بازگشت

الامام يوصي بأمواله و يوقف أراضيه


و شعر الامام (عليه السلام) بدنو أجله و نهاية أيامه و اخترام عمره الشريف ف «لكل أجل كتاب» و لكل بداية نهاية، و لأنه يتعايش مع الخطر المحدق به ليل نهار، يصبح الوحدة القاتلة في سجنه، و يمسي الغربة الموحشة في ليله. و كان هذا الشعور من الامام يمثل انقداحا روحيا في لمح الغيب القريب، فأعد لذلك عدته في وصية كثبية، أشهد عليها الأعيان من أهل بيته و أصحابه، و كانت هذه الوصية نموذجا فريدا لما ينبغي علي المسلم لدي احساسه بالموت.

أشهد الامام الشهود، و أشهد نفسه:

«أنه يشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، و أن الساعة آيتة لا ريب فيها، و أن الله يبعث من في القبور، و أن البعث بعد الموت حق، و أن الحساب و القصاص حق، و أن الوقوف بين يدي الله عزوجل حق، و أن ما جاء به محمد (صلي الله عليه و آله) حق، و أن ما نزل به الروح الأمين حق، علي ذلك أحيا، و عليه أموت، و عليه أبعث ان شاء الله، أشهدهم أن هذه وصيتي بخطي... و أوصيت بها الي «علي» ابني، و بني بعده ان شاء و أنس منهم رشدا، و أحب اقرارهم فذلك له، و ان كرههم و أحب أن يخرجهم فذلك له، و لا أمر لهم معه.

و أوصيت اليه بصدقاتي و أموالي و صبياني الذين خلفت و ولدي... و الي علي أمر نسائي دونهم، و ثلث صدقة أبي و أهل بيتي يضعه حيث يري، و يجعل منه ما يجعل ذو المال في ماله... و ان أحب أن يبيع، أو يهب، أو ينحل، أو يتصدق علي غير ما وصيته فذاك اليه، و هو أنا في وصيتي في مالي، و في أهلي و ولدي.



[ صفحه 242]



و ان رأي أن يقر اخوته الذين سميتهم في صدر كتابي هذا أقرهم، و ان كره أن يخرجهم غير مردود عليه، و ان أراد رجل أن يزوج أخته فليس له أن يزوجها الا باذنه و أمره.

و أي سلطان كشفه عن شي ء، أو حال بينه و بين شي ء مما ذكرت في كتابي، فقد بري ء من الله تعالي و من رسوله...

ولي عنده مال، و هو مصدق فيما ذكر من مبلغه ان أقل أو أكثر، فهو الصادق... و ليس لأحد أن يكشف وصيتي، و لا ينشرها و هي علي ما ذكرت و سميت... و من أساء فعليه، و من أحسن فلنفسه، و ما ربك بظلام للعبيد» [1] .

و أنت تري ما في هذه الوصية - و قد اختزلتها لك اختزالا - من التأكيد علي عقيدة التوحيد، و النبوة، و المعاد يوم القيامة، و ما يستلزم ذلك من بعث و نشور و حساب و وقوف بين يدي الله تعالي، و أن ما نزل به روح الأمين من القرآن و الشريعة حق، و أنه يحيا و يموت و يبعث علي هذا.

و الملفت في الوصية حقا تأكيده الشامل علي ولده الامام علي بن موسي الرضا (عليه السلام)، في تمييزه علي ولده، و رعايته لشؤونه، و عنايته بادارته، و اقراره علي ادارة أمواله و صدقاته و القصر من أبنائه، بل علي جميع ولده، كما جعل له أمر نسائه و أخواته دونهم، و بصرف ثلث صدقة أبيه أني يري، و حيث يشاء، كما خوله تخويلا مطلقا بأمواله، و ما يصنع فيها من هبة أو نحلة أو بيع أو صدقة و نحو ذلك فيما لم تشتمل عليه الوصية. ثم اعتره نفسه في الوصية و المال و الأهل و الولد، و له اقرار أبناء الامام الذين ذكرهم في وصيته، و له أيضا اخراجهم. و جعل أمر بناته بيده، و لا يزوج أحد احداهن الا باذن الرضا و أمره، و لا سلطان لأحد عليه في جميع وصيته، و أي سلطان



[ صفحه 243]



حال بينه و بين تنفيذها فقد بري ء من الله و رسوله، و أبان الامام في ختام الوصية أن له مالا عند ولده الرضا، و هو مصدق فيما ذكره عنه قل أو كثر، و شهد بحقه بأنه الصادق.

و يبدو بكل وضوح من لوازم هذه الوصية و نصوصها و فقراتها، أنها نص لا يقبل الشك علي امامة ولده الرضا، و هو كذلك، و يأتي هذا بعد أن نص عليه أمام جماعات كثيرة و أشهدهم علي ذلك.

و يبدو أن للامام موسي بن جعفر (عليه السلام) صدقات جارية، و أراضي زراعية عامرة، نص علي جعلها وقفا ذريا في وصيته قال فيها:

«بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما تصدق به موسي بن جعفر، تصدق بأرضه مكان كذا و كذا... كلها، نخلها، و مائها، و أرجائها، و حقوقها، و شربها من الماء، و كل حق هو لها، في مرفع، أو مظهر، أو عنصر، أو مرفق، أو ساحة، أو مسيل، أو عامر، أو غامر، تصدق بجميع حقه من ذلك علي ولده من صلبه الرجال و النساء، يقسم ما أخرج الله عزوجل من غلتها - بعد الذي يكفيها في عمارتها و مرافقها، و بعد ثلاثين عذقا يقسم في مساكين أهل القرية - بين ولد موسي بن جعفر، للذكر مثل حظ الأنثيين، فان تزوجت امرأة من ولد موسي بن جعفر، فلا حق لها في هذه الصدقة حتي ترجع اليها بغير زوج، فان رجعت كان لها مثل حظ التي لم تتزوج من بنات موسي، و من توفي من ولد موسي و له ولد، فولده علي سهم أبيهم للذكر مثل حظ الأنثيين علي مثل ما شرط موسي بين ولده من صلبه، و من توفي من ولد موسي و لم يترك ولدا رد حقه علي أهل الصدقة.

و ليس لولد بناتي في صدقتي هذه حق، الا أن يكون آباؤهم من ولدي. و ليس لأحد في صدقتي حق من ولدي و ولد ولدي و أعقابهم ما بقي منهم أحد، فان انقرضوا و لم يبق منهم أحد، فصدقتي علي ولد أبي



[ صفحه 244]



من أمي - ما بقي منهم أحد - ما شرطت بين ولدي و عقبي، فان انقرض ولد أبي، و أعقابهم ما بقي منهم أحد، فان لم يبق منهم أحد، فصدقتي علي الأولي فالأولي حتي يرث الله الذي ورثها و هو خير الوارثين.

تصدق موسي بن جعفر بصدقته هذه، و هو صحيح صدقة حبيسا بثا بثلا، لا مثنوية فيها و لا رد أبدا، ابتغاء وجه الله تعالي و الدار الآخرة، و لا يحل لمؤمن يؤمن بالله و اليوم الآخر أن يبيعها، أو يبتاعها، أو يهبها، أو يغير شيئا مما وضعتها عليه، حتي يرث الله الأرض و من عليها» [2] .

و يخلص لنا من هذه الوقفية أن الامام (عليه السلام) بضبطها و احكامها، و تفصيلها و جزئياتها، و ادخال من أراد ادخاله، و اخراج من أراد اخراجه، انما يريد أن يوجهنا في أعمالنا و وصايانا و أموالنا و صدقاتنا الوجه الصحيح المحكم، بحيث يكون ما يريده صاحب المال هو الأصل فيما يعمل به، و أن تكون الوصية جامعة مانعة فلا يدخل فيها ما يراد اخراجه، و لا يخرج منها ما يراد ادخاله، و أن ذلك جميعا ابتغاء وجه الله تعالي و اليوم الآخر.

و من هنا نعرف أن موارد سخاء الامام و عطاياه و هباته و صراره و منحه، انما كانت من خالص ماله و طيب حلاله.



[ صفحه 245]




پاورقي

[1] المجلسي / بحارالأنوار 48 / 276 - 280.

[2] المجلسي / بحارالأنوار 48 / 281 - 282.