بازگشت

معاصرته لنهاية الدولة الأموية


أدرك الامام موسي عليه السلام من حياة أبيه عشرين عاما، شاهد فيها (خاصة في سن طفولته) ما لحق بآله من ظلم و اضطهاد و قتل و تشريد.

لقد قضي عليه السلام السنوات الأولي من حياته الشريفة تحت ظل الحكم الأموي فكان شاهدا، و هو طفل، علي المآسي و الظلم و الدمار الذي ألحقه بنوأمية بواقع المجتمع الاسلامي، و ذلك عبر اشاعتهم للفوضي الفكرية و الاجتماعية و بث روح العبث و اللامبالاة بين الناس بتغذية الصراع العرقي القبلي كأسلوب دني ء يصرف النظر عن مواقع الخلل، و يشغل الناس عما يعانونه من الظلم و الويلات، من خلال وسائل عديدة أهمها:

1- استخدام وعاظ السلاطين من المتقدسين المزيفين المتجلببين بعباءة الدين و لباس التقوي و عمامة المهنة لا الرسالة [1] ، و تسليط ولاة الجور من المجرمين و الارهابيين المشهورين في تاريخنا الاسلامي علي رقاب الناس كالحجاج بن يوسف الثقفي [2] ، المشهور بقساوته و الحاده و كفره و ضلاله و كثرة الدماء البشرية البريئة التي سالت بين يديه و أيدي جلاوزته و أعوانه.

2- حمل الناس علي مناهضة أهل البيت و اعلان بغضهم و عداواتهم و سبهم علي المنابر الرسمية و الدينية.



[ صفحه 79]



3- نهب ثروات و خيرات البلاد و السيطرة علي مقدرات الأمة و بالتالي اشاعة الفقر و الحرمان بين الناس [3] .

4- تحكم المزاجية الذاتية في ممارسة طقوس السلطة و ادارة الحكم [4] ، و الاستهتار بالقيم و المبادي ء العليا.

اذا، عاين الامام الكاظم عليه السلام - و هو لا يزال في مراحل نشأته و تكون شخصيته الأولي مع أبيه الصادق عليه السلام - صنوفا من الجور و الظلم و الضغط و القسر النفسي و السلوكي، ساهمت في تكوين موقفه العملي الرافض لسلطة الظلم و الاستعباد التي اتبعها حكام «الأمويون» [5] و من بعدهم فراعنة العباسيين.



[ صفحه 80]




پاورقي

[1] نبيل علي صالح، وجع الحرية، (ص: 25)، م. س. مخطوط.

[2] يقول عنه الفرزدق الشاعر في ديوانه (جزء: 2 ص: 137)، مصورا الجو المختنق الذي أحدثه الحجاج و أشعل نيرانه بين الناس:



اذا ما بدا الحجاج للناس أطرقوا

و أسكت منهم كل من كان ينطق



ما هو الا بائل من مخافة

و آخر منهم ظل بالريق يشرق



و طارت قلوب الناس شرقا و مغربا

فما الناس الا مهجس أو ملقلق.

[3] راجع: تاريخ الأدب العربي 2 / 10، و ديوان أبي الأسود (ص: 243)، و كتاب الأغاني للأصفهاني 21 / 33.

[4] أسس معاوية أول خلافة ملكية في أسرته دون أن يكترث برأي الآخرين، فأصبح الحكم منذ بداية عهده مستبدا و ظالما، يستمد سلطته من (التفويض الالهي!) لا من الناس، و يرسي قواعدها بقوة السيف وحده، و هو نفسه (معاوية) قد صرح، بوضوح، بأنه لم يتول الخلافة بمحبة الناس و رضاهم: (بل جالدتكم بسيفي هذا مجالدة!) و كان عماله مثله، فعندما أرسل اليهم رأيهم في أمر أخذ البيعة ليزيد «وليا للعهد» قام يزيد بن المقنع، فلخص الموقوف الأموي في عبارة موجزة بليغة عندما جمع فأوعي! قال: «أميرالمؤمنين هذا» و أشار الي معاوية، «فان هلك، فهذا» و أشار الي يزيد، «فمن أبي فهذا» و أشار الي السيف!، فقال له معاوية:

(اجلس فانك سيد الخطباء)!! [راجع: العقد الفريد لابن عبد ربه، (المجلد: 5، ص: 119)، دارالكتب العلمية، بيروت 1987].

[5] جاء في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج: 3، ص: 15) نقلا عن الامام الباقر عليه السلام في وصف العهد الأموي: «ثم جاء الحجاج فقتلهم - يعني أهل البيت و شيعتهم - كل قتلة و أخذهم بكل ظنة و تهمة، حتي أن الرجل ليقال له: زنديق أو كافر أحب اليه من أن يقال له أنه من شيعة علي عليه السلام».