بازگشت

محاسبة النفس (النقد الذاتي)


يقول عليه السلام في وصيته لهشام: «يا هشام ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فان عمل حسنا استزاد منه، و ان عمل سيئا استغفر الله منه و تاب اليه» [1] ، و يقول عليه السلام: «يا هشام، أصلح أيامك، الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو و أعد له الجواب، فانك موقوف و مسؤول، و خذ موعظتك من الدهر و أهله، فان الدهر طويلة قصيرة» [2] تعتبر قضية النقد الذاتي - نقد الانسان لنفسه أو نقد الانسان لغيره - من القضايا الأساسية التي يؤكدها الاسلام علي مستوي حياة الانسان الفردية و الاجتماعية ضمن مسؤوليته في صعيد خط الدنيا و خط الآخرة، لأنه اذا كان هدف التشريع الاسلامي بناء الانسان المسلم السوي الغني، اسلاميا، في وعيه و سلوكه، فان مسيرة الانسان و كدحه الارتقائي نحو تلك الأهداف، تخالطها سلبيات و أخطأ كثيرة بعضها محسوبة و بعضها الآخر غير محسوب، لذلك يكون النقد الذاتي محطة مراجعة للنفس لدراسة المواقع السلبية و العمل علي معالجتها و محاولة تلافيها في المستقبل و يكون، في الوقت نفسه، أيضا محطة لتأصيل الممارسة الايجابية في الواقع اليومي، لأن قضية الانسان هي قضية فكره و عاطفته و حركته، و قد يخطي ء الانسان فيها و قد يصيب، و قد يخطي ء الناس و قد يصيبون، و لعل من مميزات الاسلام أن لا يحمل الانسان مسؤولية نفسه فقط، ولكنه يحمله مسؤولية كل السلبيات الاجتماعية بالمستوي الذي يستطيع فه أن يخفف منها أو يزيلها، أي أن الاسلام يعطي الانسان فرصة لممارسة النقد و الحساب الذاتي لسلوكه و فكره و انتمائه و حركته.



[ صفحه 140]



و في ضوء هذا الخط العام يجب علي الانسان أن يكون معنيا بنقد نفسه و من ثم بنقد الناس من حوله، و هذا ما اختصره القرآن الكريم في الجانب المتصل بحياة الانسان الفردية سواء منها ما يتصل بالدنيا أو بالآخرة، و ذلك في قوله تعالي: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و لتنظر نفس ما قدمت لغد و اتقوا الله ان الله خبير بما تعملون) [الحشر: 18].

من هنا يكون النقد للنفس بحثا موضوعيا عن المناطق الخفية السلبية في داخل الذات، من أجل تعزيز بنيانها و ارادتها بتقوي الله، في الفكر و العاطفة و الوجدان و الحركة، لأن مسألة «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا و زنوها قبل أن توزنوا» هي مسألة تعني أن نجاهد أنفسنا، أن نحاكمها، و الخطر الأكبر يأتي من:

1- تزكية المرء لنفسه، و رضاه عنها، و تضخيمه لها، و جعلها في منأي من النقد و المصارحة، و القرآن يقول: (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقي) [النجم: 32].

و الكاظم عليه السلام يقول: «من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء و ملائكة الأرض» [3] ، كذلك يأتي الخطر، في المجال نفسه، من تضخيم الآخرين لك، يقول الكاظم عليه السلام لتلميذه هشام بن الحكم: «لو كان في يدك لؤلؤة و قال الناس انها جوزة و أنت تعلم أنها لؤلؤة ما ضرك، و لو كان في يدك جوزة و قال الناس انها لؤلؤة ما نفعك» [4] أي لو أتي الناس اليك مجتمعين، و ضخموا لك شخصيتك و رفعوا من شأنك ذاتيا، و قالوا: أنت العظيم الذي ليس أحد مثله، و أنت تعرف بواطن الأمور و خفايا الكلام، في أن علمك مثلا أو موقعك يمثل عشرة أو عشرين بالمئة، فلا تنخدع بكلام الناس و لا تؤخذ بأقوالهم لأنك اذا خدعت ستسقط لا محالة، من هنا يدعونا الكاظم عليه السلام - في وعينا لمسألة النقد - أن نفهم أنفسنا، و نعرف مواهبها و قدراتها كما هي بعيدا عن كلام



[ صفحه 141]



الآخرين، فاذا فهم الانسان نفسه و رأي فيها خيرا و صدقا، و أنها ترضخ لعملية الحساب و النقد، و رأي الناس غير ذلك، فان هذا لا يضره و لا يسقطه و لو شتموه أو سبوه، لأنه يعلم حقيقة ذاته في شعوره بأصالته و قوته و صلابته، و اذا رأي في نفسه غير ذلك و مدحه الناس و هو ليس بمستوي المدح فانه لا يعظم شخصيته أبدا.

2- نقد الآخرين و تجريحهم قبل نقد الذات، و هذه هي مشكلتنا في كل ما نعيشه من مواقع و مسؤوليات، أننا نعرف الناس أكثر من معرفتنا لأنفسنا، بحيث اننا نستطيع أن نحصي، بدقة، سلبيات و أخطاء الآخرين، و نقدم بذلك تقارير و بيانات مفصلة عن عيوب الناس و ثغراتهم ولكننا نعجز أو، بالأحري، لا نملك الارادة و العزيمة التي يمكن أن تمنحنا فرصة في أن نجلس مع أنفسنا جلسة مصارحة و صدق لنسأل: ما هي عيوبنا نحن؟ و ما هي أفكارنا؟! و ما هو خطنا السياسي؟ و ما هو خطنا الاجتماعي؟، فهل نستطيع أن نجيب الا بطريقة مبهمة و ضبابية و بلغة غير مفهومة؟ لذلك نقول دائما: ان فهمك لنفسك و محاسبتك لها هو مدعاة لفهم الآخرين لك، كما يعبر الامام علي عليه السلام عن ذلك في قوله المشهور: «احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك» أي أن تنفتح علي الآخرين من موقع و عيك لمعالم ذاتك و خصائصها، أن تقمع أصل الشرور في داخلها، ثم تطل علي الآخرين من موقع الوعي و المحاورة الايجابية قبل أن توجه اتهاماتك اليهم بأنهم هم المسؤولون عن الشرور و الأخطاء.

اذا علينا جميعا أن نبدأ بحركة نحو داخلنا في أن نفهم أنفسنا و واقعنا، ذاتيا و موضوعيا «من عرف نفسه عرف ربه» أن نعرف خطوطنا الفكرية، و خطوطنا العاطفية و أيضا الحركية، حتي نعرف أن نمشي علي الدرب الطويل، فكيف يمكن لك أن تستقيم علي الطريق قبل أن تعرف هذه الطريق؟.

في الواقع نحن نعتبر أنفسنا، للأسف، فوق ميزان النقد، بل قد نصل الي مرحلة نفكر فيها بأن نكون نحن المقياس في أية عملية نقدية هذه، حقيقة، درجة خطيرة من الشعور بالأنانية و التضخم الذاتي، وصلنا اليها في كثير من



[ صفحه 142]



مواقع حياتنا، و يبدو أن هذا الجيل (جيل السرعة و الفضاء و الخيال) بدأ يتحرك منذ فترة علي الطريقة نفسها، لكننا نقول بأنه مهما كانت ظروف العمل و الدعوة صعبة، يجب علينا جميعا، كمثقفين و دعاة، ألا نيأس من ممارسة سبل الدعوة و النقد الموضوعي المتوازن، حتي لو رفضت ساحة المجتمع خطابنا و دعوتنا الفكرية، صحيح أن خطابنا الديني يعاني، بشكل عام، كثيرا من الخلل و الارتباك، حيث لا يزال يعيش، في مفرداته و أسلوبه، المفردات القديمة التاريخية، لكن الأمر الذي يلقي علينا مسؤوليات جديدة هو في أن نطور صيغ ذلك الخطاب، خاصة الخطاب الديني الموجه للشباب، بحيث يري فيه الشباب تطلعاتهم و آمالهم و يري فيه الانسان، كل انسان، الخطاب الذي يلامس عقله و روحه و قلبه و حياته، طبعا أنا لا أقول: أن نسقط تحت تأثير مفاهيم و صيغ العصر الراهن المنحرفة و المبتذلة، لكن لا بد أن نعمل علي أن نصوغ الخطاب الاسلامي بأساليبه و مفرداته في اطار الواقع الذي يعيشه الناس من أجل أن يستجيب لتطلعات المرحلة و الواقع.

لأن المسألة هي أن نمتلك الارادة و الاصرار و المثابرة و الصبر علي الدعوة في خطها لايجابي و السلبي، في أن نلاحق الناس لنثير اهتماماتهم بالدين من خلال من يمكن أن نقدمه من المفاهيم المضيئة و المشرقة للدين حتي يحاوروا فيه و يقتنعوا به في نهاية المطاف، و علينا أن لا نتعقد من وجود مجتمع لا ينفتح علي النقد الايجابي في وعيه لمسألة الدين، و لا يتحرك نحو الدين و المسجد، و لا يستمع الي موعظة الواعظين و نقد الناقدين لأن الله أمرنا أن نقول الحق من ربنا في كل ساحاته (و من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر).

ان نقد المجتمع لبعضه علي المستوي الفردي، و نقد المجتمع لبعضه علي المستوي الجماعي، أي القيام بمسؤولية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، هو واجب و ضمانة حقيقية لسلامة المجتمع بكل آفاقه و مواقعه. انه النقد الذي يمكن أن يتحرك بالنظرة أو بالكلمة، من هنا يجعلنا النقد الواعي و البناء - في هذا المجال - نكتشف واقعنا و واقع الآخرين، و ذلك بالوسائل



[ صفحه 143]



الحضارية التي أشار اليها الله تعالي في قوله: (و لا تستوي الحسنة و لا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم) [فصلت: 34].

و هنا نتساءل: كيف نمارس النقد؟! و ما هو النقد المرفوض و النقد المقبول؟.


پاورقي

[1] تحف العقول، (ص: 292).

[2] م. س. (ص: 288).

[3] تحف العقول (ص: 292).

[4] المصدر نفسه (ص: 285).