بازگشت

الحفاظ علي المفهوم النقي للقيادة السياسية و تثقيف الأمة به


حاول الامام الكاظم - بعد أن تم تجميد، أطروحة أهل البيت عليه السلام، بل و حتي تغييبها بشكل مقصود عن ساحة الواقع التاريخي الاسلامي - حاول هو و الأئمة عليهم السلام من بعده، اعادة الاعتبار لتلك الصيغة و ابقاءها حية في ذهنية الأمة و لو علي المستوي النظري، لأن غيابها أو تغييبها من ذاكرة الأمة، يعني الغاء و مصادرة كل القيم و المفاهيم و التصورات التي ترتبط معها في داخل منظومة الأفكار المتحركة في واقع الصيغة الاسلامية.

لقد كان الحكم القائم جادا في مسح مفهوم الولاية و الامامة من وعي الأمة، و تأكيد المفاهيم الأخري التي تشكل النقيض المطروح علي صعيد المنظور القيادي في حركة الأمة، و رغم أن دور الامام الكاظم (و الأئمة بشكل عام) كانت تواجهه تعقيدات حادة، و مخاطرات صعبة، و ظروف خانقة و شاقة بفعل الواقع الفكري و السياسي المضاد، الا أنهم عليهم السلام مارسوا دورا كبيرا فاعلا في الحفاظ علي هذا المبدأ، باعتباره يعبر عن الصيغة الأساسية لمفهوم القيادة السياسية في الاسلام [1] ، و يمكن أن نعطي هنا شاهدا فكريا تاريخيا، يعبر عن دور الامام الكاظم في الحفاظ علي المفهوم النقي للقيادة السياسية.

- سأل هارون الرشيد الامام الكاظم عليه السلام عن فدك وحدودها لكي يرجعها اليه، فأبي الامام أن يأخذها الا بحدودها، فقال الرشيد: ما حدودها؟ فقال الامام: ان حددتها لم تردها، فأصر الرشيد عليه أن يبينها له، فقال له الامام:



[ صفحه 106]



أما الحد الأول: فعدن.

و الحد الثاني: سمرقند.

و الحد الثالث: أفريقيا.

و الحد الرابع: فسيف البحر مما يلي الجزر و أرمينية.

فثار الرشيد قائلا: لم يبق لنا شي ء.

فقال الامام: قد علمت أنك لا تردها [2] .

نلاحظ من خلال هذا الحوار، أن الامام عليه السلام يحاول أن يؤكد الرؤية السياسية التي تتبناها مدرسة أهل البيت حول «مفهوم الولاية و الخلافة»، و قد استثمر الامام عليه السلام فرصة وجدها ملائمة ليطرح هذه الرؤية التي حرص الأئمة باستمرار علي تأصيلها في وعي الأمة و تثبيتها في ذاكرة الأجيال، و ان كانت هذه المواقف قد كلفت الأئمة عليهم السلام ثمنا باهظا، حيث واجهت أنظمة الحكم المتسلطة هذه الرؤي والمواقف بأساليب شرسة و وسائل قاسية [3] .


پاورقي

[1] السيد عبدالله الغريفي، التشيع: نشوءه - مراحله - مقوماته (ص: 244) دار الموسم للأعلام - بيروت، ط: 2، عام 1991.

[2] المناقب، (ج: 2، ص: 381)، نقلنا هذا الحديث في موقع آخر من الكتاب.

[3] التشيع، م. س (ص: 268).