بازگشت

من دروس الامام


و الكليني كتبه حتما أنت تعرفه و لذا لا ضرورة للمقدمة لندخل في تلك الرسالة التي يوصي بها الامام عليه السلام هشام بن الحكم، و الجزء الأول حتما و الصفحة الثالثة عشرة. و يقول عليه السلام:

يا هشام: ان الله تبارك و تعالي بشر أهل العقل و الفهم في كتابه فقال: (فبشر عباد (17) الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هدائهم الله و أولئك هم أولوا الألباب) [1] يا هشام ان الله تبارك و تعالي أكمل للناس الحجج بالعقول و نصر النبيين بالبيان و دلهم علي ربوبيته بالأدلة فقال (و الهاكم اله واحد لا الا الا هو الرحمن الرحيم (163) ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف اليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و مآ أنزل الله من السمآء من مآء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كل دآبة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون) [2] .

يا هشام: قد جعل الله ذلك دليلا علي معرفته بأن لهم مدبرا فقال:



[ صفحه 394]



(و سخر لكم اليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون) [3] و قال: (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا و منكم من يتوفي من قبل و لتبلغوا أجلا مسمي و لعلكم تعقلون) [4] و قال: (و اختلاف الليل و النهار و ما أنزل الله من السمآء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها و تصريف الرياح ءايت لقوم يعقلون) [5] و قال: (يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) [6] و قال: (و جنات من أعناب و زرع و نخيل صنوان و غير صنوان يسقي بمآء واحد و نفضل بعضها علي بعض في الأكل ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون). [7] .

و قال: (و من آياته يريكم البرق خوفا و طمعا و ينزل من السماء مآء فيحي به الأرض بعد موتهآ ان في ذلك لأيات لقوم يعقلون) [8] و قال: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا و بالوالدين احسانا و لا تقتلوا أولادكم من املاق نحن نرزقكم و اياهم و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذالكم وصاكم به لعلكم تعقلون) [9] و قال: (هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركآء في من رزقناكم فأنتم فيه سواء، تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذالك نفصل الآيات لقوم يعقلون) [10] .



[ صفحه 395]



يا هشام قم وعظ أهل العقل و رغبهم في الآخرة فقال: (و ما الحياة الدنيا الا لعب و لهو و للدار الاخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون) [11] .

يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه فقال تعالي: (ثم دمرنا الآخرين (172)، و انكم لتمرون عليهم مصبحين (137) و بالليل أفلا تعقلون) [12] .

و قال: (انا منزلون علي أهل هذه القرية رجزا من السمآء بما كانوا يفسقون)(34) و لقد تركنا منهآ آية بينة لقوم يعقلون) [13] .

يا هشام ان العقل مع العلم. قال تعالي: (و تلك الأمثل نضربها للناس و ما يعقلهآ الا العالمون) [14] .

يا هشام ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: (و اذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءابآءنآ أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا و لا يهتدون) [15] و قال: (و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعآء و ندآء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) [16] و قال: (و منهم من يستمعون اليك أفأنت تسمع الصم و لو كانوا لا يعقلون) [17] و قال: (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) [18] و قال: (لا يقاتلونكم جميعا الا في قري محصنة أو من ورآء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا و قلوبهم



[ صفحه 396]



شتي ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) [19] و قال: (و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) [20] .

يا هشام: ثم ذم الله الكثرة فقال: (و ان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) [21] و قال: (و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) [22] و قال تعالي: (و لئن سألتهم من نزل من السمآء مآء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) [23] . يا هشام: ثم مدح القلة فقال: (و قليل من عبادي الشكور) [24] و قال: (و قليل هم) [25] . و قال: (و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله) [26] و قال: (و من ءآمن و مآ ءامن معه الا قليل) [27] و قال: (و لكن أكثرهم لا يعلمون) [28] و قال: (و أكثرهم لا يعقلون) [29] .

يا هشام: ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر و حلاهم بأحسن الحلية فقال: (يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا و ما



[ صفحه 397]



يذكر الآ أولوا الألباب) [30] و قال: (و الراسخون في العلم يقولون ءآمنا به كل من عند ربنا و ما يذكر الآ أولوا الألباب) [31] و قال تعالي: (ان في خلق السموات و الأرض و اختلاف اليل و النهار لآيات لأولي الألباب) [32] و قال تعالي: (أمن هو قنات ءانآء اليل ساجدا و قآئما يحذر الآخرة و يرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون انما يتذكر أولوا الألباب) [33] و قال تعالي: (أفمن يعلم أنمآ أنزل اليك من ربك الحق كمن هو أعمي انما يتذكر أولوا الألباب) [34] و قال تعالي: (كتاب أنزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر أولوا الألباب) [35] و قال تعالي: (و لقد ءاتينا موسي الهدي و أورثنا بني اسرائيل الكتاب (53) هدي و ذكري لأولي الألباب) [36] و قال تعالي: (و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين) [37] .

يا هشام: ان الله تعالي يقول في كتابه: (ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب) [38] - يعني عقل - و قال تعالي: (و لقد ءاتينا لقمان الحكمة) [39] - يعني الفهم و العقل.

يا هشام ان لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس و ان الكيس لدي الحق يسير، يا بني: ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوي الله و حشوها الايمان، و شراعها التوكل و قيمها العقل



[ صفحه 398]



و دليلها العلم و سكانها الصبر.

يا هشام: ان لكل شي ء دليلا... و دليل العقل التفكر و دليل التفكر الصمت و لكل شي ء مطية، و مطية العقل التواضع وكفي بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه.

يا هشام: ما بعث الله أنبياءه و رسله الي عباده الا ليعقلوا عن الله فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا، و أكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا و الآخرة.

يا هشام: ان لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة و حجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة عليهم السلام و أما الباطنة فالعقول.

يا هشام: «ان العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره و لا يغلب الحرام صبره، يا هشام: من سلط ثلاثا علي ثلاث فكأنما أعان علي هدم عقله: من أظلم نور تفكره بطول أمله، و محا طرائق حكمته بفضول كلامه و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنما أعان هواه علي هدم عقله و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه.».

يا هشام: كيف يزكو عندالله عملك و أنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك و أطعت هواك عن غلبة عقلك.

يا هشام: الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا و الراغبين فيها، و رغب فيما عندالله، و كان الله أنسه في الوحشة و صاحبه في الوحدة و غناه في العيلة و معزه من غير عشيرة.

يا هشام: نصب الحق لطاعة الله، و لا نجاة الا بالطاعة و الطاعة بالعلم و العلم بالتعلم و التعلم بالعقل يعتقد و لا علم الا من عالم رباني و معرفة العلم بالعقل.



[ صفحه 399]



يا هشام: قليل العمل من العالم مقبول مضاعف و كثير العمل من أهل الهوي و الجهل مردود.

يا هشام: ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا فلذلك ربحت تجارته.

يا هشام: ان العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب؟ و ترك الدنيا من الفضل و ترك الذنوب من الفرض.

يا هشام: ان العاقل نظر الي الدنيا و الي أهلها فعلم أنها لا تنال اليها بالمشقة و نظر الي الآخرة فعلم أنها لا تنال الا بالمشقة فطلب بالمشقة أبقاهما.

يا هشام: ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة لأنهم علموا أن الدنيا طالبة مطلوبة و الآخرة طالبة مطلوبة فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتي يستوفي منها رزقه و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته.

يا هشام: من أراد الغني بلا مال، و راحة القلب من الحسد، و السلامة في الدين فليتضرع الي الله عزوجل في مسألته بأن يكمل عقله فمن عقل قنع بما يكفيه و من قنع بما يكفيه استغني و من لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغني أبدا.

يا هشام: ان الله حكي عن قوم صالحين: أنهم قالوا: (ربنآ لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب) [40] حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود الي عماها و رداها، انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه.



[ صفحه 400]



و لا يكون أحد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقا، و سره لعلانيته موافقا، لأن الله تبارك اسمه. لم يدل علي الباطن الخفي من العقل الا بظاهر منه و ناطق عنه.

يا هشام: كان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول: ما عبدالله بشي ء أفضل من العقل و ما تم عقل امري ء حتي يكون فيه خصال شتي: الكفر و الشر منه مأمونان، و الرشد و الخير منه مأمولان، و فضل ماله مبذول، و فضل قوله مكفوف، و نصيبه من الدنيا القوت، لا يشع من العلم دهره، الذل أحب اليه مع الله من العز مع غيره، و التواضع أحب اليه من الشرف يستكثر قليل المعروف من غيره، و يستقل كثير المعروف من نفسه، و يري الناس كلهم خيرا منه، و أنه شرهم في نفسه، و هو تمام الأمر.

يا هشام: ان العاقل لا يكذب و ان كان فيه هواه.

يا هشام: لا دين لمن لا مروة له، و لا مروة لمن لا عقل له، و ان أعظم الناس قدرا الذي لا يري الدنيا لنفسه خطرا، أما ان أبدانكم ليس لها ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها.

يا هشام: ان أميرالمؤمنين عليه السلام كان يقول: ان من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب اذا سئل، و ينطق اذا عجز القوم عن الكلام، و يشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث فهو أحمق.

ان أميرالمؤمنين عليه السلام قال: لا يجلس في صدر المجلس الا رجل فيه هذه الخصال الثلاث أو واحدة منهن فمن لم يكن فيه شي ء فجلس فهو أحمق..

و قال الحسن بن علي عليه السلام: اذا طلبتم الحوائج، فاطلبوها من أهلها، فقيل له: يا ابن رسول الله و من أهلها؟ قال: الذين قصهم الله في كتابه



[ صفحه 401]



و ذكرهم، فقال: (انما يتذكر أولوا الألباب) [41] قال: هم أولو العقول.

و قال علي بن الحسين عليه السلام: مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح، و آداب العلماء زيادة في العقل، و طاعة ولاة العدل تمام العز، و استثمار المال تمام المروة، و ارشاد المستثير قضاء النعمة، و كف الأذي من كمال العقل، و فيه راحة البدن عاجلا و آجلا.

يا هشام: ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه و لا يسأل من يخاف منعه، و لا يعد ما لا يقدر عليه، و لا يرجو ما يعنف برجائه، و لا يقدم علي ما يخاف فوته بالعجز عنه. و هذا ما جاء في رواية الكليني و جاء زيادة علي ذلك في تحف العقول للسيد الحسن بن علي الحراني و لم ترد في كتاب الكليني. و منها...

قال عليه السلام: يا هشام من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله من عثرته يوم القيامة، و من كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة.

يا هشام: وجد في ذؤابة سيف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان أعتي الناس علي الله من ضرب غير ضاربه و قتل غير قاتله و من تولي غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله علي نبيه محمد عليه السلام و من أحدث حدثا أو آوي محدثا لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا.

يا هشام: أفضل ما يتقرب به العبد الي الله بعد المعرفة به الصلاة و بر الوالدين و ترك الحسد و العجب و الفخر.

يا هشام: أصلح يومك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو، و أعد له الجواب، فانك موقوف و مسؤول، و خذ موعظتك من الدهر و أهله الي أن قال: و انظر في تصرف الدهر و أحواله، فان ما هو آت من الدنيا كما ولي منها



[ صفحه 402]



فاعتبر بها و قال علي بن الحسين عليه السلام: ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض و مغاربها بحرها و برها و سهلها و جبلها عند ولي من أولياء الله و أهل المعرفة بحق الله كفي ء الظلال. ثم قال عليه السلام: أو لا حر يدع هذه اللماظة - يعني الدنيا - لأهلها فليس لأنفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها، فانه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس.

يا هشام: ان كل الناس يبصرون النجوم و لكن لا يهتدي بها الا من يعرف مجريها و منازلها و كذلك أنتم تدرسون الحكمة و لكن لا يهتدي بها منكم الا من عمل بها.

يا هشام: مكتوب في الانجيل: طوبي للمتراحمين أولئك هم المرحومون يوم القيامة طوبي للمطهرة قلوبهم أولئك المتقون يوم القيامة، طوبي للمتواضعين في الدنيا، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة.

يا هشام: قلة المنطق حكمة عظيمة فعليكم بالصمت فانه دعة حسنة و قلة وزر، و خفة من الذنوب، فحصنوا باب الحلم، فان بابه الصبر، و ان الله عزوجل يبغض الضحاك من غير عجب، و المشاء الي غير أرب و يجب علي الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته و لا يتكبر عليهم. فاستحيوا من الله في سرائركم، كما تستحيون من الناس في علانتيكم، و اعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع و رفعه غيبة عالمكم بين أظهركم.

يا هشام: تعلم من العلم ما جهلت و علم الجاهل مما علمت، عظم العالم لعلمه ودع منازعته، و صغر الجاهل لجهله و لا تطرده و لكن قربه و علمه.

يا هشام: ان كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها. و قال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه: (ان الله عبادا كسرت قلوبهم خشيته فأسكتتهم



[ صفحه 403]



عن المنطق، و انهم لفصحاء عقلاء يستبقون الي الله بالأعمال الزكية، لا يستكثرون له الكثير و لا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل، يرون في أنفسهم أنهم أشرارا و أنهم لأكياس و أبرار).

يا هشام: الحياء من الايمان و الايمان في الجنة و البذاء من الجفاء و الجفاء في النار.

يا هشام: المتكلمون ثلاثة: فرابح و سالم و شاجب، فأما الرابح فالذاكر لله و أما السالم فالساكت، و أما الشاجب فالذي يخوض في الباطل، ان الله حرم الجنة علي كل فاحش، بذي ء قليل الحياء، لا يبالي ما قال و لا ما قيل فيه و كان أبوذر - رضي الله عنه - يقول: (يا مبتغي العلم ان هذا اللسان مفتاح خير و مفتاح شر، فاختم علي فيك كما تختم علي ذهب و ورقك).

يا هشام: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين، يطري أخاه اذا شاهده، و يأكله اذا غاب عنه، ان أعطي حسده، و ان ابتلي خذله، ان أسرع الخير ثوابا البر، و أسرع الشر عقوبة البغي، و ان شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه، و هل يكب الناس علي مناخرهم في النار الا حصائد ألسنتهم. و من حسن اسلام المرء ترك ما لا يعنيه.

يا هشام: لا يكون الرجل مؤمنا حتي يكون خائفا راجيا و لا يكون خائفا راجيا حتي يكون عاملا لما يخاف و يرجو.

يا هشام قال الله عزوجل: و عزتي و جلالي و عظمتي و قدرتي و بهائي و علوي في مكاني، لا يؤثر عبد هواي علي هواه الا جعلت الغني في نفسه، و همه في آخرته و كففت عليه في ضيعته، و ضمنت السموات و الأرض رزقه، و كنت له وراء تجارة كل تاجر يا هشام: عليك بالرفق، فان الرفق يمن، و الخرق شؤم، ان الرفق و البر و حسن الخلق يعمر الديار و يزيد في الرزق.



[ صفحه 404]



يا هشام: قول الله تعالي: (هل جزآء الاحسان الا الاحسان) [42] جرت في المؤمن و الكافر و البر و الفاجر. من صنع اليه معروف عليه أن يكافي ء به و ليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتي تري فضلك، فان صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء.

يا هشام: ان مثل الدنيا مثل الحية ملمسها لين و في جوفها السم القاتل، يحذرها الرجال ذوو العقول و يهوي اليها الصبيان بأيديهم.

يا هشام: اصبر علي طاعة الله و اصبر عن معاصي الله فانما الدنيا ساعة فما مضي منها فليس تجد له سرورا و لا حزنا. و ما لم يأت منها فليس تعرفه فاصبر علي تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت.

يا هشام: مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتي يقتله.

يا هشام: اياك و الكبر فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر، الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار علي وجهه.

يا هشام: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل حسنا استزداد منه و ان عمل سيئا استغفر الله منه و تاب اليه.

يا هشام: تمثلت الدنيا للمسيح عليه السلام في صورة امرأة زرقاء فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: كثيرا قال: فكل طلقت؟ قالت: لا بل كلا قتلت. قال المسيح عليه السلام. فويح لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين.

يا هشام: ان ضوء الجسد في عينيه، فان كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله و ان ضوء الروح العقل، فاذا كان العبد عاقلا كان عالما بربه و اذا



[ صفحه 405]



كان عالما بربه أبصر دينه، و ان كان جاهلا بربه لم يقم له دين، و كما لا يقوم الجسد الا بالنفس الحية فكذلك لا يقوم الدين الا بالنية الصادقة و لا تثبت النية الصادقة الا بالعقل.

يا هشام: ان الزرع ينبت في السهل و لا ينبت في الصفا فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع و لا تعمر في قلب المتكبر الجبار لأن الله جعل التواضع آلة العقل و جعل التكبر من آلة الجهل، ألم تعلم أن من شمخ الي السقف برأسه شجه و من خفض رأسه استظل تحته و أكنه، و كذلك من لم يتواضع لله خفضه الله و من تواضع لله رفعه.

يا هشام: ما أقبح الفقر بعد الغني و أقبح الخطيئة بعد النسك و أقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته.

يا هشام: لا خير في العيش الا لرجلين لمستمع واع و عالم ناطق.

يا هشام: ما قسم بين العباد أفضل من العقل، نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، و ما بعث الله نبيا الا عاقلا حتي يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين و ما أدي العبد فريضة من فرائض الله حتي عقل عنه.

يا هشام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: اذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه فانه يلقي الحكمة: و المؤمن قليل الكلام كثير العمل و المنافق كثير الكلام قليل العمل.

يا هشام: أوصي الله تعالي الي داود عليه السلام: قل لعبادي: لا يجعلوا بيني و بينهم عالما مفتونا بالدنيا فيصدهم عن ذكري و عن طريق محبتي و مناجاتي، أولئك قطاع الطريق من عبادي، ان أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي و مناجاتي من قلوبهم.

يا هشام: من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء و ملائكة الأرض و من



[ صفحه 406]



تكبر علي اخوانه و استطال عليهم فقد ضاد الله، و من ادعي ما ليس له فهو أعني لغير رشدة.

يا هشام: أوحي الله تعالي الي داود عليه السلام: يا داود حذر و أنذر أصحابك عن حب الشهوات فان المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني.

يا هشام: اياك و الكبر علي أوليائي و الاستطالة بعلمك فيمقتك الله فلا تنفعك بعد مقته نياك و لا آخرتك و كن في الدنيا كساكن دار ليست له انما ينتظر الرحيل.

يا هشام: مجالسة أهل الدين شرف الدنيا و الآخرة و مشاورة العاقل الناصح يمن و بركة و رشد و توفيق من الله فاذا أشار عليك العاقل الناصح فاياك و الخلاف فان في ذلك العطب.

يا هشام: اياك و مخالطة الناس و الانس بهم الا أن تجد منهم عاقلا و مأمونا فآنس به و اهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية، و ينبغي للعاقل اذا عمل عملا أن يستحيي من الله و اذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره و اذا حز بك أمران لا تدري أيهما خير و أصوب فانظر أيهما أقرب الي هواك فخالفه، فان كثير الصواب مخالفة هواك، و اياك أن تطلب الحكمة و تضعها في الجهالة، قال هشام: فقلت له عليه السلام: فان وجدت رجلا طالبا لها غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي اليه؟ قال عليه السلام: فتلطف له في النصيحة فان ضاق قلبه فلا تعرضن نفسك للفتنة و احذر رد المتكبرين فان العلم يذل علي أن يملي علي من لا يفيق قلت: فان لم أجد من يعقل السؤال عنها؟ قال عليه السلام: فاغتنم جهله عن السؤال حتي تسلم من فتنة القول و عظيم فتنة الرد. و اعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته و مجده و لم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم و لكن آمنهم بقدر كرمه وجوده و لم يفرج المحزونين بقدر حزنهم و لكن بقدر رأفته و رحمته. فما



[ صفحه 407]



ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد الي من يؤذيه بأوليائه فكيف بمن يؤذي فيه؟ و ما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب علي من يعاديه فكيف بمن يترضاه و يختار عداوة الخلق فيه.

يا هشام: من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه و ما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا الا ازداد من الله بعدا و ازداد الله عليه غضبا.

يا هشام: ان العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به و أكثر الصواب في خلاف الهوي و من طال أمله ساء عمله.

يا هشام: لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل.

يا هشام: اياك و الطمع و عليك باليأس مما في أيدي الناس، و أمت الطمع من المخلوقين فان الطمع مفتاح للذل، و اختلاس للعقل و اختلاق للمروات و تدنيس للعرض و ذهاب للعلم و عليك بالاعتصام بربك و التوكل عليه و جاهد نفسك لتردها عن هواها فانه واجب عليك كجهاد عدوك.

فقال هشام: فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة؟

فقال عليه السلام: أقربهم اليك و أعداهم لك و أضرهم بك و أعظمهم لك عداوة و أخفاهم لك شخصا مع دنوه منك، و من يحرض عليك أعداءك و هو ابليس الموكل بوسواس القلوب فله فلتشتد عداوتك و لا يكونن أصبر علي مجاهدتك لهلكتك منك علي صبرك لمجاهدته فانه أضعف منك في قوته و أقل ضررا في كثرة شره اذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت الي صراط مستقيم.

يا هشام: من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له، عقل يكفيه مؤونة هواه، و علم يكفيه مؤونة جهله، و غني يكفيه مخافة الفقر.

يا هشام: احذر هذه الدنيا و احذر أهلها، فان الناس فيها علي أربعة



[ صفحه 408]



أصناف: رجل مترد معانق لهواه، و متعلم مقري كلما ازداد علما ازداد كبرا يستعلي بقراءته و علمه علي من هو دونه، و عابد اهل يستصغر من هو دونه في عبادته، يحب أن يفطم و يوقر، و ذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به و لكنه عاجز أو مغلوب فلا يقدر علي القيام بما يعرفه، فهو محزون مغموم بذلك و هو أمثل أهل زمانه و أوجههم عقلا [43] .

لقد جاءت رسالة الصادق عليه السلام لجابر و جاءت رسالة موت الكاظم عليه السلام لهاشم و من قبل الصحيفة الصادقية و قبلها الصحيفة السجادية (زبور آل محمد) و قبل ذلك كلام دون كلام الخالق و فوق كلام المخلوق أئمة يهدون بالحق و به يعملون معصومون (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) [44] .

علمهم الهامي فكيف بنا و نحن في رحاب الكاظم ابن الصادق عليهما سلام الله.. و الكاظم من يعرف و هو طفل ما بين دفتي المصحف... هم الدين و هم الشريعة هم ثاني الثقلين حبهم حب الله و بغضهم بغض الله و التعلق بهم و بتعاليمهم هو المنجاة.

انها رسالة في كل جملة فيها درس كامل وعظة مستحقة و قد اعتبرت من أهم الثروات الفكرية التي أثرت عن الامام عليه السلام و ان الأخذ بفقراتها يحتاج الي كتاب كامل يغوص في تلك الدرر و تلك الاستدلالات العلمية و الفلسفية العميقة التي يدل بها علي وجود الله سبحانه بآيات بينات ما زال العلم الحديث قاصر عن حل ألغازها... و ما زالت الاكتشافات عاجزة عن بيان كنهها و كل ذلك يثبت قدرة الخالق سبحانه و تعالي... (و تلك الأمثال نضربها للناس) [45] (سبحان الله عما يصفون) [46] .. فالمؤمن اذا لم يستضي ء قلبه



[ صفحه 409]



بنور الله و عقله يهتدي بهدي الله فانه ليس بآمن من الزيغ... و الارتداد لقوله تعالي: (ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا فطبع علي قلوبهم فهم لا يفقهون) [47] ... و قال سبحانه (و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر) [48] .. تراه القلوب سبحانه و تعالي و تراه العقول يراه ذلك الشعور الخفي... شعور الايمان... و يقف سلام الله عليه و علي آبائه و أبنائه يقف و الدموع تنهمل من عينيه... يبكي في صلاته و يبكي في قراءة القرآن... و في كل آية تخالها ترتحل به الي فضاء الله الرحب، تطوف به السبع العلا و تريه ملكوت الله سبحانه و تعرج نحو الفقراء و المساكين المستضعفين و تلج سجون المعذبين لتقف طودا أمام الطغاة و الجبابرة قساة القلوب السفاكين في ذلك العصر و الي أن يرث الله سبحانه و تعالي الأرض بما عليها. يا هشام... من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه هذا ما قاله عليه السلام و هذا ما حذر منه... يا هشام: احذر هذه الدنيا و احذر أهلها... رسالة تلك أم دروس دامغة في قواعد الآداب و السلوك و الأخلاق.

و نعود القهقري نحو ذلك النصراني العالم النابه بريهة و الذي كان يطلب الحق و يبغي الهداية يحاجج الفرق الاسلامية كي يصل الي ارواء ظمأ نفسه و يحاجج هشام و معه مائة عالم نصراني و يلتقي الامام موسي عليه السلام قبل لقائه أبيه الصادق عليه السلام فيسأله الامام الكاظم عليه السلام يا بريهة كيف علمك بكتابك قال: أنا به عالم يقول عليه السلام: كيف ثقتك بتأويله قال: ما أوقفني بعلمي به. و ابتدأ عليه السلام يقرأ الانجيل و يرتل فصوله و تدمع عينا بريهة و يبكي يبكي قائلا: اياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك.. لماذا.. لماذا هو السؤال الكبير و هو السر العظيم في الامام الكاظم عليه السلام.. لقد أسلم بريهة و زوجته و من معه و قصدوا الامام الصادق عليه السلام فحكي له هشام الحديث و اسلام بريهة علي يد



[ صفحه 410]



ولده موسي فقال عليه السلام: ذرية بعضها من بعض..

يقول بريهة لأبي عبدالله عليه السلام: جعلت فداك، أني لكم التوراة و الانجيل و كتب الأنبياء فيقول عليه السلام: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرأوها و نقولها كما قالوها. ان الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي ء فيقول: لا أدري.. و الي جوار ربه ينتقل أبو عبدالله عليه السلام يتصل بريهة بالامام موسي عليه السلام و يصير من خلص أصحابه كما كان من خلص أصحاب أبيه عليه السلام.. و يتوفي بريهة.. و يصلي عليه الامام موسي عليه السلام... سلام الله عليك يا موسي بن جعفر و علي والدك و آبائك.. أيها القائل:



أنا ابن مني و المشعرين و زمزم

و مكة و البيت العتيق المعظم



و جدي النبي المصطفي و أبي الذي

ولايته فرض علي كل مسلم



و سبطا رسول الله عمي و والدي

و أولاده الأطهار تسعة أنجم



متي تعتلق منهم بحبل ولاية

تفز يوم يجزي الفائزون و تنعم



يقول سلام الله عليه: اشتدت مؤونة الدين و الدنيا أما مؤونة الدنيا فانك لا تمد يدك الا وجدت فاجرا قد سبقك اليها و أما مؤونة الآخرة فانك لا تجد أعوانا يعينونك عليها.

و يقول عليه السلام: أخذ أبي بيدي و قال: يا بني: ان أبي محمد بن علي أخذ بيدي و قال ان أبي علي بن الحسين أخذ بيدي و قال: يا بني افعل الخير الي كل من طلبه منك فان كان من أهله فقد أصبت موضعه و ان لم يكن له بأهل كنت أهله و ان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول الي يسارك و اعتذر اليك فاقبل منه، و قال الكثير الكثير الزاخرة منه بطون الكتب فيقول عليه السلام: أولي العلم بك ما لا يصلح لك العمل الا به و أوجب العلم عليك ما أنت مسؤول عن العمل به و ألزم العلم ما دلك علي صلاح قلبك و أظهر لك فساده، و أحمد العلم عاقبة ما زاد في عقل العاقل، فلا تشغلن بعلم لا يضرك جهله و لا تغفلن عن علم يزيد في جهلك تركه.



[ صفحه 411]



و ما أروع تلك الحكم بل المناهج اذ يقول: ان قوما يصحبون السلطان يتخذهم المؤمنون كهوفا هم الآمنون يوم القيامة.. و كان علي بن يقطين واحدهم و عندما يسأله علي بن سويد عن قول الله عزوجل (و من يتوكل علي الله فهو حسبه) [49] يقول عليه السلام: التوكل علي الله درجات: منها أن تتوكل عليه في أمورك كلها فما فعل بك كنت عنه راضيا تعلم أنه لا يألوك الا خيرا و فضلا و تعلم أن الحكم في ذلك اليه و تثق به فيها و في غيرها).

و سأله موسي بن بكر قائلا: الكفر أم الشرك أيهما أقدم فقال عليه السلام: ما عهدي بك تخاصم فقال: أمرني هشام بن سالم أن أسألك فقال عليه السلام: الكفر أقدم و هو الجحود قال الله عزوجل (الآ ابليس أبي و استكبر و كان من الكافرين) [50] و قال عليه السلام: أحسن من الصدق قائله و خير من الخير فاعله. و قال عليه السلام: جاء رجل الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال له يا رسول الله ما حق ابني هذا فقال صلي الله عليه و آله و سلم: أن تحسن اسمه و أدبه.

و يقول عليه السلام: من أفتي الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض و ملائكة السماء و عن عثمان بن عيسي قال: سألت أباالحسن موسي عليه السلام عن القياس فقال: ما لكم و القياس، ان الله لا يسأل كيف أحل و كيف حرم. روي الكليني عن محمد بن عبدالله رفعه عن يونس بن عبدالرحمن قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام: بما أوحد الله؟ فقال: يا يونس لا تكونن مبتدعا، من نظر برأيه هلك و من ترك أهل بيت نبيه صلي الله عليه و آله و سلم ضل و من ترك كتاب الله و قول نبيه كفر. [51] .

البرقي عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حكيم قال:



[ صفحه 412]



قلت لأبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام: جعلت فداك فقهنا في الدين و أغنانا الله بكم عن الناس حتي أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه يحضره المسألة و يحضره جوابها منا من الله علينا بكم فربما ورد علينا الشي ء لم يأتنا فيه عنك و لا عن آبائك شي ء فننظر الي أحسن ما يحضرنا و أوفق الأشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به؟ فقال: هيهات هيهات في ذلك و الله هلك من هلك يا ابن حكيم ثم قال: لعن الله أباحنيفة يقول: قال علي و قلت. و قال محمد بن حكيم لهشام بن الحكم: و الله ما أردت الا أن يرخص لي في القياس [52] . قال الصفار حدثنا أحمد بن محمد عن البرقي عن اسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة عن أبي الفرا عن سماعة عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له كل شي ء تقول به في كتاب الله و سنته أو تقولون فيه برأيكم قال: بل كل شي ء نقوله في كتاب الله و سنة نبيه [53] .

روي المجلسي عن نوادر الراوندي باسناده عن موسي بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: سائلوا العلماء و خالطوا الحكماء و جالسوا الفقراء [54] .

كذلك عنه عن نوادر الراوندي باسناده عن موسي بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان من البيان لسحرا و من العلم جهلا و من الشعر حكما و من القول عدلا [55] .

و عنه عن نوادر الراوندي باسناده عن الكاظم عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: لا سهر الا في ثلاث: مجتهد بالقرآن أو في طلب العلم أو عروس تهدي الي زوجها. [56] .



[ صفحه 413]



لقد نهي الامام موسي بن جعفر عليه السلام عن القياس كما نهي عنه أبوه الصادق عليه السلام من قبله عندما قال لأبي حنيفة لا تقس فان أول من قاس ابليس..

روي المجلسي عن دعوات الراوندي: قال: لما ركب نوح عليه السلام في السفينة، أبي أن يحمل العقرب معه فقال: عاهدتك أن لا ألسع أحدا يقول: سلام علي محمد و آل محمد و علي نوح في العالمين. [57] .

و روي العياشي عن سماعة بن مهران قال: سمعت العبد الصالح يقول: لقد كانت الدنيا و ما كان فيها الا واحد يعبد الله، و لو كان معه غيره اذ الاضافة اليه يحث يقول: (ان ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا و لم يك من المشركين) [58] فصبر بذلك ما شاء الله ثم ان الله تبارك و تعالي آنسه باسماعيل و اسحاق فصاروا ثلاثة [59] .

و روي العياشي بسنده عن الحسن بن أسباط قال: سألت أباالحسن في كم دخل يعقوب من ولده علي يوسف؟ قال: في أحد عشر ابنا فقيل له أسباط قال: نعم و سألته عن يوسف و أخيه أكان أخاه لأمه أم ابن خالته؟ فقال: ابن خالته [60] .

و روي البرقي عن بعض أصحابنا عن علي بن اسماعيل الميثمي عن محمد بن حكيم عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: أتاهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بما اكتفوا به في عهده و استغنوا به من بعده. [61] .



[ صفحه 414]



الكليني عن الحسين بن محمد الأشعري عن معلي بن محمد عن أحمد بن محمد عن الحارث بن جعفر عن علي بن اسماعيل بن يقطين عن عيسي بن المستفاد أبي موسي الضرير قال: حدثني موسي بن جعفر عليه السلام قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: أليس كان أميرالمؤمنين عليه السلام كاتب الوصية و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المملي عليه و جبرائيل و الملائكة المقربون عليهم السلام شهود؟ قال: فأطرق طويلا ثم قال: يا أباالحسن قد كان ما قلت و لكن حين نزل برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الأمر نزلت الوصية من عندالله كتابا مسجلا، نزل به جبرائيل مع أمناء الله بتارك و تعالي من الملائكة، فقال جبرائيل: يا محمد مر باخراج من عندك الا وصيك ليقبضها منا و تشهدنا بدفعك اياها اليه ضامنا لها - يعني عليا عليه السلام - فأمر النبي صلي الله عليه و آله و سلم باخراج من كان في البيت ما خلا عليا عليه السلام و فاطمة فيما بين الستر و الباب. فقال جبرائيل: يا محمد ربك يقرئك السلام و يقول: هذا كتاب ما كنت عهدت اليك و شرطت عليك و شهدت به عليك و أشهدت به عليك ملائكتي و كفي بي يا محمد شهيدا، قال: فارتعدت مفاصل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: يا جبرائيل ربي هو السلام و منه السلام و اليه يعود السلام صدق عزوجل و بر، هات الكتاب، فدفعه اليه و أمره بدفعه الي أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: اقرأه فقرأه حرفا حرفا، فقال: يا علي هذا عهد ربي تبارك و تعالي الي و شرطه علي و أمانته و قد بلغت و نصحت و أديت فقال علي عليه السلام: و أنا أشهد لك (بأبي أنت و أمي) بالبلاغ و النصيحة و التصديق علي ما قلت و يشهد لك به سمعي و بصري و لحمي و دمي، فقال جبرائيل عليه السلام: و أنا لكما علي ذلك من الشاهدين فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي أخذت وصيتي و عرفتها و ضمنت لله ولي الوفاء بما فيها فقال علي عليه السلام: نعم بأبي أنت و أمي علي ضمانها و علي الله عوني و توفيقي علي أدائها، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: يا علي اني أريد أن أشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة. فقال علي عليه السلام: نعم أشهد، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم: ان جبرائيل و ميكائيل فيما



[ صفحه 415]



بيني و بينك الآن و هما حاضران معهما الملائكة المقربون لأشهدهم عليك فقال: نعم ليشهدوا و أنا - بأبي أنت و أمي - أشهدهم، فأشهدهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرائيل عليه السلام فيما أمر الله عزوجل أن ما قال له: يا علي تفي بما فيها من موالاة من والي الله و رسوله و البراءة و العدواة لمن عادي الله و رسوله و البراءة منهم علي الصبر منك و علي كظم الغيظ و علي ذهاب حقي و غصب خمسك و انتهاك حرمتك؟ فقال: نعم يا رسول الله. فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: و الذي خلق الحبة و برأ النسمة لقد سمعت جبرائيل عليه السلام يقول للنبي: يا محمد عرفه أنه ينتهك الحرمة و هي حرمة الله و حرمة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علي أن تخضب لحيته من رأسه بدم عبيط قال أميرالمؤمنين عليه السلام: فصعقت حين فهمت الكلمة من الأمين جبرائيل حتي سقطت علي وجهي و قلت: نعم قبلت و رضيت و ان انتهكت الحرمة و عطلت السنن و مزق الكتاب و هدمت الكعبة و خضبت لحيتي من رأسي بدم عبيط صابرا محتسبا أبدا حتي أقدم عليك.

ثم دعا رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فاطمة و الحسن و الحسين و أعلمهم مثل ما أعلم أميرالمؤمنين، فقالوا مثل قوله فختمت الوصية بخواتيم من ذهب لم تمسه النار و دفعت الي أميرالمؤمنين عليه سلام الله فقلت لأبي الحسن عليه السلام: بأبي أنت و أمي ألا تذكر ما كان في الوصية؟ فقال: سنن الله و سنن رسوله. فقلت: أكان في الوصية توثبهم و خلافهم علي أميرالمؤمنين عليه السلام؟ فقال: نعم و الله شيئا شيئا و حرفا حرفا. أما سمعت قول الله عزوجل: (انا نحن نحي الموتي و نكتب ما قدموا و ءاثارهم و كل شي ء أحصيناه في امام مبين) [62] ؟ و الله لقد قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لأميرالمؤمنين و فاطمة عليه السلام: أليس قد فهمتما ما تقدمت به اليكما و قبلتماه؟ فقالا: بلي و صبرنا علي ما ساءنا و غاظنا. [63] .



[ صفحه 416]



روي المجلسي عن عيسي الضرير عن الكاظم عليه السلام قال: قلت لأبي: فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ قال: فقال: ثم دعا عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و قال لمن في بيته اخرجوا عني و قال لأم سلمة، كوني علي الباب فلا يقربه أحد، ففعلت ثم قال: يا علي ادن مني فدنا منه فأخذ بيد فاطمة فوضعها علي صدره طويلا و أخذ بيد علي بيده الأخري فلما أراد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الكلام غلبته عبرته فلم يقدر علي الكلام فبكت فاطمة بكاء شديدا و علي و الحسن و الحسين عليهم السلام لبكاء رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقالت فاطمة: يا رسول الله قد قطعت قلبي و أحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين و الآخرين و يا أمين ربه و رسوله و يا حبيبه و نبيه من لولدي بعدك؟ و لذل ينزل بي بعدك من لعلي أخيك و ناصرالدين؟ من لوحي الله و أمره؟ ثم بكت و أكبت علي وجهه فقبلته و أكب عليه علي و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم فرفع رأسه صلي الله عليه و آله و سلم و يدها في يده فوضعها في يد علي و قال له: يا أباالحسن هذه وديعة الله و وديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله و احفظني فيها و انك لفاعله يا علي هذه و الله سيدة نساء أهل الجنة من الأولين و الآخرين هذه و الله مريم الكبري أما و الله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتي سألت الله لها و لكم فأعطاني ما سألته يا علي انفذ لما أمرتك به فاطمة فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرائيل عليه السلام و اعلم يا علي أني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة، و كذلك ربي و ملائكته يا علي ويل لمن ظلمها و ويل لمن ابتزها حقها و ويل لمن هتك حرمتها و ويل لمن أحرق بابها، و ويل لمن آذي خليلها و ويل لمن شاقها و بارزها، اللهم اني منهم بري ء و هم مني براء ثم سماهم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ضم فاطمة اليه و عليا و الحسن و الحسين عليهم السلام، و قال: اللهم اني لهم و لمن شايعهم سلم و زعيم بأنهم يدخلون الجنة، و عدو حرب لمن عاداهم و ظلمهم و تقدمهم أو تأخر عنهم و عن شيعتهم زعيم بأنهم يدخلون النار. ثم و الله يا فاطمة لا أرضي حتي ترضي، ثم لا و الله لا أرضي



[ صفحه 417]



حتي ترضي ثم لا و الله لا أرض حتي ترضي.

قال عيسي: فسألت موسي عليه السلام و قلت: ان الناس قد أكثروا في أن النبي صلي الله عليه و آله و سلم أمر أبابكر أن يصلي بالناس ثم عمر، فأطرق عني طويلا ثم قال: ليس كما ذكروا، و لكنك يا عيسي كثير البحث عن الأمور، و لا ترضي عنها الا بكشفها، فقلت: بأبي أنت و أمي انما أسأل عما أنتفع به في ديني و أتفقه مخافة أن أضل و أنا لا أدري، و لكن متي أجد مثلك يكشفها لي. فقال: ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم لما ثقل في مرضه دعا عليا فوضع رأسه في حجره و أغمي عليه و حضرت الصرة فأذن بها فخرجت عائشة فقالت: يا عمر اخرج فصل بالناس فقال: أبوك أولي بها، فقالت: صدقت، و لكنه رجل لين، و أكره أن يواثبه القوم فصل أنت، فقال لها عمر: بل يصلي هو و أنا أكفيه ان وثب واثب أو تحرك متحرك مع أن محمدا صلي الله عليه و آله و سلم مغمي عليه لا أراه يفيق منها، و الرجل مشغول به لا يقدر أن يفارقه يريد عليا عليه السلام فبادره بالصلاة قبل أن يفيق، فانه ان فاق خفت أن يأمر عليا بالصلاة فقد سمعت مناجاته منذ الليلة، و في آخر كلامه: الصلاة الصلاة. قال: فخرج أبوبكر ليصلي بالناس فأنكر القوم ذلك ثم ظنوا أنه بأمر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلم يكبر حتي أفاق صلي الله عليه و آله و سلم و قال: ادعو لي العباس - فدعي فحمله هو و علي، فأخرجاه حتي صلي بالناس و انه لقاعد، ثم حمل فوضع علي منبره. فلم يجلس بعد ذلك علي المنبر و اجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين و الأنصار حتي برزت العواتق من خدورهن فبين باك و صائح و صارخ و مسترجع و النبي صلي الله عليه و آله و سلم يخطب ساعة و يسكت ساعة. و كان مما ذكر في خطبته أن قال: يا معشر المهاجرين و الأنصار و من حضرني في يومي هذا و في ساعتي هذه من الجن و الانس فليبلغ شاهدكم الغائب، ألا قد خلفت فيكم كتاب الله، فيه النور و الهدي و البيان، ما فرط الله فيه من شي ء، حجة الله لي عليكم، و خلفت فيكم العلم الأكبر علم الدين و نور الهدي وصيي علي بن أبي طالب ألا هو حبل الله فاعتصموا به جميعا و لا تفرقوا عنه و اذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم



[ صفحه 418]



بنعمته اخوانا. أيها الناس هذا علي بن أبي طالب كنز الله اليوم و ما بعد اليوم، من أحبه و تولاه اليوم و ما بعد اليوم فقد أوفي بما عاهد عليه الله و أدي ما وجب عليه، و من عاداه اليوم و ما بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمي و أصم، لا حجة له عند الله أيها الناس لا تأتوني غدا بالدنيا تزفونها زفا و يأتي أهل بيتي شعثا غبرا مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم أمامكم و بيعات الضلالة و الشوري للجهالة ألا و ان هذا الأمر له أصحاب و آيات قد سماهم الله في كتابه و عرفتكم و بلغتكم ما أرسلت به اليكم و لكني أراكم قوما تجهلون، لا ترجعن بعدي كفارا مرتدين متأولين للكتاب علي غير معرفة و تبتدعون السنة بالهوي. لأن كل سنة و حدث و كلام خالف القرآن فهو رد و باطل. القرآن امام هدي، و له قائد يهدي اليه و يدعو اليه بالحكمة و الموعظة الحسنة ولي الأمر بعدي وليه و وارث علمي و حكمتي و سري و علانيتي، و ما ورثه النبيون من قبلي و أنا وارث و مورث فلا تكذبنكم أنفسكم، أيها الناس الله الله في أهل بيتي فانهم أركان الدين، و مصابيح الظلم و معدن العلم، علي أخي و وارثي و وزيري و أميني و القائم بأمري و الموفي بعهدي علي سنتي، أول الناس بي ايمانا و آخرهم عهدا عند الموت و أوسطهم لي لقاء يوم القيامة فليبلغ شاهدكم غائبكم ألا و من أم قوما امامة عمياء، و في الأمة من هو أعلم منه فقد كفر، أيها الناس و من كانت له قبلي تبعة فها أنا، و من كانت له عدة فليأت فيها علي بن أبي طالب فانه ضامن لذلك كله حتي لا يبقي لأحد علي تبعة. [64] .

و قال السيد ابن طاوس (رض): روي محمد بن جرير الطبري عن يوسف بن علي البلخي عن أبي سعد الآدمي عن عبدالكريم بن هلال عن الحسين بن موسي بن جعفر عن أبيه عن جده عليهم السلام أن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: أمرني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن أخرج فأنادي في الناس: ألا



[ صفحه 419]



من ظلم أجيرا أجره فعليه لعنة الله. ألا من توالي غير مواليه فعليه لعنة الله، ألا و من سب أبويه فعليه لعنة الله. قال علي بن أبي طالب عليه السلام: فخرجت فناديت في الناس كما أمرني النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال لي عمر بن الخطاب: هل لما ناديت به من تفسير؟ فقلت: الله و رسوله أعلم، قال: فقام عمر و جماعة من أصحاب النبي صلي الله عليه و آله و سلم فدخلوا عليه فقال عمر: يا رسول الله هل لما نادي علي من تفسير؟ قال: نعم أمرته أن ينادي ألا من ظلم أجيرا أجره فعليه لعنة الله و الله يقول: (قل لآ أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربي) [65] فمن ظلمنا فعليه لعنة الله و أمرته أن ينادي: من توالي غير مواليه فعليه لعنة الله و الله يقول: (النبي أولي بالمؤمنين من أنفسهم) [66] و من كنت مولاه فعلي مولاه فمن توالي غير علي فعليه لعنة الله، و أمرته أن ينادي: من سب أبويه فعليه لعنة الله، و أنا أشهد الله و أشهدكم أني و عليا أبوالمؤمنين فمن سب أحدنا فعليه لعنة الله، فلما خرجوا قال عمر: يا أصحاب محمد ما أكد النبي لعلي في الولاية في غديرخم و لا في غيره أشد من تأكيده في يومنا هذا. قال خباب بن الأرت: كان هذا الحديث قبل وفاة النبي بتسعة عشر يوما. [67] .

و لا يتسع لنا المجال هنا علي سرد تلك الأحاديث التي تزخر بها الكتب و التي تصب كلها في وعاء الدين و حمايته و حفظه من الشوائب و الترهات و التي تؤكد علي الثقلين و التمسك بهما لأنهما الصون من الغث و الحفظ من الضياع و المنجاة من الهاوية.

و يروي الكليني عن بعض أصحابنا يصل الي أبي الحسن موسي عليه السلام يقول: ان الأحلام لم تكن فيما مضي في أول الخلق و انما حدثت فقلت: و ما العلة في ذلك؟ فقال: ان الله عز ذكره بعث رسولا الي أهل زمانه فدعاهم الي



[ صفحه 420]



عبادة الله و طاعته فقالوا: ان فعلنا ذلك فما لنا فو الله ما أنت بأكثرنا مالا و لا بأعزنا عشيرة. فقال: ان أطعتموني أدخلكم الله الجنة و ان عصيتموني أدخلكم الله النار فقالوا: و ما الجنة و النار؟ فوصف لهم ذلك. فقالوا متي نصير الي ذلك؟ فقال: اذ متم. فقالوا: لقد رأينا أمواتنا صاروا عظاما و رفاتا، فازدادوا له تكذبيا و به استخفافا فأحدث الله عزوجل فيهم الأحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا و ما أنكروا من ذلك فقال: ان الله عزوجل أراد أن يحتج عليكم بهذا، هكذا تكون أرواحكم اذا متم و اذا بليت أبدانكم تصير الأرواح الي عقاب حتي تبعث الأبدان. [68] .

و يقول الصفار في البصائر حدثنا محمد بن الحسن عن موسي بن سعدان عن عبدالله بن القاسم عن هارون بن خارجة قال: قال لي أبوالحسن عليه السلام: نحن المثاني التي أوتيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و نحن وجه الله نتقلب بين أظهركم فمن عرفنا عرفنا و من لم يعرفنا فأمامه اليقين. [69] .

و جاء في دلائل الامامة قال ابراهيم بن سعد: أدخل الي موسي بن جعفر عليه السلام بسباع لتأكله فجعلت تلوذ به تبصبص له و تدعو له بالامامة و تعوذ به من شر الرشيد فلما بلغ الرشيد ذلك أطلق عنه و قال ان يفتنني و يفتن الناس و من معي. [70] .

الكثير الكثير في بطون المراجع و الكتب و الكثير الكثير مما يشدنا اليه و به الايمان المطلق الذي أراده عليه السلام و الذي هدانا به الله و الذي أراده موسي بن جعفر عليه السلام حفظا لرسالة جده للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و من أراد الزيادة و الزود فليأت ما أمر الله به من العلم فليغترف باعه و ليسق فؤاده..



[ صفحه 421]



فجوع العلم لا يشبعه زاد الا التقوي و ظمأ الاطلاع لا يرويه منهل الا البيان..

يقول عليه السلام: طوبي لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا الثابتين علي موالاتنا و البراءة من أعدائنا أولئك منا و نحن منهم قد رضوا بنا أئمة و رضينا بهم شيعة فطوبي لهم ثم طوبي لهم و هم و الله معنا في درجاتنا يوم القيامة.

و يقول عليه السلام: من عادي شيعتنا فقد عادانا و من والاهم فقد والانا لأنهم منا خلقوا من طينتنا من أحبهم فهو منا و من أبغضهم فليس منا، شيعتنا ينظرون بنور الله و يتقلبون في رحمة الله و يفوزون بكرامة الله. شيعتنا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يحجون البيت الحرام و يصومون شهر رمضان و يوالون أهل البيت و يبرأون من أعدائهم أولئك أهل الايمان و التقي و أهل الورع و التقوي و من رد عليهم فقد رد علي الله و من طعن عليهم فقد طعن علي الله لأنهم عباد الله حقا و أولياؤه صدقا، و الله ان أحدهم ليشفع في مثل ربيعة و مضر فيشفعه الله تعالي فيهم لكرامته علي الله عزوجل.

و يقول عليه السلام: لا تستخفوا بفقراء شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام و عترته من بعده فان الرجل منهم ليشفع في مثل ربيعة و مضر.

و نقلب صفحات الأعمال و نسطر بأقلام الدماء حروف الأولياء الصابرين الكاظمين الغيظ و نعيد القراءة سرا و علنا و نردد ما قاله أبوالحسن موسي عليه السلام (احفظ لسانك تعز، و لا تمكن الناس من قيادة رقبتك فتذل) و نكرر معه عليه السلام ما قاله جده صلي الله عليه و آله و سلم: رحم الله عبدا قال خيرا فغنم أو سكت عن سوء فسلم. و أيضا ما نطق به النبي الرحيم صلي الله عليه و آله و سلم: الرجل الصالح يجي ء بخبر صالح و الرجل السوء يجي ء بخبر سوء فاللهم اجعلنا ممن يأتي بالصالح و يتجنب الطالح و يبشر بالخبر و يؤتي منه و يدفع عنه الأذي، جعلت فداك سيدي يا أباالحسن أيها التقي النقي الصابر الكاظم يا من بكتك الملائكة و سار خلفك البر و الفاجر.. السلام عليك سلاما دائما قائما و صلاة نرفعها دافعة شافعة و لا



[ صفحه 422]



حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.. السلام عليك يا من قلت: شر البقاع دور الأمراء الذين لا يقضون بالحق و قلت من أرضي سلطانا بما أسخط الله خرج من دين الاسلام و قلت: الفقهاء أمناء الرسل حملتها عن جدك المصطفي صلي الله عليه و آله و سلم و أدليت بها الي من اهتدي بكم... و أما أولئك الفراعنة الذين يقولون ما لا يعملون فحسبي الله منهم.. يحرفون الكلم عن مواضعه و يقتلون أولياء الله بغير حق.. و ربك هو القوي العزيز.. و ان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ويل لهارون انه من الظالمين المفترين الضالين..

كم قال: (أنا امام الجماعة في الظاهر و الغلبة و القهر و موسي امام حق). و قال لابنه: (و الله يا بني انه لأحق بمقام رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و مني و من الخلق جميعا و الله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك فان الملك عقيم.

و قال: يا بني و الله هذا وارث علم النبيين هذا موسي بن جعفر بن محمد عليهم السلام ان أردت العلم الصحيح فعند هذا).

و يقول: هذا امام الناس و حجة الله علي خلقه و خليفته علي عباده...

و يقتله و ينكل به و يتجبر عليه فويحه لقد ضل الضلال البعيد... و لن يطفي ء نور الله.. ويحه أراد منه الاعتراف بالاساءة فقط (اطلب العفو) لقد تبت انك غير مذنب و لا مقصر و لكن أقسمت و لا أحنث... لقد أقسم الكافر... و هو لا يحنث و يطلب الاعتراف.. يطلب من الامام عليه السلام الكذب و يقول: (ثم تقدم علينا عزيزا مكرما).. خسي ء هارون فالامام هو الصراط الأقوم و السبيل الأعظم و شهيد دار الفناء و شفيع دار البقاء.. حليف السجدة الطويلة و الدموع الغزيرة من يعرف الله و يخشاه، لقد كان وجوده عليه سلام الله خطر علي خلفاء الجور و الظلم كان كما يقول عنه محمد بن طلحة الشافعي هو الامام الكبير القدر العظيم الشأن الكثير التهجد الجاد في الاجتهاد المشهور له



[ صفحه 423]



بالكرامات، المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات. يبيت الليل ساجدا و قائما و يقطع النهار متصدقا و صائما و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما، كان يجازي المسي ء اليه باحسانه و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه و لكثرة عبادته كان يسمي العبد الصالح و يعرف في العراق بباب الحوائج الي الله لنجح مطالب المتوسلين الي الله بكراماته تحار منها العقول و تقضي له عند الله تعالي قدم صدق لا يزال [71] و يقول ابن خلكان: كان سخيا كريما و كان يسمع عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث اليه بصرة فيها ألف دينار و كان يصر الصرر ثلاثمائة دينار و أربعمائة دينار و يقسمها بالمدينة [72] و ابن الصباغ المالكي يقول: قال بعض أهل العلم الكاظم هو الامام الكبير القدر و الأوحد الحجة الجد الساهر ليله قائما القاطع نهاره صائما المسمي لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدي كاظما و هو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج الي الله و ذلك لنجح قضاء حوائج المسلمين [73] .. بلا سيف و لا اعلام ملك القلوب فنفوذه المعنوي الذي يمتلكه عليه السلام شد اليه القاصي و القريب هذا بشر الحافي و هذا صفوان الجمال و الكثير الكثير من أحبار و رهبان عرفوا الايمان الحق علي يديه عليه السلام.

و يأتيه ذلك الشيخ الفقير يقول له يا ابن بنت رسول الله اني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك بثلاث أبيات قالها جدي في جدك الحسن عليه السلام كان يومها النيروز و قد طلب منه عليه السلام المنصور الجلوس للتهنئة و قبض ما يحمل اليه فقال عليه السلام: اني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فلم أجد لهذا العيد خبرا و أنه سنة للفرس و محاها الاسلام و معاذ الله أن نحيي ما محاه الاسلام فقال المنصور: انما تفعل هذا سياسة للجند فسألتك بالله العظيم الا



[ صفحه 424]



جلست و يجلس عليه السلام و يدخل الملوك و الأمراء و الأجناد يهنئونه و يحملون الهدايا و التحف اليه و علي رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل حتي دخل آخر الناس ذلك الشيخ العجوز... ينشد:



عجبت لمصقول علاك فرنده

يوم الهياج و قد علاك غبار



و لأسهم نفذتك دون حرائر

يدعون جدك و الدموع غزار



الا تقضقضت السهام و عاقها

عن جسمك الاجلال و الاكبار



و يقول عليه السلام: قبلت هديتك... اجلس بارك الله فيك و رفع رأسه عليه السلام الي الخادم و قال: امض الي أميرالمؤمنين و عرفه بهذا المال و ما يصنع به؟ فمضي الخادم و عاد و هو يقول: كلها هبة مني له يفعل به ما أراد.. قال موسي عليه السلام للشيخ جميع هذا المال هبة مني اليك.. ذلك موسي بن جعفر من كتب عنه الشيخ المفيد [74] قائلا: كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتي تطلع الشمس و يخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء و التحميد حتي يقرب زوال الشمس و كان يدعو كثيرا فيقول: (اللهم اني أسألك الراحة عند الموت و العفو عند السحاب) و يقول: (عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك) و كان عليه السلام يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع و كان أوصل الناس لأهله و رحمه و كان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزنبيل فيه العين و الورق و الأدقة و التمور فيوصل اليهم ذلك و لا يعلمون من أي جهة هو). و ما زالت كلمات هارون عندما أرسل من يقتله و بعون الله حرسه الله و عندما يعلم هارون يقول: أجاره الله مني... فهل هناك أشد كفرا و فسوقا ممن يري آيات الله ثم ينكرها.

و نفتح صفحات مطالب السؤول يقول محمد بن طلحة الشافعي: فهذه الكرامات العالية و الأقدار الخارقة العوايد هي علي التحقيق حلية المناقب و زينة



[ صفحه 425]



المزايا و غرر الصفات و لا يؤتاها الا من أفاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد و مرت له أخلاق التوفيق و ازدلفته في مقام التقديس و التطهير (و ما يلقاهآ الا الذين صبروا و ما يلقاهآ الا ذو حظ عظيم) [75] [76] و يقول له المهدي بعد أن أثبت له حرمة الخمر (صدقت يا رافضي) [77] . و يقف أبوحنيفة مشدوها أمام براهين الامام عليه السلام و هو طفل يبوب له المعصية و مر معنا ذلك الشيخ الذي زرع بطيخا.. فأعطاه خسارته و قال: تمسكوا ببقايا المصائب و ليس ببعيد قصة ذلك العبد الذي اشتراه مع الضيعة ثم أطلقه و عتقه و أعطاه الضيعة ف (هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون) [78] لقد عتق أكثر من ألف مملوك لوجه الله سبحانه و تعالي و ابتغاء لمرضاته.


پاورقي

[1] سورة الزمر، الآيتان: 18، 17.

[2] سورة البقرة، الآيتان: 164، 163.

[3] سورة النحل، الآية: 12.

[4] سورة غافر، الآية: 66.

[5] جزء من الآية الرابعة من سورة الجاثية.

[6] سورة الحديد، الآية: 18.

[7] سورة الرعد، الآية: 4.

[8] سورة الروم، الآية: 24.

[9] سورة الأنعام، الآية: 151.

[10] سورة الروم، الآية: 28.

[11] سورة الأنعام، الآية: 31.

[12] سورة الصافات، الآيات: 138 -136.

[13] سورة العنكبوت، الآيتان: 35، 34.

[14] سورة العنكبوت، الآية: 43.

[15] سورة البقرة، الآية: 169.

[16] سورة البقرة، الآية: 171.

[17] سورة يونس، الآية: 42.

[18] سورة الفرقان، الآية: 44.

[19] سورة الحشر، الآية: 13.

[20] سورة البقرة، الآية: 43.

[21] سورة الأنعام، الآية: 116.

[22] سورة لقمان، الآية: 25.

[23] سورة العنكبوت، الآية: 63.

[24] سورة سبأ، الآية: 13.

[25] سورة ص، الآية: 24.

[26] سورة غافر، الآية: 28.

[27] سورة هود، الآية: 40.

[28] سورة الأنعام، الآية: 37.

[29] سورة المائدة، الآية: 103.

[30] سورة البقرة، الآية: 268.

[31] سورة آل عمران، الآية: 6.

[32] سورة آل عمران، الآية: 189.

[33] سورة الزمر، الآية: 9.

[34] سورة الرعد، الآية: 19.

[35] سورة ص، الآية: 28.

[36] سورة غافر، الآية: 52.

[37] سورة الذاريات، الآية: 54.

[38] سورة ق، الآية: 36.

[39] سورة لقمان، الآية: 11.

[40] سورة آل عمران، الآية: 8.

[41] سورة الزمر، الآية: 9.

[42] سورة الرحمن، الآية: 60.

[43] تحف العقول، ص 400 -390.

[44] سورة الأحزاب، لآية: 33.

[45] سورة العنكبوت، الآية: 43.

[46] سورة المؤمنون، الآية: 91.

[47] سورة التوبة، الآية: 87.

[48] سورة البقرة، الآية: 217.

[49] سورة الطلاق، الآية: 3.

[50] سورة البقرة، الآية: 34.

[51] الكافي، ج 1، ص 56.

[52] الكافي، ج 1، ص 56.

[53] البصائر، ص 301.

[54] بحارالأنوار، ج 1، ص 198.

[55] بحارالأنوار، ج 1، ص 218.

[56] بحارالأنوار، ج 1، ص 222.

[57] بحارالأنوار، ج11، ص 342.

[58] سورة النحل، الآية: 120.

[59] تفسير العياشي، ج 2، ص 274.

[60] تفسير العياشي، ج 2، ص 197.

[61] المحاسن، ص 235.

[62] سورة يس، الآية: 12.

[63] الكافي، ج 1، ص 281.

[64] البحار، ج 22، ص 487 -484.

[65] سورة الشوري، الآية: 23.

[66] سورة الأحزاب، الآية: 6.

[67] البحار، ج 22، ص 489.

[68] الكافي، ج 8، ص 60.

[69] البصائر، ص 66.

[70] دلائل الامامة، ص 158.

[71] مطالب السؤول، ص 225.

[72] وفيات الأعيان، ج 1، ص 393.

[73] الفصول المهمة، ص 231.

[74] الارشاد، ص 277.

[75] سورة فصلت، الآية: 35.

[76] مطالب السؤول، ص 207.

[77] كافي، ج 6، ص 407.

[78] سورة الزمر، الآية: 9.