بازگشت

فزع الرشيد من منزلة الامام


انتشر ذكر الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) في الأقاليم الاسلامية انتشار النار في الحطب الجزل، فقد تناقل الناس أخباره في العلم و الحلم و الورع و التقوي و الانابة و الاخبات لله تعالي.

و كان الرشيد أعرف الناس بهذه الحقائق، و أجرأ الناس علي تغافلها، و كان الترف السياسي قد طفح الكأس بأنبائه بين صفوف الشعب، و بلغ الاستياء حده من الأثر و الطغيان اللذين طبع عليهما النظام العباسي، و انكمش الناس من الجور و الاستعباد، و سئم المجتمع العراقي بخاصة من حياة اللهو و العبث و المجون.

هذا و أمثاله كاد أن يطوي بساط الشرعية من تحت هارون و ولاته و عماله في الميدان السياسي، أما في الميدان الديني فلا شرعية للحكم من قبل أبناء



[ صفحه 246]



الطلقاء تجاه أئمة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

و كان لابد للرشيد من اشغال الناس عن النظر في شأن الحكم، فأعلن الأحكام العرفية ليقمع كل تفكير - فضلا عن التحرك ضد النظام في مآسي الحكم و شؤون الدولة حتي قال الناس: انج سعد فقد هلك سعيد، هذا من جهة، و من جهة أخري عمد الرشيد الي سياسة التبعيد و التشريد مضافا الي سياسة كبت الحرية، فقد قذف بالشباب المسلم في لهوات الحروب، و أشغل الفكر العام بالبعوث و ارسال الكتل البشرية نحو الثغور، و هو لا يهمه بذلك أمر الاسلام في شي ء، و انما همه الوحيد هو تثبيت دعائم الملك.

و كانت شعبية الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) تخترق كل الحواجز التي وضعها الرشيد في سبيله، لا بقوة عسكرية، و انما بذلك التغلغل العقائدي الذي تتنطوي عليه قلوب المسلمين ولاء و ايمانا و حبا بقيادة أهل البيت (عليهم السلام)، و هنا مصدر الخطر علي السلطة حيث أن هذا التغلغل في الفكر و الضمير انما يكتسب نفوذه العام من خلال قناعات ثابتة، تجعل القوة الي جنب الكتاب في استيحاء الأسس الفكرية للاسلام، و هذا ما يخيف الحاكمين و يجعلهم في فزع و هلع شديدين، لأن هذا المنظور الخارق انما ينطلق من صميم المشاعر الانسانية دون تأثير خارجي، أو دعم سلطوي، أو اجراء سياسي، فهو انطلاق داخلي يجري في الانسان مجري الدم في الأوردة و الشرايين.

و كان الرشيد يعرف هذا جيدا بالنسبة للامام موسي بن جعفر (عليه السلام)، فهو و ريث هذه الأطروحة الضخمة التي تجعل مصير السلطان في مهب الريح، و تجعل أتباعه و أولياءه في قلق مستمر، اذن الدولة في نظره في معرض الخطر من هذه الأحاسيس التي يمتلك أمرها الامام.

و مع علم الرشيد أن ليس من وكد الامام و لا من شأوه نشدان الحكم و لا تطلب السلطان، الا أن هواجس الخوف و الذعر من مكانة الامام تجعله



[ صفحه 247]



يفكر جديا في التخلص منه بشتي الوسائل، دون أن يثير حفيظة المتسائلين أو الاهتمام الجماهيري.

و كان الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) من أدري الناس بهذه الارهاصارت لدي الرشيد، فقد يجامله مرة، و قد يتقيه أخري، و قد يتقرب منه ثالثة، و قد يذكره الرحم فيمسه سوي ذلك، و قد يروي له في ذلك «أن الرحم اذا مست الرحم تحركت و اضطربت» [1] كما قد يجابهه في مرارة و اصرار اذا اقتضت المصلحة العليا ذلك [2] .

و قد رأيت فيما سبق أن الرشيد كان مصمما علي سجن الامام فسجنه حتي انتهي به المطاف الي سجن السندي بن شاهك، فكانت كرامات الامام يتصل بعضها ببعض، و فضائله تسير مسير الشمس، فاستنجد الرشيد بيحيي بن خالد البرمكي، و قال له:

«يا أباعلي؛ أما تري ما نحن فيه من هذه العجائب؟

ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا يريحنا من غمه؟

فقال يحيي بن خالد: الذي أراه لك أن تمن عليه، و تصل رحمه، فقد و الله أفسد علينا قلوب شيعتنا.

فقبل ذلك منه، و أمره بفك القيود عنه و اطلاقه بشرط الاعتراف بالاساءة. فامتنع الامام (عليه السلام)، و قال ليحيي:

يا أباعلي؛ أنا ميت، و انما بقي من أجلي أسبوع...

يا أباعلي؛ أبلغه عني، يقول لك موسي بن جعفر:

رسولي يأتيك يوم الجمعة، فيخبرك بما تري، و ستعلم غدا اذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم و المعتدي علي صاحبه؟ و السلام.



[ صفحه 248]



فأخبر يحيي الرشيد بذلك، فقال الرشيد:

«ان لم يدع النبوة بعد أيام، فما أحسن حالنا».

فلما كان يوم الجمعة توفي الامام [3] .

و مهما يكن من أمر، فان الامام قضي في سجن السندي أضيق أيام حياته، و لم يمكث بعدها في السجن، اذا قضي عليه الرشيد بالسم. و هذا ما يحتاج الي شي ء من العرض الدقيق.


پاورقي

[1] ظ: المجلسي / بحارالأنوار 48 / 126.

[2] ظ: علي سبيل المثال: المجلسي / بحارالأنوار 48 / 128 - 129 - 145 - 146 - 147 - 148... الخ.

[3] ظ: ابن شهر آشوب / المناقب 3 / 408 - 409، المجلسي / بحارالأنوار 48 / 230 - 231.