بازگشت

العمل السري


في اطار العمل السري [1] المنظم و المحدد بدقة من قبل الامام نفسه، سلكت مقاومته عليه السلام، للأوضاع القائمة، الطريقة السلبية التي تمحورت حول تحريم التعاون مع السلطة القائمة، و ضرورة مقاطعة الحاكم الظالم و التبرم منه و تجنب أية معاملة معه علي أي صعيد أو مستوي، و قد ظهر هذا الموقف جليا



[ صفحه 98]



في حواره [2] عليه السلام مع أحد أصحابه (صفوان)، عندما قال له الامام عليه السلام:

«يا صفوان، كل شي ء منك حسن جميل ما عدا شيئا واحدا».

- جعلت فداك أي شي ء؟.

- كراؤك جمالك من هذه الطاغية - يعني هارون -.

- و الله ما أكريته أشرا، و لا بطرا، و لا للصيد و لا للهو ولكن أكريته لهذا الطريق - يعني طريق مكة - و لا أتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.

- فقال له الامام عليه السلام: يا صفوان، أيقع كراك عليهم؟.

- نعم جعلت فداك.

أتحب بقاءهم حتي يخرج كراك؟.

- نعم فقال عليه السلام: «من أحب بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم كان واردا للنار» بعد ذلك قام صفوان ببيع جماله دفعة واحدة، و تخلي عن هذا العمل ثم ذهب الي الذي عقد معه عقد الاجارة علي الجمال لهارون، و قال له: اني أفسخ العقد لأنني لا أريد أن أقوم بهذا العمل بعد الآن، و حاول أن يأتي بأعذار شتي، وصل الخبر الي هارون فطلبه، و عندما حضر سأله: ما الأمر، قال: قد عجزت و لم يعد هذا العمل ملائما لي فرأيت أن أختار عملا غيره، طبعا هارون كان قد علم بحقيقة الخبر مسبقا، فقال له: أصدقني الخبر لماذا بعت؟ قال: ما قلته هو الصدق، قال: لا، أنا أعلم ما القضية، علم موسي بن جعفر أنك أجرتني و قال لك: هذا خلاف الشائع - لا تنكر - و أقسم بالله لو لا ما لدينا من سوابق كثيرة خلال هذه السنين الطويلة مع عائلتك لأمرت أن تعدم ها هنا.

نستنتج من خلال الحديث الذي دار بين الامام عليه السلام و صفوان الجمال أنه عليه السلام كان يؤكد حقه في الحكم، و يعمل علي صيانة و رعاية أصحابه و قواعده من الاندماج في الوضع الظالم و الفاسد، و الاشراف عليهم مباشرة،



[ صفحه 99]



و التخطيط لسلوكهم و انضاج و عيهم و امدادهم بكل أساليب الصمود، و الارتفاع بهم الي مستوي الطليعة الواعية المتفهمة لدورها و رسالتها [3] ، و بذلك نفهم أن المعارضة السلبية التي قام بها امامنا الكاظم عليه السلام كانت تختزن، في جوهرها، قيمة ايجابية اذ أنها عكست الوجه المشرق و النقي للرسالة، في الوقت الذي كانت الممارسات المنحرفة لحكام ذلك العصر تعكس الوجه المشوه لها، لذلك استطاعت المعارضة أن تخرج الاسلام سليما و معافي علي الصعيد النظري - علي الأقل - و ان تشوهت و انحرفت معالم تطبيقه علي أرض الواقع، طبعا لم تكن تلك المعارضة السلبية مطلقة، بل كانت هناك حالات استثنائية سمح من خلالها الامام الكاظم، لبعض شيعته أن يعملوا داخل جهاز سلطة هارون لتوفير الحماية للعناصر المؤمنة، و انجاز بعض المهام التي تخدم أهداف الخط الأصيل، و هذا ما حدث - كما ذكرنا في حديث سابق - مع علي بن يقطين [4] الذي تسلم مسؤولية الوزارة الأولي في عهد هارون، و قد استطاع تقديم خدمات كثيرة للامام و شيعته، و قد حدث ذلك مع غيره أيضا، ممن خدموا الامام و أحبوه حبا شديدا و كانوا منشدين اليه بقلوبهم و عقولهم، لكنهم لم يكونوا يجرأون علي الاتصال به، و هنا ننقل الحادثة [5] التالية للدلالة علي الموضوع اياه.

عن بعضهم أنه قال: ولي علينا بعض كتاب يحيي بن خالد، و كان علي بقايا يطالبني بها، و خفت من الزامي اياها خروجا عن نعمتي، و قيل لي: انه ينتحل هذا المذهب، فخفت أن أمضي اليه فلا يكون كذلك فأقع فيما لا أحب، فاجتمع رأيي علي أني هربت الي الله تعالي و حججت و لقيت مولاي الصابر - يعني موسي بن جعفر عليه السلام - فشكوت حالي اليه فأصحبني مكتوبا نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم اعلم أن لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه الا من أسدي الي أخيه معروفا أو نفس عنه كربة، أو أدخل علي قلبه سرورا، و هذا أخوك والسلام.



[ صفحه 100]



قال: فعدت من الحج الي بلدي، و مضيت الي الرجل ليلا، و استأذنت عليه و قلت: رسول الصابر عليه السلام فخرج الي حافيا ماشيا، ففتح لي بابه، و قبلني و ضمني اليه، و جعل يقبل بين عيني، و يكرر ذلك كلما سألني عن رؤيته عليه السلام و كلما أخبرته بسلامته، و صلاح أحواله، استبشر، و شكر الله، ثم أدخلني داره و صدرني في مجلسه و جلس بين يدي، فأخرجت اليه كتابه عليه السلام فقبله قائما و قرأه ثم استدعي بماله و ثيابه، فقاسمني دينارا دينارا، و درهما درهما، و ثوبا ثوبا، و أعطاني قيمة ما لم يمكن قسمته، و في كل شي ء من ذلك يقول: يا أخي هل سررتك؟ فأقول: اي والله، وزدت علي السرور، ثم استدعي العمل فأسقط ما كان باسمي و أعطاني براءة مما يتوجه علي منه، وودعته، و انصرفت عنه.

فقلت: لا أقدر علي مكافاة هذا الرجل الا بأن أحج في قابل و أدعو له و ألقي الصابر عليه السلام و أعرفه فعله، ففعلت و لقيت مولاي الصابر عليه السلام و جعلت أحدثه و وجهه يتهلل فرحا، فقلت: يا مولاي هل سرك ذلك؟ فقال: اي و الله لقد سرني و سر اميرالمؤمنين، و الله لقد سر جدي رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، و لقد سر الله تعالي.

اننا نستلهم من هذه المسألة - و نحن نعيش في واقع متنوع و متعدد الاختلافات، ضرورة المرونة و الحكمة في التعامل مع الشعارات المطروحة (مقاومة الظلم و الاستعباد و غيرها)، فقد يفرض الموقف المرحلي الضاغط أن يدخل الانسان في تحالف خارجي متغير و يقيم علاقة جيدة مع هؤلاء الظالمين المنحرفين من أجل الحفاظ علي بعض مواقع التقدم علي طريق تحقيق الهدف الأعلي، من جهة، و كذلك تغطية هذا الموقف العملي المتقدم من جهة أخري.

اذا اننا نؤكد هنا علي النظرة الواقعية [6] للساحة و للقوي و للظروف من



[ صفحه 101]



أجل اتخاذ القرارات و المواقف المدروسة و الواعية، علي أساس مصالح الاسلام و المسلمين، لكي نميز، من خلال ذلك، بين ما نستطيع التخلص منه، و بين ما لا نستطيع في الحاضر أو في المستقبل المنظور، لأن فقدان النظرة الموضوعية و المتوازنة للأمور قد يوقع التحرك في مهاوي الضياع و التهور، و يسقطه في بدايته مانعا اياه من التقدم خطوة واحدة الي الأمام في عملية الاصلاح و التغيير، و بالتالي تضيع الفرص المتاحة أمامه في ظرف معين.

كيف تمثلت الطريقة السرية في عمل الكاظم عليه السلام؟.

لقد تمثلت الممارسة السرية عند الامام عليه السلام من خلال جانبين اثنين:

الجانب الأول: اسناده و تأييده للثورات المخلصة التي قادها رجال مخلصون في انتمائهم للامام عليه السلام، كما رأينا في عدة تصريحات صدرت عنه عليه السلام تؤيد و تدعم حركة الحسين بن علي بن الحسن - صاحب فخ - الذي ثار في المدينة المنورة ضد الخليفة موسي الهادي، و توجه الي مكة المكرمة سنة 269 ه، و استشهد في «فخ» بالقرب من مكة، و من تلك التصريحات:

أ - قوله عليه السلام للحسين لما عزم الخروج و الثورة «انك مقتول فأحد الضراب، فان القوم في العراق يظهرون ايمانا و يضمرون نفاقا و شركا، فانا لله و انا اليه راجعون و عند الله احتسبكم من عصبته» [7] .

ب - و لما سمع الامام الكاظم عليه السلام بمقتل الحسين (رض) بكاه و أبنه بهذه الكلمات: «انا لله و انا اليه راجعون، مضي و الله مسلما صالحا، صواما



[ صفحه 102]



قواما، آمرا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله» [8] ، ان دعم الامام لأمثال تلك يؤكد حرصه علي الاحتفاظ بالضمير الاسلامي الواعي و الارادة الاسلامية، بدرجة من القوة و الصلابة تحصن الأمة ضد التنازل المطلق عن شخصيتها و كرامتها لأولئك الحكام المنحرفين، كما و يبقي ذلك الرفض الايجابي حيا في نفوس أصحابه و شيعته تجاه الحكومات الجائرة و الظالمة عبر التاريخ.

الجانب الثاني: ممارسة الدور التوجيهي [9] و الاشرافي المباشر - اذا صح التعبير - علي شؤون قاعدته الشعبية و الاضطلاع بمهمة قيادتها عقائديا و فكريا و سلوكيا، و ذلك بهدف ترشيد الأمة في تعاطيها الحي المسؤول مع جملة الأفكار و المفاهيم الاسلامية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام، و تجنب اللجوء الي الأجهزة الادارية و القضائية الخاضعة لسلطة النظام الحاكم و المعتمدة من قبل أعوانه و جلاوزته؛ الأمر الذي سيدفع الامام، اذا ما دخلت كتلته المميزة في أجهزة النظام الظالم، الي الايفاء بالتزامات و قيود معينة، تجاه هذا النطام، لا تنسجم مع رسالته و خطه، خاصة و أن المجال هنا غير مفتوح لممارسة النقد و الاحتجاج و التوجيه و الكشف عن مواقع الخلل و النقص في ظل أجواء القمع و الارهاب النفسي و العملي [10] ، طبعا هذا الأمر لا يعني - كما سلف و حللنا -



[ صفحه 103]



السلبية المطلقة في عدم المشاركة في الحكم، لكن مع وجود ضوابط و ضمانات معينة كان يحددها هو عليه السلام في هذا المضمار.


پاورقي

[1] كانت هناك، ضمن هذا الاتجاه السري، بعض التنظيمات الشيعية التي اعتمدت علي نظام الخلايا، و كانت هناك سجلات خاصة سرية بأسماء الشيعة عند بعض أصحاب الأئمة، و قد جهدت السلطات الحاكمة آنذاك للعثور عليها فلم تتمكن، و هذه الخلايا ساهمت، الي حد كبير، في بعث و نشر التشيع في جميع الأقاليم الاسلامية بعيدا عن رقابة أعين السلطة حتي أصبحت قوة يحسب لها حساب، و صار من العسير ارغام معتنقي التشيع و اخضاعهم الي رغبات السلطة، مما سوف تضطر السلطات في ما بعد - في عهد الامام الرضا عليه السلام اللجوء الي الرضا و توليته ولاية العهد، [راجع بهذا الخصوص: رجال النجاشي، و حياة الامام موسي لباقر القرشي (ج: 2 ص: 188)].

[2] المكاسب للشيخ الأنصاري (باب الولاية من الجائر)، و معجم رجال الحديث 9 / 122.

[3] عادل الأديب (ص: 193).

[4] راجع سيرة الأئمة الاثني عشر للحسني (ص: 322)، حيث أورد الكاتب هناك، نقلا عن مرويات مشهورة، حديثا عن هذه النقطة بالذات.

[5] رجع المناقب، و تاريخ ابن الأثير، و سيرة الأئمة للشهيد مطهري (ص: 149).

[6] الواقعية التي لا تعني السكون و الاسترخاء و الانهزام أمام الأمر الواقع كما هو، بل التي تعني تغيير الواقع بأدوات الواقع.

الواقعية تعني أيضا أن تركز عناصر القوة في نفسك و أمتك، في سياستك و فكرك و اعلامك لتحمي نفسك و ترعي أهدافك و لتفرض، علي الذي يريد أن يضطهدك و يضطهد وجودك و يفترس أهدافك، أن يعود انسانا من خلال ضغطك عليه كوسيلة لحماية انسانيتك.

[7] المناقب (ص: 453).

[8] المناقب (ص: 453).

[9] جاء في وصية له عليه السلام لهشام بن الحكم: «يا هشام لو كان في يدك جوزة، و قال الناس: في يدك لؤلؤة، ما كان ينفعك و أنت تعلم أنها جوزة، و لو كان في يدك لؤلؤ و قال الناس: انها جوزة ما ضرك و أنت تعلم أنها لؤلؤة؟، «يا هشام ليس حقا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل حسنا استزاد منه و ان عمل سيئا استغفر الله منه و تاب اليه، و اياك و مخالطة الناس و الانس بهم الا أن تجد بهم عاقلا و مأمونا، و عليك بالياس مما في أيدي الناس و أمت الطمع من المخلوقين، فان الطمع مفتاح الذل و اختلاس العقل من أكرمه الله بثلاث فقد لطف به: عقل يكفيه مؤونة هواه، و علم يكفيه مؤونة جهله، و غني يكفيه مخافة الفقر»، [راجع: تحف العقول، (ص: 288) و ما بعدها].

[10] و ذلك بالنظر الي الظروف القاسية التي مرت بالشيعة و واجهت قواعدهم المنتشرة في البلاد... في تلك العهود السود، فقد كان هؤلاء لا يجدون سبيلا للتعبير عن غضبهم و آلامهم و بث شكواهم الا في الكتابة علي الجدران، ليطلع عليها الجمهور من الناس و ليعرفوا ما لحقهم من ظلم و حيف و اضطهاد، و كانت بعض الشعارات المكتوبة تصور جانبا من احتجاج العلويين في أحقيتهم للخلافة فهم أولي الناس بالنبي صلي الله عليه وآله و سلم (ص) و أنهم خلفاؤه علي أمته، [راجع الشعارات بالتفصيل في مقاتل الطالبيين (ص: 412 -411)، و راجع ذلك في حياة الكاظم (ع) للقرشي (ص: 190)].