بازگشت

كلمة المركز


كان الامام موسي بن جعفر، الكاظم عليه السلام، في الخامسة من عمره عندما انتقل الحكم من السلطان الأموي الي السلطان العباسي، و كان المسلمون يأملون في أن يتولي أمورهم «الرضا من آل محمد»، فيمضي بهم وفق النهج الاسلامي القويم، و هذا ما كانت الدعوة للتغيير ترفعه شعارا، غير أن الأمل خاب، و سمع المسلمون، في يوم غرفة، أباجعفر المنصور، الدوانيقي، يخطب فيهم، و يحدد نهجه السياسي فيقول: «أيها الناس، ان بكم داء هذا دواؤه [مشيرا الي السيف] و أنا زعيم لكم بشفائه، فليعتبر عبد قبل أن يعتبر به». و لم يطل الأمر بالسلطان، الحامل سيف النقمة دواء، أن نفذ وعيده، و سلم مفاتيح «كنزه» الي خليفته، و أمره بتغذيته، و كان في هذا الكنز ما يزيد علي مئة قتيل من العلويين.

في هذه الآونة، كان الامام الكاظم عليه السلام فتي في العاشرة من عمره، يعاني ما يعانيه آله من هذا الطغيان من نحو أول، و ينهل من علوم والده الامام جعفر الصادق عليه السلام من نحو ثان، و قد غدت دارته مدرسة عامرة يؤمها طالبو المعرفة، من مختلف البلدان الاسلامية، يتزودون علوما تجيب عن الأسئلة الكثيرة التي طرحت في تلك المرحلة التي كانت مرحلة تأسيس الثقافة الاسلامية و تكون المذاهب الفقهية الكلامية.

كان الامام الصادق عليه السلام يسعي، و قد بلغ طغيان السلطان ما بلغه، الي تكوين الأمة المؤمنة الواعية، و وجد في نجله الامام موسي عليه السلام الصفات التي تؤهله لأن يكون القائم بالأمر من بعده، فقال فيه ما معناه: عنده المعرفة بما يحتاج اليه الناس و الحكمة و الفهم و السخاء.



[ صفحه 6]



عاش الامام الكاظم عليه السلام عشرين سنة في كنف أبيه و رعايته. و لما تولي الأمر من بعده، مضي علي نهجه، في تكوين «الكتلة البشرية المؤمنة، صادقة الايمان»، من دون أن يفرط في حق، فعندما خاطب هارون الرشيد رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، أما الناس بقوله: السلام عليك يا ابن العم، بادر الامام الكاظم الي مخاطبته صلي الله عليه و آله و سلم بقوله: السلام عليك، يا أبت. فثارت ثائرة السلطان، الحاكم باسم الاسلام، و بسبب قرابته من رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، و زج بحفيد رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم في السجن... و بقي الامام عليه السلام فيه يتنقل من سجان الي آخر، و كان السجانون يتباركون به، الي أن انتقل الي رحمة الله سبحانه و تعالي.

يمثل الامام موسي الكاظم، في شخصيته و سيرته و مواقفه...، رمزا من رموز مقاومة الانحراف الذي آل الي الطغيان، و اتخذت مقاومته سبلا شتي، و في مختلف ميادين الحياة. و المؤلف، اذ يعي هذا، و يدرك دور التاريخ و دور قادته الكبار في تكون شخصية الانسان، يقدم علي تأليف هذا الكتاب لعله يسهم في تأسيس مستقبل مشرق للأمة...، فيبحث في قضيتين مركزيتين: أولاهما: الامام الكاظم امتداد للنبوة، و يتمثل هذا الامتداد في حياته، و المهمات العلمية و التربوية التي نهض بأدائها، و ثانيتهما: الامام الكاظم نبراس حضاري، و يتمثل هذا النبراس في نظام القيم السياسية - الاجتماعية - الأخلاقية... الذي انتهجه الامام الكاظم...

يهدف هذا الكتاب الي تقديم معرفة تسهم في تأسيس هوية الأمة، و يقتدي مؤلفه، في سعيه، بنهج الأئمة الأطهار، فعسي أن يكون قد وفق، و الله الموفق في كل حال.

مركز الغدير للدراسات الاسلامية



[ صفحه 7]