بازگشت

سيرورة علم الامام


نهض الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) بأعباء الامامة في ريعان الشباب و عنفوان الفتوة، و عمره عشرون عاما. و رغم الظروف القاتلة للتحرك، و الليالي الحالكة التي قضاها في السجون، فان المهمة الأساسية لديه هي



[ صفحه 64]



«تعليم الانسان» و هذا التعليم الانساني له أبعاده في آفاق متعددة من الهداية و التشريع و المعارف الانسانية بمفرداتها الهائلة، و كل هذه الآثار كانت تدور في فكر الامام، فيجسدها بأطاريح تعبر عن آرائه المتميزة، و هي تعبر عن الفكر الاسلامي ليس غير.

و قد بدأ المد الاسلامي العقلي بالانحسار نتيجة السياسة المترفة و الحياة اللاهية التي انتهجها الطغاة، فكان علي الامام التصدي للمفاهيم و النظريات الجديدة التي تسربت الي البيئة العربية جراء هذا التلاقح الحضاري بين الأمم و الشعوب، و كان عليه أن يرصد ذلك بحذر و يقظة و اعداد، من أجل الحفاظ علي جوهر الاسلام، و كانت المبادي ء و النظريات الوافدة تشكل محورا جديدا فيه كثير من الأخطار، و فيه كثير من التحديات، و فيه كثير من الاضافة المعرفية أيضا.

و بدأ الامام في تصديه لهذه الظواهر، فدرأ منها ما رآه يصطدم بتعاليم السماء، و أقر منها الأفكار التي تحمل سمة التقاليد العريقة للحضارات بحيث يري مداليلها الموروثة تصب في روافد معرفية لا تتعارض مع مفاهيم الاسلام في رسالته الانسانية. و كل حرصه أن لا يهمش دور التراث الاسلامي في بناء الحياة العقلية الجديدة كما ستري هذا في الفصل القادم مفصلا.

و قد مهد الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) بذهنه الوقاد المتفجر، بين يدي تلك الامدادات الداعية الي احياء التراث التشريعي في الاسلام، و رفد القيم الدينية و تطويرها و اغنائها بالعناصر النابعة من صميم العقيدة لا من خارجها، و هو بذلك يوحد الفكر الانساني في ملامح متأصلة في خضم التيارات الكبري المتصارعة.

و كانت ثقافة الامام التكاملية - باعتباره قد أعد اعدادا خالصا - تفيض عبر صور مشرقة تحمل بين سماتها ألوان الأصالة و الابداع، فتشكل ألقا



[ صفحه 65]



مذهلا في استيحاء الفكر الاسلامي الخالص من مصادره الأولي، و هو يزخر برهافة عالية و حس مجرد.

و كانت نقطة الانطلاق في هذا الخط المحوري: التأكيد علي تلقي العلم الناهض، و التحصن بسياجه المحكم، و من ثم الشروع بتحقيق الهدف المركزي الذي يسعي اليه.

و لتطبيق هذا المبدأ كانت دعوة الامام بادي ء ذي بدء تتمثل بتوجيهه النابض: «تعلم من العلم ما جهلت، و علم الجاهل ما علمت» [1] .

و هذه الدعوة ترمي الي هدف ذي شقين رئيسيين في الارادة: تعلم ما تجهل، و تعليم من يجهل، و تلك هي النظرة الشمولية التي تدرأ الأنانية، و تدعو الي السماح بانتشار العلم و ضبطه و مدارسته و تعليمه.

و قد ندب الامام لهذه المهمة من يستمع الي القول فيتبع أحسنه، و أكد طلب العلم، و علل فضيلة ذلك بقوله: «زاحموا العلماء في مجالسهم و لو حبوا علي الركب، فان الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر» [2] .

و هذا التشبيه التمثيلي الذي يسره الامام الكاظم (عليه السلام)، صورة ناطقة حية تمثل احياء القلوب بنور الحكمة، كاحياء الأرض الميتة بوابل المطر، و هذا يقضي بأن الجاهل من الأموات، و المزاحم للعلماء من أجل الافادة من الأحياء فعلا.

و دخل علي الامام الحسن بن عبدالله و كان زاهدا، و من أعبد أهل زمانه في المسجد، فأومأ اليه الامام فأتاه، فقال له الامام: يا أباعلي ما



[ صفحه 66]



أحب الي ما أنت عليه و أسرني به، الا أنه ليست لك معرفة، فاطلب المعرفة. فقال له: جعلت فداك، و ما المعرفة؟ قال الامام: اذهب تفقه و اطلب الحديث.

قال عمن؟ قال الامام: عن فقهاء المدينة، ثم اعرض الحديث علي...

ففعل، فدله الامام علي ما يلزمه من المعرفة [3] .

و روي ابن حمدون في تذكرته:

قال موسي بن جعفر (عليه السلام): وجدت علم الناس في أربع:

أولها: أن تعرف ربك.

و الثانية: أن تعرف ما صنع بك.

و الثالثة: أن تعرف ما أراد منك.

و الرابعة: أن تعرف ما يخرجك عن دينك.

و قد فسر ابن حمدون هذه الأربع:

الأولي: وجوب معرفة الله تعالي التي هي اللطف.

الثانية: معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر و العبادة.

الثالثة: أن تعرف ما أراد منك فيما أوجبه عليك، و ندبك الي فعله لتفعله علي الحد الذي أراده منك، فتستحق بذلك الثواب.

الرابعة: أن تعرف الشي ء الذي يخرجك عن طاعة الله فتجتنبه [4] .

و بديهي أن الامام قد أراد بهذا العلم ذلك العلم الروحي، و غايته أن ينبع من المعرفة الداخلية للانسان، و هو العلم الالهي الذي يقف بالانسان علي



[ صفحه 67]



الحقيقة، فتصقل بها روحه، و يمسك بها عمله، و يتعلق بأضوائها ضميره.

فهو يتحدث عن العلم و يريد غايته.

و لهذا نجد الامام يحث علي العلم، و يفضله علي العبادة الساذجة، فيقول: «فقيه واحد... أشد علي ابليس من ألف عابد، لأن العابد همه نفسه فقط، و الفقيه همه مع ذات نفسه ذات عباد الله و ارضائه... و لذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد، و ألف ألف عابد» [5] .

و يعلل الامام قبول العمل مع العلم، و رده مع الجهل، فيقول:

«قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، و كثير العمل من أهل الهوي و الجهل مردود» [6] .

و كان من غرر أقواله، و عجيب نصائحه، و بليغ وصاياه قوله: «محادثة العالم علي المزابل خير من محادثة الجاهل علي الزرابي» [7] .

و المزابل معروفة و هي مجتمع النفايات، و الزرابي هي البسط و الفرش الفاخرة، و اذا كانت الأولي رفضها العلم طبيعة و منطقا، فهي خير من الثانية مع اقبال النفس عليها.

و هدف الامام في هذا التوجه هو التوصل الي حقائق ناصعة و مرضية عند الله تعالي، لأنها الطريق الأمثل في استقراء المجهول. يقول الأستاذ محمدحسن آل ياسين:

«و لكي يكون العلم في جانبه الديني مرضيا عند الله تعالي، و محققا هدفه الكبير في تعزيز الايمان و ترسيخ الاعتقاد و الابتعاد عما يسخط الله عزوجل، نهي الامام عن الأخذ بالبدع، و حذر أشد



[ صفحه 68]



التحذير من العمل بالرأي خلافا لحكم الله و نص رسوله (صلي الله عليه و آله) و في ذلك يقول مخاطبا بعض أصحابه:

«لا تكونن مبتدعا، من نظر برأيه هلك، و من ترك أهل بيت نبيه (صلي الله عليه و آله) ضل، و من ترك كتاب الله و قول نبيه (صلي الله عليه و آله) كفر» [8] .

و لما كان القياس في بعض حالاته ضربا من ضروب الابتداع، و لونا من ألوان الأخذ بالرأي، فقد نهي (عليه السلام) أصرح النهي عن العمل بالقياس في تقرير حكم النظير و المشابه ان لم تكن العلة المشتركة منصوصة بصريح اللفظ. و جاء في الرواية عن سماعة بن مهران أنه قال للامام: «انا نجتمع فنتذاكر ما عندنا، فلا يرد علينا شي ء الا و عندنا فيه شي ء مسطر، و ذلك مما أنعم الله به علينا بكم. ثم يرد علينا الشي ء الصغير ليس عندنا فيه شي ء، فينظر بعضنا الي بعض، و عندنا ما يشبهه، فنقيس علي أحسنه». فقال الامام (عليه السلام):

ما لكم و للقياس!! انما هلك من هلك قبلكم بالقياس [9] [10] .

و كان علم الامام متنقل الأفياء في موضوعات متعددة، و مفردات لا حصر لها، و قد اشتملت عليها المصادر المتخصصة، و قد أوردت أحاديثه و رواياته و استنتاجاته و هي تزخر بالعطاء السمح الكثير، وكان أبرزها ما ضم الكتاب و احتوته السنة من الروائع، و قد تلقاها الناس في شتي القصبات و الأقاليم فحدبوا علي مدارستها.

و له شذرات ثمينة استخرجها من القرآن الكريم، تتجلي بتفسيرها منزلة أهل البيت القيادية، و تؤكد دور الولاية الكبري في قبول الأعمال و تلقي الحسنات، و الانابة الي الله عزوجل.



[ صفحه 69]



ففي قوله تعالي: (بلي من كسب سيئة) [11] .

قال الامام: بغضنا [12] .

و في قوله تعالي: (و أحاطت به خطيئته...) [13] .

قال الامام: «من أشرك في دمائنا» [14] .

و في قوله تعالي: (فاكتبنا مع الشاهدين...) [15] .

قال الامام: «نحن نشهد للرسل علي أممها» [16] .

و في قوله تعالي: (و اذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم...) [17] .

قال الامام: «هم عدونا أهل البيت، اذا سألوا عنا قالوا ذلك.» [18] .

و في قوله تعالي: (و ما ظلمونا و لكن كانوا أنفسهم يظلمون) [19] .

قال الامام: «ان الله أعز و أمنع من أن يظلم، أو ينسب نفسه الي الظلم، ولكن الله خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، و ولايتنا ولايته» [20] .

و في قوله تعالي: (كلا ان كتاب الفجار لفي سجين...) [21] .

قال الامام: «الذين فجروا في حق الأئمة، و اعتدوا عليهم» [22] .



[ صفحه 70]



و في قوله تعالي: (و وهبنا له اسحاق و يعقوب كلا هدينا و نوحا هدينا من قبل و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف و موسي و هارون و كذلك نجزي المحسنين - و زكريا و يحيي و عيسي...) [23] .

استدل فيهما الامام علي الرشيد بأن أبناء أميرالمؤمنين هم أبناء رسول الله (صلي الله عليه و آله) من جهة أمهم فاطمة (عليهاالسلام)، فقال: «انما ألحق عيسي بذراري الأنبياء من قبل مريم، و ألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة، لا من قبل علي (عليه السلام)».

فقال له الرشيد: أحسنت أحسنت يا موسي، زدني من قوله.

فقال الامام: اجتمعت الأمة برها و فاجرها، أن حديث النصراني حين دعاه النبي (صلي الله عليه و آله) الي المباهلة، لم يكن في الكساء الا النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام)، فقال تبارك و تعالي: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و أنفسنا و أنفسكم...) [24] .

فكان تأويل (أبناءنا) الحسن و الحسين، و (نساءنا) فاطمة، و (أنفسنا) علي بن أبي طالب.

فقال الرشيد: أحسنت [25] .

و في هذا السياق أورد الامام موسي بن جعفر عند المهدي العباسي، في قوله تعالي: (و آت ذا القربي حقه...) [26] .

قال الامام:، ان الله تبارك و تعالي لما فتح علي نبيه فداك و ما ولاها، لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، فأنزل الله علي نبيه (صلي الله عليه و آله):



[ صفحه 71]



(و آت ذا القربي حقه...) [27] ، فلم يدر رسول الله (صلي الله عليه و آله) من هم، فراجع في ذلك جبرئيل، و راجع جبرئيل (عليه السلام) ربه، فأوحي الله اليه: أن ادفع فدك لفاطمة (عليهاالسلام)

[28] .

و في مقام التحذير و الانذار اتخذ الامام سبيلا للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أورده الامام رفيقا تارة، و عنيفا تارة أخري، ليحقق أبعاد هذه الفريضة التي ابتعد عنها الناس، و هو يسير ذلك - مضافا الي التحذير - في سياق العبرة و الموعظة، و له في هذا مواقف أغمض التأريخ عنها عينا، و أضرب عن ذكرها صفحا، و أكتفي منها بنموذج صريح صارخ، فيما أورده الشيخ المفيد بسنده: «فقد أدخل الامام علي الرشيد، فكان مما قاله الرشيد له حين أدخل عليه، ما هذه الدار؟

قال الامام: هذه دار الفاسقين، قال الله تعالي:

(سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و ان يروا كل آية لا يؤمنوا بها و ان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا و ان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا...) [29] .

فقال له هارون: فدار من هي؟

قال الامام: هي لشيعتنا فترة و لغيرهم فتنة.

قال هارون: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟

فقال الامام: أخذت منه عامرة، و لا يأخذها الا معمورة.



[ صفحه 72]



قال هارون: أين شيعتك؟

فقرأ الامام: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين منفكين حتي تأتيهم البينة) [30] .

قال هارون: فنحن كفار؟

قال الامام: لا، و لكن كما قال الله:

(... الذين بدلوا نعمة الله كفرا و أحلوا قومهم دار البوار) [31] .

«فغضب عند ذلك الرشيد و غلظ عليه، فقد لقيه الامام أبوالحسن (عليه السلام) بمثل هذه المقالة و ما رهبه، و هذا خلاف قول من زعم أنه هرب منه من الخوف» [32] .

و بهذه الشذرات النادرة نكتفي ايرادا لما فجره الامام موسي (عليه السلام) من طاقات قرآنية تهدي سواء السبيل فاذا وقفنا عند باب الفقه و الأحكام تشريعا و انتقاء و افاضة، فاجأنا ذلك البحر الخضم الذي استقت منه مصادر التشريع أحكامها في الفقه و الحديث. و أبرزها: الكافي للكليني، و من لا يحضره الفقيه للصدوق، و الاستبصار و التهذيب للشيخ الطوسي، و وسائل الشيعة للحر العاملي، و سواها من كتب الفقه و الحديث و الاستدلال بما هو متوافر فيها من فتاوي و أحاديث و روايات، جعل لها القرآن شاهدا، و استخرج من آياته دليلا، و ذلك من باب النوادر التي لا يمكن أن تقدر بثمن لأنها من الكنوز و الذخائر النفيسة.

«سئل (عليه السلام): ما يقول العالم (عليه السلام) في رجل قال: نذرت لله لأعتقن كل مملوك كان في رقي قديما، و كان له جماعة من المماليك؟ فكان الجواب



[ صفحه 73]



بخطه (عليه السلام): ليعتقن من كان في ملكه من قبل ستة أشهر، و الدليل علي صحة ذلك قوله تعالي: (و القمر قدرناه منازل حتي عاد كالعرجون القديم) [33] .

«و الحديث ما ليس له ستة أشهر» [34] .

و في السياق نفسه، سئل (عليه السلام): ما يقول العالم في رجل قال: و الله لأتصدقن بمال كثير؛ فما يتصدق؟

فأجاب الامام بخطه: ان كان الذي حلف من أرباب شياه، فليتصدق بأربع و ثمانين شاة، و ان كان من أصحاب النعم، فليتصدق بأربعة و ثمانين بعيرا، و ان كان من أرباب الدراهم فليتصدق بأربعة و ثمانين درهما، و الدليل عليه قوله تعالي:

(لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) [35] .

فعدت مواطن رسول الله (صلي الله عليه و آله) قبل نزول تلك الآية، فكانت أربعة و ثمانين موطنا [36] .

و سئل (عليه السلام)، ما يقول العالم في رجل نبش قبر ميت، و قطع رأس الميت و أخذ الكفن؟

فكان الجواب بخطه: يقطع السارق لأخذ الكفن من وراء الحرز، و يلزم مائة دينار لقطع رأس الميت، لأنا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه قبل أن ينفخ فيه الروح [37] .



[ صفحه 74]



و عن علي بن أبي حمزة، قال: كنا بمكة سنة من السنين، فأصاب الناس تلك السنة صاعقة كبيرة حتي مات من ذلك خلق كثير، فدخلت علي أبي الحسن (عليه السلام)، فقال مبتدئا من غير أن أسأله: يا علي ينبغي للغريق و المصعوق أن يتربص به ثلاثا الي أن تجي ء منه ريح يدل علي موته.

قلت: جعلت فداك، كأنك تخبرني أن دفن ناس كثير أحياء؟ قال: نعم، يا علي، قد دفن ناس كثير أحياء، و ما ماتوا الا في قبورهم» [38] .

ان هذه الاجابات و هي سمحة لا عسير فيها، و واضحة لا ابهام بها، توحي بالمستوي العلمي لموازين الشريعة و أحكامها، و كانت استدلالاتها حجة لا تقبل الريب أو الشك، و هي غيض من فيض.

يقول الأستاذ محمدحسن آل ياسين:

«و يظهر من بعض النصوص المأثورة عن الامام أن هناك من كان يعترض عليه في أحكامه و فتاواه، فلا يجد مناصا من اضافة شرح أو زيادة استدلال، لاقناع خصمه بصواب قوله و صحة فتواه». و قد أورد بعض النماذج علي ذلك [39] .

و من ذلك: أن أبايوسف أمره الرشيد بسؤال الامام. فقال للامام: ما تقول في التظليل للمحرم؟

قال الامام: لا يصلح.

قال أبويوسف: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت؟

قال: نعم. قال: فما الفرق بين الموضعين؟

قال الامام: ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟



[ صفحه 75]



قال: لا.

قال الامام: فتقضي الصوم؟ قال: نعم.

قال الامام: و لم؟ قال أبويوسف: هكذا جاء.

قال الامام: و هكذا جاء [40] .

و قد دحض الامام في اجابته هذه مبدأ القول بالقياس، كما أوضح بأن الأحكام توقيفية تؤخذ كما ورد بها النص، و أن لا اجتهاد في مقابل النص.

و عن علي بن يقطين، قال: سأل المهدي أباالحسن (عليه السلام) عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عزوجل؟ فان الناس انما يعرفون النهي عنها، و لا يعرفون التحريم لها.

فقال له أبوالحسن (عليه السلام): بل هي محرمة في كتاب الله عزوجل.

فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عزوجل؟ يا أباالحسن.

فقال الامام: قول الله عزوجل: (انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الاثم و البغي بغير الحق...) [41] .

و أما الاثم فانها الخمرة بعينها [42] .

قال أبوعلي الطبرسي (ت 548 ه) و الاثم: قيل هو الذنوب و المعاصي عن الجبائي، و قيل الاثم ما دون الحد عن الفراء، و قيل: الاثم الخمر، و أنشد الأخفش:



شربت الاثم حتي ضل عقلي

كذاك الاثم تفعل بالعقول





[ صفحه 76]



و قال الآخر:



نهانا رسول الله أن نقرب الخنا

و أن نشرب الاثم الذي يوجب الوزرا [43] .



و قد ظهر مما تقدم: أن الاثم لا يخلو من معنيين: اما أن يكون هو المعاصي و الذنوب، و الخمرة أحد مفرداتها و أبرز مصاديقها، و اما أن يكون هو الخمرة بعينها كما تدل عليه الرواية عن الامام الكاظم، و يؤيده لغة و استعمالا عند العرب الشاهدان الشعريان المتقدمان، و علي كلا المذهبين في المعني، فالخمرة محرمة بهذه الآية، اما لكونها أحد مصاديق الاثم، و اما لأنها الاثم ذاته، و اما بهما معا [44] .

و لم يكن علم الامام مقتصرا علي جانب معين، و انما كان يعالج شتي المواضيع بأسلوبه الرقيق، و بلغات متعددة؛ فقد كلم الامام غلاما بالحبشية، و أمره، و نهاه، و أوصاه... فعجب علي بن أبي حمزة من ذلك، فقال الامام:

«لا تعجب، فما خفي عليك من أمر الامام أعجب و أكثر، و ما هذا من الامام في علمه الا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء، أفتري الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا؟

قال: فان الامام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده، و عجائبه أكثر من ذلك، و الطير حين أخذ من البحر قطرة بمنقاره لم ينقص من البحر شيئا، كذلك العالم لا ينقصه علمه شيئا، و لا تنفد عجائبه» [45] .

ان هذه الظاهرة في التفوق العلمي تمثل ذاتية التحرك المعرفي لدي الامام، حتي أنها جلبت انتباه السلاطين و هم لا يعبأون بالعلم، و لكنهم تحلقوا حول



[ صفحه 77]



الامام اختيارا، و هم أدري الناس بكفايته العلمية، فقد روي أن هارون الرشيد أنفذ الي الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) فأحضره، فلما حضر عنده، قال ان الناس ينسبونكم يابن فاطمة الي علم النجوم، و ان معرفتكم بها معرفة جيدة، و فقهاء العامة يقولون: ان رسول الله (صلي الله عليه و آله) قال: اذا ذكرني أصحابي فاسكتوا، و اذا ذكروا القدر فاسكتوا، و اذا ذكروا النجوم فاسكتوا. و أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) كان أعلم الخلائق بعلم النجوم، و أولاده و ذريته الذين يقول الشيعة بامامتهم كانوا عارفين بها.

فقال له الكاظم (عليه السلام): هذا حديث ضعيف، و اسناده مطعون فيه، و الله تبارك و تعالي قد مدح النجوم، و لولا أن النجوم صحيحة لما مدحها الله عزوجل، و الأنبياء (عليهم السلام) كانوا عالمين بها، و قد قال الله تعالي في حق ابراهيم الخليل (عليه السلام):

(و كذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين) [46] .

و قال في موضع آخر: (فنظر نظرة في النجوم - فقال اني سقيم) [47] .

فلو لم يكن عالما بعلم النجوم ما نظر فيها، و قال: اني سقيم.

و ادريس (عليه السلام) كان أعلم أهل زمانه بالنجوم.

و الله تعالي قد أقسم بمواقع النجوم: (و انه لقسم لو تعلمون عظيم) [48] .

و قال في موضع: (و النازعات غرقا) الي قوله: (فالمدبرات أمرا) [49] .



[ صفحه 78]



يعني بذلك اثني عشر برجا، و سبعة سيارات، و الذي يظهر بالليل و النهار بأمر الله عزوجل، و بعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، و هو علم الأنبياء و الأوصياء و ورثة الأنبياء الذين قال الله عزوجل:

(و علامات و بالنجم هم يهتدون) [50] .

و نحن نعرف هذا العلم و ما نذكره [51] .

و هذا الاتساع في الادراك المعرفي لا يصدر الا من تلك النجمة المختارة فيما وهبت من العلم الرفيع، و كما قال هو (عليه السلام):

«ان الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي ء، فيقول: لا أدري» [52] .

و لما كان الهدف العلمي معنيا باصلاح الذات أولا، كان اهتمام الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) بالنفس الانسانية و تهذيبها معلما بارزا من معالم تنمية الأخلاق و تقويمها لديه، فعمل علي شحذ الهمم و صقلها، و حدب علي معالجة ظواهر التخلف الاجتماعي، و عني بالتربية الفاضلة المهذبة، و أراد للانسان حياة الصدق و الايثار، و حبب اليه محاسبة نفسه، و موازنة عمله.

قال الامام: «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل حسنا استزاد الله، و ان عمل شيئا استغفر الله منه، و تاب اليه» [53] .

هذه المحاسبة أداة فاعلة في الازدياد من الخير، و العمل علي ضبط النفس و صيانتها من السيئات، و لو ارتطم بها كان عليه الانابة و الاستغفار، و هذا كله من سيماء الصالحين.



[ صفحه 79]



و يضيف الامام (عليه السلام) الي هذا التوجه خصائص أخري ينبغي لأهل الخير الارتباط بها علي الصعيد العملي فيقول: «التحدث بنعم الله شكر، و ترك ذلك كفر، فأربطوا نعم ربكم بالشكر، و حصنوا أموالكم بالزكاة، و ادفعوا البلاء بالدعاء، فان الدعاء جنة ترد البلاء و قد أبرم ابراما» [54] .

و ندب الامام الي تعظيم أمر الخير، و اجتناب قليل الذنب، و أشار الي مراقبة النفس بخوف الله سرا، و دعا الي مكارم أخري بقوله: «لا تستكثروا كثير الخير، و لا تستقلوا قليل الذنوب، فان قليل الذنوب يجتمع حتي يصير كثيرا، و خافوا الله في السر حتي تعطوا من أنفسكم النصف، و سارعوا الي طاعة الله، و أصدقوا الحديث، و أدوا الأمانة، فان ذلك لكم، و لا تدخلوا فيما لا يحل لكم، فانما ذلك عليكم» [55] .

و هذا المنطق الجزل منحي جديد في استباق الخير، و الانتهاء عن الفكر، و الاسراع في الطاعة، و حمل معالي الأمور شعارا.

و نهي الامام النفس عن الهوي، و النفس أثمن متاع ينبغي أن لا يفرط فيه جزافا، و لا يلقي له القياد انحدارا، قال الامام: «اتق المرتقي السهل اذا كان منحدره و عرا» [56] .

و الحديث هذا من غرر الأحاديث بلاغة و دلالة و ايجازا.

و دعا الامام الي الموازنة في استقبال أيام العمر، فلا يستوي لدي الانسان الأريب يوماه، و لا يستغل بيوم عما قبله، و ليكن يومه خيرا من أمسه، و غده خيرا من يومه، لئلا يغبن.



[ صفحه 80]



قال الامام: «من استوي يوماه فهو مغبون، و من كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، و من لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في النقصان، و من كان الي النقصان فالموت خير له من الحياة» [57] .

و كانت دعوة الامام الي التقوي تمثل ملحظا ايجابيا يتوصل معه المرء الي الحق، فيقول:

«اتق الله و قل الحق و ان كان فيه هلاكك، فان فيه نجاتك. اتق الله ودع الباطل و ان كان فيه نجاتك، فان فيه هلاكك، اياك أن تمنع في طاعة الله فتنفق مثليه في معصية الله.

المؤمن مثل كفتي ميزان كلما زيد في ايمانه زيد في بلائه» [58] .

و كان من أروع ما تحدث به الامام بيانا و دلالة و استقطابا تلك النفحات الندية العطرة التي تختلج في جوانحه الحري، و هي تسترعي مشاعر الانسان نحو أخيه الانسان، و سعي المؤمن في قضاء حاجة أخيه المؤمن، و وقوف الأخ جنب أخيه في الله لدي الشدائد، و متابعة الاحسان، ذلك كله في توجيهات رائعة المساس بصلب حياة الناس و تفجير طاقاتهم، و اعادة جزء من حقوقهم اليهم، مما أتاحه الله علي أيدي الساعين الي الخير.

قال الامام: «ان لله عبادا في الأرض يسعون في قضاء حوائج الناس، هم الآمنون يوم القيامة، و من أدخل علي مؤمن سرورا أفرح الله قلبه يوم القيامة» [59] .



[ صفحه 81]



أين نحن اليوم من هذه الحياة الحرة الكريمة التي يدعو الامام الي الالمام بها؟ و أين هو السعي الحثيث لقضاء حوائج الناس؟ و أين أصحاب الجاه و المال و السلطان عن هذه المعاني التي تنبع من الضمير في تلبية النداء الانساني؟ و أين هم الراغبون بالأمن يوم القيامة؛ مساكين هؤلاء الذين تتاح لهم الفرص في اجراء المعروف و هم يتخلفون عنه، و ما الحياة الا اصطناع الخيرات، و الأيام دول... ألا وازع من شعور و احساس بالنفع الاجتماعي؟ ألا عودة بالغرائز الي ما فيه خير الدنيا و الآخرة؟ ألا اصلاح لدخائل هذا الكائن التائه فيلجأ الي مواني ء الايثار و العمل الصالح؟

يخيل الي أن الناس هم الناس في الأثرة و الأنانية، يسعي أكثرهم الي الشر و المكر، و يسعي القليل منهم الي الخير و المعروف، و قليل أولئك الذين يعانون من أجل مصلحة الآخرين، و لكنهم الآمنون يوم القيامة.

و هنالك حديث ذو اسناد عال يرويه العبد الصالح علي بن جعفر الصادق عن أخيه الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) فيه التحذير كل التحذير من التقصير في قضاء حاجة المسلم لأخيه المسلم، و هو من مضامين الاختبار العملي لحقيقة ولاية أهل البيت، و هو محك الاتصال بهذه الولاية و الفوز بها، و الا فهو النهش في القبر من قبل أبشع ضروب الأفاعي حتي يوم القيامة.

يقول الامام: «من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فانما هي رحمة من الله تبارك و تعالي ساقها اليه، فان قبل ذلك فقد وصله بولايتنا، و هو موصول بولاية الله تبارك و تعالي، و ان رده عن حاجته و هو يقدر علي قضائها سلط الله سليه شجاعا من نار ينهشه في قبره الي يوم القيامة مغفورا له أو معذبا، فان عذره الطالب كان أسوأ حالا» [60] .



[ صفحه 82]



و كان الامام شديد الوطأة علي الرافضين لاصطناع هذا المعروف المفترض، فهو ينذر و يحذر، و هو ينبي ء و يخبر، عسي أن تتسع ذهنية أهل الحول و الطول و الفاعلية لاستقبال هذا التوجيه و التسديد.

قال الامام: «من قصد اليه رجل من اخوانه مستجيرا به في بعض أحواله فلم يجره و هو قادر، فقد قطع ولاية الله عزوجل» [61] .

و لم ينس الامام أن يتعاهد الناس بضروب التوجيه نحو الخير بكل طرقه و وسائله و أساليبه، و هو يريد للمسلم أن يتسم بالرجولة و الاستقلالية و القرار، و أن لا يعيش ذنبا أو تبعا، و أن لا يري مذبذبا لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء فالانسان موقف، و الموقف سمة ذوي الادراك العقلي في التمييز الدقيق بين الحق و الباطل، و افراز الخير عن الشر، في رؤية مركزية.

فعن الفضيل بن يونس الكاتب، قال: قال لي أبوالحسن موسي بن جعفر بن محمد (عليه السلام):

«أبلغ خيرا، و قل خيرا، و لا تكونن امعة».

قلت: و ما الأمعة؟

قال الامام: تقول أنا مع الناس، و أنا كواحد من الناس. ان رسول الله (صلي الله عليه و آله)، قال:

«يا أيها الناس، انهما نجدان، نجد خير و نجد شر، فما بال نجد الشر أحب اليكم من نجد الخير» [62] .

و لقائل أن يقول ما علاقة هذا كله بسيرورة علم الامام، و قد يكون الاعتراض وجيها، الا أن نظرة فاحصة في المثل العليا التي يدعو اليها العلم، تفترض أن هذه الانسانيات الصارخة من أهم أهداف ذلك العلم الذي يدعو



[ صفحه 83]



الي الحب و الاخاء و السلام و المواساة، و هو ما رأيته في هذا الطرح، و كان استقبال النخبة الواعية لهذه المعطيات الخيرة سبيلا رائعا الي انتشار علم الامام في الآفاق، و هذا ما يؤكد عليه الامام الرضا نجل الامام موسي بن جعفر (عليهماالسلام)، قال الامام الرضا: «رحم الله عبدا أحيا أمرنا؛ فقيل له: و كيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا و يعلمها الناس، فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا» [63] .

أليس ما قدمناه من محاسن الكلام؟ أليس كلامهم جزءا من علومهم؟ و اذا ودعت هذا الجانب من العطاء العلمي السمح، و أردت الوقوف علي الحياة العقلية عند الامام، فستجده عملاق النظر العقلي، و بكل الجدل الكلامي المفعم بروح الحضارة و التألق الفكري، بما سيره من مناظرات و محاضرات و محاورات تكفل بها الفصل القادم.

و اذا أردت طلائع الاصرار علي افاضة العلم في أحلك الظروف، فما عليك الا الوقوف علي تلك المراسلات و المكاتبات التي حررها الامام (عليه السلام) سواء أكان في المدينة المنورة في ظل الرقابة و الرصد السياسي، أم كان في محنة الارهاب في قعر السجون و المعتقلات، فان الظاهرة اللائحة في هذا الأثر أن الامام كان علي أهبة الاستعداد المتكامل للاجابة الناجعة.

يقول الأستاذ محمدحسن آل ياسين في هذا الشأن:

«لم يكن بامكان السائلين و المستفهمين الراغبين في معرفة حكم الشرع و رأي الدين، أن يحضروا الي المدينة لملاقاة الامام و سماع ما يغنيهم به فيما يريدون معرفته و الوقوف علي وجه الصواب فيه، بل كان بين هؤلاء المؤمنين المنتشرين في أصقاع العالم الاسلامي من لا يجد وسيلة الا مكاتبة الامام



[ صفحه 84]



للسؤال منه عما يخص شؤون دينه أو هموم دنياه و مشاكلها المستجدة علي الدوام، و كان الامام يتلقي تلك الكتب برحابة صدر، و يقرأها بامعان، و يحرر لهم أجوبة ذلك كتابة أيضا [64] .

و يبدو من قراءة تلك المكاتبات و الجوابات أن الامام لم يكن يكتفي في بعض الأحيان بمجرد الرد علي مورد السؤال و بيان الحكم الشرعي فيه، و انما كان يتعدي هذا الجانب بعد الاجابة عليه الي التنبيه علي أمور أخري ليست من صلب المطلب الذي حرر الكتاب لأجله، و لكنها ذات مساس بصاحب الرسالة فيما يتعلق بوهم فكري قد سقط فيه، أو شأن دنيوي قد جهله أو غفل عما ينطوي عليه من نتائج غير محمودة العاقبة...» [65] .

و هنالك آثار تدل علي هذا الملحظ بالاشارة الي تنبيهات خارجة عن الموضوع داخلة فيه، فهي غيره و هي امتداد له [66] و الذي يعنينا هذا الزخم الهائل من الاجابات التي تندفع بدقة و امعان لتعيد الي الذهن ما رآه السيد أمير علي الهندي عندما تحدث عن مدي الخسارة الكبري التي مني بها العالم الاسلامي بوفاة الامام جعفر الصادق (عليه السلام)، و لكنه استثني بقوله:

«غير أن الحلقة العلمية - لحسن الطالع - لم تتوقف بوفاته، اذ طفقت تزدهر برئاسة ابنه موسي، الملقب بالكاظم».

لقد كان هذا الازدهار علي يد الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) حقيقة علمية لا فرضية اعلامية، فعلي الرغم من كل المعوقات الجامحة التي مني بها عصره، و في ظل جميع الافرازات السياسية المضنية، رأينا عطاء الامام حثيثا في شموليته،



[ صفحه 85]



مشرقا في انسانيته، متوسعا في ترامي أطرافه. و كان من التوفيق الالهي و اللمح الغيبي المتواصل أن نشأ في ظل الامام و رعايته جيل عتيد من أعاظم تلامذته و طلابه في مرافقتهم اياه و ملازمتهم له، فهم قد انتهلوا من نمير علمه العذب، و هم أيضا قد بادروا الي تسجيل ذلك في الآثار، مما أوجد حالة علمية تحدوها الرغبة الملحة في اشاعة المعرفة الانسانية، و تدفعهم النيات الخالصة الي تعميق ما حصلوا عليه من الثقافية التشريعية النقية، و تواكبهم الآمال المشرقة في تحصيل المعارف الاسلامية الجوهرية، و كان هذا الترويض قد حرمهم كثيرا من الامتيازات و الحقوق في حياتهم السياسية، فلم ينعموا برفاه اقتصادي، و لم يحلموا بجاه اعتباري، و لم يحصلوا علي مكسب اضافي، و كان العكس هو الصحيح، فالدولة لهم بالمرصاد، تتعقب حركاتهم و سكناتهم، و تحتجن حقوقهم العامة و الخاصة، و تصادر لهم كل حرية.

و بتعبير أوضح: فان تلامذة الامام بالتفافهم حول علم أهل البيت (عليهم السلام)، قد اتخذوا التضحية مبدأ، و الحرمان شعارا، لما سوف يتعرضون له من النقمة و البؤس و الشقاء، و لما سوف يطرأ علي حياتهم و استقرارهم من جور و عسف، و لما سوف تتعرض له حريتهم الشخصية من ملاحقة أجهزة القمع و الارهاب.


پاورقي

[1] ابن شعبة / تحف العقول / 294.

[2] المصدر نفسه / 293.

[3] ظ: الشيخ المفيد / الارشاد / 328.

[4] الاربلي / كشف الغمة 3 / 48.

[5] محمدحسن آل ياسين / الامام موسي بن جعفر / 107 عن الاحتجاج / 215.

[6] الكليني / الكافي 1 / 17.

[7] المصدر نفسه 1 / 39.

[8] المصدر نفسه 1 / 65.

[9] الكليني / الكافي 1 / 57.

[10] محمدحسن آل ياسين / الامام موسي بن جعفر / 108.

[11] سورة البقرة / 81.

[12] ابن شهر آشوب / المناقب 3 / 403.

[13] سورة البقرة / 81.

[14] ابن شهر آشوب / المناقب 3 / 403.

[15] سورة آل عمران / 53.

[16] ابن شهر آشوب / المناقب 3 / 403.

[17] سورة النحل / 24.

[18] ابن شهر آشوب 3 / 403.

[19] سورة البقرة / 57.

[20] ابن شهر آشوب / المناقب 3 / 404.

[21] سورة المطففين / 7.

[22] ابن شهر آشوب / المناقب 3 / 404.

[23] سورة الأنعام / 84 - 85.

[24] سورة آل عمران / 61.

[25] الشيخ المفيد / الاختصاص / 56.

[26] سورة الاسراء / 26.

[27] سورة الاسراء / 26.

[28] ظ: الكليني / الكافي 1 / 543، المجلسي / البحار: 48 / 157.

[29] سورة الأعراف / 146.

[30] سورة البينة / 1.

[31] سورة ابراهيم / 28.

[32] الشيخ المفيد / الاختصاص / 262.

[33] سورة ياسين / 39.

[34] ظ: المجلسي / بحارالأنوار: 48 / 74 و انظر مصدره.

[35] سورة التوبة / 25.

[36] ظ: ابن شهر آشوب / المناقب: 3 / 410 - 411.

[37] ظ: المجلسي / بحارالأنوار: 48 / 75 و انظر مصدره.

[38] ابن شهر آشوب / المناقب 3 / 411.

[39] محمدحسن آل ياسين / الامام موسي بن جعفر / 112.

[40] الطبرسي / الاحتجاج / 214.

[41] سورة الأعراف / 33 /.

[42] الكليني / الكافي 6 / 406، الحر العاملي / الوسائل 17 / 241.

[43] الطبرسي / مجمع البيان: 2 / 414.

[44] ظ: المؤلف / نظرات المعاصرة في القرآن الكريم / تحريم الخمر في القرآن / 93.

[45] المجلسي / بحارالأنوار: 48 / 101 عن قرب الأسناد / 194.

[46] سورة الأنعام / 75.

[47] سورة الصافات / 88 - 89.

[48] سورة الواقعة / 76.

[49] سورة النازعات / 1 - 5.

[50] سورة النحل / 16.

[51] المجلسي / بحارالأنوار: 48 / 145 - 146 و انظر مصدره.

[52] الكليني / الكافي 1 / 227.

[53] المصدر نفسه: 2 / 453.

[54] ظ: باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر 1 / 248.

[55] الكليني / الكافي 2 / 457 - 458.

[56] المصدر نفسه 2 / 336.

[57] الاربلي / كشف الغمة 3 / 46.

[58] الأمين الحسيني العاملي / أعيان الشيعة: 4 / أول / 59.

[59] الكافي / الكليني: 2 / 197.

[60] الشيخ المفيد / الاختصاص / 250.

[61] الكليني / الكافي 2 / 366.

[62] الشيخ المفيد / الاختصاص / 343.

[63] الصدوق / عيون أخبار الرضا 1 / 307.

[64] ظ: علي سبيل المثال: الكليني / الكافي 3 / 18 - 155 - 197 - 315 - 326 - 328 - 330 - 332 - 340 - 346 - 380 - 510 - 539... الخ، المجلسي / بحارالأنوار: 48 / 137 - 138، المفيد / الارشاد / 330 - 331 - 332، المناقب 3 / 408، الفصول المهمة / 218 - 219، كشف الغمة 3 / 16 - 17 - 18 و سواها.

[65] محمدحسن آل ياسين / الامام موسي بن جعفر / 120.

[66] ظ: تحف العقول / 305، الارشاد للمفيد / 329، البحار 48 / 137 - 138.