بازگشت

ثورة الحسين صاحب فخ


و الحسين هذا هو: الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

خرج بالمدينة المنورة ثائرا مناضلا في ذي القعدة سنة تسع و ستين و مائة بعد موت المهدي، و في خلافة ولده الطاغوت موسي الهادي في جماعة كثيرة من العلويين، فأبيدوا جميعا شر ابادة [1] .



[ صفحه 179]



و لم يكن خروجه علي سلطان العباسيين اعتباطا، و لا تحركه المسلح عنتا، و لكن السياسة العباسية الخرقاء هي التي ألجأته الي اعلان ثورته، و ما جرت اليه من الفجائع و الفظائع. فقد روي أبوالفرج الأصبهاني بأسانيد عدة، قال:

كان سبب خروج الحسين أن الهادي ولي المدينة اسحاق بن عيسي بن علي، فاستخلف عليها رجلا من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبدالعزيز، فحمل علي الطالبيين و أساء اليهم، و طالبهم بالعرض كل يوم في المقصورة. و وافي أوائل الحاج، و قدم من الشيعة نحو من سبعين رجلا، و لقوا حسينا و غيره، فبلغ ذلك العمري، و أغلظ أمر العرض، و ألجأهم الي الخروج؛ فجمع الحسين: يحيي صاحب الديلم، و سليمان، و ادريس صاحب افريقيا، و كلهم أبناء عبدالله بن الحسن، و عبدالله بن الحسن الأفطس، و ابراهيم بن اسماعيل طباطبا، و عمر بن الحسن بن علي بن الحسن المثلث، و عبدالله بن اسحاق بن ابراهيم بن الحسن المثني، و عبدالله بن جعفر الصادق (عليه السلام) و وجهوا الي فتيان من فتيانهم و مواليهم، فاجتمعوا ستة و عشرين رجلا من ولد علي (عليه السلام) و عشرة من الحاج، و جماعة من الموالي. فلما أذن المؤذن الصبح، نادوا: أجد أجد، و صعد الأفطس المنارة، و جبر المؤذن علي قول «حي علي خير العمل» فلما سمعه العمري أحس بالشر و دهش، و مضي هاربا علي وجهه.

و صلي الحسين بالناس الفجر، و لم يتخلف عنه أحد من الطالبيين، الا الحسن بن جعفر بن الحسن، و الامام موسي بن جعفر (عليه السلام)، و سيأتي موقفه من هذه الثورة.

و خطب الحسين بعد الصلاة، و قال بعد الحمد لله و الثناء عليه: «أنا ابن رسول الله، علي منبر رسول الله، و في حرم رسول الله، أدعوكم الي سنة



[ صفحه 180]



رسول الله (صلي الله عليه و آله). أيها الناس أتطلبون آثار رسول الله في الحجر و المدر تمسحون بذلك، و تضيعون بضعة منه.» [2] .

فلما انتهي من هذا الخطاب أقبل عليه الناس يبايعونه علي كتاب الله و سنة نبيه، و الدعوة للرضا من آل محمد (صلي الله عليه و آله) [3] .

و هذا يعني استجابة الناس الفورية، فالناس تطمع بالخلاص و لا تجد الي ذلك سبيلا، حتي اذا أعلن الحسين ثورته هذه و هو من آل علي (عليه السلام)، كان الاقبال علي البيعة تلقائيا.

و روي أنه قال لمن بايعه:

«أبايعكم علي كتاب الله، و سنة نبيه رسول الله، و علي أن يطاع الله و لا يعطي، و أدعوكم الي الرضا من آل محمد، و علي أن نعمل فيكم بكتاب الله و سنة نبيه (صلي الله عليه و آله) و العدل في الرعية، و القسم بالسوية. و علي أن تقيموا معنا، و تجاهدوا عدونا، فان نحن و فينا لكن وفيتم لنا، و ان نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم» [4] .

و أنت تري الحسين في هذه البيعة قد أعطي النصف من نفسه، و قد احتاط بذلك لدينه و أمته، فالبيعة علي كتاب الله و سنة رسول الله (صلي الله عليه و آله) و التأكيد علي طاعة الله و عدم معصيته، و الدعوة الي الرضا من آل محمد لا لنفسه، و العمل بكتاب الله و السنة، و العدل بين الرعية، و الاقامة معه و عدم التفرق عنه، و جهاد الأعداء اذا وفي لهم بالتزامه، و الا فلا بيعة له عليهم.

و يبدو أن عنصر المفاجأة كان متوافرا في الثورة، فقد اضطر الحكم الحسين الي استعجالها، فما التحق به أحد من القصبات و الأقاليم، و لم يتهيأ لها



[ صفحه 181]



مناخ اعلامي أو دعائي، بل و لم يلتف أهل المدينة حولها بالشكل المطلوب، و لم يسبق لها تمهيد سري تجتمع حوله الرجال و أعداء الحكم، و يبدو أن الرصد الأمني لأجهزة النظام كان مسؤولا عن كثير من هذه التداعيات، و كان احضار الطالبيين أمام المقصورة كل يوم يعني فرض الرقابة الصارمة من كل الوجوه.

و مهما يكن من شي ء، فحينما أعلنت الثورة، أقبل حماد البربري و كان مسلحة للسلطان في المدينة بالسلاح، و معه أصحابه حتي وافوا باب المسجد، فقصده يحيي بن عبدالله و في يده السيف، فأراد حماد أن ينزل فبدره يحيي فضربه علي جبينه، و عليه البيضة و المغفر و القلنسوة فقطع ذلك كله، و أطار قحف رأسه، و سقط عن دابته، و حمل علي أصحابه فتفرقوا و انهزموا. و بايعه الناس و احتفل به أهل بيته و أصحابه احتفالا عظيما.

و حج في تلك السنة مبارك التركي، فبلغه خبر الحسين - و يبدو أن الرجل كان ذا عقل و دين - فبعث الي الحسين من الليل: اني و الله ما أحب أن تبتلي بي و لا أبتلي بك، فابعث الليلة الي نفرا من أصحابك و لو عشرة يبيتون عسكري حتي أنهزم، و أعتل بالبيات. ففعل ذلك الحسين، و وجه عشرة من أصحابه فجعجعوا بمبارك، و صبحوا في نواحي عسكره، فهرب و ذهب الي مكة.

و حج في تلك السنة العباس بن محمد، و سليمان بن أبي جعفر، و موسي بن عيسي، فصار مبارك معهم، و اعتل عليهم بالبيات.

و خرج الحسين قاصدا الي مكة، و معه من تبعه من أهله و مواليه و أصحابه، و هم زهاء ثلاثمائة رجل، و استخلف علي المدينة «دينار الخزاعي»، فلما انتهي الركب الي «فخ» و هو موضع علي ستة أميال من مكة



[ صفحه 182]



المكرمة [5] هنالك تلقتهم الجيوش العباسية بقيادة العباس بن محمد، فعرض العباس علي الحسين الأمان و العفو و الصلة، فأبي ذلك أشد الاباء.

و كان قادة الجيش متكونا من العباس، و موسي بن عيسي، و جعفر و محمد ابني سليمان، و مبارك التركي، و الحسن الحاجب، و حسين بن يقطين. و تقررت الحرب، و كان الالتقاء يوم التروية وقت صلاة الصبح، فكان موسي بن عيسي أول من حمل علي القوم، فاستطرد لهم شيئا حتي انحدروا في الوادي، و حمل عليهم محمد بن سليمان، و بعد معركة رهيبة طحنهم الجيش العباسي طحنة واحدة، حتي قتل أكثر أصحاب الحسين، و جعلت المسودة تصيح: يا حسين لك الأمان، فيقول: لا أمان أريد، و هو يحمل عليهم حتي فأجاه سهم غادر رماه حماد التركي فقتله، و قتل معه سليمان بن عبدالله بن الحسن، و عبدالله بن اسحاق بن ابراهيم بن الحسن، و أصابت الحسن بن محمد نشابة في عينه فتركها و جعل يقاتل أشد القتال، حتي آضوه ثم قتلوه، و جاء الجند بالرؤوس و قد احتزوها فكان عددها مائة ونيفا [6] .

و أبرد بالرؤوس الي موسي و العباس و عندهما جماعة من العلويين و في طليعتهم الامام موسي بن جعفر (عليه السلام)، فلم يسألا أحدا الاه، فقالا: هذا رأس الحسين؟

قال الامام: «نعم؛ ان لله و انا اليه راجعون، مضي و الله مسلما، صالحا، صواما، و قواما، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله». فلم يجيبوه بشي ء [7] .



[ صفحه 183]



و دفن العباسيون قتلاهم جميعا، و تركوا الحسين و أهل بيته و أصحابه بلا دفن ثلاثة أيام تصهرهم حرارة الشمس [8] .

و قد روي عن الامام محمد الجواد (عليه السلام) أنه قال:

«لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ» [9] .

و جي ء بالأسري من الحسنيين و أصحابهم، مقيدين بالأغلال، و قد جمعت أيديهم الي أرجلهم بالحديدة، و هم في حالة يرثي لها جهدا و عناء و بلاء، و قدموا بين يدي موسي الهادي، فأمر بقتلهم جميعا، فقتلوا صبرا، و صلبوا علي باب الحبس» [10] .

قال المجلسي: و حملت الأسري الي الهادي فأمر بقتلهم، و مات في ذلك اليوم

[11] .

و كان في الأسري رجل قد أنهكته العلة، فقال للهادي يستعطفه: أنا مولاك يا أميرالمؤمنين. فصاح به الهادي: مولاي يخرج علي؟ و كان مع الهادي سكين، فقال: و الله لأقطعنك بهذه السكين مفصلا مفصلا، و مكث الرجل ساعة، فغلبت عليه العلة، فمات حتف أنفه [12] .

و بعد أن قتل الهادي أسري «فخ» وضعت رؤوس القتلي من العلويين بين يديه، و التي أبرد بها اليه، فجعل ينشد هذه الأبيات: [13] .



بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعدما

دفنتم بصحراء الغميم القوافيا



فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله

فيقبل ضيما... أو يحكم قاضيا



و لكن حكم السيف فيكم مسلط

فنرضي اذا ما أصبح السيف راضيا



فان قلتم انا ظلمنا... فلم نكن

ظلمنا... و لكنا أسأنا التقاضيا





[ صفحه 184]



و هكذا ذهبت هذه الدماء الزواكي جبارا، و قتل الأسري جهارا، و لم تكن هناك أدني رحمة انسانية بالرأفة و العفو المحمود.

و قد اكتوي الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) بلهيب هذه الثورة، فمدت نحوه أصابع الاتهام بتدبيرها، و الامام براء منها كما سيأتي.

و كان اتهام الامام صادرا من أعلي سلطة في الدولة العباسية من الهادي نفسه، فحينما قضي علي شهداء «فخ» و قتل الأسري بمجزرة رهيبة دامية، أخذ يتعقب العلويين و يتوعدهم، و يشير الي موسي بن جعفر بالقول: «و الله ما خرج حسين الا عن أمره، و لا اتبع الا محبته، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله ان أبقيت عليه».

فقال له قاضي القضاة العباسيين أبويوسف يعقوب بن ابراهيم و كان جريئا عليه: يا أميرالمؤمنين أقول أم أسكت؟

فقال الهادي: «قتلني الله ان عفوت عن موسي بن جعفر، و لولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور بما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه و علمه و فضله - يعني الامام الصادق - و ما بلغني عن السفاح من تقريظه و تفضيله لنبشت قبره، و أحرقته بالنار احراقا».

فقال أبويوسف القاضي: «نساؤه طوالق، و عتق جميع ما يملك من الرقيق، و تصدق بجميع ما يملك من المال، و حبس دوابه، و عليه المشي الي بيت الله الحرام، اذ كان مذهب موسي بن جعفر الخروج، لا يذهب اليه، و لا مذهب أحد من ولده.. و لم يزل يرفق به حتي سكن غضبه» [14] .

و كانت هذه اللفتة من أبي يوسف كلمة حق عند سلطان جائر، و هي دليل حصافة رأيه، و متانة عقلة، و صدق مروءته.



[ صفحه 185]



و قد عاجل الموت الهادي بدعاء الامام كما سبق بيانه في الفصل الماضي، فما استطاع تنفيذ وعيده، و لله الأمر من قبل و من بعد.


پاورقي

[1] ظ: المجلسي / بحارالأنوار 48 / 161.

[2] ظ: الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / 484.

[3] ظ: الطبري / تأريخ الأمم و الملوك 10 / 25.

[4] ظ: الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / 447، البحار 48 / 169.

[5] ظ: المسعودي / مروج الذهب 3 / 248.

[6] ظ: الطبري / تأريخ الأمم و الملوك 10 / 28.

[7] ظ: المجلسي / بحارالأنوار / 48 / 161 - 165 و انظر مصادره.

[8] ظ: اليعقوبي / التأريخ 3 / 137.

[9] ابن عنبة / عمدة الطالب / 172.

[10] ظ: الطبري / تأريخ الأمم و الملوك 10 / 29.

[11] ظ: المجلسي / بحارالأنوار 48 / 165 و انظر مصدره.

[12] الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / 453.

[13] ياقوت / معجم البلدان 6 / 308.

[14] المجلسي / بحارالأنوار 48 / 151 و انظر مصدره.