بازگشت

ملاحظة حول واقعية الأخلاق و القيم الاسلامية


تتميز القيم الأخلاقية في الاسلام بكونها واقعية ترتبط ارتباطا مباشرا بالممارسة العملية للانسان، تخاطب مشاعره و أحاسيسه في أوضاعه الطبيعية المختلفة في الحياة ثم تحاول، بعد تنمية وعيه و ارادته، الارتفاع به الي المثل الأعلي من حركة القيمة و المبدأ، ذلك المثل الذي لا يقترب من خلاله الانسان الي ذروة الحتميات التي تعزله عن واقعه، ولكن من خلال دفعه الي تقصير المسافة الفاصلة بين القيمة كنظرية و القيمة كتطبيق، لأن القيم لم تصنع ليبلغها الانسان ولكن ليقترب منها، و لتكون له قواعد تحميه من الانحراف، و تحدد له خط السير الواقعي. ان المسألة التي يريد لنا الاسلام أن نحركها في كل التزاماتنا و مواقفنا العملية في الحياة هي أن نكون واقعيين [1] فيما نطلقه من أحكام و فيما نحركه من قضايا، لا بمعني أن تسقط الواقعية قيمة أخلاقية هنا و قيمة أخلاقية هناك، ولكن أن تكون هناك حدود و ضوابط لحركة القيم الاسلامية تنطلق من الوعي بحاجات الناس الطبيعية في الأرض، و التفكير بحجم طاقاتهم و قدراتهم و مواهبهم الذاتية، لأن القيمة عندما تكون مثالية (غير واقعية) فانها قد تشل حركة الانسان و تمنحه شيئا من الاسترخاء و السكون في فكره و سلوكه، ولكنها لم تستطع أن تنزل الي الواقع. علي هذا الأساس القيمة الأخلاقية نسبية حتي في الأديان، و لهذا يقول الأصوليون: «ما من عام الا و قد خص» لذلك لا يقل أحد اننا عندما نفتح المجال للكذب - في بعض مجالات عملنا -: أننا نحاول أن نهدم الصدق، بل اننا بذلك نحاول أن نحمي الصدق من الذين يستغلونه ليتحرك الصدق بعد ذلك، عندما تزول كل النقاط الطارئة، ليكون هو القاعدة، لذلك علينا ألا نثير القيمة الأخلاقية بطريقة مطلقة لنقف جامدين أمام التحديات التي



[ صفحه 165]



تقف أمامنا (و ما أكثرها حاليا) و لهذا قلت: ان قيمنا لا تقيدنا بل تمنحنا مساحة نستطيع فيها أن نملك حرية الحفاظ علي قضايانا الكبري من دون اسقاط القيم، ليكون الانسان، من خلال واقعية قيمه، صلبا أمام كل المتغيرات و الظروف الصعبة التي تحاول ارباكه و هزيمته.

ان طبيعة التحديات الخطيرة التي تواجه حركة الاسلام المعاصر في وجوده و قيمه و انتمائه تفرض علي العاملين، في داخل الخط الاسلامي، التعامل مع الواقع في ظروفه و أدواته و أساليبه من أجل اتخاذ المواقف الواعية و المدروسة علي أساس مصالح الاسلام و المسلمين، و هذا هو الشي ء الذي يحقق للأمة تقدما نوعيا في طريقها نحو أهدافها العالية و الطموحة لأن الواقعية تمثل - في عقيدتنا - المنهج العملي الذي يعتمد علي العناصر و الوسائل العلمية المتحركة في ظرفها الطاري ء أو الدائم التي تجد لها مجالا في الحركة نحو الغاية علي صعيد الواقع، و علي مستوي الحاضر في المشاريع الحاضرة و علي مستوي المستقبل في المشاريع المستقبلية، بحيث تربط النتيجة بالمقدمات، و تتحرك الغايات من خلال الوسائل، فلا تكون الأهداف (أهداف الأمة) - في تصور المؤمنين به و الساعين اليها - قفزة في المجهول و حركة في المطلق، كما يفكر المثاليون الذين يطرحون الأفكار كما لو كانت في عالم آخر غير عالم الحس و الحياة، من هنا تكون واقعية الحركة في تنمية قوتها و تجديد امكاناتها و وسائلها العملية، و مراقبة الواقع من حولها لاكتشاف ثغراتها و نقاط ضغفه، و الانحناء مؤقتا، أمام العاصفة المجنونة ريثما تمر ليواصل، العاملون فيها (في تلك الحركة)، السير من جديد في الاتجاه السليم انه التفكير الواقعي الذي يعمل ضد الاستسلام للأمر الواقع المحكوم بجملة متغيرات طارئة لا تملك القدرة علي الثبات في عمق الحياة، و هو التفكير الذي ينطلق في تخطيط هادف دقيق متحرك علي أساس أنه يضع، في حساباته، الهزائم المرحلية كما يضع في حساباته الانتصارات، و هذا ما يمكن وعيه و دراسته في تجربة الأئمة عليهم السلام في طبيعة علاقتهم بخلفاء زمانهم الذين كانوا لا يملكون شرعية الحكم و السلطة، و تجربة الكاظم عليه السلام مع حكام عصره تمثل، في تصورنا، معلما بارزا علي طريق التفكير الواقعي المنسجم مع تطلعات و أهداف الاسلام الكبري التي حاول



[ صفحه 166]



الامام عليه السلام أن يثبتها في بعض المواقع لتنطلق المسيرة، فيما بعد، نحو العزة و الثبات بطريقة واقعية متوازنة.

اننا نري، حاليا، و في خطوات كثير من العاملين للاسلام، ما يخالف تلك التوجهات و التجارب التي قدمها لنا الكاظم عليه السلام و غيره من أئمة أهل البيت عليه السلام من خلال أنهم (الاسلاميون)، و كما أكد الامام أكثر من مرة، يواجهون الساحة العامة بالأفكار غير الواقعية، و ذلك من قاعدة ايمانية عامة، تطرح الفكرة و القيمة الكبيرة بعيدا عن وسائلها الطبيعية في اطار ظروفها و ملابساتها الحقيقية، مما يجعل المسيرة ظنية تخمينية خيالية، تتجه الي الهدف (الذي لم تبلغه) فيما يشبه القفز في الهواء، و هذا ما يجعل القضية باقية في موقع التنظير، بعيدا عن حركة التطبيق، كما و يساهم - في أكثر من مجال - في تعبئة الأفكار بالمفاهيم و التصورات الضبابية المستغرقة في أحلامها الوردية التي تقدم الصورة في اطار من الغموض و الابهام، الأمر الذي يفقد الساحة حيويتها و مرونتها و فاعليتها في وضوح الرؤية و واقعية الحركة.



[ صفحه 167]




پاورقي

[1] ليس معني أن تكون واقعيا في تفكيرك و في سلوكك و في التزامك للقيمة، أن تنحني أمام الأمر الواقع و تخضع له و تسلم لقدره المحتوم لكن ان معني واقعية القيمة و الفكر، أن تحاول اكتشاف وسائل و أساليب و خيارات عملية واضحة المعالم و الخطوط لحركة القيمة في الواقع، أن تتحرك عمليا من أجل تغيير الواقع بأدوات الواقع التي تحتاج الي من يصنعها و يحركها و يصبر عليها و علي ثمنها الباهظ.