بازگشت

تشكل المذاهب الفقهية الكلامية


شهدت تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ أمتنا محاولات تمييع واضحة لخطوط الفكر و العقيدة الاسلامية تولي مهام الدعوة اليها رموز و دعاة (العباسية) الجديدة، و وعاظ السلاطين الذين أخذوا علي كاهلهم (مهمة) تزوير الفقه و الحديث و اللعب بالتشريع الاسلامي و الفتيا بالرأي و ذلك باعتمادهم علي ركائز و مقاييس غريبة عن أساليب و أدوات التشريع الاسلامي، و قد كان لاقصاء الأئمة من أهل البيت عليهم السلام عن مواقع العمل القيادي الفكري و الاجتماعي و السياسي، دره الأكبر في تفشي ظواهر التفسخ المعرفي و السياسي في طبيعة المتغيرات الخطيرة التي حدثت في حركة الدعوة و مسيرة الأمة، و قد تمثل ذلك، عمليا، من خلال انكشاف الواقع أمام فراغ فقهي و تشريعي كبير خصوصا بعد أن احتكت الأمة مع حضارات مجاورة لها، ما أدي الي دخول مفاهيم و تصورات و سبل حياة فكرية و عملية جديدة الي واقع الحياة الاسلامية سببت تغيرات كبيرة حادة في بنية المجمتع الاسلامي، و يبدو أن السلطة القائمة، المستلمة لادارة شؤون الأمة، ساهمت في وصول المجتمع الي هذا المستوي المتدني و المنحط من التفاعل السلبي غير المتوازن مع ثقافات الحضارات المجاورة بحيث أصبح



[ صفحه 39]



هذا المجتمع جاهزا للاستعمار من الداخل و الخارج، و بخاصة عندما قام هذا الحكم السياسي بتسخير الدين لمصالحه و أهوائه و دعم مواقفه و تثبيت مواقعه و أركان حكمه السياسية، فتغير هذا المجتمع (الرسالي!) و بات يميل، أكثر فأكثر، نحو الكسل و الدعة و الترف و الاستهلاك الفارغ [1] .

ان الفراغ الفقهي و العقائدي الذي ظهر نتيجة المتطلبات و الحاجات الحياتية الجديدة، كان يحتاج الي من يسده بشكل أو بآخر، و يعمل علي ايجاد قواعد و أنظمة فقهية و أبنية تشريعية حديثة تتناسب مع الأوضاع الجديدة [2] .

في هذه الفترة بالذات (و ربما قبلها بقليل) بدأت المذاهب الفقهية المعروفة بالنشوء و التشكل و الظهور الي العلن، مستفيدة من حالة الخلل السياسي العام، و اتساع الحركة العلمية و الفقهية، و في أغلب الأحيان كان ظهور تلك المذاهب ناتجا عن عمل السلطة السياسية نفسها في ابعادها لا تجاه فقهي معين لا ينسجم مع مصالحها، و بالمقابل ترجيح آراء فقهاء آخرين عليه.

طبعا لا نستطيع أن ننسي الدور الذي تلعبه الشخصية العلمية لأئمة المذاهب في جلب الأتباع و التلامذة و التأثير القوي علي تصوراتهم و اتجاهاتهم الفقهية، و لا ننسي أيضا أثر و دور العامل الجغرافي في تعداد الاتجاهات و الانتماءات.

كل هذا و غيره من العوامل أثر و ساهم في ايجاد نواة لنشوء مذاهب كثيرة و متنوعة فقهيا و كلاميا، قبل أن تنحصر بعد ذلك، بزمن طويل تقريبا، بمذاهب معينة، و ذلك لعوامل أخري رافقت عملية غلق باب الاجتهاد.



[ صفحه 40]




پاورقي

[1] هذا الي جانب انتشار اتجاهات مختلفة من الزهد الكاذب و الرهبنة الخادعة.

[2] في هذا المجال يركز بعض الفقهاء و الوعاظ علي أهمية الرأي و القياس و الاستحسان و اتباع المصلحة الي حد قد يتجاوز كل نص، و يؤدي - أحيانا - الي دخول الفكر. الانساني الي ساحة التشريع الالهي، و هو خطر كبير، في حين يركز بعضهم الآخر - احتياطا علي دينه - علي حدود النص و الحديث الي حد أدي الي جمود خطير في حركة الفكر.