بازگشت

ولادته، عصره، وفاته


ولد الامام موسي بن جعفر عليه السلام الملقب بالكاظم في الأبواء [1] في السابع من شهر صفر سنة 128 للهجرة [2] .

و قد حفلت تلك المرحلة التاريخية من حياة أمتنا - التي عاصرها امامنا عليه السلام - بالعديد من الأحداث السياسية و التحولات الاجتماعية الخطيرة علي صعيدها الذاتي الداخلي المتصل بحركية المضمون الواقعي لرسالة الاسلام، و علي صعيدها الموضوعي الخارجي فيما مثلته (و تمثله) حركة الدعوة الاسلامية بامتداداتها الانسانية العالمية في مسيرتها الحضارية



[ صفحه 16]



المتصاعدة نحو مواقع أرقي في السلوك، و العمل، و الممارسة الواعية و المنظمة.

و الواضح، بالنسبة للباحث في مجال المعارف التاريخية، أن هناك تشابها ملحوظا في النسق العام للظروف التاريخية التي عايشها أئمة أهل البيت عليهم السلام في طبيعة الحدث المستجد و الظرف القائم. علي اختلاف مظاهره و أنماطه و خصائصه الذاتية، فالمضمون - كما يبدو - واحد لا يختلف. انه المضمون الرسالي الهادف الي بناء أمة مقتدرة لها كيانها و وجودها الحضاري و فعلها الابداعي في حركة الحياة في سبيل تحقيق غاية التكامل الممكن و الوصول الي السعادة و الهناء.

و في مقابل ذلك، هناك المضمون الانحرافي الآخر الذي ينزع بقوة نحو الشخصانية و الذاتية علي حساب مصلحة الأمة حيث نجد - في هذا الاتجاه - كيف عاشت هذه الأمة أجواء الضلال و الانحراف في ممارسة الحكم و السلطة السياسية و الاجتماعية منذ أن نجحت بعض المشاريع التفتيتية [3] في تحقيق أهدافها و مراميها التي قضت بايصال مشروع الهيمنة و الطغيان النفسي و السلوكي الي سدة الحكم باعتباره مشروعا، طموحا غرائزيا شخصيا، لم يتجاوز، في حده الأعلي، أهواء و نزعات واضعيه و القائلين به.

ان المتابعة التحليلية الدقيقة لذلك العهد تفيدنا بأنه لم يمض ربع قرن



[ صفحه 17]



حتي بدأت الخلافة الراشدة و التجربة الاسلامية - التي تولي جيل المهاجرين و الأنصار قيادتها - تنهار تحت وقع الضربات الشديدة التي وجهها أعداء الاسلام الجدد (أحفاد أعداء الاسلام القدامي) ولكن من صميم و من داخل التجربة الاسلامية لا من خارجها، اذ استطاعوا أن يتسللوا الي مراكز النفوذ في التجربة بالتدريج، و يستغلوا القيادة و يجبروا الأمة و جيلها الطليعي الرائد الواعي و الواعد علي التنازل عن شخصيته و قيادته، و تحولت الزعامة الي ملك موروث «ملك عضوض» يستهتر بالكرامات، و يعطل الحدود، و يمجد الأحكام، و أصبحت الخلافة كرة يتلاعب بها صبيان بني أمية [4] ، و فريسة سهلة يفتك بها طواغيت بني العباس.

اذا شهدت تلك المرحلة العصيبة اضطرابات و نزاعات اجتماعية، و سياسية اندفعت آثارها المفجعة الي السطح بسرعة من خلال ظهور الأزمات و النكبات العاتية [5] التي خطط لها و نظم حركتها زعماء النهج الجاهلي في تاريخنا العربي و الاسلامي، و ذلك بقصد حرف الأمة عن مسيرتها الارتقائية الحضارية في التكامل الروحي و المفاهيمي، و النيل من العمق الواعي للاسلام الرسالي المنفتح المتجذر في وعي أهل البيت عليهم السلام حيث أدت تلك الأفعال المشبوهة، ذات المنطق العائلي الضيق المخالف لروح و قيم الاسلام الأصيل، الي ابتعاد المسلمين عموما عن ممارسة التجربة الصحيحة و الواعية للاسلام، و ادخالهم في متاهات الحفر الطائفية البغيضة، المعبرة عن ميل انحداري شديد نحو كرسي الحكم و عرش السلطنة، حتي لو كلف ذلك الأمة خسارة نهجها المشرق، و طموحات رسالتها الانسانية و منظومتها الفكرية و القيمية.

لقد استنزفت تلك الأحداث الكارثية الشي ء الكثير من طاقات و مواهب



[ صفحه 18]



الأمة، كما و أهدرت مقدراتها و امكانياتها التي كان من المفترض أن تشكل الأساس المتين لبناء قاعدة اسلامية صلبة في العمل الدعوتي الرسالي علي مستوي تبليغ و نشر الاسلام الي كافة الأرجاء و الأنحاء،

و بالعودة الي المراجع التاريخية المعتمدة كمصادر دراسية أساسية في الحقل التاريخي الاسلامي، نجد أن الامام الكاظم عليه السلام عاصر في حياته عدة خلفاء من العصرين الأموي و العباسي [6] ، ممن اتسم حكمهم - كأسلافهم - بالاستبداد، و الفردية، و التسلط، و الظلم، و شدة الضغوطات الأمنية، و وطأة الخطط السياسية التي كانوا يضعونها، حيث كان امامنا عليه السلام واعيا لها، و مدركا لحجم و أبعاد خطورتها، علي المدي القريب و البعيد لقد قضت تلك الخطط بالسيطرة علي مقدرات الأمة، و نهب خيراتها من خلال اتباع سياسة الترغيب و الترهيب و التأكيد علي مبدأ القوة الحديدية و القمعية الذي طبع كل تاريخهم، و ذلك من خلال ما يلي [7] .



[ صفحه 19]



1- قتل الناس الأبرياء.

2- تبذير الأموال العامة في أماكن اللهو و الطغيان.

3- هدر ثروات العباد علي مظاهر الترف و البذخ الزائل و الزائف.

4- ملاحقة المؤمنين و الصلحاء و الأتقياء.

5- الضرب علي أوتار العشائرية و القبلية عبر اذكاء و اشاعة الصراع القبلي.

6- ممارسة التصفية الجسدية، و الاغتيال السياسي المنظم لأعلام المسلمين الشيعة، و هدم دورهم، و اسقاط جميع حقوقهم المدنية.

7- تغذية الناس ببغض الامام علي و ذريته الطاهرة عليهم السلام.

8- اتباع سياسة كم الأفواه، و شراء الذمم و الضمائر و تأجير العقول.

و بالتالي ادخال الأمة، بكل مواقعها، في غياهب المجهول الغارق بالضبابية و الصراعات الفئوية و الذاتية الضيقة [8] .


پاورقي

[1] الأبواء: منطقة في الحجاز تقع بين مكة و المدينة، و فيها قبر آمنة بنت وهب أم النبي الكريم (ص).

[2] نحيل القاري ء الي مصادر أخري لزيادة الاطلاع و المعرفة مثل: سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم معروف الحسني، و حياة الامام موسي بن جعفر لباقر القرشي، و مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، بالاضافة الي مراجع أخري مذكورة في نهاية الكتاب.

[3] نشير هنا الي أحد أبرز تلك المشاريع الخاصة، و لعله أخطرها، أعني به (مشروع السقيفة) الذي استطاع تثبيت زعامات قبلية تقليدية علي صعيد رئاسة الدولة، و قيادة الأمة في طبيعة القيادة السياسية، و علي مستوي واقع الناس و المجتمع في طبيعة العلاقة الناظمة بين الفرد و السلطة، و قد رأينا، من خلال ذلك، كيف عممت و سادت الروح القبلية التي حاربها الاسلام من دون هوادة، و تحكمت بمنطق و سلوك المتنافسين الأوائل علي زعامة الدولة الفتية و النزوع المقصود، لهم، نحو تقرير مبدأ انحصار السلطة و الملك بكل واحد منهم (من ينازعنا سلطان محمد، كما عبر عن ذلك أحد الخلفاء) و عدم السماح للآخرين بالتعاطي الايجابي مع الواقع من خلال حرية ابداء الرأي و المشاركة السياسية - و لو بالحد الأدني - في قيادة التجربة، و التأكيد علي المبررات الوراثية العائلية تدعيما لذلك التوجه غير المسؤول.

[4] الشهيد السيد: محمد باقر الصدر (رض)، بحث في الولاية، نقلا عن: الأئمة الاثنا عشر لعادل الأديب (ص: 8) بتصرف.

[5] اشتعلت خلال تلك الفترة ثورات و انتفاضات شعبية عارمة معلنة التمرد و العصيان دخلت الدولة (دولة الخلافة و امارة المؤمنين) علي أثرها في أتون صراعات مسلحة ضد مركزية الدولة الظالمة.. (راجع: مقاتل الطالبيين للأصفهاني، تاريخ الطبري، تاريخ اليعقوبي... الخ)....

[6] بقي الامام الكاظم (ع) مع أبيه عشرين عاما... منها خمس سنوات تقريبا في عهد الأمويين و أربع سنوات و نصف السنة في عهد السفاح العباسي، و تسع سنوات و نيف في عهد المنصور.

[7] قد يحتج علي هذا التوصيف الذي عاينا من خلاله (بحسب مصادر التاريخ الأساسية) تلك المرحلة الزمنية، موضوع دراستنا، علي أساس أنها لم تكن علي هذا المستوي من الاسوداد أو الخطورة المبالغ فيها في تصوير واقع حالهم... في تركيزي علي السلبيات دون الايجابيات...

في الاجابة نؤكد لهؤلاء جميعا: أنه يكفي القاري ء العودة الي بعض المظان التاريخية الهامة ككتاب الأغاني، و كتاب مقاتل الطالبيين للأصفهاني، و غيرها كثير ليتضح له الحال، حال الأمة و حالة طاقاتها و ذخائرها و مقدراتها، أين ذهبت؟ و علي أي طريق سارت؟... و لماذا وصلنا، حاليا، الي هذا المستوي الخطير الذي ينذر بالكارثة علي كافة الصعد السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية، و من هو المسؤول عن حجم خسائرنا المادية و المعنوية؟ و متي يتوقف مسلسل الانهيارات و التراجعات و الانكسارات في جسم الأمة؟.. طبعا أنا لا أحمل الماضي بأشخاصه و رموزه كل المسؤولية، كما و لا أهرب الي الأمام لألقي و أوزع الاتهامات علي الآخرين... لكننا مسؤولون جميعا، في الماضي و الحاضر، رؤساء و مرؤوسين عن حيز كبير من هذا الفراغ و الانقسام السياسي، و التفسخ التاريخي الذي نشهده حاليا.

[8] نبيل علي صالح، وجع الحرية، (ص 16) مخطوط.. (راجع بهذا الخصوص: مروج الذهب للمسعودي، تاريخ الطبري ج: 4، و الكامل في التاريخ).