بازگشت

المنظور المشترك في خصائص الأئمة


هنالك ملحظ جدير بالأهمية أن الأئمة (عليهم السلام) يشتركون بمميزات فريدة، فلا يعني التأكيد علي خصائص امام منهم، نفي تلك الخصائص عن الآخرين، لأنهم يصدرون عن نبع واحد، و يصبون في روافد متقاربة المصادر، و كلها تتجاذب أطرافها من ذلك المورد الثر الذي أسال فيضه اللامتناهي جدهم الرسول الأعظم (صلي الله عليه و آله). الا أن لكل امام سمات بارزة تلوح و كأنها من مآثرة بخاصة. و ما ذاك الا نتيجة الظروف الموضوعية لشتي الأحداث التي يحياها الامام بكل تداعياتها و ملابساتها، فيتجه الامام مبادرا للرد العملي علي الظواهر السلبية بظواهر ايجابية، و علي التناقضات بالقصد و الاعتدال. فحينما نري الغضب و الطيش و الانتقام ضاربا أطنابه في المجتمع المسلم من قبل الطغاة، نجد الامام يقابل ذلك بالحلم و الأناة و رحابة الصدر، و حينما تكون أموال المسلمين مبذر بالعبث و الاسراف، و موارد الحياة مصادرة لترفيه الحاكمين و الولاة، نجد الامام مشاركا للشعب المضطهد في رزقه و عيشه، فيناهض ذلك الاحتكار و الاختلاس بظاهرة الكرم و السخاء تلبية للضروريات الملحة في الاغاثة و الانقاذ، و حينما تكون أوضار الجهل و الضياع و التسيب متفشية في المناخ الاجتماعي، نجد الامام مشمرا عن ساعديه في نشر العلم، و اذاعة المعارف، و بث الدعاة و المبلغين للقضاء علي مظاهر الأمية و حياة التخلف.



[ صفحه 35]



و هكذا الأمر في بقية الظواهر المتجددة علي الشعوب المغلوبة و هي تساس بالارهاب و التسلط الغاشم، فنجد الامام - أي امام لا علي التعيين - ينهد بمسؤوليته القيادية لصد الاعتداء المتلاحق الأثيم علي الحريات و الحرمات و الذمم؛ و من هنا تبرز خصائص كل امام قائمة بذاتها، تعبيرا عن الحالة المضادة التي يعني بمقاومتها، و الا فالأئمة (عليهم السلام) في ميزان واحد راجح بالعطاء و البر و التقوي و العلم و المجاهدة و النضال، و ينبغي لفت النظر بجدية معمقة الي أن الظرف الاجتماعي في كثير من الأحيان قد يملي التكليف الشرعي علي الامام، فيؤدي رسالته تبعا لمسؤوليته، علي الوجه الأتم.

و من هنا رأينا أميرالمؤمنين عليا (عليه السلام): محاربا و مجاهدا، و زاهدا و معرضا عن السلطان، حتي جاءه الأمر يسعي اليه دون العمل من أجله، فنهض بمسؤوليته الشرعية لا تأخذه في الله لومة لائم، فكان النموذج الأرقي للخليفة الحاكم بأمر الله (تعالي). بينما نجد الامام الحسن بن علي (عليه السلام) صابرا محتسبا مترصدا، لأنه رأي الغدر و الخيانة تفتك بجيشه غير المقاتل، و نظر الي الذمم و هي تشتري، و الي الضمائر و هي تباع، فأعرض عن الحكم لتفاقم هذه الظواهر المعقدة، و قد شكلت خطرا متفاقما، كاد أن يعصف بكيان الاسلام، فبادر الي الصلح المشروط الذي ما وفي به عدوه علي رؤوس الأشهاد، و بذلك سجل الامام الحسن نصرا فعليا علي معاوية، بأنه يغدر و يفجر، و بأن من كان كذلك ليس أهلا للامامة الشرعية. في حين نلحظ الامام الحسين بن علي سيدالشهداء (عليه السلام) يتجه الي الكفاح المسلح حينما رأي مسؤوليته تقتضي هذا الموقف. فأعلنها ثورة عارمة ضد الظلم و الاستبداد و الانحراف العقائدي، فضحي بنفسه و آله و صحابته، فكان مضرب المثل في الاباء و الشمم و الفداء و التضحية، و ذهب شهيد عظمته علي مذبح الحرية و الوعي الديني، و هو و ان لم يحقق نصرا فعليا في معركة الطف، و لكنه حقق



[ صفحه 36]



نصرا مستقبليا قوض فيه أركان الحكم الأموي، و أبقي جذوة النضال الديني متقدة مع الأجيال، و ظل رمزا شاخصا لكل عمل ثوري في تأريخ الاسلام. بينما نجد ولده الامام زين العابدين (عليه السلام) و قد عاش مأساة الطف بكل مشاهدها الدامية، كن قد ادرع الصبر لباسا، و أحيا ثبات الأبطال قائدا، و جدد عهد الرسول الأعظم داعيا، و أعلن حقوق الانسان مشرعا، فعاد ما أثر عنه يفوق مقررات الأمم المتحدة، و منظمات حقوق الانسان الدولية.

و كان الامام محمد الباقر (عليه السلام) مؤسسا لمدرسة أهل البيت في فروعها العلمية المتعددة، و مجددا للحضارة الاسلامية علي رأس القرن الثاني من الهجرة، حينما كان الجهل مسيطرا علي الحياة الاجتماعية، و حينما كانت الدعوات منحرفة عن النهج السوي، و نزغات النزق و اللهو متحكمة في ضمير الجيل الناشي ء، فكانت ظاهرة العلم الرفيع الهادف يتزعمها الامام الباقر (عليه السلام)، مبتعدا عن مظاهر الزيف المعقدة في الجهل و الغرور و الدجل السياسي، متحفزا لخلق جيل تتكافأ فرصه الثقافية بما يتناسب مع حمل الاسلام نظاما و عقيدة و حياة، فكان له ذلك.

و حينما تسلم الامام الصادق (عليه السلام) قيادة الأمة، بعد وفاة أبيه، عام (114 ه)، اتجه بالركب الحضاري - و قد رسخت أصوله - الي مبدأ جديد من القيم العليا، في حين تتصارع الأحزاب و رجال المؤامرات في الساحة علي استصفاء الملك و السلطان، الا أن تجربة الامام الصادق في السياسة و الحياة و الاجتماع، حددت له في ضوء مسؤوليته الرسالية التكليف الشرعي في بناء صرح الاسلام علي أسس رصينة لدي تنازع الأهواء، و تعدد النحل و المذاهب.

أما حين يلتمع في الأفق بريق السلاح، و يلتهب المناخ بالثورة اثر الثورة، و يقرع الحديد بالحديد، و تسفك الدماء بين أبناء الدين الواحد دون جدوي



[ صفحه 37]



و دون أثر، و اذا بوريث النبوة يحتفظ بالبقية الباقية من حملة الاسلام، و يشمر ساعديه لاعادة الدين غضا طريا نديا في مبادئه، فتلتف حوله الأطراف كافة، كما يلتف الورق حول الشجرة النضرة، فكان زعيم الجماعة الاسلامية علما و عملا و كياسة، كما كان زعيم مدرسة أهل البيت اصالة و موضوعية و ازدهارا. حتي اذا تسلم منصب الامامة سيدنا و مولانا الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) عند وفاة أبيه الصادق عام (148 ه) و هو في العشرينات من العمر في ظل حكم ارهابي صارم، و سيف دموي قاطع عالج الأمر بروية فائقة، و بظواهر مضادة لتلك الممارسات اللاانسانية، فضاقت به السلطات ذرعا، و ارتهن مغيبا بين أطباق السجون و أقبية المعتقلات، و لم يمنعه ذلك من ارسال أشعته النافذة الي القلوب من خلال تلك الظواهر التي سنتحدث عنها اجمالا.