بازگشت

خاتمة المطاف و النتائج


كانت هذه الرحلة المباركة قد اصطحبت الامام الكاظم موسي بن جعفر (عليه السلام)، في حياته الخاصة و حياته العامة، فوجدت الامام (عليه السلام) باختصار: ملك قيادته و أمته لا ملك نفسه، و خلصت الي نتائج موضوعية في رؤية معاصرة لتأريخ الامام العلمي و العقلي و السياسي و النضالي بما أوضح صورة الامام دون تزيد أو اضافة، و انما هو الحقيقة القائمة علي أساس المنهج التحليلي للوقائع و الأحداث و القيم، في أسلوب جديد، و عرض جديد في ثمانية فصول رئيسية:

1 - كان الفصل الأول متحدثا عن الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) في سماته و مميزاته الأساسية منذ الولادة الطاهرة، فالنشأة المباركة، و تسليط الضوء علي تلك المكانة المرموقة، مرورا بحكم التأريخ في مرآته الكاشفة عن رؤية الامام لدي أصحاب الرأي و القرار الثابت النزيه في أبعاد شخصية الامام، و من ثم ابراز الخصائص المميزة للامام في الورع و التقوي و الحلم و الزهد و كظم الغيظ و سخاء النفس، بما يعتبر المشترك الأعظم في خصائص الأئمة.

2 - و كان الفصل الثاني قد تناول المسيرة العلمية الرائدة للامام في ايجاز و تكثيف ملحوظين اقتصر فيهما البحث علي مدرسة أهل البيت الأولي في ريادتها التراثية: سننا و تشريعا و معارف، و موقع الامام البارز البصمات علي المدرسة، متعقبا مصادر علم الامام الكسبية و الموهبية في أدلتها و شواهدها البرهانية؛ ناظرة الي سيرورة علم الامام في الآفاق و ذيوعه في الأقاليم رغم الرقابة الصارمة و التضبيب الاعلامي، مؤكدة الدور البارز الذي نهض به



[ صفحه 270]



تلامذة الامام في التأليف و التصنيف، و نشر تراث أهل البيت، و ختم الفصل بشذرات من تعليمات الامام و هو يقود الأمة تهذبا و تنظيما و هداية.

3 - و كان الفصل الثالث حافلا بظواهر الحياة العقلية المتطورة، بما تلمس به من لذة فكرية و متاع عقلي رصين، فقد كشف عن اهتمام الامام بالعقل الانساني و استقلاليته بالادراك، و حرص علي تتبع الاضطراب في المناخ العقلي في عصر الامام، و اتجاهات التعددية في المذاهب الكلامية و الاحتجاجية و الفلسفية، و الاشارة الي الانشقاق الداخلي في فرق الشيعة مما أوجد حالة جديدة من العب ء و المسؤولية اضطلع بها الامام بقيادته الفذة، و هو يخوض خضم التيار الكلامي المتقلب، ألق الجبين، أصيل الرأي، قوي الحجة، بما يعبر تعبيرا رساليا عن رأي الاسلام المشرق في هذا المناخ.

4 - و كان الفصل الرابع حاشدا بمفارقات عصر الامام في ظل الطواغيت من السلاطين و الملوك، و هم يسنمون مناصب الدولة العليا، و يدعون الخلافة الشرعية دون حق، و الجور و الطغيان يملأ الأرض و يتعالي الي عنان السماء، في أرقام طويلة من الاستئثار بكل شي ء دون الشعب المضطهد، و باستعلاء لا مثيل له الا في تأريخ الفراعنة و الأباطرة و القياصرة، و استخفاف بالقيم و المثل لا نظير له الا في العهد الجاهلي، و الامام يعاني بصبر تارة، و بكفاح تارة أخري، و بمعتقلات سواهما، من تلك الافرازات البغيضة الثقيلة التي مثلث الارهاب و الظلم المقيت من خلال أبي جعفر المنصور، و المهدي العباسي، و موسي الهادي، و هارون الرشيد، بما يخرق أسطورة العصر الذهبي المزعوم.

5 - و كان الفصل الخامس ملتهبا بحريق المناخ الثوري ضد النظام العباسي الجائر، و ما قوبل به هذا المناخ من اجراءات الارهاب الدموي،



[ صفحه 271]



و قمع التحرك السياسي بأعنف الأساليب، و أقسي صنوف القتل و التعذيب، و مجابهة ذلك التوجه الثوري لصاحب فخ و صاحب الديلم و أنصارهما بالحرب الضروس و الابادة الشاملة، و قطع رؤوس القتلي، و تسيير الأسري مكبلين بالحديد، و هدم البيوت، و مصادرة الممتلكات، و قتل الأسري جميعا دون استثناء.

و أعقب هذا و ذاك التصفية الجسدية المنظمة لأقطاب المعارضين من العلويين، حتي استطال المهدي و الرشيد الي سجن الامام، بعد الاتهام بتأييد الثائرين، و هو براء من ذلك، فالامام لا يتحرك بدافع من العواطف، و لا يؤيد العنف الثوري، و هو يهدر دون أية عائدية.

و كان موقف الامام جليا في الترقب و الانتظار، و آراؤه مبرمجة بالنصح الكريم و تحاشي الاثارة الدموية، حفاظا علي أرواح الشعب البري ء الأعزل من الازهاق. 6 - و كان الفصل السادس كفيلا باستيحاء البعد الاستراتيجي الدقيق، و التخطيط المنهجي الرائد لسياسة الامام في مقاومة الانحراف العباسي، و اتخاذه سياسة النضال السلبي طريقا لمقاطعة النظام و القول بعدم شرعية الحكم، و الابتعاد عن معالم السلطان و الولاة و القضاة و وعاظ السلاطين، في حين يخترق الامام النظام العباسي من الداخل بأعيان من أصحابه لهم الأثر البارز في تحقيق الحد الأدني من دفع الظلم الاجتماعي عن الناس، و قضاء مهمات أولياء الله و أنصاره و المستضعفين في الأرض، هذا في الوقت الذي نجد فيه الامام يشمر عن ساعديه في الموقف الحاسم الذي تدعو له الضرورة الشرعية، فيجابه التضليل الديني ببيان الحقائق، و يقاوم الانحراف السياسي بابداء الرأي الجري ء.



[ صفحه 272]



7 - و كان الفصل السابع حافلا بمعاناة الامام في غياهب السجون، و هو يقاسي العزلة و الاغتراب في تلك الأقبية، فبحث باستيضاح الرؤية المجهرية لدوافع سجن الامام، و كشف الأسباب الكامنة وراء تنقل الامام في عدة سجون، و من ثم الرصد الاستقرائي لحياة الامام في السجن، و هو يرفع راية العبادة المجردة، و يعطف بالعلم النافع علي مريديه، و يوصي بأمواله و صدقاته، و قد لاحت امارات انتقاله الي الرفيق الأعلي.

8 - و كان الفصل الثامن مقتصرا علي تسنم الامام لمدارج الشهادة بصبر و ثبات، بعد أن أذهلت الرشيد جماهيرية الامام و تأثيره في الأمة، فدأب مخططا لاغتيال الامام مرة بعد مرة، حتي أقدم علي قتله بالسم، و أساغ لجلاوزته أسلوب الدجل السياسي المفضوح بالاشهاد علي وفاة الامام بأنه مات حتف أنفه، و من ثم كان الحديث عن مراسم تجهيز الامام و تشييعه الي مثواه الأخير في مقابر قريش حيث ضريحه المقدس مع وصف ميداني للمشهد و الروضة و الصحن الكاظمي و القبتين و المنائر الأربع.

و ارتأي البحث أن يكمل هذه المسيرة الحافلة للامام باثبات قصيدتين للمؤلف قالهما في حق الامام و شموخه و نضاله و احتسابه حتي كتب له الخلود السرمدي، و عاد بحق شهيد عظمته، و قتيل منزلته الكبري.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

النجف الأشرف

محمدحسين علي الصغير