بازگشت

التأسيس لنموذج القدوة


تعتبر شخصية الامام موسي بن جعفر عليه السلام من أرفع و أعمق و أثري الشخصيات الانسانية وعيا و نضجا و علما و مكانة، حيث استطاعت أن تساهم مساهمة فعالة - من خلال نموذج القدوة و الأسوة الحسنة كوسيلة ترشيدية متحركة - في التأسيس الأولي و البناء القاعدي للحضارة الانسانية، و تطوير الحياة العامة، و تغذية الفكر البشري بأسباب نهوضه، من خلال نشر ثقافة و مكونات الوعي الفكري الاسلامي في كل الأنحاء، لقد كانت صفاته الذاتية الرفيعة، و عناصر نفسه النبيلة و المعطاءة - التي نمت و ترعرعت في ظل محبة الله و الخوف منه و الايمان اليقيني به - من أهم الأسباب التي جعلت من الكاظم عليه السلام أنموذجا خلاقا في الفكر و الأخلاق و السلوك و العمل و الالتزام.

لقد كان عليه السلام يبكي من خشية الله في جوف الليل، و يرتجف و يرتعد في الحضور أمامه حتي لقب بحليف السجدة الطويلة و الدموع الغزيرة [1] (و ما لم ينقلب الداخل نارا لا يبكي الانسان).

و لعلنا جميعا سمعنا بقصة بشر الحافي التي ننقلها هنا للدلالة علي مصداقية الأسوة الحسنة للامام الكاظم عليه السلام.

- يروي أنه عليه السلام مر يوما في أحد أزقة بغداد و كانت أصوات العربدة و الآلات الموسيقية و الطنبور و العزف و الرقص تسمع من أحد البيوت، و صادف أن خرج، من المنزل، خادم يريد رمي النفايات قيل أنه كان يريد وضعها في الخارج كي يأتي مسؤول التنظيفات و يأخذها، فسأله الامام عليه السلام عن صاحب



[ صفحه 53]



هذا البيت أحر أم هو عبد، و تعجب الخادم من السؤال، و قال: ألا تعرف من صاحب هذا البيت مع ما هو عليه من الجلالة؟ هذا بيت بشر أحد الرجال الأشراف، أحد الأعيان،ن واضح أنه حر، فقال عليه السلام: نعم حر، و لو كان عبدا [2] لم تكن لترتفع هذه الأصوات من داره. التفت بشر الي خادمه الذي خرج ليرمي النفايات و يعود فان خروجه لا يستدعي منه أن يبقي أكثر من دقيقة مثلا، لكنه غاب عدة دقائق. فجاء اليه و سأله: لم هذا التأخير؟

قال: قد أوقفني رجل للكلام، فسأله: ماذا قال، سألني سؤالا عجيبا، فقال: ما السؤال؟. قال: سألني: صاحب هذا البيت حر أم عبد؟ فقلت له: طبعا حر، فقال لي: نعم لو كان عبدا لم تكن لترتفع هذه الأصوات من داره، فسأله عن أوصافه فوصفه له، فعلم أنه موسي بن جعفر، فسأله: أية جهة ذهب، فأشار له الي الجهة التي ذهب منها، فلم يمهل نفسه كي يلبس حذاءه خوفا من أن لا يدرك الامام عليه السلام فعدا حافيا (فقد أحدثت تلك الجملة في نفسه تغييرا) حتي وصل الي الامام عليه السلام فسأله عن قوله ماذا قال، فأجابه قلت: كذا، ففهم المقصود، و قال: سيدي أريد من الآن أن أكون عبدا لله، و صدق في قوله فغدا من تلك الساعة عبدا لله [3] .


پاورقي

[1] منتهي الآمال، (ج: 2، ص: 222).

[2] يريد (ع) العبودية لله.

[3] راجع المصادر السابقة، و سيرة الأئمة الأطهار للشهيد مطهري، (ص: 151).