بازگشت

حادثة فخ


من الحوادث المهمة التي حدثت في عهد الامام موسي بن جعفر عليه السلام واقعة فخ: و هي معركة قادها الحسين بن علي في زمان و أيام الهادي العباسي و قد ذكر نسبه أبوالفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين فقال:

هو الحسين بن علي بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب.

أمه: زينب بنت عبدالله بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

و كان يقال لزينب و زوجها علي بن الحسين بالزوج الصالح لعبادتهما.

و قد قتل أبوها... و أخوها و عمومتها و زوجها علي يد رجال المنصور أبوجعفر الدوانيقي العباسي.

كانت تلبس المسوح و لا تجعل بين جسدها و بيتها شعارا حتي لحقت بربها. و كانت ترقص ولدها الحسين في صغره و تقول:



[ صفحه 56]





تعلم يا بن زيد و هند

كم لك بالبطحاء من معد



من خال صدق ماجد وجد

و كان الحسين بن علي ذا نفس كريمة و أبية جمعت المكارم من الأخلاق من علم و تقوي و ورع و صلاح و زهد.

قال عنه ابن الأثير: و كان الحسين شجاعا كريما قدم علي المهدي العباسي فأعطاه أربعين ألف دينار. ففرقها بين الناس ببغداد و الكوفة.

و خرج من الكوفة لا يملك ما يلبسه الا فروا ليس تحته قميص [1] .

و يذكر المؤرخون سبب واقعة فخ أنها كانت بسبب:

1- المضايقات التي عاشها أهل البيت عليهم السلام من ولاة بني العباس في الحجاز، حيث لم يتركوا و شأنهم كباقي الناس. بل كان الأذي و المطاردة عنوان ولاء الوالي لدار الخلافة في بغداد. كما كانت أيام الأمويين في الشام.

و قد ذكر ابن الأثير: ان الهادي العباسي استعمل علي المدينة عمر بن عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر بن الخطاب.

فلما وليها: أخذ الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن،



[ صفحه 57]



و مسلم بن جندب الشاعر الهذلي. و عمر بن سلام بتهمة الشراب فأمر بهم فضربوا جميعا. و جعل في أعناقهم حبال و طيف بهم في المدينة، و أمر بعد ذلك بايداعه السجن. فجاء الحسين بن علي - الي الوالي - العمري و قال له:

لقد ضربتهم و لم يكن لك أن تضربهم.

و السبب في ذلك انها تهمة كاذبة أراد الوالي منها أن يشهر بأتباع الامامة.

و قام الحسين بن علي و يحيي بن عبدالله بن الحسن - بكفالة الحسن - و اخراجه من الحبس علي أن يعرض يوميا علي الوالي.

فغاب الحسن بن محمد عن العرض يومين.

فأحضر الوالي العمري الحسين بن علي و يحيي بن عبدالله و سألهما عنه و أغلظ لهما في الكلام.

فحلف يحيي بن عبدالله أمامه أنه لا ينام حتي يأتيه به أو يدق عليه بابه بالسيف. فلما خرجا قال الحسين ليحيي ما دعاك الي هذا؟ و من أين نجد حسنا؟ لقد حلفت بشي ء لا تقدر عليه.

فقال يحيي: و الله لا نمت حتي أضرب عليه باب داره بالسيف فيظهر من القصة أن معاناة الحسين بن علي و سائر أهل البيت عليهم السلام - كما هي معاناة الكاظم نفسه - معاناة عظيمة تطال أشخاصهم و حياتهم و أن المضايقة طالت حركاتهم بسبب الهوان و الجور الذي يعانونه من الولاة.



[ صفحه 58]



و الا فما معني التهمة ثم الجلد و بعده التشهير و الحبس.

و فوق كل ذلك المطالبة بالعرض و الحضور يوميا في دار الامارة ليعرف أنه لم يغادر المدينة كشرط لخروجه من السجن.

أن الاقامة الجبريه التي فرضت علي الحسن بن علي بكفالة الحسين بن علي و ابن عمه يحيي اهانة عظيمة لا تحتملها هذه النفوس الأبية.

و ماذا تعني الشتائم و التهديد و الوعيد التي أغلظها الوالي للحسين؟

انها لا تناسب مقام السيد الكريم المعروف بالورع و التقوي بين الناس.

و قد كان من أسباب الخروج علي الوالي هو الرغبة في دخول الحياة الكريمة التي لم يكن طريقها الا امتشاق السيف و اعلان العصيان علي حياة الذل و من قبل قال عمه الحسين بن علي عليه السلام:

- اني لا أري الموت الا سعادة و الحياة مع الظالمين الا برما.

و قد قال الأزدي في رثاء الحسين:

رأي القتل صبرا شعار الكرام و فخرا يزين لها شأنها.

2- من الأسباب التي أرادها الحسين بن علي لخروجه:

أنه تواعد مع جماعة علي رفض العسف و الدعوة للمبادي ء



[ صفحه 59]



الكريمة من العدالة و الحرية و المساواة لذا قال الحسين في جوابه ليحيي بن عبدالله:

- ان هذا ينقص ما كان بيننا و بين أصحابنا من الميعاد.

و كانوا قد تواعدوا علي أن يظهروا بمني و مكة في الموسم.

و قد أخذ البيعة من الناس سرا علي القتال و الرضا من آل محمد و كان يقول لمن بايعه:

-أبايعكم علي كتاب الله و سنة رسول الله و علي أن يطاع الله و لا يعصي أدعوكم الي الرضا من آل محمد.

و علي أن نعمل فيكم بكتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و اله و سلم و العدل في الرعية، و القسم بالسوية.

و علي أن تقيموا معنا، و تجاهدوا عدونا، فان نحن و فينا لكم وفيتم لنا. و ان نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم.

و يظهر من خلال البيعة و نصوصها أمور:

1- الروح الدينية المتمثلة في اعلان الغضب لله.

فكان من أبرز بنودها طاعة الله و الانكار علي التجاهر بمعصيته و التي تجلت واضحة في الخروج علي نصوص القرآن في الادارة و الحكم و التجاهر بالمعاصي و تبذير الأموال علي المللذات و الأهواء.

2- المطالبة بتطبيق الكتاب الحكيم و سنة نبيه الكريم و التي



[ صفحه 60]



لا يختلف اثنان من المسلمين علي أهمية العمل بها كونها شريعة و منهاجا جاءت لاحقاق الحق. و ازهاق الباطل و أن القرآن قد وصف البعيد عنهما بأنه خارج عن الملة و الدين فقال الحكيم في محكم كتابه (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).

3- اعلان راية العدالة الاجتماعية و المساواة بين الناس في المعاملة و توزيع الفي ء و هي من أعظم القيم التي جاء بها الرسل و الأنبياء من السماء لتجسد التطبيق المناسب علي الأرض حتي يسعد الناس بحكمهم و يتذوقوا حلاوة المبادي ء

و قد قال الرب الجليل: (و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط).

4- و يظهر من البيعة أن الوالي و من خلفه الخلافة العباسية استعدت هذه الفئة الصالحة و حولتها بمهارساتها الخاطئة و الظالمة الي فئة ساخطة و ناقمة.

و بدل أن يتحول الوالي الي جامع للناس علي كلمة التوحيد و عوضا أن يسعي الي توحيد الكلمة اذا به يضيق ذرعا بمن لا يري رأيه. فيلفق التهم علي هذا و يطارد ذاك و يهدد ثالث. و يضيق الخناق علي الشرفاء و سادة القوم. و يعاملهم معاملة الرقيق الجناة. بدل أن يستوعبهم في حكمه و يشملهم بعدله.

بل يجب أن يتغاضي الوالي عن هفواتهم، و ان كانت كما أشار القرآن الكريم الي هذا المعني في توجيهه لكل وال و حاكم في أنه يجب أن يقتدي برسول الله صلي الله عليه و اله و سلم الذي تحدث عنه في خطاب مباشر:



[ صفحه 61]



(فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفرلهم و شاورهم في الأمر).

فأين هذه التعاليم السماوية من تلك المعاملة المنكرة التي لقيها أهل البيت عليهم السلام من أولئك الولاة.

و أين الرحمة من ذلك الظلم و الفسق الذي حوصروا به في حياتهم انه لا شك يدعوا الي السيف كما يقول أميرالمؤمنين.

و لهذا تحول السادة الشرفاء الي مطاردين في المدينة.

و تحول الوالي الي عدو لدود يسعي للتنكيل بهم و قتالهم.


پاورقي

[1] الكامل، ابن الأثير، ج 6، ص 94.