بازگشت

الكاظم و عهد العباسيين


ذكرنا في المبحث السابق، أن الكاظم عليه السلام قضي عقدين من الزمن بصحبة والده الامام الصادق عليه السلام [1] ، و قد حدث - خلال هذه الفترة الزمنية غير القصيرة - انتقال غير سلمي للسلطة السياسية و زعامة الدولة من الأمويين الي العباسيين، و هنا نسأل: كيف كانت حالة الأمة و المجتمع الاسلامي تحت ظل الدولة العباسية، و في أي اتجاه سارت أمور العباد و أحوال البلاد ابان هذا العهد؟.

اتجهت أنظار المسلمين، بعد سقوط الدولة الأموية، الي مخلص جديد، فوقفت الأبصار و العقول علي الأشراف العلويين [2] الذين لم يطيقوا الصبر علي الظلم و الطغيان (حيث كانوا يخرجون بين الحين و الآخر فرارا بدمائهم و دفاعا عن المعذبين و المستضعفين) و تجرع مرارة تلك الأحداث القاسية التي قضت علي الكثيرين منهم [3] و منها مصادرة أموالهم و التنكيل



[ صفحه 81]



بهم [4] وقطع رؤوسهم [5] و وضعها في اسطوانات مجوفة [6] .

لقد جهد الخلفاء العباسيون في تدعيم سلطانهم [7] بأي شكل كان و مهما كانت الوسيلة الي ذلك، فقاموا بنهب ثروات المجتمع و مقدرات الأمة، الأمر الذي أدي الي ركود الحالة العامة في المجتمع، و اغلاق المنافذ أمام احداث أي



[ صفحه 82]



تطور أو تقدم في الحالة الاجتماعية و الاقتصادية [8] ، و عدم تحقيق و نشر الراحة و السعة و الرخاء بين الناس علي الرغم من تكدس الأموال في بيت المال، بل عمت المجاعة و انتشرت الفاقة و العوز [9] في جميع الأرجاء، و قويت شوكة النزعة الاستبدادية و التسلطية لدي حكام ذلك العصر [10] و مالوا الي الغدر و الخيانة و عدم الخضوع للقانون [11] .

في ظل هذه الأجواء الضاغطة نفسيا و سياسيا، تحرك الامام الكاظم بكل وعي و حذر، حيث استقبل عليه السلام امامته - التي استمرت خمسة و ثلاثين عاما - في هذا الجو المشحون بالحقد و الكراهية لأهل البيت، ولزم جانب الحيطة و الحذر، و اعتصم بالكتمان الا عن الخاصة الذين كانوا يقدرون حراجة الموقف ودقته، و يعرفون كيف يدعون اليه، لكن كانت هناك بعض الأحداث التي احتاجت الي مواقف حاسمة كان لا بد فيها من الافصاح عن حقائق الأمور و اظهارها للملأ، و بخاصة في ما يتعلق برفض اعطاء الحكم العباسي شرعية الانتماء، و ذلك علي صعيد قضية الخلافة و قيادة الأمة.

و هذا ما نلاحظه في عدم قبول الامام الكاظم عليه السلام لشرعية الوضع السياسي الخاص و العام (لزعماء؟) عصره و منهم هارون (الرشيد؟)، و ننقل هنا احتجاجه عليه السلام مع هارون و هو في مرقد النبي صلي الله عليه وآله و سلم أمام حشد غفير من الأشراف و قادة الجيش و كبار الموظفين في الدولة، لنبين، من خلاله، موقفه الفكري و السياسي العلني و الصريح من السلطان الجائر، و احتجاجه عليه بأنه أحق بالخلافة من غيره و أولي بها من جميع المسلمين.



[ صفحه 83]



اذ أقبل هارون بوجهه علي الضريح المقدس و سلم بقوله:

«السالم عليك يا ابن العم» معتزا و مفتخرا علي غيره بصلته من النبي صلي الله عليه وآله و سلم و أنه انما نال الخلافة لقربه من الرسول صلي الله عليه وآله و سلم، و كان الامام - آنذاك - حاضرا فسلم علي النبي صلي الله عليه وآله و سلم قائلا: «السلام عليك يا أبت».

ففقد الرشيد صوابه، و استولت عليه موجات من الاستياء، حيث قد سبقه الامام الي ذلك المجد و الفخر، فقال له بنبرات تقطر غضبا و حقدا: «لم قلت انك أقرب الي رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم منا؟» أجاب عليه السلام برد مفحم قائلا: «لم بعث رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم حيا و خطب منك كريمتك هل كنت تجيبه الي ذلك؟» فقال هارون: سبحان الله و كنت أفتخر بذلك علي العرب و العجم، فانبري الامام عليه السلام قائلا: «لكنه لا يخطب مني و لا أزوجه لأنه و الدنا لا والدكم فلذلك نحن أقرب اليه منكم» [12] و اضطر هارون بعدما أعياه الدليل الي منطق العجز، فأمر باعتقال الامام عليه السلام وزجه في السجن [13] .



[ صفحه 84]




پاورقي

[1] رأي الامام موسي (ع) والده و هو يعاني من تحديات الخليفة المنصور، و تهديده له بالقتل تارة و الحبس تارة أخري، و قد سخر أجهزته لمراقبة تحركات الامام في جميع حالاته، يروي، في هذا السياق، أن المنصور استدعي الصادق (ع) فقال له مشافهة: «لأقتلنك، و لأقتلن أهلك حتي لا أبقي علي الأرض منك قامة سيف و لأخربن المدينة حتي لا أترك فيها جدارا قائما» [راجع: مناقب ابن شهر آشوب (ج: 3، ص: 357)، و (البحار 47 / 78)].

[2] كان الامام الصادق يحذر العلويين دائما من التصدي لطلب الحكم و ادارة البلاد في ظل أجواء القمع و الفتنة التي كانت سائدة في الساحة الاسلامية، التي لم تصل فيها الظروف بعد الي مستوي اعادة الحق الي أصحابه «فالأمر لم يأت بعد» علي حد تعبيره عليه السلام.

[3] سيرة الأئمة الاثني عشر، لهاشم معروف الحسني 2 / 321.

[4] بحارالأنوار للمجلسي، 49 / 210، و تاريخ الخلفاء (ص: 102).

[5] راجع تاريخ الطبري 6 / 320.

[6] تؤكد النصوص أن ما فعله العباسيون بأهل البيت عليهم السلام أكبر بكثير مما فعله الأمويون، حتي قيل في ذلك الشي ء الكثير، فها هو أبوبكر الخوارزمي يقول في وصفه لجرائم العباسيين تجاه العلويين في فقرة من فقرات ظلمهم الكثيرة المتطاولة، و هي ما فعله الدوانيقي بأهل البيت عليهم السلام يقول فيها: «الي أن مات و قد امتلأت سجونه بأهل بيت الرسالة و معدن الطيب و الطهارة و قد تتبع غائبهم، و تلقط حاضرهم حتي قتل، الخ». ثم عدد جملة حوادث دامية ارتكبها العباسيون في حق أهل البيت (ع) و شيعتهم، ثم قال: «و الجملة أن هارون مات و قد حصد شجرة النبوة واقتلع غرس الامامة» [راجع رسائل أبي بكر الخوارزمي في رسالة لشيعة نيسابور (ص: 78)، (طبعة: 1312 ه)]، و نضيف أيضا للاستزادة (و الحقيقة) - التي نعتقد أنها لن تخل بمنهجية البحث - ما ذكرته بعض المصادر التاريخية في سياق حديثها عن قسوة و مرارة و ظلم الحكم العباسي للشيعة العلويين و انعكاس ذلك أدبا و شعرا يصف ذلك الواقع:



تالله ان كانت أمية قد أتت

قتل ابن بنت نبيها مظلوما



فلقد أتته بنو أبيه بمثله

فغدا لعمرك قبره مهدوما



أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا

في قتله فتتبعوه رميما



في اشارة الي هدم قبر الحسين عليه السلام و حرث أرض كربلاء لاخفاء معالم القبر و طمس آثاره. [راجع الامام الصادق للشيخ المظفر (ص: 34)].

[7] وقف المنصور «يوم عرفة» خطيبا يحدد «برنامجه السياسي» في الحكم بعد أن أخذ بقائم سيفه فقال: «أيها الناس، ان بكم داء هذا دواؤه (في اشارة الي السيف طبعا) «و أنا زعيم لكم بشفائه، فليعتبر عبد قبل أن يعتبر به» [راجع: د. حسن ابراهيم حسن، تاريخ الاسلام، (ج: 2)]، و يبدو أن السفاح قد سبقه الي برنامج أوضح بقوله: «استعدوا فأنا السفاح المبيح و الثائر المبير» [راجع، تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص: 218)].

[8] وجدنا - بعد الرجوع الي المصادر التاريخية المعتبرة - أن الحاكم المنصور كان يجوب كل أرجاء البلاد (بقراها و مدنها)، و ينشد مدحا بأميرالمؤمنين عليه السلام و ذكرا لمناقبه، و فضائله و مآثره، و كان الناس يوصلونه بالمال، و يمدونه بأسباب القوة و الدعم المادي؟!.

[9] راجع: كتاب عصر المأمون (ج، 1، ص: 93).

[10] راجع: تاريخ اليعقوبي 3 / 121، و تاريخ الطبري 319/9.

[11] راجع: تاريخ ابن الأثير 4 / 355، و تاريخ اليعقوبي 2 / 392.

[12] راجع أخبار الدول (ص: 113) نقلا عن (الأئمة الاثنا عشر) لعادل الأديب (ص: 189).

[13] تذكرة الخواص (ص: 359).