بازگشت

الاشهاد علي وفاة الامام


و حينما وقعت الجريمة النكراء باغتيال الامام مسموما، قام الرشيد و السندي كلا علي سبيله، و في طريقته الخاصة، بحملة اعلانية لغرض التعتيم علي الحدث، و التستر علي الجريمة، و ذلك باستدعاء الشهود، و ايقافهم علي جثمان الامام ليشهدوا أنه مات حتف أنفه.

أورد الصدوق عن محمد بن صدقة العنبري، قال:

«لما توفي أبوابراهيم موسي بن جعفر (عليه السلام)، جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية، و بني العباس، و سائر أهل المملكة، و الحكام؛ و أحضر أباابراهيم موسي بن جعفر فقال:

هذا موسي بن جعفر قد مات حتف أنفه، و ما كان بيني و بينه ما أستغفر الله منه في أمره، يعني في قتله، فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته، فنظروا الي موسي بن جعفر و ليس به أثر جراحة أو خنق» [1] .

و قام السندي بدوره عندما أخذ السم يسري في بدن الامام، و هو في سبيله الي الشهادة، فقد روي أن السندي جمع ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب الي الخير، فأدخلهم علي الامام موسي بن جعفر، و قال: يا هؤلاء انظروا الي هذا الرجل هل حدث به حدث؟



[ صفحه 252]



فان الناس يزعمون أنه قد فعل مكروه به، و يكثرون في ذلك، و هذا منزله و فرشه موسع عليه غير مضيق، و لم يرد به أميرالمؤمنين سوءا، و انما ينتظره أن يقدم فيناظره أميرالمؤمنين، و ها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره فاسألوه.

قال الراوي: و نحن ليس لنا هم الا النظر الي الامام، و الي فضله و سمته، فقال الامام: أما ما ذكر من التوسعة و ما أشبه ذلك فهو علي ما ذكر، غير أني أخبركم أيها النفر:

«أني قد سقيت السم في تسع تمرات، و اني أخضر غدا، و بعد غد أموت».

قال الراوي: فنظرت الي السندي بن شاهك يرتعد و يضطرب مثل السعفة [2] .

و في رواية عمر بن واقد، قال: أرسل الي السندي في الليل يستحضرني... فحضرت، فقال: أتعرف موسي بن جعفر؟ فقلت: أي و الله اني لأعرفه. و بيني و بينه صداقة منذ دهر.

فقال: من ههنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله؟

فسميت أقواما... فبعث و جاء بهم، و قال: هل تعرفون أقواما يعرفون موسي بن جعفر؟ فسموا له قوما فجاء بهم، فأصبحنا و نحن في الدار (نيف و خمسون) [3] رجلا ممن يعرف موسي بن جعفر (عليه السلام) و قد صحبه... فأدخلنا، فقال لي: يا أباحفص؛ اكشف الثوب عن وجه موسي بن جعفر، فكشفته فرأيته ميتا فبكيت و استرجعت.

ثم قال للقوم؛ انظروا اليه؛ فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه؛ ثم قال: تشهدون كلكم أن هذا موسي بن جعفر؟ فقلنا نعم نشهد... فقال: أترون



[ صفحه 253]



به أثرا تنكرونه؟ فقلنا: ما نري به شيئا و لا نراه الا ميتا [4] و في ذلك أورد اليعقوبي: أن السندي أحضر القواد و الهاشميين و القضاة، و من حضر ببغداد من الطالبيين» [5] لغرض الشهادة أن الامام مات حتف أنفه.

و في رواية أن السندي أدخل علي الامام الفقهاء و وجوه بغداد، و فيهم الهيثم بن عدي و غيره، فنظروا اليه لا أثر به من جراح و لا خنق، و أشهدهم أنه مات حتف أنفه، فشهدوا علي ذلك [6] .

و حينما أخرج جثمان الامام، وضع علي الجسر ببغداد، و نودي عليه: هذا موسي بن جعفر قد مات، فانظروا اليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو ميت؛ و قد كان قوم زعموا في أيام موسي (عليه السلام) أنه القائم المنتظر، و جعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم، فأمر يحيي بن خالد أن ينادي عليه عند موته:

«هذا موسي بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه هو القائم الذي لا يموت، فانظروا اليه، فنظر الناس اليه ميتا» [7] و استمر هذا التضليل الاعلامي بالتمويه، أن الامام مات حتف أنفه حتي نقله الي مثواه الأخير، و وضعه علي شفير القبر، فقد أمر السندي بن شاهك خليفته و كان مع الجنازة، و قد وضعت علي شفير القبر، أن اكشف وجهه للناس، قبل أن تدفنه حتي يروه صحيحا لم يحدث به حدث قال: فكشفت عن وجه مولاي حتي رأيته و عرفته، ثم غطي وجهه...» [8] .

و هكذا تمر هذه المأساة الارهابية في ظل اجراءات ارهابية، فالشهود ان لم يشهدوا فمصيرهم القتل أو السجن أو التشريد، و النظام ممعن بالتغطية خوف



[ صفحه 254]



الفتنة فيما يزعمون، و الامام تنتهك حرمته دون أن، يهتز لذلك الضمير العباسي، و الناس لا حول لهم و لا طول، فالارهاب أفظع ما يدركه التصور قسوة و شدة.

و الأعظم مصابا، و الأبلغ وقعا، أن الامام بقي مسجي في جثمانه الشريف ثلاثة أيام لم يدفن [9] .

و كان هذا الاجراء للتحقيق في وفاته، و استدعاء الشهود، و وضعه علي الجسر ببغداد، و المنادي ينادي عليه بذلك النداء الفظيع [10] بغية اطفاء نور الله تعالي:

(و يأبي الله الا أن يتم نوره و لو كره الكافرون) [11] صدق الله العلي العظيم


پاورقي

[1] ظ: الصدوق / كمال الدين و اتمام النعمة 1 / 119، عيون أخبار الرضا 1 / 15.

[2] ظ: الكافي 1 / 258، المناقب 3 / 441، البحار 48 / 212.

[3] كذا في الأصل.

[4] ظ: الصدوق / عيون أخبار الرضا 1 / 97، المجلسي / البحار 48 / 226.

[5] اليعقوبي / التأريخ 3 / 145.

[6] ظ: ابن الطقطقي / الفخري / 172، الشبلنجي / نور الأبصار / 139.

[7] الشيخ المفيد / الارشاد / 339.

[8] الطوسي / الغيبة / 20، المجلسي / بحارالأنوار 48 / 229.

[9] ابن عنبة / عمدة الطالب / 185.

[10] ظ: المجلسي / بحارالأنوار 48 / 227.

[11] سورة التوبة / 32.