بازگشت

تاريخ الرمز و مسؤولية المثقف الاسلامي


تحرك امامنا الكاظم علي طريق بناء الفكر الحي المنفتح القادر علي اثارة النفوس و تحريك العقول نحو الحق و العدالة، لم ينفصل عن محيطه الزماني و المكاني بعيدا عن التأثير أو التفاعل مع حركة الأحداث التي عايشها، بل علي العكس من ذلك، كان يتحرك في عمق الأصالة و الانتماء للفكر و الحياة و الانسان في وعي التجربة الواقعية للوجود الانساني الحي، مرتبطا بحركية الهدف الاسلامي الكبير بكل قوة و ايمان و تخطيط علي التحرك في خط الله و رسوله، من أجل السير بالأمة نحو مواقع العطاء و التطور و الكمال الحضاري سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا.

من هنا نقول: ان وعي تجربته التاريخية عليه السلام و استلهام دوره و فكره في حجم الحياة كلها هي من أولي واجبات و مهام المثقف الملتزم في ممارسته للنقد التاريخي البناء الهادف الي توليد مجتمع اسلامي حضاري و رسالي قادر علي مواكبة التطور و الاستجابة لتحديات الواقع و الحياة لأن نقد التاريخ بأشخاصه، و رموزه، و معطياته المختلفة، يعني أن يبقي الانسان في حالة انفتاح فكري متحرك ليؤكد علي مسؤولية كل جيل، في التاريخ، تجاه مكتسباته و أعماله الفكرية و العملية، و هذه المسؤولية الكبيرة مارسها القرآن الكريم في نقده لكل أفكار و تجارب الماضين و خاصة التاريخ الماضي الذي كانت تعيشه الأمة التي نزل فيها القرآن، (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم و لا تسألون عما كانوا يعملون) [البقرة: 134] لذلك ان بناء الحضارة الانسانية ليس رهنا بتراث و تاريخ الماضي فقط - علي علات و سلبيات ذلك التاريخ - و انما بمختارات مدروسة و محسوبة حسابا دقيقا من التراث، تنسجم و طبيعة العصر و روحه، من حيث امكانها أن تكون حجرا أساسا، أو منارا هاديا للدخول الي المستقبل بقوة، و وعي، و تخطيط ان المهمة ثقيلة و الواجب كبير في اخراج تاريخنا الماضي في الدهاليز المظلمة و المجاهيل البعيدة بطريقة مركزة و هادفة، و اطلاقه الي ساحة النقد التاريخي العلمي و الموضوعي.



[ صفحه 12]



اننا سنحاول، في الصفحات القادمة، التحرك علي هذا المسار العلمي في فهم تاريخ و فكر و حياة الامام الكاظم عليه السلام، و كيفية الارتباط به [1] ، و الاستفادة من خبراته و استلهام تجاربه في واقع الحياة المعاصرة بما يخدم قضايانا و مشاكلنا التي نعيشها حاليا، و ينسجم مع توجهاتنا و تطلعاتنا نحو انجاز مشروعنا الحضاري الاسلامي في دائرة الصراع الحضاري الراهن الذي يجب أن يثير في نفوسنا بواعث الحركة الفاعلة و الطاقة المنتجة من أجل الاسلام المتحرك في الفكر و القلب و الحياة.

و الحمد لله رب العالمين

نبيل علي صالح

1418 ه - 1997 م



[ صفحه 15]




پاورقي

[1] و ذلك من خلال ارتباطنا برسالته كطريق للارتباط بشخصيته الرسالية لتظل الرسالة قاعدة رئيسية للانتماء، و للمشاعر، و تحديد العلاقات في بدايتها و نهايتها....