بازگشت

الإمام زين العابدين


انها الدراسة التي أنشأها الإمام موسي بجده زين العابدين و هي تتناول الامة عند ما يتملكها الوعي بعد انتشار العلم فيها - و ابتدا العلم مع الامام الباقر.

إنه علي الأصغر، فلنكن معه و هو في الثالثة و العشرين من عمره لقد كان في قافلة ابيه الحسين، المنسل من يثرب إلي مكة، لاعداد تقرير يقابل به يزيد الذي يطلب - بالحال - مبايعة الحسين له، ثم بعد المبايعة يسحب الدم من وريده.

لم يكن الفتي الملقوط باسهال عنيف، ليبتعد لحظة عن أبيه الذي يحبه حتي الوله، و كذلك الحسين، فانه كان يمحض فتاه عناية مخصوصة، لا لأنه مريض حتي يشفي، أو لأنه المعدود الوحيد لتقبل الإمامة، بل لأنه منذ عهد طفولته، حتي هذه الساعات الحرجة من اليوم الحاضر، لا يزال يكتشف فيه نوعية من شفافية و هدوء، و ذكاء، ستجعله - حتما - وليا من الأولياء، و وصيا شبيها بجده علي الذي خصه النبي العظيم بأعز وصية.

من يثرب إلي مكة - و من مكة إلي كربلاء - تم للفتي المتين الشوق، و الرهيف البهاء - استيعاب أبيه، بكل ما يرمي اليه من مقاصد و أبعاد... لقد دارت أمامه كل الأبحاث، و كل الدراسات، و كل الاستطلاعات، و كل الشئون المتعلقة بالأمة، و بيزيد، و بكل حكم قد تفيد منه الأمة أو لا تفيد.

لقد تبين للفتي - بكل جلاء - أن للأمة وحدها كان المجال في



[ صفحه 46]



البحث، و الدرس، و أبوه في مكة يبحث، و يدرس كيفية النجاة من يزيد الذي لا يريد - فقط - حذف وجوده من قدر الأمة، بل امتصاص كل حيويات الأمة، و جعلها ترقص في زندقاته، و إباحياته الصبيانية - القبلية - السفيانية، حتي لا نخصها بالأموية....

لقد حاول أبوه الحسين - بالبحث - جذب الأمة كلها إلي صدره... لا ربعها، و لا نصفها، بل كلها، لأنه لا يريدها - أبدا - مفروطة إلي أرباع أو أبعاض!!! و لهذا مشي الطريق الطويل بين مكة و كربلاء - حتي تراه الأمة كلها ماشيا بثورة تنجيها من يزيد، و من أمثال العديد من يزيد... و لكن الأمة لم تمده ببطولة كالبطولة التي بقيت له وحده علي طول الطريق، الا بعض زهيد من أبعاض الأمة... و لأنهم أبعاض لا يؤلفون الكل، المرصوص، الفاهم، و المقتدر - ردهم إلي بيوتهم سالمين من هدر دمائهم، لتبقي بانتظاره - وحدها - كربلاء تمتص وريدا له، يعلم الأمة كيف يكون بذل الدم، رفضا لأي ذل يخسر النفس حقها في مجالات النبل و إشراقات الإباء.

و لقد بكي أباه - علي الأصغر - بدمع مرير و سخي - لم تشهد عين - قط - سخاء بمثل نفاسته... و لكنه - و قد تسلم الإمامة ليبذلها سخاء علي الأمة - أوقف الدمع عن جريانه، لتصفو عينه، بالنظر، إلي كل ما تحتاجه أمة ابيه التي بذل لها مهجته، و امة جده علي التي قدم لها نهج البلاغة مسقيا بدمه الطاهر المقدس، و امة جده الأعظم، و هو النبي المقدم للأمة سورا و آيات - ستجد فيها - هي الأمة - ما يقيها من مهاوي الذل، و ما يفتق فيها الوعي و الادراك و هما الخبيئتان الكامنتان في خزائن روحها، و لن تستنجد إلا بهما في اليوم الآتي، فتكون لها دوحات الجهاد، في تحقيق البقاء، المرجو لها في صدر الوجود!

و لكن الجهاد قد ابتدأ عريضا جدا مع جده الإمام علي! و لم يحقق إلا



[ صفحه 47]



استشهاد علي!!! و لقد قام وسيعا - أيضا - مع عمه الحسن! و لم يحقق إلا كوبا من عسل، دست فيه زوجة عمه جعدة بنت الأشعث، نقطة سم، فتحت للحسن فوهة اللحد!!! و لقد اشتدت للجهاد عنق ابيه الحسين، لتحقيق البقاء المرجو للأمة! و لكن عنق ابيه كانت المقطوعة من حدود الكتفين!!! فاين هو اليوم الآتي بالرجاء الثمين؟!!

كل ذلك كان يدور في خلد الإمام الصغير و هو ساجد يصلي في بستانه العامر بخمسمئة نخلة في يثرب... و لكنه لم يكمل صلاته المبلولة بالدمع!!! بل انتفض به عزم جديد راح يمشي به في البستان، من نخلة إلي نخلة، و هو يردد في ذاته:

- و لكن اليوم الآياتي لم يصل بعد!... و لم يبدأ - حتي - بعد... ولو انه قد وصل... لما كان قد قتل -

لا جدي علي!

و لا عمي الحسن!

و لا الحسين البطل البطل!!!

لما كان قد وصل إلي الأمامة:

لا ابن الصديق!

و لا ابن الخطاب!

و لا ابن عفان!

و لا ابن سفيان

و لا هذا اليزيد المتربع في كفة الميزان!!!

بالله عليك يا حق! الا قل لي:

من قتل العلي؟! هل هو ابن ملجم؟

و من سمم كوب الحسن؟! هل هي ابنة الأشعث؟!



[ صفحه 48]



و من حز رأس الحسين؟! هل هو - فعلا - يزيد بن معاوية؟!

و من عصي النبي كأنه صدر لا ضلع له؟ هل هم بنوحرب في لفتة العربان؟!

و من ترفض الإمامية كانها شوكة الحنظل؟! هل هو بنوسفيان من قبائل الرعيان؟!

لا - يا واقع الحق!!! ان الأمة كلها - في واقع حالها - تناولها الذنب... و ليس لأنها واسعة المدار... أو لأنها - بشكل آخر - ترفض اتساع المدار... بل لأنها - بكلمة واحدة الاختصار - جاهلة - لأعني بواضح القول:

لا علم يوسعها إلي وعي!!! و لا ثقافة تلملمها إلي ادراك!!! فهي الجاهلة: من دون مدرسة... و من دون قيم.... و من دون كتاب!!!

و لن يكون الوعي من عنجهياتها - بل من تسلسل المعارف! و لن يكون الادراك من جاهلياتها - بل في تمرسها بافعال الصواب! و العلم - وحده - هو المسطر الكتاب.

و الممارسة الطويلة الاهداب هي التي تمحو الجاهلية من الأذهان.

و تستبدلها بالصواب!

و ترك الإمام بستانه متجها إلي بواية الدار، و قبل أن يفتحها، وجد فتاه الصغير المدعو بالباقر، و هو في الرابعة من عمره - كانه بالانتظار - فتناوله بكلتا يديه إلي صدره!... و نادي فاطمة ابنة عمه الحسن - و هي زوجه التي



[ صفحه 49]



انتقاها له أبوه الحسين و زوجه بها منذ خمس سنين... قال لها:

لا تفتقدي فتاك بعد الآن، سيكون معي دائما في المسجد.

و لن تقفل ابدا بوابة المسجد...

- و اني ابشرك يا فاطمة.

فالمسجد اليوم - و من هذا اليوم - هو المدرسة.

و غدا - انشاء الله - هو الجامعة.

و ابنك الباقر هو أول تلميذ.

ليكون - في اليوم الآتي - أول استاذ في الجامعة.

و اول من أنتدبه لجمع الكتب كلها من اقاصي الأرض.

و درسها، و تعليمها في جامعة يثرب...

حتي يختفي الجهل من رقعة الأمة...

و يعم الوعي و الادراك - في طالع الأيام -

كل فرد من أفراد الأمة...

و كل حاكم من حكامها.

حتي و لو كان اسمه - يزيد!

فلا يعود يقتل الحسين!

بل يحييه و يعيده من الرميم

إلي تسطير الرقيم.

و تزيينه: بالعلم، و الفهم

و النبل الذي هو:

حقيقة الوعي

و حقيقة الإدراك



[ صفحه 51]