بازگشت

حياة الامام في طوامير السجون


أرأيت طهر السماء، و نقاء الأفق، و صفاء البحر؟ ذلك هو الامام موسي بن جعفر في ضميره الزكي النابض، و اذا به يمني بعصف الرياح، و تلبد الأجواء، و مرارة الارهاب.

أرأيت عزة الخليل، و مهابة الكليم، و قداسة المسيح؟ ذلك هو الامام موسي بن جعفر، و هو يعايش سلاطين الجور، و جلاوزة الطغيان، و أجهزة القمع.

أرأيت محمدا في قيادته، و عليا في شجاعته، و الزهراء في عفتها، و الحسن في صبره، و الحسين بنضاله، و زين العابدين في دعائه، و محمدا الباقر في أصالته، و جعفر الصادق في علمه؟ ذلك هو الامام موسي بن



[ صفحه 238]



جعفر، وارثهم جميعا؛ مغيبا بين جدران السجون، و مكبلا بأثقال الحديد، يتجرع الغصص و الاغتراب.

هكذا أراد الرشيد، و هو القائل عن الامام:

«أما ان هذا من رهبان بني هاشم».

فقيل له: فما لك قد ضيقت عليه في الحبس؟.

قال: هيهات، لابد من ذلك [1] أجل، لقد ضيق الرشيد علي الامام، و في سجن السندي بالذات، فما بدا من الامام اعتراض، و لا حاول اطلاق سراحة بوسيلة، بل ترفع عن التنازل لهارون، و أبي وساطة أي انسان في شأنه، و امتنع عن تلبية الراغبين بذلك، و قال لهم:

«حدثني أبي عن آبائه، أن الله عزوجل أوحي الي داود: يا داود ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني، و عرفت ذلك منه، الا قطعت عنه أسباب السماء، و أسخت الأرض من تحته» [2] .

و كان منهجه في السجن المواظبة المثلي علي العبادة الخالصة، و الانابة و الخشوع و التسليم، قال الشيخ المفيد، و هو يتحدث عن حال الامام في السجن: «و كان (عليه السلام) مشغولا بالعبادة، يحيي الليل كله صلاة، و قراءة قرآن، و دعاء، و اجتهادا، و يصوم النهار أكثر الأيام، و لا يصرف وجهه عن المحراب» [3] .

و في قبال هذا التوجه العبادي، كان الامام محاطا بزمر أهل المعاصي و مرتكبي الكبائر، و لا حول و لا طول لديه علي التغيير. فقد حدث كاتب



[ صفحه 239]



عيسي بن جعفر، و الامام سجين لديه، قال: «لقد سمع هذا الرجل الصالح - يعني الامام - في أيامه هذه؛ في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش و المناكير ما أعلم و لا أشك أنه لم يخطر بباله» [4] .

و كانت الحياة العلمية و هو سجين تنام و تستيقظ، فقد يسمح السندي بلقاء الامام من قبل العلماء، و قد يسمح بتبليغه الرسائل من أوليائه، و قد يوصل الأجوبة من قبل الامام الي السائلين.

و يعتبر الأستاذ محمدحسن آل ياسين: أن هذه الأساليب التي سلكها السندي من جملة طرائقه في التغطية و التمهيد لقتل الامام [5] .

و قد يكون ذلك من بواعث التعتيم علي معاناة الامام لجملة الضغوط و المضايقات، فيشاع أنه يتمتع بحرية و استقلالية، بحيث تصله رسائل شيعته، و حيث يجيب عليها بمحض ارادته و اختياره.

فقد روي عن علي بن سويد الطائي، قال:

كتب الي أبوالحسن الأول (عليه السلام) في كتاب:

«ان أول ما أنعي اليك نفسي في ليالي هذه، غير جازع، و لا نادم، و لا شاك فيما هو كائن، مما قضي الله و حتم، فاستمسك بعروة آل محمد، و العروة الوثقي الوصي بعد الوصي، و المسالمة و الرضا بما قالوا» [6] .

و كما في رواية الحسين بن المختار، قال:

«خرجت الينا ألواح من أبي الحسن موسي، و هو في الحبس...» [7] .



[ صفحه 240]



و قد تتأخر اجابة السؤال من قبل الامام لأسباب أمنية فرضت عليه، أو لأسباب تتعلق بالامام، فعن علي بن سويد، قال: كتبت الي أبي الحسن موسي (عليه السلام) و هو في الحبس كتابا، أسأله عن حاله، و عن مسائل كثيرة، فاحتبس الجواب علي أشهرا!! ثم أجابني بجواب مفصل، ورد فيه بعد حمد الله و الثناء عليه، قوله: «أما بعد؛ فانك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة، و حفظ ما استرعاك من دينه، و ما ألهمك من رشده، و بصرك من أمر دينك...»

ثم نعي الامام نفسه لابن سويد، و أجابه عن عدة مسائل مسائل فقهية في الغصب و الشهادات، و مسألة كلامية في مدي علم أهل البيت [8] .

و كانت مدرسة الامام قد انتشر روادها في الآفاق و هو في السجن، فكانت اجابات الامام يذاع خبرها بانتظام رغم الرصد و العيون، و سبب ذلك أن التشيع قد استطار في الأقاليم الاسلامية و شاع، و كان العلماء و الوكلاء يقومون بالمهمات في التبليغ و الدعوة، و يتعاونون علي تسلم الحقوق المالية و يصرفونها في مواقعها الشرعية، كما أشار لمواليه بالامام من بعده، و نص علي ولده علي الرضا قائلا: «ان ابني «علي» أكبر ولدي، و آثرهم عندي، و أحبهم الي، و هو ينظر معي في الجفر، و لم ينظر فيه الا نبي أو وصي نبي» [9] .

و كما عن الحسين بن المختار، قال: خرجت الينا ألواح من أبي الحسن موسي (عليه السلام) و هو في الحبس: عهدي الي أكبر ولدي [10] .

و بذلك لم يترك الامام الأمة سدي بل نص علي حجة الله في خلقه. و أدي الأمانة التي استحفظ عليها، كما أوصي و أوقف و حرر كما سنري.



[ صفحه 241]




پاورقي

[1] الصدوق / عيون أخبار الرضا 1 / 95.

[2] اليعقوبي / التأريخ 3 / 125.

[3] المفيد / الارشاد / 338.

[4] المجلسي / بحارالأنوار 48 / 221 و انظر مصدره.

[5] محمدحسن آل ياسين / الامام موسي بن جعفر / 88.

[6] الحميري / قرب الأسناد / 192، البحار 48 / 229.

[7] الكليني / الكافي 1 / 312.

[8] الكليني / الكافي 8 / 124 - 126، البحار 48 / 242 - 244.

[9] المفيد / الارشاد / 343.

[10] المصدر نفسه / 343.