بازگشت

بناء و تأسيس الوعي الثوري بالاسلام من خلال الحدث الكربلائي


اتجهت بعض جهود الامام الكاظم عليه السلام الي تبني صيغة واقعية للعمل التغييري، اتسمت بالحكمة و الهدوء و الصبر في الدعوة و العمل تبعا لضرورات تفرضها طبيعة الدعوة الثورية في مواقعها و مراحلها المختلفة، و قد



[ صفحه 110]



استفاد عليه السلام من الثورة الحسينية الكربلائية لتأصيل المخزون الثوري لأهل البيت عليه السلام في ذهنية الأمة عاطفيا و وجدانيا، و ترشيد دعوته الجهادية في اطار رعاية بواعثها و منطلقاتها، لذلك دعا عليه السلام الي زيارة الامام الحسين، و القيام بكل مراسيم و شعائر كربلاء من أجل ترسيخ الحالة التواصلية - اذا صح التعبير - مع ثورة الحسين عليه السلام ضمن خطة واعية و صيغة متوازنة هدفت الي استمرار الحضور النوعي الغني لقيم و مبادي ء كربلاء في عمق الواقع النفسي و الفكري للأمة المؤمنة بخط الثورة الحسينية و أهدافها السامية [1] .

قال عليه السلام: «أدني ما يثاب به زائر الحسين عليه السلام بشط الفرات اذا عرف حقه و حرمته و ولايته أن يغفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر» [2] .

يؤكد الكاظم عليه السلام في هذا الحديث علي النقاط التالية:

1- ضرورة معرفة حق و حرمة و ولاية الامام الحسين عليه السلام، أي دراسة تاريخه و تحليل واقعه الذي عاش فيه، و اظهار الهدف من تحركه.

2- الارتباط الروحي و العاطفي بقضيته عليه السلام، التي هي قضية الأئمة جميعا، و وعي أهدافهم و نهجهم، و اشاعة الثقافة و الوعي العلمي و الاسلامي بهذه المسألة في مختلف البلدان الاسلامية، و بث مفاهيم التربية الأخلاقية الفاضلة بين الناس، و الدعوة الي ترسيخ علاقات التعاون و التكامل الاسلامي بين المؤمنين (الترابط الوجداني و العاطفي).

3- وعي ولايته و فهم دلالاتها و أبعادها الحركية، من خلال اظهار الرؤية السياسية و الدينية الشرعية الصحيحة لقضايا الحكم و جملة الأحداث السياسية الواقعة التي يمكن أن تعترض حركة الأمة السياسية و الانسانية في قضايا العدل و الظلم و الحرية و ما شاكل ذلك، و هذا العمل يمثل أطروحة الهية لتوعية الأمة الاسلامية، و ابقاء الحدث الحسيني فاعلا و مؤثرا في وجدانها و فكرها، لأن أحد



[ صفحه 111]



الأهداف الرئيسية لهذه الثورة هو هز هذا الضمير- ضمير الانسان المسلم - و احياؤه و تحريكه عندما يتعرض الي الموت أو الخدر الحضاري، أو يقع تحت تأثير الضغوط النفسية أو أساليب الارهاب، بحيث ينتهي الانسان الي فقدان الارادة مع ادراكه للحقيقة [3] .

لكن يبدو أن هذه الأوضاع لم تعجب السلطات الحاكمة و أنظمة الجور علي مر التاريخ - و ليس فقط في عهد العباسيين - فعمدت الي اجراءات حاولت، من خلالها، تطويق و تجميد ممارسة الأئمة و شيعتهم لهذا النوع من الاحياء العاشورائي، و ذلك من خلال فرض حركة اعلامية مضادة تشوش صورة المناسبة، و تشكك في أهدافها حتي وصل الأمر، بالظلمة و أعوانهم، الي حد القيام بأعمال قمعية ضد كل حالات التعامل و التواصل مع المناسبة الكربلائية بشخوصها و رموزها و عناوينها، الأمر الذي يدل علي الدور الفعال لتلك الطقوس و المراسيم، و ما ينتج عنها من مواقف و أفعال في توعية و تعريف الأمة - من خلال كربلاء - بالأحداث التي كانت تمر بها، و اظهار المواقف الصحيحة منها و من طبيعة النظم السياسية القائمة علي صعيد تعميق القدرة لدي الناس «خاصة الكتلة المؤمنة» علي التمييز بين الصحيح و الخطأ، أي بين الممارسة الشرعية و غير الشرعية لهذا الحاكم أو ذاك السلطان [4] ، و القدرة علي تمييز الخطوط الحمراء من الخضراء التي تعطي سلبية أو ايجابية التعامل مع الأوضاع المستجدة رعاية للمصلحة الاسلامية العليا.


پاورقي

[1] نبيل علي صالح، وجع الحرية، (ص: 105)، م. س. مخطوط.

[2] كامل الزيارات باب 50،43 و ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، (ص: 66،65).

لسماحة الشيخ: محمد مهدي شمس الدين (نقلنا هذا الحديث في مبحث سابق).

[3] السيد: عبدالله الغريفي، التشيع (ص: 245).

[4] نبيل علي صالح، وجع الحرية (ص: 106).