ذلك العصر الذي غزاه الالحاد الذي أطلق الحاقدون علي الاسلام و المعادون له و الذين رأوا أن لا وسيلة لهم لمقاومته الا باشاعة المبادي ء الهدامة بين المسلمين كي تضعف العقيدة و يذهب الايمان، ما لبث ذلك الموج أن انحسر و تلك الأفكار أن ذهبت غثاء أمام ما بذله أئمة أهل البيت عليهم السلام و ما قام به قادة الفكر من تلامذتهم الذين انطلقوا بقوة يعملون لصيانة



[ صفحه 383]



الاسلام و حمايته من الملحدين و المضلين الكثر في عصر مجتمعه تفشي به التسيب و الانحلال و الخلاف و الشك فكان لجهود الأئمة عليهم السلام و لاحتجاجاتهم الأثر الفعال في عودة المسلمين الي جادة الصواب و طريق الحق.. و بعد أن تحولت بغداد الي دور لهو و عبث و مجون و انساب الناس وراء الشهوات و نبذوا قيم الاسلام فانحطت الأخلاق و انغمس الناس في المنكر و الفساد و الفجور الذي امتد الي الغلمان و شاعت الخلاعة التي كرس النظام نفسه لها فكان مثال التسيب و الاستهانة بالقيم الاسلامية و الأعراف الاجتماعية... كل هذا و ذاك من تيارات و أمواج هوج وقف أمامها أهل البيت عليهم السلام.. كي يعود الناس الي جادة الصواب و مثال (بشر الحافي) صورة عن ذلك.. و عندما كانت القين تعزف و تغني و الرقص و الشراب يدور و الموائد تهدر... كان الشعب يفقر و يتضور جوعا فما اغتني غني الا افتقر فقراء.. الدنيا ككفتي ميزان و لقد نهبت الحكومات العباسية أموال الشعوب الاسلامية و أشاعت الفقر و صرفت الخزينة علي الدعارة و اللهو و فساد الأخلاق و لذا التفت الأمة حول آل البيت عليهم السلام لأنهم هم الخلاص من ذلك الوبال و ذلك الجور و الاستبداد و الذي تحكم فيه الوشاية و قصة الفضيل بن عمران الذي قتله المنصور لمجرد الوشاية ثم قال الحقوه قبل قتله و صلبوه و كان قد قتل فقال (ما يقول أميرالمؤمنين في قتل رجل عفيف، دين مسلم بلا جرم و لا جناية) و نسي أنه أرسل الي و اليه سليمان يسأله عن وصية جعفر بن محمد عليه السلام قائلا اذا وصي لانسان بعينه فخذه و اقتله)... اقتله لا لشي ء الا أنه وصي له.. ما هو الذنب؟...! و يأتيه جواب القتل (هو أميرالمؤمنين يفعل ما يشاء، و هو أعلم بما يصنع)... و ماذا يصنع خلفاء الجور و البهتان في مضارب القيان...



يا سيدي و أمير الناس كلهم

قد جار في حكمه من كان يسقيني



اني غفلت عن الساقي فصيرني

كما تراني لسيب العقل و الدين



فاختر لكم قاضيا غيري أنا رجل

الراح تقتلني و العود يحييني





[ صفحه 384]



تلك صورة لخمارة بني العباس... و لظلم بني العباس... من قال لهم الحمداني:

منكم علية أم منهم و كان لكم

شيخ المغنين ابراهيم أم لهم



طرفا حبل الواحدة للدار الآخرة و الأخري لتفاهات الدنيا... حبل ممدود... فيه الفضائل ذلك من نصره رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم... أهل البيت عليهم السلام فمن أي الطرفين.. فاختر..

و عندما نشر أبوالخطاب كفره كان الامام موسي عليه السلام صغير السن عندما أتي عيسي الشلقاني الي الامام الصادق عليه السلام سائلا اياه رأيه في هذا الملحد فقال له كما ورد سابقا لماذا لم تذهب الي ابني موسي... و يقول موسي بن جعفر عليه السلام (يا عيسي ان الله تبارك و تعالي أخذ ميثاق النبيين علي النبوة فلم يتحولوا عنها أبدا و أخذ ميثاق الوصيين علي الوصية فلم يتحولوا عنها أبدا و أعار قوما الايمان زمانا ثم سلبهم اياه و ان أباالخطاب من أعير الايمان ثم سلبه اياه...).

و يقول الصادق عليه السلام.. (يا عيسي ان ابني هذا لو سألته عما بين دفتي المصحف لأجابك فيه بعلم) [17] .

و ها هو الامام موسي عليه السلام يكتب لهارون لعل هارون يهتدي يكتب له لحيفظ شريعة جده صلي الله عليه و آله و سلم [18] .

و من أجل حماية الدين استعمل التقية و ما أشدها من تقية تلك في رسالته للخيزران معزيا بابنها (الذي هي أو عزت بقتله و هو يعلم ذلك) [19] ..

و هؤلاء اليهود الواقفون بالمرصاد للاسلام يقولون يد الله مغلولة عن



[ صفحه 385]



القبض و البسط و الأخذ و العطاء... قلم التقدير كتب..

و يقول موسي بن جعفر عليهما سلام الله لقد (علم و شاء، و أراد و قدر، و قضي و أمضي فأمضي ما قضي، و قضي ما قدر و قدر ما أراد. فبعلمه كانت المشيئة و بمشيئته كانت الارادة و بارادته كان التقدير و بتقديره كان القضاء و بقضائه كان الامضاء. و العلم يتقدم علي المشيئة و المشيئة ثانية و الارادة ثالثة و التقدير واقع علي القضاء بالامضاء فلله تبارك و تعالي البداء فيما علم متي شاء و فيما أراد لتقدير الأشياء فاذا وقع القضاء بالامضاء فلا بداء فالعلم في المعلوم قبل كونه، و المشيئة في المنشأ قبل عينه، و الارادة في المراد قبل قيامه و التقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها و توصيلها عينا و وقتا، و القضاء بالامضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذي لون و ريح و وزن وكيل، و ما دب و درج من انس و جن و طير و سباع و غير ذلك مما يدرك بالحواس فلله تعالي فيه البداء مما لا عين له فاذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء و الله يفعل ما يشاء فبالعلم علم الأشياء قبل كونها و بالمشيئة عرف صفاتها و حدودها و أنشأها قبل اظهارها و بالارادة ميز أنفسها في ألوانها و صفاتها و بالتقدير قدر أوقاتها و عرف أولها و آخرها و بالقضاء أبان للناس أماكنها و دلهم عليها و بالامضاء شرح عليها و أبان أمرها و ذلك تقدير العزيز العليم).

هكذا قال عليه السلام للمعلي بن محمد الذي كانت ممتلئة نفسه بالسؤال عن علم الله كيف يكون و ما هو و ما ذلك القدر و التقدير و ما تلك الأسئلة التي تنكر و التي تدحض و التي تثير التساؤل... ما هو ذلك الايمان... و ما السر في علم مخزون لا يدركه المدركون..

و يقف الفتح بن عبدالله سائلا عن وجود الله و صفاته... فيجيب عليه السلام [20] .



[ صفحه 386]



مبتدئا بسم الله الرحمن الرحيم قائلا: (الحمد لله الملهم عباده حمده، و فاطرهم علي معرفة ربوبيته، الدال علي وجوده بخلقه، المستشهد بآياته علي قدرته الممتنعة من الصفات ذاته، و من الأبصار رؤيته، و من الأوهام الاحاطة به، لا أمد لكونه، و لا غاية لبقائه، لا تشمله المشاعر، و لا تحجبه الحجب و الحجاب بينه و بين خلقه اياهم لامتناعه مما يمكن في ذواتهم و لا مكان مما يمتنع منه، و لافتراق الصانع من المصنوع، و الحاد من المحدود، و الرب من المربوب، الواحد بلا تأويل عدد، و الخالق لا بمعني حركة، و البصير لابأداة و السميع لا بتفريق آلة، و الشاهد لا بحماسة، و الباطن لا باجتنان، و الظاهر البائن لا بتراخي مسافة، أزله نهي لمجاول الأفكار، و دوامه ردع لطامحات العقول، قد حسر كنهه نوافذ الأبصار، و قمح وجوده جوائل الأوهام، أول الديانة به معرفته و كمال معرفته توحيده، و كمال توحيده نفي الصفات عنه بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف و شهادة الموصوف أنه غير الصفة و شهادتهما جميعا بالتثنية الممتنع منه الأزل فمن وصف الله فقد حده، و من حده فقد عده، و من عده فقد أبطل أزله، و من قال كيف؟ فقد استوصفه، و من قال فيم فقد ضمنه، و من قال علام؟ فقد جهله، و من قال أين؟ فقد اخلا منه، و من قال ما هو؟ فقد نعته، و من قال الام؟ فقد غاياه، عالم لا معلوم، و خالق اذ لا مخلوق، و رب اذ لا مربوب، و كذلك يوصف ربنا، و فوق ما يصفه الواصفون)..

فهل بعد ذلك أبلغ و أنصع و أفصح و أقوم و أرشد... فكيف لا يكون ذلك المغناطيس الذي يشد قلوب العلماء و المتفقهين و كيف لا يكون شوكة في حلق هارون..(يريدون أن يطفئوا نور الله... و خسي ء المبطلون.. لم يشهد التاريخ جنازة كجنازة موسي.. البر و الفاجر حوت.. خلفه سارت الأقوام حافية و الرؤوس حسيرة و النفوس و اكفة مدلهمة و العيون ماطرة ويحك يا هارون يوم الله من غضب الله..



[ صفحه 387]



أي الأعمال أفضل...؟ أيها العالم... أيها أقوم و أيها أحسن عندالله؟ و يجيب سلام الله عليه: ما لا يقبل عمله الا به. يقول: و ما ذلك؟ فيجيب عليه السلام الايمان بالله و يسأل: فهل الايمان قول أم عمل؟ و يقول عليه السلام: الايمان عمل كله.. و يسأل راجيا: صف لي ذلك كي أفهمه... يجيب عليه السلام: الايمان درجات منه التام المنتهي تمامه و منه الناقص البين نقصانه و منه الزائد الراجح زيادته و يسأل: الايمان ليتم و يزيد و ينقص؟ يقول عليه السلام: نعم و يشرح له عليه السلام و ينهي كلامه بالتصديق و التسليم و العقد و الرضا بأن لا اله الا الله وحده لا شريك له، أحدا، صمدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم عبده و رسوله. [21] .

و في زاوية من مسجد جده صلي الله عليه و آله و سلم وقعت عينه علي جمهرة من الناس فسأل فقالوا: علامة و سأل عليه السلام: ما العلامة قالوا: أعلم الناس بأنساب العرب و وقائعها قال عليه السلام: ذاك علم لا يضر من جهله و لا ينفع من علمه!!!.. و بسط لهم كفيه بالعلم قائلا: (العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنة قائمة و ما خلاهن فهو فضل)... و قال عليه السلام: (و جدت علم الناس في أربع: أولها أن تعرف ربك و الثانية أن تعرف ما صنع بك و الثالثة أن تعرف ما أراد منك و الرابعة أن تعرف ما يخرجك عن دينك)... و يتم عليه السلام ارشاده للائذين به فيقول لهم: تفقهوا في دين الله، فان الفقه مفتاح البصيرة، و تمام العبادة، و السبب الي المنازل الرفيعة و الرتب الجليلة في الدين و الدنيا، و فضل الفقيه علي العابد كفضل الشمس علي الكواكب و من لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا).

انها مشكاة جده صلي الله عليه و آله و سلم و مشكاة سابقيه من الأئمة الأطهار... (و لقد ءاتيناك سبعا من المثاني و القرآن العظيم) [22] ... موسي الكاظم عليه السلام السابع و الأسماء



[ صفحه 388]



المعصومة السبعة (محمد علي فاطمة الحسن الحسين جعفر موسي)... (الأسماء الحسني التي لا يصل الله من العباد عمل الا بمعرفتها) و لذا يقول عليه السلام: تفقهوا في الدين يقول عليه السلام: (محادثة العالم علي المزابل خير من محادثة الجاهل علي الزرابي).

و حوله التف طلبة العلم و هو سابح في علياء عبادته يسبح لله و يدعوه و يلتجي ء اليه و يتقدم نحوه أحدهم: سيدي و ما فائدة الدعاء؟ يقول عليه السلام: (ما من بلاء يقع علي عبد مؤمن فيلهمه الله عزوجل الدعاء الا كان كشف ذلك البلاء و شيكا و ما من بلاء يقع علي عبد مؤمن فيمسك عن الدعاء الا كان ذلك البلاء طويلا فاذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء و التضرع الي الله عزوجل) [23] .

و يرفع يديه الي السماء و يقف و فرائصه ترتعد و دموعه تسح.. (يا الله أسألك بحق من حقه عليك عظيم أن تصلي علي محمد و آل محمد و أن ترزقني العمل بما علمتني من معرفة حقك و أن تبسط علي ما حظرت من رزقك) [24] .

و في مهج الدعوات نستمع اليه عليه السلام يقول: توكلت علي الحي الذي لا يموت و تحصنت بذي العزة و الجبروت و استعنت بذي الكبرياء و الملكوت، مولاي استسلمت اليك، فلا تسلمني، و توكلت عليك فلا تخذلني، و التجأت الي ظلك البسيط فلا تطرحني، أنت الطلب و اليك المهرب، تعلم ما أخفي و ما أعلن و تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، فأمسك عني اللهم أيدي الظالمين من الجن و الانس أجمعين و اشفني، و عافني يا أرحم الراحمين [25] .

ويحك أيها التاريخ أما خشعت أمام هذا الخشوع أما انهملت أجفانك أما



[ صفحه 389]



ارتجف و ميض عينيك و خفق فؤادك... أما مددت كفيك ضارعا ساجدا في ذلك المحراب... و أنت تسمع كلمات الكاظم يعظ ابنه... يصلي لربه... يبتهل لخالقه يرجوه. اسمعه.. ويحك يقول عليه السلام: يا بني اياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها و اياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها و عليك بالجد و لا تخرجن من نفسك التقصير عن عبادة الله فان الله عزوجل لا يعبد حق عبادته و اياك و المزاح فانه يذهب بنور ايمانك و يستخف بمروءتك و اياك و الكسل و الضجر فانهما يمنعانك حظك من الدنيا و الآخرة.

و اسمعه أيها التاريخ يقول لأصحابه و هم أولئك الذين حملوا الرسالة و الأمانة ينيرون بها الطريق و السبل... و يسرحون في الأقاصي و يعملون بأوامره عليه السلام يقول لهم: اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله و ساعة لأمر المعاش و ساعة لمعاشرة الاخوان و الثقات الذين يعرفونكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن، و ساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم و بهذه الساعة تقدرون علي الثلات ساعات و لا تحدثوا أنفسكم بفقر و لا بطول عمر فانه من حدث نفسه بالفقر بخل و من حدثها بطول العمر يحرص، اجعلوا لأنفسكم حظا من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال و ما لا يثلم المروءة و ما لا سرف فيه و استعينوا بذلك علي أمور الدين فانه روي (ليس منا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه) [26] .

و يقول عليه السلام ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فان عمل حسنا استزداد منه و ان عمل شيئا استغفر الله منه و تاب..

و قال لأصحابه عليه السلام: اتق المرتقي السهل اذا كان منحدره و عرا ان أبي قال: لا تدع النفس و هواها فان هواها رداها و ترك النفس و ما تهوي أذاها و كف النفس عما تهوي دواها.



[ صفحه 390]




پاورقي

[1] مقاتل الطالبيين، ص 447.

[2] مقاتل الطالبيين، ص 455.

[3] سورة البقرة، الآية:111.

[4] سورة الكهف، الآية: 109.

[5] مناقب، ج 1، ص 411.

[6] مناقب، ص 339.

[7] منتهي الآمال، ج 2، ص 222.

[8] سورة هود، الآية: 113.

[9] سورة الاسراء، الآية: 1.

[10] احتجاج الطبري.

[11] أصول الكافي، ج 1، ص 105.

[12] أصول الكافي، ج 1، ص 106.

[13] أصول الكافي، ج 1، ص 107.

[14] أصول الكافي، ج 1، ص 107.

[15] أصول الكافي، ج 1، ص 127.

[16] أصول الكافي، ج 1، ص 150.

[17] البحار، ج 11، ص 237.

[18] البحار، ج 48، ص 124. - الاحتجاج، ص 211.

[19] البحار، ج 48، ص 134.

[20] أصول الكافي، ج 1، ص 140 -139.

[21] الكافي، ج 2، ص 39 -38.

[22] سورة الحجر، الآية: 87.

[23] الكافي، ج 2، ص 553.

[24] الكافي، ج 2، ص 553.

[25] الكافي، ج 2، ص 373.

[26] تحف العقول، ص 409.