بازگشت

النقد الذاتي الموضوعي المقبول


و هو النقد الذي يبني علي التقوي في طبيعة الاطلاع علي خطأ معين في فكر الآخر (المؤمن مثلا) أو اكتشاف عيب في خلقه أو سلبية في حركته، هنا يكون من الواجب عليك - كانسان رسالي تعيش عمق التقوي لله - أن تقبل علي أخيك بالكلمة الطيبة و الحلوة وفق المبدأ القرآني المعروف: (و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) [الاسراء: 53] فلا تضغط عليه و لا ترهقه بالكلمة الثقيلة الحادة، قلها خفيفة علي قلبه، قوية في عقله، مؤثرة في سلوكه و فعله، قلها سرا و لا تقلها علانية «من وعظ أخاه سرا فقد زانه من وعظه علانية أمام



[ صفحه 144]



الناس فقد شانه» [1] عليك، اذا، أن تنقد أخاك من أجل أن تصلح أمره، و تحسن وضعه و حاله، لتنقله من مستوي الضيق الي مستوي الانفتاح و السعة.

و هذا هو الخط الذي يريدنا الامام الكاظم عليه السلام أن نتحرك عليه، و هو أن الذي يهدي اليك عيبك الذي تعيش معه، فانه يفتح لك الطريق من خلال اكتشاف عيبك الذي لم تكتشفه أنت لتصلح نفسك و تقوم مسارك و حركتك، فتبقي بلا عيب من خلال ذلك. علي هذا الصعيد يجب أن يمتاز الانسان الناقد بميزة هامة كما يعبر عن ذلك الامام الكاظم عليه السلام في قوله: «أبلغ خيرا و قل خيرا و لا تكن أمعة، قلت: و ما الأمعة قال: لا تقل أنا مع الناس و أنا كواحد من الناس، ان رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم قال: يا أيها الناس انما هما نجدان: نجد خير و نجد شر، فلا يكن نجد الشر أحب اليكم من نجد الخير» [2] أي أنه لا داعي للانسان الناضج و الواثق بفكره أن يستعير ثقته من الآخرين، بل عليه أن يدرس نفسه، و يعرف رصيده، في علمه و فقهه و وعيه و مواقفه، و بمعني مماثل يجب علي الانسان الذي يعيش في مجتمع الأسرة أو القرية أو المدينة- عندما ينطلق في عملية الابلاغ و النقد - عليه ألا يسقط تحت تأثير مفاهيم و قيم المجتمع، من دون دراستها و عرضها علي محكمة العقل و التفكير السليم. هل هي مفاهيم خيرة بذاتها أم شريرة؟ هل تنسجم مع الخط الاسلامي أم لا؟. فالكثير من الناس يحبون دائما أن يعيشوا تحت ظل تراثهم المحيط بهم، و يلازموا مفاهيم عوائلهم و عشائرهم و قراهم و الناس من حولهم، من هنا جاءت كلمة الكاظم عليه السلام: «أبلغ خيرا»، عندما تريد أن تتحدث، أو تبلغ أو تنقد، تحدث بالخير «و قل خيرا» ليكن كلامك و ابلاغك في الخير «و لا تكن أمعة» و الأمعة هو الذي يسأل عن رأيه في أية قضية من القضايا، فيقول: أنا مع الناس، و الامام عليه السلام ينهي هنا عن أن يكون الانسان من دون شخصية و موقف، لأنه لايريد للانسان المسلم أن يسقط مواقفه، فكما للناس الآخرين عقل، فله عقل، و كما لهم موازينهم فله موازينه، و كما أن لديهم طرقهم في ممارسة النقد و محاسبة



[ صفحه 145]



النفس، فهو أيضا له طرقه و أساليبه في هذا المجال لأنه يتحمل مسؤولية كلمته و موقفه و نقده في الدنيا و الآخرة، و قد قال رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم: «انما هما نجدان، نجد خير و نجد شر فلا يكن نجد الشر أحب اليكم من نجد الخير». فالحياة طريقان: اما خير أو شر، و لذا يخاطب رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم الانسان المسلم بأن يفكر في الخير - حتي في تحمله لمسؤولية النقد - في الموقف العقيدي و الشرعي و السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و الأمني - و فكر، أيها المسلم، بالخير فاتبعه حتي و لو وقف الناس كلهم ضدك لأنك عندما تتحمل مسؤولية وجودك و انتمائك، فانك تتحمل مسؤولية مواقفك و قراراتك و خياراتك التي سيحاسبك عنها الله تعالي في يوم القيامة في كل كلمة نقدية قلتها، و كل موقف ناقد اتخذته، (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) [النحل: 11].


پاورقي

[1] أي عابه.

[2] تحف العقول: (ص: 34)، م. س.