في سجن السندي بن شاهك
و كان السجن الرابع والأخير.. الذي قضي فيه الامام الغريب علي يد السندي بن شاهك.
و كان السندي بن شاهك فظا غليظ القلب مبغضا لآل محمد، متفانيا في خدمة أعدائهم.
لذا كان سجن السندي أشد علي الامام من بقية السجون، و قد ضيق فيه علي الامام كثيرا.
قال بشار مولي السندي:
كنت من أشد الناس بغضا لآل أبي طالب، فدعاني السندي يوما و قال لي: يا بشار، أريد أن أئتمنك علي ما ائتمنني عليه هارون.
قلت: اذن لا أبقي فيه غاية.
قال: هذا موسي بن جعفر قد دفعته اليك و قد وكلتك بحفظه.
فجعله في دار دون حرمه و وكلني عليه، فكنت أقفل عليه
[ صفحه 83]
عدة أقفال، فاذا مضيت في حاجة، و كلت امرأتي بالباب فلا تفارقه حتي أرجع [1] .
و روي: أن الرشيد أمر أن يقيد الامام بثلاثة قيود من الحديد وزنها ثلاثين رطلا. بالاضافة الي ظلمة السجن.
و العناء الشديد الذي يتعرض له كل انسان بسبب الغربة و البعد عن الأهل و العيال لكن مع كل ذلك كان الامام محتسبا صابرا.
قال السندي بن شاهك: وافي خادم من قبل الرشيد الي أبي الحسن الكاظم عليه السلام و هو محبوس عندي فدخلت معه و قد كان قال له: تعرف خبره فوقف الخادم فقال الامام له: ما لك؟
قال: بعثني الخليفة لأعرف خبرك.
قال الامام عليه السلام: قل له: يا هارون ما من يوم ضراء انقضي عني الا انقضي عنك من السراء حتي نجتمع أنا و أنت في دار يخسر فيها المبطلون [2] فلم يري الجلاوزة و هنا في ارادة الامام و لا حزنا. بل كان صلبا شديدا في ذات الله لم تؤثر فيه تلك القيود و لا المضايقات بل يروي الفضل بن الربيع عن أبيه.. أن الرشيد بعثه الي الامام أبي الحسن عليه السلام برسالة و هو في حبس السندي بن شاهك يقول: فدخلت عليه و هو يصلي فهبته أن
[ صفحه 84]
أجلس. فوقفت متكئا علي سيفي.. فكان عليه السلام اذا صلي ركعتين و سلم و اصل بركعتين أخريين فلما طال وقوفي و خفت أن يسأل عني هارون و حانت منه تسليمة تسرعت في الكلام فأمسك. و قد كان قال لي هارون:
لا تقول بعثني أميرالمؤمنين اليك، و لكن قل: يعثني أخوك و هو يقرئك السلام و يقول أنه بلغني عنك أشياء أقلقتني فأقدمتك الي، ففحصت عن ذلك فوجدتك نقي الجيب برئيا من العيب مكذوبا عليك فيما رميت به، ففكرت بين انصرافك الي منزلك و مقامك ببابي، فوجدت مقامك ببابي أبري ء لصدري، و أكذب لقول المسرعين فيك و لكل انسان غذاء اغتذاه و ألفت عليه طبيعته، و لعلك اغتذيت بالمدينة أغذية لا تجد من يصنعها لك هاهنا أنت و قد أمرت الفضل أن يقيم لك من ذلك ما شئت فمره بما أحببت و انبسط فيما تريده.
- و كأنها محاولة للمساومة، و طريقة للاستمالة بعد أن فشلت كل محاولات الترهيب، فجاء دور الترغيب. من دون ضمانات من اطلاق سراح أو رد اعتبار بل عليه أن يقبل الضيم، و يعيش تحت الاقامة الجبرية، و تحت نظر السلطة، راضيا بما هو فيه من حيف و جور.
- قال الفضل: فجعل عليه السلام الجواب في كلمتين من غير أن يلتفت الي.
فقال: لا حاضر ماله فينفعني. و لم أخلق مسؤولا ثم كبر
[ صفحه 85]
و دخل في الصلاة.
قال: فرجعت الي هارون فأخبرته، فقال لي: ماذا تري في أمره؟
فقلت: لو خططت في الأرض خطة، فدخل فيها.
ثم قال: لا أخرج منها، فأخرج منها.
قال:هو كما قلت و لكن مقامه عندي أحب الي.
ان موقف الامام، كان معروفا عند السلطة العباسية، و هي تريد أن يتنازل عن موقفه و يرضي بسياستها تجاهها من دون مقابل. لذا كانت خطة هارون العباسي تسير بالامام نحو لقاء ربه شهيدا مظلوما.
و قد عزم الرشيد علي الفتك بالامام، و قتله فأوعز الي السندي أن يدس اليه السم فدسه في تمرات.
و من أجل التضليل علي الناس و التستر علي جريمته النكراء هذه دعا السندي ثمانين رجلا من الوجوه و الأعيان، و أدخلهم علي الامام في السجن و قال لهم:
انظروا الي هذا الرجل، هل حدث به حدث، فان الناس يزعمون أنه فعل به مكروه، و يكثرون من ذلك، و هذا منزله و فراشه موسع عليه، غير مضيق. و لم يرد به أميرالمؤمنين سوء و انما ينتظره أن يقدم فيناظره أميرالمؤمنين. و ها هو ذا موسع عليه
[ صفحه 86]
في جميع أمره، فاسألوه.
فقال الامام: أما ما ذكر من التوسعة و ما أشبه فهو علي ما ذكر، غير أني أخبركم أيها النفر أني سقيت السم في تسع تمرات، و أني أخضر غدا، و بعد غد أموت.
قالوا: فنظرنا الي السندي بن شاهك، يرتعد و يضطرب مثل السعفة [3] .
پاورقي
[1] رجال الكشي، ص 348.
[2] بحار الأنوار، ج 48، ص 148.
[3] غيبة الطوسي، ص 24.