بازگشت

التصفية الجسدية للعلويين


تعقب الرشيد العلويين، و تتبع آثارهم، و رصد أعيانهم و زعماءهم، و شدد الرقابة علي من اتصل بعناصر التحرك الثوري. فقبض علي قبض منهم، و هرب من هرب، و أكتفي بالرشيد وحده نموذجا لبني العباس.

قال الرشيد للفضل بن يحيي: هل سمعت بخراسان ذكرا لأحد من العلويين؟ فقال: لا و الله؛ لقد جهدت فما ذكر أحد لي منهم، الا أني سمعت رجلا يذكر أن موضعا ينزله عبدالله بن الحسن بن علي بن الامام زين العابدين (عليه السلام). سمع الرشيد ذلك فاستشاط غضبا لأن عبدالله هذا هو الذي عهد اليه من بعده الحسين (صاحب فخ).

و بعث الرشيد بأعوانه و جلاوزته يتعقبون عبدالله هذا، فجاؤوا به، قال له: بلغني أنك تجمع الزيدية، و تدعوهم الي الخروج معك؟ فأنكر عبدالله ذلك قائلا:

«يا أميرالمؤمنين، ناشدتك الله في دمي، فوالله ما أنا من هذه الطبقة، و لا لي ذكر فيهم، و ان أصحاب هذا الشأن بخلافي، أنا غلام نشأت بالمدينة، و في صحاراها أسعي علي قدمي، و أتصيد بالبواشق؛ ما هممت بغير ذلك.»

و عبدالله في هذا نفي عن نفسه أية تهمة بالخلاف تنسب اليه، و برأ من فكر القائلين بالخروج، و أنه نشأ في المدينة علي الاصطياد، الا أن الحديث هذا لم يرق للرشيد، و لم يقتنع به، فأمر به الي السجن، فلم يزل محبوسا حتي ضاق صدره، فبعث برسالة للرشيد ضمنها شتمه و سبابه، فلما قرأها الرشيد، دعا جعفر بن يحيي البرمكي، فأمره أن يجعله عنده، و في اليوم الثاني كان «النوروز» فقدمه جعفر و ضرب عنقه، و غسل رأسه، و جعله في



[ صفحه 194]



منديل، و أهداه الي الرشيد، فلما نظر الرأس قال لجعفر: ويحك لم فعلت هذا؟ قال: ما علمت أبلغ في سرورك من حمل رأس عدوك اليك...» [1] .

و هكذا كانت الدماء تسفك سفها، و الأرواح تزهق قسرا، و قتل الأبرياء يقع موقع الرضا من السلطان، و لم يكن هذا بأعجب من شأن ادريس بن عبدالله بن الحسن بن الامام الحسن بن أميرالمؤمنين (عليهماالسلام)، فقد أفلت ادريس من وقعة «فخ» و هرب مع مولي له يقال له «راشد» فخرج به في جملة حاج افريقيا و مصر حتي أقدمه مصر، و بقي مختفيا بهامدة و جيزة، ثم سلكا طريقا انتهيا معه الي فاس و طنجة، و بث ادريس هناك دعوته، و عظم أمره، و التف حوله البربر، فدعاهم الي الدين فملكوه عليهم، و بلغ الرشيد ذلك فغمه الأمر حتي امتنع عليه النوم، فدعا سليمان بن جرير الرقي فأعطاه سما، و سيره نحو ادريس، فورد سليمان علي ادريس متوسما بالمذهب فسر به، ثم جعل سليمان يطلب غرته حتي وجد خلوة من مولاه راشد، فسقاه السم و هرب، بعد أن حكم خمس سنين و ستة أشهر، فقد بويع له في رمضان 172 ه و قضي في ربيع الثاني 177 ه [2] .

و قد يتفنن الرشيد بالتصفية الجسدية، فيقتل من يشاء صبرا، كما حصل هذا للعباس بن محمد بن عبدالله بن الامام زين العابدين (عليه السلام)، اذ قبض عليه، و أدخل علي الرشيد، و جري بينهما كلام طويل، فاستهان به الرشيد قائلا: يا ابن الفاعلة، فرده العباس ردا عنيفا: «تلك أمك التي تواردها النخاسون»!!

فغضب الرشيد غضبا شديدا، و ما أكثر غضبه في هذه المجالات، و أمر بأن يدني منه، فقام اليه بنفسه و ضربه بعمود من حديد حتي قتله [3] .



[ صفحه 195]



و كان هذا وكد الرشيد في ابادة أعيان الطالبيين، و تحري رجالهم و القضاء عليهم بالقتل تارة و بالسجن أخري ثم التعذيب و السم و الابادة أخيرا. و قد جري له أمثال ذلك في كل من:

1 - اسحاق بن الحسن بن زيد بن الحسن بن أميرالمؤمنين (عليه السلام).

2 - محمد بن يحيي بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن أميرالمؤمنين (عليه السلام).

3 - الحسين بن عبدالله بن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب.

فقد قبض علي هؤلاء جميعا، و أودعهم السجون الرهيبة، و أذاقهم صنوف العذاب و التنكيل، حتي قضوا فيها صابرين محتسبين [4] .

و قد أورد الأستاذ باقر شريف القرشي جملة من تفصيلات هذه المآسي التي مر بها العلويون في عهد الرشيد بخاصة [5] .

و قد استظل كثير من الطالبيين بالهرب، و لاذوا بالاستتار و التخفي من جور الرشيد و بطشه، فقد كان يجد لذة لا تعدلها لذة في قتلهم، و يستشعر متاعا أي متاع بالقضاء عليهم، و كان في طليعة الهاربين: أحمد بن عيسي بن زيد بن الامام زين العابدين (عليه السلام) و كان عالما فقيها كبيرا زاهدا [6] .

و قد هرب من الارهاب الدموي العنيف الي البصرة، و التف حوله الناس، و دعا الي نفسه سرا، و استجاب له جملة من الأولياء، فساء ذلك الرشيد، و جد في طلبه، فما استطاع القبض عليه، الا أن جلاوزته قبضوا علي صاحبه «حاضر» و حملوه الي الرشيد، فلما صار بباب الكرخ رفع صوته قائلا: أيها الناس أنا حاضر صاحب أحمد بن عيسي بن زيد العلوي و قد أخذني السلطان» فمنعته الشرطة من الكلام [7] .



[ صفحه 196]



و جي ء به الي الرشيد مقيدا، فسأله عن أحمد و أنصاره متوعدا، فقال حاضر: و الله، لو كان تحت قدمي هذه ما رفعتهما عنه، و أنا شيخ قد جاوز التسعين، أفأختم عملي بأن أدل علي ابن رسول الله حتي يقتل؟ فغضب الرشيد، و أمر بضربه ضربا مبرحا فمات تحت السياط، و أمر بصلبه، فصلب ببغداد [8] .

فاذا كان هذا الضيم من صنع الرشيد وحده، فما بالك بأسلافه الهادي و المهدي و المنصور فيما ابتكروه من تصفية العلويين؟؟


پاورقي

[1] ظ: الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / 493، المسعودي / مروج الذهب 2 / 234 به تصرف.

[2] ظ: الأصبهاني / مقاتل الطالبيين 487، الطبري / التأريخ 10 / 29.

[3] ظ: الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / 498.

[4] ظ: الأصبهاني / مقاتل الطالبيين / 495 - 496.

[5] ظ: باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر 2 / 86 - 103.

[6] ظ: ابن عنبة / عمدة الطالب / 259.

[7] ظ: باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر 2 / 104.

[8] ظ: اليعقوبي / التأريخ 3 / 154.