بازگشت

مقدمات أساسية في وعي التاريخ الاسلامي


لا شك بأننا أمة تمتلك مخزونا تاريخيا عريقا، أصبحت مسألة وعيه من الداخل مسألة ملحة و ضرورية، لأن هذا الوعي أصبح جزءا لا يتجزأ من الوعي للعقيدة، و أصبح تصحيح الكم التاريخي المتراكم شرطا لازما في مسيرة تصحيح و تركيز الاعتقاد، و من خلال هذا العنوان العريض يمكن أن نضع هنا بعض المقدمات الأساسية في مسألة و عينا التاريخي:

المقدمة الأولي: أن تكون دراسة التاريخ واجبا حيويا، و ضرورة حتمية تستهدف تفكيك البني الذاتية الداخلية لجملة الحوادث و المواضع التاريخية، لا أن تكون مجرد ترف ذهني ساكن، مجردا عن محيطه الزماني و المكاني.

المقدمة الثانية: أن نتخلي عن الهالة القدسية التي تؤطر هذا التاريخ، و نحاول دائما أن نحيطه بها بكل ما فيه من أخطاء و عثرات و انحرافات و اندفاعات [1] لأن هذا التقديس يدفعنا - لا شعوريا- الي الانزلاق في تفاسير و تأويلات خارجة عن مفهومي الزمان و المكان الضروريين في عملية التأسيس و البناء التاريخي، مما يجعلنا ننحرف بالتاريخ عن الغاية التي نسعي اليها فيه، و الهدف الذي نتطلع اليه.



[ صفحه 32]



ان تاريخنا - ككل تاريخ - كان حصيلة أدوار مختلفة من حياة الأمة بين ارتفاع و انخفاض، فهو الصورة التي تنعكس عليها الحياة بما فيها من ارتباكات، فاذا أردنا أن نفهمه علي أساس واقعي، فيجب علينا تعريته عن كل لون من ألوان الخيال و الدعاية و الزهو، و ملاحظته كمادة خام لدراسة واقعية عميقة.

المقدمة الثالثة: تتمثل في حقيقة نعيشها جميعا، و هي أن تاريخ الأمة الحاضر هو جزء هام أساسي من تاريخها الماضي، انه عملية بناء و نتاج نمو تاريخي طويل، فحاضرنا الذي نعيشه و نراه هو ثمرة ماضينا، لذلك لا بد من معرفة و دراسة الأحداث الممتدة في عمق التاريخ، و نقدها و متابعتها و تحليلها، في اطار قراءة واعية لمجاهل و معالم التاريخ، تكشف قوانين نموه و عناصر الضعف و القوة فيه.

المقدمة الرابعة: أن يبني النقد التاريخي علي الحقيقة الموضوعية و ان قوضت شيئا من رؤانا و اعتقاداتنا مما قد نظنه من المسلمات القطعية التي لا كلام و لا جدال فيها، و بالتالي ضرورة الابتعاد عن المواقف المسبقة و الرؤي المذهبية الخاصة التي قد تجعل التاريخ مادة مائعة للاستهلاك الفارغ، و مرتعا خصبا لنشوء الانحرافات والأوهام و الأباطيل و البدع.

المقدمة الخامسة: التعريف بالحدث التاريخي الاسلامي باعتباره تاريخا عاما لكل الفئات و الشرائع الاجتماعية و ليس تاريخا خاصا بالنخبة السياسية الحاكمة.

المقدمة السادسة: تنصب علي دراسة قوانين و قواعد التاريخ الاسلامي و (مراجع التاريخ) التي حملت الكثير، و الكثير جدا، من حقائق التاريخ، أو تكاد - في مجموعها - أن تكون قد حفظت جميع حقائقه، فهي بلا شك قد حملت، الي جانب ذلك، أباطيل كثيرة [2] .

1- منها ما هو اسرائيلي الصنع.



[ صفحه 33]



2- منها ما هو صنع الزنادقة الذين تستروا بالاسلام فكادوا له شرا، و هؤلاء كانوا أقدر علي تزيين أساطيرهم و ترويجها، اذ كانوا يضعون أساطيرهم دائما في أهواء أصحاب الفرق الدينية أو السياسية المتناحرة.

3- منها أكاذيب االقصاصين و الرواة و تحسيناتهم، كذلك منها ما اختصت به المصادر الحديثة، من كتب في التاريخ أو دراسات تاريخية، مما ترشح عن مدارس الاستشراق، أو التفاسير المادية أو القومية للتاريخ الاسلامي.


پاورقي

[1] نحن لا نقصد، من خلال هذا التحليل، أن نحكم علي كل تاريخنا بأنه مجموعة أخطاء متراكمة لا تصلح أن تعيش في الحاضر و المستقبل... بل نريد أن نقول بأن هناك مواقع مضيئة الي جانب وجود مواقع مظلمة في تاريخنا الاسلامي... فهناك الكثير الكثير من التجارب الماضية المليئة بالصور الحكيمة و المشرقة و الناصعة التي تكبدت مجتمعاتنا من أجلها أنواعا شتي من الآلام و المصاعب، و تحملت كثيرا من الأهوال في سبيل الوصول اليها و الاهتداء الي بعض معالمها هنا و هناك، و بالمقابل فاننا نتصور أن حركة التاريخ الانساني ليس دائما علي صواب - كما يعتقد أصحاب الموقف التقديسي للتاريخ - لأن الايمان بصحة و قدسية التاريخ يلغي جميع العوامل المؤثرة فيه و يبقي الانسان، تبعا لذلك، خاضعا لمنطق الضرورة و الحتم كتاريخ الجماد و النبات و الحيوان.

[2] صائب عبدالحميد، اعادة كتابة التاريخ الاسلامي، مجلة التوحيد (86 / 176).