بازگشت

التعريف بالمنهج العلمي في البحث التاريخي


بسم الله الرحمن الرحيم

يمثل المنهج الأسلوب أو الطريقة المنظمة التي يبني عليها الباحث، في مجال فكري و ابداعي، دراساته و أفكاره، و ينظم علي أساسها استنتاجاته و نظرياته. و من الضروري لأي بحث أو دراسة علمية أن تستهدي بمنهجية معينة تبعد الباحث عن متاهات الفوضي و الاضطراب و الاهتزاز في النتائج و الآراء، كذلك من الضروري أن يحدد الباحث، لكل موضوع من موضوعات العلم و المعرفة البشرية، نهجه الخاص و أسلوبه المميز و طريقته البنائية التي تناسب وضعه، و حجمه، و حالته الخاصة و العامة، فيكون للعلوم الطبيعية منهجها المناسب لها، و لكل من الفقه و العقائد و الفلسفة و العرفان، منهجه الخاص.

أما علي الصعيد التاريخي فاننا نجد أن البحث في هذا الحقل يعتمد علي أن للتاريخ طريقته، و منهجيته، و أساليبه، و أدواته الخاصة في فهم حركة الأحداث، و المواقف، و الأدوار، و العوالم الماضية.

فالتاريخ ذاكرة الأفراد و الأمم، تتكون به شخصيتها و معالم هويتها، و اليه تعود في منعطفاتها، و تقلباتها الخطيرة، و به يتقوي وجودها و يتزايد نشاطها و فعاليتها في مواجهة متغيرات الواقع و صراعات الحياة داخل الأمة و خارجها،



[ صفحه 8]



لذلك لم يكن غريبا، و الحال هذه، أن تعرف الأمة بأنها جماعة من الناس تكونت تاريخيا، أي أصبح لأفرادها و مختلف فئاتهم و شرائحهم و طبقاتهم، ذاكرة جماعية مشتركة، أو تاريخ جماعي مشترك ساهم في صهر تلوناتهم و تنوعاتهم، و ولد لديهم نوعا من التشابه النسبي في النظر الي أمور الحاضر و في الحكم عليه و الانفعال بها و الاستجابة لها [1] .

من هنا يكون تعاطي الأمة مع ماضيها التاريخي الذي تختزنه ذاكرتها الجماعية كتعاطي الفرد مع مخزون ذاكرته الذي كونه عبر مسيرته في الحياة، كلاهما يريد أن يتعامل مع البعد التاريخي له - علي اختلاف الظروف و المسببات و النتائج - من موقع اهتمامه بواقع الحال الراهن، أي بوحي من متطلبات الحاضر و همومه و شؤونه و شجونه و أحواله المختلفة، فينتقي منه ما يساعد علي فهم و وعي ما يواجهه من مستجدات طارئة أو مستديمة، و يعين علي اجتراح الحول له و الاستقطاب لانجاز هذه الحلول، لذلك فكلاهما لا يستعيد من الماضي الا ما تكون له هذه الصفة أو القدرة، أما الباقي فانه لا يمحي و لا يزال بل يظل مخزونا احتياطيا، يغترف منه متي دعت حاجات راهنة أخري.

اننا نعيش في ظل ظروف ضاغطة و قاهرة، أحوج ما نكون فيها الي هذه الاستعادة و ذاك الاغتراف الواعي و المدروس في أحداث التاريخ و قضاياه، لا علي أساس أن يكون ذلك عاطفية من اللوعة و الحنين (بالمعني السلبي) لأحداث و ذكريات تاريخية مرت، نريد سحبها و تطبيقها في زماننا الحالي، ولكن علي أساس أن تكون استعادتنا تلك، استجابة واعية لمهمة راهنة أو مستقبلية بعد خضوعها لمتغيرات و تحولات تجعلها صالحة للنمو، و الامتداد، و التعملق في ساحات الحياة الراهنة و المنظورة.

بهذا المعني نحن نريد للتاريخ العربي و الاسلامي النهوض و الارتقاء باتجاه المسؤوليات الجسام في خضم الحياة المعاصرة، في حاضر الأمة، من أجل التفاعل مع الصعوبات التي تعترضها، و التحديات التي تواجهها،



[ صفحه 9]



و الطموحات التي تسعي جاهدة لنيلها أو تحقيق بعض مطالبها الأولية.


پاورقي

[1] علي يوسف، التاريخ بين الواقعية و التوظيف و التقديس، (مجلة البلاد: 224 ص: 44).