بازگشت

سؤال و جواب (استنتاج عام)


في سياق الاستعراض التاريخي السابق لجملة الظروف الصعبة التي هزت الواقع العام الذي نشأ فيه الامام الكاظم عليه السلام، ما هي ردود الأفعال التي أنتجتها حالة السخط و الغليان و عدم الرضا عن الواقع المعاش، لدي الامام عليه السلام و عامة الناس؟!.

بمعني آخر: ما هو حجم المبادرات و آليات العمل الفاعلة التي كرستها، كنتيجة منطقية، تلك الحالة الضاغطة علي واقع المجتمع و الأمة؟!.

في الواقع، بعد أن انتهي عصر الخلافة الأموية الذي طبع الحالة العامة



[ صفحه 20]



للدولة بطابع المركزية، و القهر و الاستعباد، و الظلم في السياق الفكري و العملي، آلت مقاليد الأمور لبني العباس الذين مارسوا نفس الدور الذي لعبته سابقا «الأموية» [1] و طلبوا الغايات نفسه الاستئثارية الخاصة ذاتها لكن هؤلاء رفعوا شعارا اسلاميا حماسيا عاطفيا علي درجة من الزيف و البهتان و الظلم و هو «مناصرة آل محمد، و الانتقام من أعدائهم» [2] لك الرياح لم تجر كما تشتهي السفن، اذ سرعان ما سقطت أقنعة المودة و الموالاة [3] .

و انكشفت تحتها تلك السياسة الماكرة للعباسيين، و اتضحت حقيقة الشعارات المرفوعة، حيث لم تكن الدولة العباسية، في سلوكها و أساليب عملها، الا امتدادا جديدا لظاهرة الفرعنة الأموية بسلوكها و عقيدتها و التزامها، هنا بالذات انطلقت آليات عمل فكرية حركية من قبل المخلصين و المدافعين عن



[ صفحه 21]



الوجود الحضاري للأمة يمكن ملاحظتها من خلال هذا الالتفاف و التحول النوعي الحار في نطاق الممارسة الامامية من حالة ردة الفعل و الاستجابة الآنية علي مستوي الطرح العاطفي الساذج، الي حالة الفعل الايجابي المؤثر و المنتج لنمط واع من العمل الرسالي المقترن بشرائط و ضوابط قانونية متحركة في اطار ظروفها الواقعية و الموضوعية.

و هذا ما نجده واضحا تماما من خلال ملاحقتنا للثورات التي أعقبت (راهنا) استشهاد الامام الحسين عليه السلام. و امتدت (لاحقا) حتي سقوط الحكم الأموي و من ثم انقضاض العباسيين علي السلطة.

لقد حاول امامنا - ضمن هذا الجو المحموم و بعد ادراكه و وعيه الكامل لجملة التغيرات المطردة في حياة الناس و فهمه لحاجاتهم الآنية - حاول اختيار أقرب الطرق و أسهل الأساليب العملية الموصلة الي نفوس الناس و أذهانهم كالارشاد و التبليغ و الوعظ.

ضمن هذه الأجواء المتشنجة و المشحونة بالعصبوية الذاتية و النزعة الفردية الطغيانية برزت الي العلن شخصية الامام موسي الكاظم عليه السلام كأحد رموز مقاومة واقع الانحراف و قيم الجاهلية، و كقائد رسالي يحمل للأمة أطروحة فكرية اسلامية نيرة، يريد نشر تعاليمها السامية كاستمرار فعال لقيادة و خط الرسول صلي الله عليه وآله و سلم و الأئمة عليهم السلام من قبله في محاولة منه لسد النقص الحاصل في جسم الأمة ثقافيا و اجتماعيا و سياسيا.

استمر الكاظم عليه السلام يعمل - بكل تخطيط و وعي - علي الخطوط و المحاور نفسها التي سبقه اليها الامام الصادق عليه السلام في مواجهته للواقع الاجتماعي المأزوم الذي انحسرت عنه، و في جانب كبير منه، قيم الاسلام و مضامين رسالته و أفكارها و تصوراتها العامة، مما أدي الي حدوث فراغ تشريعي و فقهي و أخلاقي حاد، اضطر ذلك مدرسة الخلفاء الي استحداث مصادر تشريعية جديدة بديلة يمكن أن تلبي، علي حد زعمهم، حاجات الواقع التشريعي المتجددة [4] .



[ صفحه 22]



لقد بقي امامنا عليه السلام يمارس دوره الريادي، فكريا و اجتماعيا، في دعوته الي التمسك المبدئي الراسخ بثوابت الاسلام و هدي القرآن، حتي آخر حياته الشريفة التي عاني فيها (بخاصة في أواخرها) ما عاناه من عذاب السجن و التضييق و التنكيل و التكبيل بالقيود، لقد مكث الامام عليه السلام - كما سنفصل لاحقا - زمنا طويلا في سجن هارون، و قد هد السجن صحته و أذاب جسمه حتي أصبح، حين يسجد لربه، كالثوب المطروح علي الأرض، فيدخل عليه رسول الزعامة المنحرفة فيقول: ان الخليفة يعتذر اليك و يأمر باطلاق سراحك علي أن تزوره و تعتذر اليه، أو تطلب رضاه، فيشمخ الامام عليه السلام و هو يجيب بالنفي بكل صراحة، لا لشي ء الا لكي لا يحقق للزعامة المنحرفة هدفها في أن يبارك الامام عليه السلام خطها، فتنعكس معالم التشويه [5] و هذا ما يبدو واضحا من خلال كلمات الرسالة التي أرسلها عليه السلام لهارون و هو لا يزال في السجن معربا له فيها عن بالغ سخطه عليه، جاء فيها «انه لن ينقضي عنك يوم من الرخاء حتي نفني جميعا الي يوم ليس له انقضاء، و هناك يخسر المبطلون» [6] .

بعد ذلك، و بفترة قصيرة، كانت وفاته في حبسه بواسطة السندي بن شاهك (أمير السجن العباسي) خلال شهر رجب من سنة 183 للهجرة [7] .



[ صفحه 23]




پاورقي

[1] الأموية: ظاهرة سياسية جاهلة و منحرفة مقنعة بالزي الديني، و قانون قسري متسلط علي مفاصل الحكم الاسلامي، أقامت بنيانها علي أساس الغلبة و القهر و القوة و العدوان، و اتسمت بالتدين السلبي، أي استغلال الواجهة الدينية النقية و الطاهرة كستار و شعار للحفاظ علي مصالحها، و الوصول الي غاياتها و تكريس مواقعها الطغيانية الخاصة.

[2] لقد كان هذا الشعار بمثابة «كلمة حق يراد بها باطل» أراد العباسيون استغلالها نفسيا للتأثير بقوة علي و علي الناس في قضية الحكم و السلطة. و كثيرا ما يلجأ الحكام و الملوك و الزعماء، المتحكمون بالقرار الأعلي، الي مثل هذه الأساليب لكسب التأييد و الدعم الشعبي لهم، و لعلنا نذكر ما فعله حجاج العصر السفاح «صدام حسين» أثناء حروبه «المقدسة» و خاصة الأخيرة منها (أم المعارك الكويتية) عندما كتب علي علم بلاده «الله أكبر» (و هو رئيس حزب علماني و دولة علمانية لها باع طويل في محاربة الدين و الاسلام و قتل علمائه)... و ظهر مصليا (سجد من دون ركوع) علي شاشات التلفزة العالمية... [راجع صحيفة الحياة اللندنية، تاريخ: 15 / 8 / 1997، (ص: 17!)].

[3] نشير هنا الي أن البيت العباسي لم يضع أصول الدعوة و لم يبذر بذورها، و انما الظروف وحدها هي التي ساقت اليه قيادة نظام سري محكم له أجهزته و دعاته و أتباعه، فجنوا ثمارا زرعها بنو عمهم العلويون و ركبوا موجة المد الثوري، بعد طرحهم شعارا ذكيا، و قلبوا ظهر المجن للرواد الذين امتحنوا أشد المحن من أجل ارساء هذا النظام السري المحكم... (راجع الحركات السرية، ص: 66).

[4] سنتحدث لاحقا عن هذه النقطة بالتفصيل.

[5] دائرة المعارف الشيعية، دور الأئمة للشهيد السيد: محمد باقر الصدر، (ص: 96).

[6] البداية و النهاية (ج: 10 ص: 183) و تاريخ بغداد.

[7] دفن (ع) في مقابر قريش في الجانب الغربي من بغداد «مدينة الكاظمية» و عمره الشريف 55 سنة.