بازگشت

الامام الكاظم في مواجهة الواقع المنحرف


في مواجهة هذا التيار الهادر من المتغيرات الذاتية. كان لا بد من خلق و ابداع حركية فكرية و معرفية و علمية قوية متماسكة يمكن أن توقف - ضمن حدود معينة - هذا السيل الجارف من الانهيارات و التراجعات الروحية و الثقافية و السياسية.

لقد كانت سلوكية الامام الكاظم عليه السلام و تصريحاته و مواقفه كلها تنبي ء عن شعوره المسؤول بالمهام القيادية الملقاة علي عاتقه باعتباره أحد أئمة أهل البيت و عترة الرسول صلي الله عليه وآله و سلم التي جعلت أمانا للأمة و سفينة للنجاة و متمسكا يعصمها من الضلال [1] .

لقد كانت هذه الأهلية القيادية الواعية و الرشيدة موضع عناية و اهتمام الأئمة من أهل البيت عليهم السلام واحدا بعد الآخر، يوصي كل منهم الي من يليه و يعلم أصحابه بخصائصه. و كمثال علي ذلك نلاحظ النص التالي: دخل يزيد بن سليط - و هو من أهل الورع و العلم - علي أبي عبدالله الصادق عليه السلام فبادره يسأله عن الحجة من بعده قائلا: بأبي أنت و أمي، أنتم الأئمة المطهرون و الموت لا يعري منه أحد، فمن القائم من بعدك؟ فأشار الي ولده موسي و راح يصفه «فعنده علم الحكمة و الفهم و السخاء، و المعرفة بما يحتاج الناس اليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم، و فيه حسن الخلق، و حسن الجوار، و هو باب من أبواب الله، و فيه أخري هي خير من هذا كله». فيسأل الراوي قائلا: بأبي أنت



[ صفحه 44]



و أمي ما هي؟ فيرد الصادق: «يخرج الله من غوث هذه الأمة و غياثها و علمها و نورها و فهمها و حكيمها، خير مولود و خير ناشي ء، قوله حكم، و صمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه» [2] .

و هي كلها صفات قيادية كان يتمتع بها الامام الكاظم، و يعمل علي تمثلها و تحقيقها و تجسيدها، فما هي الخطة التي سار عليها الكاظم عليه السلام لمواجهة واقع الانحراف و الضلال و بالتالي القيام بالواجب القيادي العام؟، من خلال متابعتنا لحركية فكر وثقافة و سلوك الامام عليه السلام، وجدناه يعمل علي خطين أساسيين: فهو من جهة - و بشكل عام - يؤكد، بل و يعمل جاهدا، علي بناء الأمة الاسلامية و تقوية أواصرها، و حفظ كيانها و صيانة تراثها، و تنمية و عيها العام، و بالتالي امتلاكها للخصائص التي ذكرها القرآن الكريم و السنة الشريفة عن الأمة، و هو من جهة أخري يعمل، بشكل خاص، علي تربية الفئة الواعية المتفاعلة تماما مع خطته، و المتحملة بكل جدارة للمهام الصعبة التي يلقيها عليها، مما يجعلها تشكل شعاعا من نوره و نماذج لسيرته و مظاهر لقيادته [3] .


پاورقي

[1] مؤتمر الصادق (ع)، م. س (ص: 283).

[2] بحارالأنوار (ج: 11، ص: 234).

[3] م. س (ص: 284).