بازگشت

الورع و التقوي في ظاهرة ايجابية


و هي ميزة انفرد بها أئمة أهل البيت بأدق معانيها الهادئة، و تجلت بنضائد تلك السيرة الزكية لأولئك الميامين الأبرار، و الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) أحد النماذج الفضلي لهذا المنهج الدقيق، و الورع لديه ظاهرة ايجابية و ليست انهزامية، و التقوي لديه حقيقة ائتلافية و ليست سلبية، و التعامل مع الورع و التقوي منظور متطور لا يوازيه ذلك التهرب من الواقع، و لا التخفف من أعباء الحياة، و هما يمثلان لدي الامام حقيقة تأريخية في الاجتماع و الاندماج مع الناس، و لأنهما مفهومان من مفاهيم الاسلام فهما يتأطران بالصلاح و الاصلاح و رباطة الجأش، و ينزعان الي الصلابة و الايثار و الايمان المطلق، نعم هما مرتبطان بذلك الوثاق النزيه الطاهر: خشية الله في السر و العلن، و الخوف منه في الشدة و الرخاء، و هما مظهران للعبودية الخالصة المطمئنة،



[ صفحه 38]



و من هذا الخلال وصف الامام بأنه أعبد أهل زمانه و أفقههم، و كان يصلي نوافل الليل فيصلها بصلاة الصبح، فاذا طلعت الشمس خر ساجدا لله، و يقول في دعائه:

«اللهم اني أسألك الراحة عند الموت، و العفو عند الحساب».

و من دعائه: «عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك».

و كان يبكي من خشية الله حتي تخضل لحيته بالدموع، و كان أوصل الناس لأهله و رحمه [1] .

و كان يجازي المسي ء باحسانه اليه، و يقابل الجاني بعفوه عنه [2] و هذه ظواهر ايمانية ايجابية تمثل الورع و التقوي في صور متعددة، و كان عمله يكشف عن هذه الحقيقة في ملامح من رياضة السلوك، تحتضن الزهد و التقشف و الدربة كما حدث أخوه علي بن جعفر، قال: «خرجنا مع أخي موسي بن جعفر (عليه السلام) في أربع عمر يمشي فيها الي مكة بعياله و أهله، واحدة منهن مشي فيها ستة و عشرين يوما!! و أخري خمسة و عشرين يوما، و أخري أربعة و عشرين يوما!! و أخري أحد عشر يوما» [3] .

و في هذا المسلك توطين للنفس علي الشدائد، و رغبة ملحة في تحصيل منازل الأولياء، و هو يسير علي قدميه في طريقه الي حرم الله تعالي.

أما اذ لحظت حياته الخاصة، فكان يقنع بالجشب من الطعام و الخشن من الثياب، و الاقلال من الأكل، و الانشغال بالسنن و الفروض.

و كان مع هذا العيش البسيط يلبي نداء الاحتياج، و يقف مع الناس في الفرح و الحزن، و يشاطرهم الأسي في البؤس و الفقر، و يدفع بهم شوطا كبيرا



[ صفحه 39]



نحو الألفة و التوادد و حسن العشرة، و هو فيما بينهم كأحدهم في اصلاح ذات البين، و قضاء الحقوق، و حل الاشكال الاجتماعي.


پاورقي

[1] ظ: الشيخ المفيد / الارشاد / 332.

[2] ابن طلحة الشافعي / مطالب السؤول 2 / 61.

[3] المجلسي / بحارالأنوار 48 / 100 و انظر مصدره.