بازگشت

القواعد الأساسية لنظام القيم الأخلاقية و العلاقات الاجتماعية الاسلامية علي ضوء م


القواعد الأساسية لنظام القيم الأخلاقية و العلاقات الاجتماعية الاسلامية علي ضوء معطيات الفكر الاسلامي عند الامام الكاظم
يختزن معني العلاقة الاجتماعية، في داخله و ضمن نطاق حركة المسؤؤلية الفردية و الاجتماعية، مسألتي الحق و الواجب للفرد و المجتمع، لذلك يكون تعريف العلاقة الاجتماعية من خلال: أنها جملة الحقوق و الواجبات التي يترتب عليها بناء المجتمع الانساني في اطار الأخلاق و القيم الاسلامية باعتبارها مجموعة واجبات و سنن و آداب و حقوق و التزامات نوعية تنظيم حركة المسؤولية العامة بين الفرد و الجماعة الانسانية، مع تحديد مسبق لشكل و نوعية الارتباط و السلوك الانساني للجماعة بعضها مع البعض الآخر، من خلال الموازين و الضوابط و الحدود التي يعبر المجتمع بها عن فهمه و رؤيته للحياة الاجتماعية في علاقته مع نفسه و مع الآخر، كما و يعبر في الوقت ذاته، عن نظرة أخلاقية عامة للسلوك الاجتماعي تنطلق من خلال وجود رؤية كونية و فهم عقائدي للكون و الوجود و الحياة. أما بالنسبة الي القواعد و الأسس التي لا بد أن تقوم عليها هذه العلاقات و اتجاهاتها، فهي تمثل الخطوط الفكرية العامة التي توجه مسيرة العلاقات الاجتماعية باتجاه التكامل الذاتي لحركة الفرد و سلوكه، و التكامكل الاجتماعي لحركة الجماعة و مختلف نشاطاتها و فعاليتها ان اعتبار



[ صفحه 168]



التكامل الفردي و الاجتماعي من أهم الأهداف المركزية لمسيرة الانسان و ارتقائه نحو الله؛ يعطي الأخلاق و القيم الاسلامية دورا فعالا في هذه المسيرة، لأنه و في حالة عدم وجود ضوابط أخلاقية (قوانين الغرائز) تتحول العلاقات الاجتماعية الي قضية شكلية و آلية (ميكانيكية) شبيهة بالأعراف و التقاليد، حيث تصبح في معرض الانهيار و خطر التفكك عندما تتعرض البنية الاجتماعية الي الاهتزاز أو التغيير، كما يحصل ذلك فعلا في بعض حالات الهجرة و الانتقال من مجتمع الي مجتمع آخر، أو في حالات تعرض المجتمع الي الغزو الثقافي و الاجتماعي، أو تبدل الأنظمة السياسية، أو كما نلاحظ في المجتمعات الغربية التي تحولت فيها الأخلاق الي مجرد قوانين و أعرف دون أن يكون لها مضمون فكري أو معنوي يرتبط بالنفس و الروح و الوجدان [1] ، و دون أن يكون لها أساس فكري أو معنوي يربط مقدمات العمل الانساني بحركة نتائجه و أهدافه في امتداد الحياة.

أما في الاسلام، فان تلك العلاقات الاجتماعية و النظم الأخلاقية تستند، بالدرجة الأولي، علي وجود المثل الأعلي (الله تعالي مطلق الكون و الوجود و الحياة) الذي يسعي الانسان للوصول الي بعض قيمه و خصاله بكل مسؤولية و انفتاح، من أجل أن تكون علاقاتنا الاجتماعية التي نمارسها في الحياة منطلقة من مسؤوليتنا أمام الله تعالي، كعلاقة لا نمارس فيها تقليدا من تقاليد انتمائنا الديني لنعبر عن حالة وظيفية تقليدية معينة نرتبط من خلالها، به سبحانه. و هذه هي مشكلتنا في التدين البارد و الجامد الذي يدفع الانسان ليتحرك من موقع التقليد في كل مفاصل و أركان حياته المادية و المعنوية. ان وعينا العميق لمسألة أن يكون الله تعالي هو مثلنا الأعلي المطلق في الحياة - كركيزة أساسية في البناء الاجتماعي و الأخلاقي الاسلامي تعطي كياننا الوجودي قيمة كبري في الحياة - هي مسألة تعني أن نفكر في سر وجودنا و أساس حركتنا، و نعتصم بحبله المتين.



[ صفحه 169]



يقول الكاظم عليه السلام: «و عليك الاعتصام بربك و التوكل عليه» [2] و يقول عليه السلام أيضا: «و لا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله و طاعته» [3] و هذا يجعلك، كانسان عابد، تشعر بالثبات في وجودك، و عندها ترفض أن تعيش عبثية الحياة، كما يعيشها الكثيرون، في سلوكهم و أنماط معيشتهم ممن استهلكوا العبث و الضياع و الحيرة و القلق، لأنك أحسست بمعني وجودك، و بارتباط هذا الوجود بالله. فأنت مسؤول عن عقلك بأن تغنيه بالخير و بالقيم الأخلاقية ليتفجر من داخل الفكر، و أنت مسؤول عن قلبك بأن تنتج منه عاطفة المحبة في تعاملك مع الآخرين، و أنت مسؤول عن طاقاتك و امكاناتك بأن تعطي الحياة طاقة جديدة، تفجرها في مواضع نيل رضا الله تعالي، في كل مشروع تقوم به و في كل موقف تقف فيه، و في كل موقع يكون فيه للمسؤولية معني بعظمة الله، في ساحة الحياة. و بالاستفادة من ذلك، لا بد و أن تعمل علي عقلنة عواطفك و توجيه انفعالاتك التي تطرأ علي ساحة الاحساس و الشعور لديك، بسبب تفاعلك مع الأحداث و مشاهدتها، و تفاعلات آثارها و نتائجها، التي قد تقودك الي الانحراف و الزيغ و اتباع الهوي اذا لم تحكم عقلك، و تركز و عيك، يقول الامام الكاظم عليه السلام: «يا هشام ان الله جل و عز حكي عن قوم صالحين أنهم قالوا (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب) [آل عمران: 7] حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود الي عماها ورداها [4] ، انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله و من لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه، و لا يكون أحد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقا و سره لعلانيته موافقا، لأن الله لم يدل علي الباطل الخفي من العقل الا بظاهر منه و ناطق عنه» [5] .

ان الغاية الأساسية، من ضبط العاطفة و تربيتها في جو اسلامي قائم علي أساس أن يجاهد الانسان نفسه و يسيطر عليها و يوجهها الوجهة الصحيحة و بما



[ صفحه 170]



ينسجم مع الحكم الشرعي و الأهداف الالهية المقدسة، هي تربية الارادة الانسانية و تنميتها و تقويتها بشكل يجعلها منسجمة، في فاعليتها و اختيارها، دائما مع العقل و حكم الشرع لأن الله تعالي جعل للعقل دورا أساسيا في حركة الانسان و توجيه ارادته نحو الصلاح و الرشاد. في تحقيق المصلحة النهائية للانسان. و قد ورد في حديث عن الكاظم عليه السلام أن الله قد خلق العقل ثم قال له: «أدبر فأدبر، ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله جل و علا: خلقتك خلقا [عظيما] و كرمتك علي جميع خلقي» [6] ، ان تركيز الاسلام علي ضرورة الالتزام بالنهج العقلي الحكيم و المتوازن - في سياق السلوك العملي لكل مفردات الواقع الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الاقتصادية، في محاولة منه لضبط نزعات و عواطف و انفعالات الانسان - يقدم لنا منهجا علميا و موضوعيا في دراسة و تحليل حالات العصبية و الانفعال و التشنج التي تضج بها ساحتنا العربية و الاسلامية، و التي تطبع شخصية الكثير من العاملين للاسلام في هذه الظروف، مما أدي الي أن يأخذ العمل نفسه هذا الطابع (الطابع الانفعالي). و من الطبيعي أن تؤثر هذه الظاهرة علي مبادرات العمل و الانتاج و علي نوعية الرؤيا للواقع و الأشياء و الأشخاص، فيفقد العاملون وضوح الرؤية، و تختلط الصورة الحقيقية في العيون، و ترتبك الخطوات في الطريق، لأن الانفعال يغرق الشخصية في أجواء ضبابية، غارقة في السحر و الاغراء في جانب آخر، لأنه يتعامل مع الاحساس و الشعور و العاطفة، و لا يتعامل - غالبا - مع الفكر و العقل، مما يجعل للسرعة دورها الكبير فيما يصدره من حكم، و فيما يخلقه من انطباع، و فيما يتجه اليه من غايات، و بذلك يفقد الحكم حيثياته الهادئة المتزنة. و يغيب التركيز عن الانطباع في غمار الضباب. من هنا نجد ضرورة أن يتحرك الاسلاميون في الخط الثقافي و السياسي ليقدموا الاسلام الي الانسان المعاصر كخط فكري عاقل و مستنير يملك مذهبا واسعا في السياسة و الاقتصاد و الاجتماع، بحيث تكون له رؤية منهجية واسعة عقلانية و دقيقة لكل الواقع الاجتماعي و السياسي الذي يتخبط فيه الانسان.



[ صفحه 171]



و لا يعود الاسلام مجرد فتاوي ضبابية متناثرة هنا و هناك، أو مجرد قيم حماسية انفعالية ليس لها أدني ارتباط ببعضها البعض أو بالواقع، مع العلم أن الثقافة الاسلامية قادرة علي أن تستجيب لتحديات العصر الراهن، و أن تخطط و ترسم للمنهج العملي، و أن تصنع كل المعالم و العناوين القدرة علي حل مشاكل الانسان علي كافة الصعد و المستويات. انها ليست مشكلة الفكر و المعرفة الاسلامية، ولكنها مشكلة العاملين و الدعاة الي هذا الفكر في وعيهم و في أسلوبهم و في ارادتهم.


پاورقي

[1] العلامة السيد: محمد باقر الحكيم، نظام العلاقات الاجتماعية، مجلة رسالة الثقلين، (عدد: 16، ص: 32).

[2] تحف العقول (ص: 294) م. س.

[3] تحف العقول (ص: 302).

[4] يعني الهلاك.

[5] تحف العقول، (ص: 286).

[6] م. س، (ص: 295).