بازگشت

تزكيزه علي الأدعية


اهتم الامام الكاظم بالدعاء كعمل تربوي عبادي هادف، و كمنهج تثقيفي فاعل يستطيع رفع المستوي الروحي للانسان المؤمن الي أعلي درجات اليقين و الايمان. لذلك دعا عليه السلام الناس الي ممارسة الدعاء، و حضهم علي التزام معانيه العالية، يقول عليه السلام: «عليكم بالدعاء فان الدعاء لله و الطلب الي الله يرد البلاء و قد قدر و قضي و لم يبق الا امضاؤه، فاذا دعي الله عزوجل و سئل صرف البلاء صرفه» [1] و يقول أيضا: «ما من بلاء ينزل علي عبد مؤمن فيلهمه الله عزوجل الدعاء الا كان كشف ذلك البلاء و شيكا، و ما من بلاء ينزل علي عبد مؤمن فيمسك عن الدعاء الا كان ذلك البلاء طويلا، فاذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء و التفرغ الي الله عزوجل» [2] .



[ صفحه 50]



يركز الامام الكاظم في كلماته السابقة علي ضرورة القيام بعبادة الدعاء كحاجة ثابتة يعبر الانسان، من خلالها، عن آلامه و معاناته، و يبث فيها شكواه، من هموم الحياة، في مناجاة خالقه العظيم، فهناك ظروف ضاغطة و معقدة يمكن أن يواجه فيها (هذا الانسان) قسوة الواقع و عذاب الحياة و ضغط المشاكل و هموم المجتمع و الأمة، مما قد يحوله الي كتلة مادية جامدة لا قيمة لها، اذا لم يتمكن من ايجاد اطلالة نفسية و روحية للتعبير عن مكنونات ذاته المليئة بتلك المشاكل و الهموم. و هنا يأتي دور الدعاء ليفتح نافذة في جدار القلق و الاضطراب النفسي يطل عبرها الانسان علي مواقع العزة و الرحمة، و آفاق المحبة و جو الوئام و المودة من خلال انفتاح الانسان علي خالقه تعالي بقلب مطمئن و روح خفاقة، ليس انفتاح الضعيف الذليل، بل انفتاح القوي العزيز الذي يستمد قوته و عظمته و قيمته من قوة و عظمة الله المطلقة، ليكون الانسان المؤمن الحر الذي لا يمكن أن تحوله التحديات و المصائب و الهموم، الي مجرد انسان قلق (بالمعني السلبي) و معقد و منهار لأن وعي الانسان العميق لقيم الله - في كدحه وارتقائه (و حتي بدعائه) نحو الله - يعطي الانسان الملتزم مؤونة التحدي و طاقة المواجهة مع كل صعوبات الحياة، فالله تعالي هو الممون الحقيقي لطاقة الوجود و العمل و المواجهة المستمرة مع مصاعب و تعقيدات الحياة، يقول عليه السلام: «بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم اعطني الهدي و ثبتني عليه، و احشرني عليه آمنا أمن من لا خوف عليه و لا خوف و لا جزع، انك أهل التقوي و أهل المغفرة» [3] .

ليكون الدعاء، من خلال ذلك، أحد الوسائل الأساسية و الضرورية الموصلة الي تحقيق الكمال الانساني الذي لا يمكن أن يتجسد علي أرض الواقع الا بانتاج و صنع أفراد يشعرون بعمق مسؤولياتهم في حركة الحياة بانفتاحهم علي الحياة من خلال انفتاحهم علي الله في عملية نقد ذاتي موضوعي لأوضاعهم المختلفة، ليحاكم الفرد منهم نفسه، من خلال حركة الدعاء الواعي، بين يدي



[ صفحه 51]



ربه، و ليبتعد عن تضخيم شخصيته و ليحاسبها هو أمام الله، ليكون ذلك انكشافا حقيقيا للذات أمام الخالق، و ليس انكشافا أو افتضاحا لنفسه و شخصيته و أسراره الخاصة أمام المخلوقين.

يقول عليه السلام في أحد أدعية: «اللهم بك أساور، و بك أجادل، و بك أنتصر، و بك أموت، و بك أحيا، أسلمت نفسي اليك، و فوضت أمري اليك، لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم، اللهم انك خلقتني و رزقتني و سررتني و سترتني من بين العباد بلطفك و خولتني، و اذا هربت رددتني، و اذا عثرت أقلتني، و اذا مرضت شفيتني، و اذا دعوتك أجبتني، سيدي ارض عني فقد أرضيتني» [4] .

لأن الله تعالي يحفظ سرك و نجواك و يدعوك الي عبادة الدعاء (كرسي الاعتراف) لتعترف بذنوبك أمامه، يقول عليه السلام: «عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك» [5] ، لتصل الي النتيجة الصحيحة و تفتح بعدها، صفحة جديدة و عهدا جديدا مع ربك و مع نفسك و الآخرين، لا لتتجمد، بل لكي تتحول الي طاقة مبدعة و متفجرة في الواقع العملي من خلال ممارستك لدورك و نشاطك الفعال و المنتج في حركة المجتمع البشري، تعمل و تتحرك و تندمج بالحياة الانسانية بكل قوة و وعي و ثبات و عزم ايماني، لأن الاسلام يريد من الانسان المسلم الملتزم بآدابه و قيمه في العبادة و الدعاة و ما الي ذلك، يريد منه أن يكون نموذجا حيا للانسان الالهي بوعيه و حركيته، أن يدخل، بل و ينخرط، في عمق الواقع الاجتماعي و يمارس فيه واجباته و مسؤولياته الروحية و العملية مجسدا لارادة الله و كل تعاليمه التي تغدو الأرض معها جنة مصغرة، فنتعلم فيها كيف نمارس نعم الله في الدنيا قبل أن نعيش معه في الآخرة، و بذلك نفهم أن يكون الدعاء عملا و توكلا لا سكونا و تواكلا، يقول عليه السلام: «توكلت علي الحي الذي لا يموت، و تحصنت بذي العزة و الجبروت، و استعنت بذي الكبرياء و الملكوت، مولاي استسلمت اليك فلا تسلمني، و توكلت عليك فلا تخذلني،



[ صفحه 52]



و لجأت الي ظلك البسيط فلا تطرحني، أنت المطلب، و اليك المهرب، تعلم ما أخفي و ما أعلن، و تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور، فأمسك عني الهم و أيدي الظالمين من الجن و الانس أجمعين، و اشفني يا أرحم الراحمين» [6] .


پاورقي

[1] الكافي 2 / 470 م. س.

[2] م. س (ص: 471).

[3] علي محمد علي الدخيل، أئمتنا (ج: 2، ص: 57) (ط: 12)، دار المرتضي، بيروت: 1995، نقلا عن مهج الدعوات: 33.

[4] م. س (ص: 57) نقلا عن «المجتني من الدعاء المجتبي».

[5] الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء (ج: 4، ص: 267).

[6] أئمتنا، مصدر سابق، (ص: 56)، نقلا عن مهج الدعوات، ص 300.