بازگشت

ولادة الكاظم


الأحد السابع من صفر و الرحال في الأبواء مرقد آمنة أم رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.. و السابع يوم بزوغ كما كان يوم أفول... غيب فيه الحسن المجتبي صلي الله عليه و آله و سلم و ولد فيه سمي الكليم عليه السلام و صفر فيه تبدأ صفين و في تاسعه النهروان و في ثانيه استشهاد زيد بن علي بن الحسين عليهم السلام و في السابع عشر منه ارتحال الامام الرضا عليه السلام و في عشرينه أربعين الحسين عليه السلام، و في نهايته الثامن و العشرين قبض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

يا له من شهر.. ايه يا صفر يا موقع الخبر و منزل القدر و يوم السفر... الشمس و القمر بحسبان و النجم و الشجر يسجدان و السماء رفعها و وضع الميزان... يثرب الطيبة و مكة الطاهرة و موعد مع الحق.. و ستائر الكعبة تلك التي تعلقت بها فاطمة بنت أسد... يمسك بها جعفر بن محمد عليه السلام يلثمها بوجد و شغف و تتحرك الشفتان بوله تقبلان الحجر الأسود..

البدر في السماء مهطع النظرات، ساكب العبرات في صلاة يتردد همسها مع نسائم الصحراء المترامية في كل مكان الا شعاب مكة فهي تردد صلاة الصادق و ترشف قطرات الدمع المنسابة علي و جنتيه و عيناه مغمضتان، فهل



[ صفحه 38]



تراه يسرح بالبعيد الماضي و الآتي... انه مع ربه في خشوع و تضرع... و نحن ما ترانا نتلمس؟ أالي خيبر، أم الخندق، أم أحد، أم الأحزاب؟ و يجتاحنا صوت من ليلة الهرير و ألف آه لليلة قبض فيها الحبيب، و انزوت بضعته في بيت الأحزان ترسل آهتها الي أن يواريها بعلها أبوالسبطين في ثراها... و بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة... أيتها الزهراء، يا ريحانة المصطفي، سلام الله عليك أيتها المظلومة و سلام الله علي بعلك الثاوي بالغري في موضع طهر بالطهر و سلام الله علي ابنك المجتبي المسموم الطاهر الذي أصلح الله به بين أمة محمد صلي الله عليه و آله و سلم و السلام علي السبط الشهيد بكربلاء الذي لولاه لانتهي دين جده... سيدتي و أني لتلك الجامعة التي سلسل بها زين العابدين فنزت دماه فوقها، مسبيا و هو سيد السجادين، حمل رسالة الاسلام وصان أمانة جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي أن سلمها لابنه الباقر شبيه المصطفي باقر علوم الأولين و الآخرين عليه سلام الله... و نقف يا سيدتي نرقب الصادق متمسكا بأستار الكعبة، ذارفا الدمع المدرار!! أعلي جده الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أم علي السبط الحسن أم حملته أنسم الكعبة الي أميرالمؤمنين عليه السلام (أريد حياته و يريد موتي...) و تلك الضربة من عدو الله... أم الي كربلاء الي أجساد بلا رؤوس... و الي سبايا... أمامها.. علي الحراب رؤوس آل البيت الأطهار..

مكة ها هي تموج بالحجيج و ذاك ركب أبي عبدالله الصادق عليه السلام و الجموع تحيط به من كل صوب، تغرب الشمس و تشرق و الآلاف تؤم بابه. تبحث عن عمق عقيدتها في أجوبة الأسئلة التي حملتها من كل أقطاب الدنيا... و الصادق بن محمد عليهما سلام الله يجيب كل سائل و يهدي كل تائه و ينير بمعرفته كل سبيل، «لا تقس يا أباحنيفة» و صوت من البعيد... «لولا السنتان لهلك النعمان» و يردد الصدي في البعيد البعيد «ان أول من قاس ابليس».



[ صفحه 39]



تلك بطحاء مكة و هذه بئر زمزم و الهرج و المرج... و مع آخر شعاع من الشمس الغاربة يرتفع نداء الله أكبر و يضي ء القمر بنوره في السماء، و تضي ء تعاليم الصادق الأرض، و تنقضي أيام ذي الحجة و يدخل محرم الحرام ثم ها هو صفر و الطريق بين مكة و المدينة قصيرة مهما طالت، فها هي مشارف الأبواء... و ذاك قبر آمنة.. و يحط الركب رحله.. الصلاة و السلام علي يا رسول الله و علي آلك الأطهار المنتجبين. السلام عليك يا آمنة يا أم المصطفي. و من عمق التراب تفوح رائحة الطهر و عبير الايمان..

لقد انتهت مناسك الحج و قفل ركب الامام الصادق عليه السلام عائدا الي المدينة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و كل قوم حملتهم ركابهم الي ديارهم و انفضت الجموع التي أمت باب الامام جعفر بن محمد عليه السلام متزودة بتعاليم الدين الحنيف و بالهدي و الارشاد و بالأجوبة الشافية لما حملوه من أسئلة معهم من أهلهم، فلقد كان الامام الصادق عليه السلام مدرسة علم و فقه و ثقافة، حفظ جامعة أبيه الباقر عليه السلام و وسعها حتي أنه كان يؤم درسه ما ينوف عن أربعة آلاف رجل كل يقول حدثني جعفر بن محمد عليه السلام، فلقد كان الامام بعد أبيه محمد الباقر ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، و لقد نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، و انتشر ذكره في البلاد، و لم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه، و قد روي عنه جماعة من أعيان الأئمة كابن جريج و مالك بن أنس و الثوري و يحيي بن سعيد و ابن عيينة و أبي أيوب السجستاني و غيرهم الكثير، و لا أبين مما نطق به لسان أبي حنيفة: «لو لا السنتان لهلك النعمان».

و يقول ابن قتيبة في كتاب (أدب الكاتب): [و كتاب الجفر كتبه الامام جعفر الصادق ابن محمد الباقر فيه كل ما يحتاجون الي علمه الي يوم القيامة].



[ صفحه 40]



و يقول المعري:



لقد عجبوا لآل بيت لما

أتاهم علمهم في جلد جفر



و مرآة المنجم و هي صغري

تريه كل عامرة و قفر



لقد كان الامام الصادق عليه السلام يجلس للعامة و الخاصة و يأتيه الناس من الأقطار يسألونه عن الحلال و الحرام و عن تأويل القرآن و فصل الخطاب، فلا يخرج أحد منهم الا راضيا بالجواب.. و هذا ما كان من مجلسه الكريم، و بعدما انفض المجلس يمم شطر يثرب و أهله في ركابه...

و انحدرت شمس ذلك النهار نحو المغيب في حمرة مخضبة الشفق و حتي لكأنها كتلة نار ملتهبة، و مع اضمحلال آخر خيوطها كان هلال صفر ذي السبعة أيام يبتسم بنوره الفضي.. و ها هو الامام عليه السلام في محرابه يتلو آيات القرآن مبتهلا الي الله بدعائه المعتاد مستذكرا في ذلك اليوم السبط المجتبي عليه السلام الذي قضي بسم معاوية بيد جعدة..

و يقيم عليه السلام مجلس دعاء و عزاء فيضج بالبكاء علي الامام السبط عليه السلام و علي جده صلي الله عليه و آله و سلم و يمتد الذكر الي آمنة بنت وهب المدفونة بتلك المنازل البعيدة عن المدينة و عن مكة..

الأبواء... محط رحالهم في ذلك اليوم للراحة من لهب شمس النهار التي ما ان رحلت بآخر شعاع منها حتي امتدت يد الليل ببرودة لاذعة بعد نهار قائظ فوق رمال الصحراء الممتدة بلا نهاية و المتأوهة قلي مما أحاق بآل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من الظلم و الجور و العنت...

و يرتفع صوت رخيم هادي ء.. السلام عليك يا ابن رسول الله... السلام عليك أيها السبط الطاهر المسموم... يا ابن الزهراء... لعن الله ساميك و معاديك و من نزوا علي منبر جدك رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و صوت آخر يقول: ويلها جعدة من نار الجحيم... و يشير الامام عليه السلام بالدعاء.. السلام علي السبط



[ صفحه 41]



الشهيد بكربلاء.... السلام عليك يا رسول الله و علي وصيك و ابنتك و آلك الأطهار...

و ما أن يتم عليه السلام كلمته حتي يهمس رسول (حميدة) الزوج الفاضلة (بطلبها اياه)... الأحد.. الأحد هو يوم الامام علي عليه السلام... السابع... سبع سماوات... و أحرق أبي تراب السبعة و صفر... صفر شهر الارتحال و شهر ولادة موسي... و العام ثمان و عشرون و مائة للهجرة..

و تضع تلك الطاهرة وليدها في الأبواء... حميدة المصفاة... و حميدة المغربية من أشراف الأعاجم و قيل أندلسية حمية الصفات، وصفت باللؤلؤة و نعتت بالمصفاة، صالحة تقية قال عنها الصادق عليه السلام: حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الأملاك تحرسها حتي أديت الي كرامة من الله و للحجة من بعدي.

روي الشيخ الكليني و القطب الراوندي و آخرون عن ابن كاشة أنه دخل علي أبي جعفر عليه السلام، و كان أبو عبدالله عليه السلام قائما عنده فقدم اليه عنبا و أكرمه و أثناء الحديث قال لأبي جعفر عليه السلام لأي شي ء لا تزوج أبا عبدالله، فقد أدرك التزويج؟ و كان بين يديه صرة مختومة فقال عليه السلام: سيجي ء نخاس من أهل البربر ينزل دار ميمون فنشتري بهذه الصرة منه جارية.

و يقول الراوي: فدخلنا علي أبي جعفر عليه السلام يوما فقال: ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم؟ قد قدم فاذهبوا و اشتروا بهذه الصرة جارية، فأتينا النخاس فقال: قد بعت كل ما عدي الا جاريتين مريضتين احداهما أقل من الأخري، قلنا: فأخرجهما ننظر اليهما، فأخرجهما فقلنا: بكم تبيع هذه الجارية المتماثلة؟ قال: بسبعين دينارا. قلنا: أحسن، قال: لا أنقص من سبعين دينارا. فقلنا نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت و كان عنده رجل أبيض الرأس و اللحية فقال: فكوا الخاتم و زنوا. فقال النخاس: لا تفكوا فانها ان



[ صفحه 42]



نقصت حبة من السعبين لم أبايعكم. قال الشيخ: زانوا، ففككنا و وزنا الدنانير فاذا هي سبعون دينارا لا تزيد و لا تنقص، فأخذنا الجارية فأدخلناها علي أبي جعفر عليه السلام و جعفر قائم عنده فأخبرنا أباجعفر بما كان. فحمدالله ثم قال لها: ما اسمك؟ قالت: حميدة. فقال: حميدة في الدنيا و محمودة في الآخرة.

و ها هي تلك الطاهرة تضع وليدها... مختونا طاهرا ساجدا رافعا اصبعه نحو السماء متشهدا فيأخذه أبوه عليه السلام و يجري له المراسيم الشرعية، فأذن باليمني و أقام باليسري و ما لبث أن عاد عليه السلام الي مجلسه و وجهه يتهلل سرورا، و بشر أصحابه بوليده المبارك. و أخبر الخواص منهم بأنه الامام من بعده، و عندما وصل المدينة أولم فأطعم الناس ثلاثا.

و يروي الشيخ الكليني و الصفار و آخرون عن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبدالله عليه السلام في السنة التي ولد فيها ابنه موسي عليه السلام فلما نزلنا الأبواء وضع لنا أبو عبدالله عليه السلام الغداء و أكثره و أطابه فبينما نحن نتغدي اذ أتاه رسول حميدة: ان الطلق قد ضربني و قد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا لأنه ليس كغيره من الأبناء [1] ، فقام أبو عبدالله فرحا مسرورا فلم يلبث أن عاد الينا حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنه فقلنا: أضحك الله سنك و أقر عينك، ما صنعت حميدة؟ فقال: وهب الله لي غلاما و هو خير من برأ الله، و لقد خبرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها، قلت: جعلت فداك و ما خبرتك عنه حميدة قال: ذكرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعا يديه علي الأرض رافعا رأسه الي السماء، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمارة الامام من بعده.

و روي الشيخ البرقي (أحمد بن أبي عبدالله البرقي) عن منهال القصاب أنه قال: خرجت من مكة و أنا أريد المدينة فمررت بالأبواء و قد ولد لأبي



[ صفحه 43]



عبدالله عليه السلام فسبقته الي المدينة و دخل بعدي بيوم فأطعم الناس ثلاثا فكنت آكل في من يأكل فما آكل شيئا الي الغد حتي أعود فآكل فمكثت بذلك ثلاثا أطعم حتي أرتفق ثم لا أطعم شيئا الي الغد.

و عن يعقوب السراج روي الشيخ المفيد أنه قال: دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام و هو واقف علي رأس أبي الحسن موسي عليه السلام و هو في المهد، فجعل يساره طويلا فجلست حتي فرغ فقمت اليه فقال: ادن الي مولاك فسلم عليه، فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي بلسان فصيح ثم قال لي: اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس فانه اسم يبغضه الله، و كانت ولدت لي بنت فسميتها بالحميراء، فقال أبو عبدالله عليه السلام: انته الي أمره ترشد فغيرت اسمها. و روي أنه قيل لأبي عبدالله الصادق عليه السلام ما بلغ بك من حبك ابنك موسي عليه السلام فقال: وددت أن ليس لي ولد غيره حتي لا يشاركه في حبي له أحد.

و مما لا شك فيه و ان اختلف الراوون و الرواة فان الامام موسي بن جعفر عليه السلام ولد بالأبواء لسبع مضين من صفر يوم الأحد بعد عودة الامام الصادق عليه السلام من الحج من زوجته حميدة المغربية التي قال عنها الصادق عليه السلام: حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة، مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الملائكة تحرسها حتي أديت الي كرامة من الله لي و للحجة من بعدي... و لا أظهر من ذلك بسؤاله لها: أبكر أنت أم ثيب قالت: بكر: قال: و أني تكونين من أيدي النخاسين قالت: لما كان هم بي يأتيه شيخ و ما زال يلطمه علي حر وجهه حتي يتركني و لما اشتراها النخاس رأته امرأة من أهل الكتاب و قالت: سيولد منك أعز الخلق علي الأرض... و كان أن ولدت الامام موسي عليه السلام.

يقول ابن بابويه بالاسناد عن منصور بن حازم قال: كنت جالسا مع أبي



[ صفحه 44]



عبدالله عليه السلام علي الباب و معه اسماعيل اذ مر علينا موسي و هو غلام فقال اسماعيل: سبق بالخير ابن الأمة.. و كانت أم اسماعيل فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين و هي أم عبدالله و أم (أم فروة) و أمام أم موسي عليه السلام و اسحاق محمد فهي حميدة (أم ولد).. انها أمة... و كانت سارة أمة أيضا..

و جاء في رواية البرقي [2] أن الصادق عليه السلام قال: ان حميدة ذكرت أنه لما سقط الامام موسي عليه السلام من بطنها واضعا يده علي الأرض رافعا رأسه الي السماء... فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمارة الوصي من بعده.

و يتابع عليه السلام جوابا عن علامة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و علامة الوصي فيقول: يا أبا محمد انه لما أن كانت الليلة التي علقت فيها بابني هذا المولود أتاني آت فسقاني كما سقاهم، و أمرني بمثل الذي أمرهم به. فقمت بعلم الله مسرورا بمعرفتي ما يهب الله لي فجامعت فعلقت بابني هذا المولود، فدونكم فهو و الله صاحبكم من بعدي، ان نطفة الامام مما أخبرتك فانه اذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر و أنشأ فيه الروح، بعث الله تبارك و تعالي اليه ملكا يقال له «جيوان» يكتب في عضده الأيمن (و تمت كلمت ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته) [3] فاذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه علي الأرض رافعا رأسه قبل رب العزة، من الأفق الأعلي باسمه و اسم أبيه يا فلان ابن فلان اثبت مليا لعظيم خلقتك، أنت صفوتي من خلقي، و موضع سري، و عيبة علمي، و أميني علي وحيي، و خليفتي في أرضي، و لمن تولاك أوجبت رحمتي، و منحت جناني، و أحللت جواري. ثم و عزتي لأصلين من عاداك أشد



[ صفحه 45]



عذابي، و ان أوسعت عليهم في الدنيا من سعة رزقي، قال: فاذا انقضي صوت المنادي أجابه هو و هو واضع يده علي الأرض رافعا رأسه الي السماء و يقول: (شهد الله أنه لا اله الا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لآ اله الا هو العزيز الحكيم) [4] ، فاذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول و العلم الآخر و استحق زيارة الروح في ليلة القدر.

قلت: و الروح ليس هو جبرائيل؟ قال: لا، الروح خلق أعظم من جبرائيل، ان جبرائيل من الملائكة و ان الروح خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول الله تبارك و تعالي: (تنزل الملائكة و الروح) [5] ، و قد اختلف في العام فمنهم من ذهب الي أنه عام ثمان و عشرين و مائة و بعضهم قال تسع و عشرين و مائة و الأرجح هو ثمان و عشرين و...

و هو عليه السلام أبوالحسن موسي الكاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

و كما وصفه كمال الدين: هو الامام الكبير القدر، العظيم الشأن الكثير التهجد، الجاد في الاجتهاد، و المشهود له بالكرامات، و المشهور بالعبادة، المواظب علي الطاعات، يبيت الليل ساجدا و قائما و يقطع النهار متصدقا و صائما.

و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما، فكان يجازي المسي ء باحسانه اليه و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه، و لكثرة عبادته كان يسمي بالعبد الصالح و يعرف في العراق بباب الحوائج الي الله، لنجح المتوسلين الي الله تعالي به، كراماته تحار منها العقول و تقضي بأن له عندالله قدم صدق.



[ صفحه 46]



واقع الحياة و المدينة ابان ولادة الامام الكاظم عليه السلام

مدينة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم تلك المنورة بذكره و اسمه و كتابه و تعاليمه مدينة الهجرة المباركة يثرب الطاهرة تسبح في ظلامة الظلم و القهر و العزلة..

أصبحت السجن الكبير الذي يحجر فيه الخلفاء من بني أمية علي شباب قريش أن يبرحوا الحجاز الا باذن... و ذلك ما جعل المدينة ترزح في عزلة، فزاد أهلها تقاربا و تراحما و تصاهرا و كذلك تناقضا و نقائضا.

ها هي أطراف الجمل في بيت واحد مجتمعة (سكينة بنت الحسين عليه السلام) يبني بها مصعب بن الزبير ثم يبني بضرة لها (عائشة بنت طلحة).

و أما الامام الصادق عليه السلام فكان جده لأبيه زين العابدين الذي هو و القاسم بن محمد بن أبي بكر و سالم بن عبدالله بن عمر أولاد خالات (بنات كسري يزدجرد). أما الباقر عليه السلام فقد ولدته لزين العابدين بنت عمه فاطمة بنت الحسن.. و أما أم الصادق عليه السلام فهي (أم فروة) بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر و كان الامام علي عليه السلام تزوج من أسماء بنت عميس بعد موت أبي بكر فصار ابنها محمد ربيبه ترعرع في كنفه و شهد معه الجمل و صفين و ولاه مصر حيث قتلته جيوش معاوية.

و أما جدته لأمه فهي أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر عم القاسم و شقيق عائشة و الذي قال لمعاوية (عندما بعث له مائة ألف درهم ظنه يشتريه فردها قائلا: [لا أبيع ديني بدنياي])، و هو القائل أيضا مع رفض البيعة ليزيد: (جعلتموها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل).

فجعفر الصادق عليه السلام ولده النبي صلي الله عليه و آله و سلم مرتين و كسري مرتين و يقول ولدني أبوبكر مرتين..



[ صفحه 47]



الصادق عليه السلام هو والد الامام موسي عليه السلام ابن حميدة النوبية و هي أمة.. فلو استقرأنا التاريخ لرأينا أن الاسلام كان للموالي و العرب و ذلك هو الدين الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و دافع من أجله عن المساواة بين المسلمين وصيه أميرالمؤمنين عليه السلام باب مدينة العلم الذي قال عنه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: أنا مدينة العلم و علي بابها. و ريحانتاه الحسن و الحسين عليه السلام الجيل الأول الذي تلاه الجيل الثاني و الذي هو السجاد مع ابنيه الباقر و زيد عليهم السلام و تمثل الجيل الثالث بجعفر بن محمد عليه السلام البدر الكامل لجيل ختم أجيال، ففي زمان الصادق عليه السلام تنتهي دولة الأمويين لتبدأ دولة بني العباس و في ذلك المعترك الهائل ولد و نشأ و ترعرع الامام الكاظم عليه السلام سليل بيت النبوة و سابع الأئمة المعصومين.

لنر الآن لك الشعب التي كانت تشاد في ذلك الزمن و لنسمع مالك بن أنس فقيه أهل المدينة و امام أهل السنة يقول: [حسبما روي الشيخ الصدوق] كنت أدخل علي الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فيقدم لي مخدة و يعرف لي قدرا و يقول من ثم: يا مالك اني لأحبك، فكنت أسر بذلك و أحمد الله عليه و كان عليه السلام رجلا لا يخلو من احدي ثلاث خصال: اما صائما و اما قائما و اما ذاكرا، و كان من عظماء العباد و أكابر الزهاد و الذين يخشون الله عزوجل و كان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد، و كان اذا قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اخضر مرة و اصفر أخري، حتي ينكره من كان يعرفه، و لقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عندالاحرام كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه و كاد أن يخر عن راحلته، فقلت: قل يا ابن رسول الله و لابد لك من أن تقول: فقال: يا ابن أبي عامر، كيف أجسر أن أقول لبيك اللهم لبيك و أخشي أن يقول عزوجل، لا لبيك و لا سعديك..

هذه حال الصادق عليه السلام فكيف سيكون حال الابن الذي ترعرع علي تعاليم الوالد...؟؟!!



[ صفحه 48]




پاورقي

[1] منتهي الآمال، ص 240.

[2] مسند الامام الكاظم عليه السلام، ج 1، ص 1.

[3] سورة الانعام، الآية: 115.

[4] سورة آل عمران، الآية: 18.

[5] سورة القدر، الآية: 4.